مختص في الفيزياء النظرية (ورائد أعمال) يتحدث حول سبب توقف الشركات عن الابتكار

15 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أجرت هارفارد بزنس ريفيو مقابلة في أحد برامجها الصوتية (بودكاست) مع صافي باكول، الرئيس التنفيذي السابق لإحدى شركات التكنولوجيا الحيوية.

وننقل لكم مقتطفات من هذه المقابلة:

كيرت نيكيش: مرحباً بكم في برنامج “آيديا كاست” المقدم من هارفارد بزنس ريفيو. أنا كيرت نيكيش.

لفترة من الزمن، كانت نوكيا بمثابة الطفل المدلل لإحدى الشركات المبتكِرة. تحولت الشركة الفنلندية متعددة الأنشطة من تصنيع الأحذية الجلدية وورق المرحاض إلى بناء الشبكة الخلوية الأولى. وفي بدايات القرن العشرين، كانت نوكيا تبيع نصف الهواتف المحمولة في أرجاء العالم.

وعزا الرئيس التنفيذي للشركة، يورما أوليلا، ذلك النجاح إلى الثقافة، حيث قال في مجلة فورتشن: “مسموح لك أن تحظى بقليل من المتعة، وأن تفكر خارج الصندوق وأن ترتكب أخطاء”.

التفكير خارج الصندوق هو ما فعله فريق مهندسي نوكيا في عام 2004، حيث قاموا بتقديم هاتف بشاشة لمس ملونة، ومعه متجر تطبيقات. إلا أن قيادة الشركة رفضت الأفكار.

وطرحت شركة آبل هذه الأفكار بعد ثلاث سنوات، وبقية القصة معروفة.

إذاً، كيف تحولت نوكيا من شركة ينطلق منها الابتكار ويتمتع جميع أفرادها بالذكاء وتسير فيها الأمور على ما يرام، إلى شركة أصبحت بين عشية وضحاها أسيرة لأساليبها القديمة؟

يقارن ضيفنا اليوم هذا التحول المفاجئ في العمل بتحول الطوري (أطوار المادة) في الكيمياء، مثل كأس يتجمد فيه الماء ويصبح ثلجاً. ويعتقد ضيفنا أن على الشركات أن تفهم القوى التي تعمل ضدها. ويقول إن الشركات يمكنها إضافة أشياء مثل حوافز أفضل للحفاظ على الهيكلية الابتكارية، كما هي الحال مع إضافة الملح إلى الماء لخفض درجة تجمده.

ضيفنا اليوم هو صافي باكول. الرئيس التنفيذي السابق لشركة التكنولوجيا الحيوية سينتا فارماسيوتيكال (Synta Pharmaceuticals). ومؤلف كتاب “المشاريع الابتكارية: كيف تنمي الأفكار المجنونة التي تكسب المعارك وتعالج الأمراض وتحول القطاعات الصناعية” (Loonshots: How to Nurture the Crazy Ideas That Win Wars, Cure Diseases, and Transform Industries). وقد كتب أيضاً مقالة بعنوان “معادلة الابتكار” (The Innovation Equation) المنشورة في هارفارد بزنس ريفيو.

بدأ صافي باكول، مسيرته المهنية كمختص في الفيزياء النظرية قبل الالتحاق بعالم الأعمال. وهو يقارن اللحظة التي تصبح فيها الشركات المبتكرة واثقة من نفسها، بكأس يتجمد فيه الماء ويصبح ثلجاً. العناصر هي ذاتها، ولكن هيكلية الشركة قد تغيرت. يقدم باكول طرقاً للشركات النامية لتجنب هذه القوى التي لا يمكن تفاديها، والاستمرار في الابتكار.

شكراً لقدومك يا صافي إلى برنامجنا. 

صافي باكول: شكراً لاستضافتكم لي. أنا سعيد بوجودي هنا.

كيرت نيكيش: لقد أتيت من عالم العلم إلى عالم الأعمال. وقد حصلت في حقيقة الأمر على درجة الدكتوراه في أحد العلوم الصعبة، وكان والداك يشعران بخيبة أمل لأنك انتقلت من هناك إلى عالم الأعمال. حدثنا عن ذلك.

صافي باكول: حسناً. كلا والداي علماء. وهما في الواقع مختصان في علم الفيزياء الفلكية التطبيقية. وأنا..

كيرت نيكيش: هذه أمور جدية..

صافي باكول: نعم، لا مزاح فيها. في الحقيقة، تعمل أمي في مجال علم الكون.

