كيف لشركات الأدوية أن تصلح سمعتها وأعمالها التجارية في نفس الوقت؟

4 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يتعرض نموذج الأعمال الخاص بشركات الأدوية القائمة على الأبحاث إلى ضغط هائل. فقد انخفضت عائدات هذه الشركات من الاستثمار في مجالات البحث والتطوير إلى أدنى المستويات منذ عقود، كما أصبحت السمعة العامة لشركات الأدوية في الولايات المتحدة والخارج أسوأ من أي وقت مضى.

ويكمن العلاج لهذه المشاكل في تحول “فرص الحصول على أدوية” من مجرد شعار يرفعه ناشط عنيد إلى استراتيجية أعمال ناضجة. وأعني بذلك أنه يجب على شركات الأدوية أن تقوم بتطوير علاجات مبتكرة تلبي الاحتياجات الطبية التي يزداد الطلب عليها، وأن تنأى بنفسها عن الفساد والتلاعب في الأسعار وغيرها من الممارسات التسويقية غير الأخلاقية، إلى جانب ضمان وصول منتجاتها إلى أكبر عدد ممكن من المرضى حول العالم. وستستفيد هذه الاستراتيجية من إمكانات النمو في الأسواق الناشئة، وتحد من المخاطر المتمثلة في سوء الإدارة، وتعزز ثقة الجمهور في هذا القطاع.

لا شك أن نموذج الأعمال الحالي الذي تستخدمه شركات الأدوية يفتقر إلى الفعالية. إذ إنه في مقابل كل مليار دولار يتم إنفاقها على عمليات البحث والتطوير، انخفض عدد الأدوية المعتمدة إلى النصف كل تسعة أعوام تقريباً منذ عام 1950. كما انخفض العائد المتوقع على هذه المنتجات (القليلة) بقوة منذ عام 2010، من 10.1% إلى 3.7%.

ويمكن أن يفسر جزء من هذا الانخفاض بالتحول من الأدوية الرائجة متعددة الاستخدامات إلى علاجات متخصصة (لها مجموعات أصغر من المرضى). ويعبر ذلك عن ضغوطات شديدة لتقليل أسعار الأدوية في أسواق المستحضرات الصيدلانية التقليدية. ففي السنين الماضية، أعلن الرئيس ترامب التزامه بتخفيض أسعار الأدوية، وأصدر وزراء حكومة رفيعو المستوى في هولندا دعوة قوية لتطوير نماذج أعمال بديلة في قطاع الأدوية، كما أصدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تقريراً أقر بالحاجة إلى إعادة التوازن بين قوى التفاوض لدى المشترين وشركات الأدوية.

ويمثل ذلك توجهاً مزعجاً بالنسبة للشركات التي يعتمد نمو أرباحها بشكل كبير على الزيادات في الأسعار. فحسب تحليل لشركة كريدي سويس (Credit Suisse) أجرته على 20 من شركات الأدوية العالمية، أتى 80% من نمو صافي أرباح هذه الشركات في عام 2014 من الزيادات في الأسعار في الولايات المتحدة.

وبلا شك أنّ هذه النتائج (والخلافات ذات العلاقة حول أسعار الأدوية) تقوض الثقة بشكل أكبر في هذا القطاع. فحسب استطلاع هاريس (Harris) لعام 2016، يمتلك الثلث فقط من مواطني الولايات المتحدة رأياً إيجابياً تجاه شركات الأدوية الكبيرة. كما أشار استطلاع أجرته مؤسسة غالوب في أغسطس/آب 2016 إلى أن أقل قطاع يحظى بعدم التقدير لدى مواطني الولايات المتحدة هو قطاع الأدوية (أسوأ نتيجة للقطاع منذ 16 عاماً).

ويعتبر هذا المزيج المقلق من إمكانات النمو القليلة مع السمعة السيئة بمثابة التفسير الرئيس للسبب الذي يدفع المستثمرين للاهتمام على نحو متزايد بكيفية إدارة شركات الأدوية لفرص الحصول على أدوية والمخاطر المترتبة عليها، والتي تتراوح بين تطوير علاجات جديدة لفئات سكانية مهملة وتسعير منتجات موجودة بأثمان منخفضة لتجنب الفساد والتلاعب في الأسعار.