نشأت في بيئة العلم الصعب وكانت لي تجاربي مع الفيزياء والرياضيات، وكان ذلك ما كنت متأكداً أنني سأفعله، تدخل في العشرينات من عمرك وفي لحظة ما تبدأ التفكير بشكل جدي، هل ذلك هو ما أريد أن أفعله لبقية حياتي؟

ولا أذكر أنني تخرجت من الجامعة حتى أصبح عمري 28 أو 29 عاماً. ولكنني لاحظت للتو أنني أردت أن أفعل ذلك، فالعالم كان أكبر بكثير من مجرد عالم جسيمات الكوارك والغلوون ونظرية الأوتار، ومعظم الأشخاص الذين سأقابلهم ليسوا خبراء فعلاً في في هذه الأمور العلمية.

تولّد لدي فضول كبير لأن الأشخاص الذين قابلتهم اعتقدوا أنهم كانوا أذكياء كأي شخص في البيئة الأكاديمية إن لم يكونوا أكثر من ذلك. كانوا يقومون بحل مختلف أنواع المسائل. ولكن بدلاً من امتلاك وقت غير محدود، كما تفعل في برنامج جامعي مع موارد محدودة، ما حدث هو العكس. كان لديهم وقت محدود وموارد غير محدودة عملياً.

كيرت نيكيش: من المضحك أنك غادرت هذا النوع من الفضاء الأكاديمي النظري للتوجه إلى عالم الأعمال والآن تكتب كتاباً يتطرق إلى الأعمال ويحاول عقد مقارنات علمية معه. أنا فضولي بشأن خبرتك الماضية والذي دعاك إلى التفكير بالأعمال على نحو مختلف عن الأشخاص الذين تعمل معهم؟

صافي باكول: أعتقد أنني سمعت أحد علماء الفيزياء يصف ذلك بصورة جيدة إلى حد ما. أحد الأشياء التي تتعلمها هو كيفية الرؤية وسط الفوضى. كنت في بداية الثلاثينيات من عمري عندما أنشأت شركة تكنولوجيا حيوية، تقوم بتطوير عقاقير جديدة لمرض السرطان. وكنت رئيساً تنفيذياً لأول مرة، وكنت أحاول قراءة كل ما أستطيع قراءته، وأن أستوعب كل المقالات والكتب.

وانقسمت هذه المقالات والكتب بين موضوعين عامين. الموضوع الأول يمكن وصفه بالسير الذاتية للرؤساء التنفيذيين. والموضوع الثاني يغلب عليه الطابع الأكاديمي، مثل: أجرينا استطلاعاً شمل 50 أو 100 أو 1,000 شركة أو غير ذلك وبدا أن معظم الشركات الناجحة تفعل هذا. أما الشركات الأقل نجاحاً فيبدو أنها كانت تفعل ذاك. وبالتالي عليك أن تفعل الكثير من هذا، وليس ذاك.

والمشكلة في هذا الأمر، وهنا على الأرجح تدخل بعض جوانب الفيزياء والتدريب العلمي لدي بشكل أكبر، تتجلى في افتراض أنك تقوم بإجراء دراسة ما، ووجدت بالنظر إلى إجمالي إيرادات المساهمين في الشركات البالغ عددها كذا أن الرئيس التنفيذي الذي يكثر من إقامة الحفلات تفوق في أدائه على الرئيس التنفيذي الذي لا يحضرها. تجد نفسك تقول: “حسناً، إذاً عليّ أن أقيم احتفالاً. هيّا نغير الأمور وسأرتقي ثلاث درجات إلى الأعلى”.

لا، ما هكذا تورد الإبل. هذه الطريقة لا تساعدك.

كيرت نيكيش: إذاً، أنت كعالم كنت تطّلع على الكثير من الكتب الموجودة التي تدور حول النصائح في علم الإدارة، ولاحظت تفكيراً ضعيفاً وتجريبياً في الكثير منها. هل ضايقك ذلك؟

صافي باكول: لا، كل ما قصدته هو أنني أردت المزيد. تعلم أنه يكون لديك نهم للمزيد. أنت تريد شيئاً ما سيساعدك بحق. وتحاول أن تبني فريقاً رائعاً، وأن تؤسس شركة رائعة. أنت تحاول أن تحقق رسالة عظيمة ونبيلة. وتحاول أن تحصل على إيرادات جيدة للمساهمين في شركتك.

أنت تحاول فعل ذلك