على سبيل المثال، قامت 60 مؤسسة استثمارية تدير معاً أكثر من 5.5 تريليون دولار من الأصول، بالالتزام بأخذ نتائج مؤشر الحصول على الأدوية (Access to Medicine Index) بعين الاعتبار بينما تقوم بإجراء تحليلاتها الاستثمارية وإدارة اجتماعات الالتزام الخاصة بها. (يقوم مؤشر الحصول على الأدوية، الذي تطلقه مؤسستي، بتقييم 20 من كبرى شركات الأدوية في العالم وفقاً لجهودها في الوصول إلى ملياري شخص لا تتوفر لديهم فرص الحصول على أدوية في دول منخفضة ومتوسطة الدخل).

تحسين فرص الحصول على الأدوية تدعمه شركة بلاك روك (BlackRock) ومؤسسة سيريس (Ceres)، وهي مؤسسة غير ربحية تدعو إلى الاستدامة، في دليلهما الخاص بالشركات الاستثمارية الذي يسعى إلى إشراك الشركات في قضايا الاستدامة. كما تدعمه شركة مورغان ستانلي (Morgan Stanley) في تقرير يوضح إطار عمل لدمج بيانات الأداء على صعيد الاستدامة في عملية التحليل الاستثماري.  كما أنه الموضوع الأول في المعيار المؤقت لقطاع الأدوية، الصادر عن مجلس معايير الإبلاغ عن الاستدامة (Sustainability Accounting Standards Board). وينص المعيار على أن “وجود نهج استراتيجي للحصول على الأدوية يمكن أن يخلق فرصاً للنمو والابتكار والشراكات المميزة، ما يعزز القيمة المضافة لحاملي الأسهم”.

كما أن توسيع نطاق الحصول على الأدوية سيساعد شركات الأدوية في تعزيز القيمة المضافة لحاملي الأسهم بعدة طرق منها:

إطلاق إمكانات النمو في الأسواق الناشئة. تعتبر هذه الأسواق مسؤولة بالفعل عن حوالي ربع إيرادات العديد من شركات الأدوية القائمة على الأبحاث، ومن المتوقع أن تساهم بـ 50% إلى 75% من النمو في حجم الإنفاق العالمي على الأدوية في السنوات الأربع القادمة. ويجب على شركات الأدوية أن تساعد في الحد من العراقيل التي تحيط بعملية الحصول على الأدوية وأن تساهم بشكل مباشر في تطوير أسواق مستدامة، لتحقيق استفادة كاملة من نمو هذه الدول.

التخفيف من مخاطر السلوكيات غير الأخلاقية. تحتاج الشركات إلى سياسات صارمة وأنظمة امتثال قوية لتجنب الوقوع في ممارسات غير أخلاقية (تتراوح من الفساد إلى التدابير المانعة للمنافسة). وهذا يجنبها دفع الغرامات والتسويات، وإلحاق الضرر بسمعتها، والمزيد من القيود التنظيمية. ويعتبر السلوك الأخلاقي مهماً على نحو خاص في الأسواق الناشئة، حيث تعتمد الشركات بشكل كبير على النوايا الحسنة للحكومات بشأن الدخول إلى السوق والاستثمارات في مجال الرعاية الصحية.

تعزيز سمعة الشركات. من الواضح أن السمعة السيئة ليست جيدة للأعمال. ومن شأن استعادة ثقة الجمهور بشركات الأدوية أن تعزز قدرة هذه الشركات على جذب أفضل المواهب، وأن تشجع المرضى على المشاركة في التجارب الطبية، وأن يعزز ذلك الحصول على أسعار استثنائية ثمناً لمنتجات مبتكرة بحق. ومن المهم أيضاً أنها يمكن أن تساعد الشركات في الإبقاء على الحماية القوية لبراءات الاختراع التي تتمتع بها منتجاتها.

يعتمد نجاح نماذج الأعمال الجديدة على كل من جاهزية شركات الأدوية وقدرتها على دمج فرص الحصول على الأدوية بالكامل في استراتيجيات أعمالها. لذا يجب أن تتبع الشركات نهجاً يتمحور حول المريض، بحيث يتم فهم العراقيل على إمكانية الحصول على الأدوية بالكامل قبل أن يتم معالجتها بشكل استباقي. وعلاوة على ذلك، يجب أن تقوم الشركات بالتعاون مع جهات فاعلة أخرى، بما فيها الحكومات والمنظمات غير الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص، لبناء القدرات داخل سلسلة القيمة في شركات الأدوية مع تجنب تضارب المصالح.

الرسالة واضحة: يجب على شركات الأدوية أن تعامل الشرائح السكانية التي لا تقدم لها خدمات كافية، على أنها فرصة للنمو وليس باعتبارها قضية خاسرة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .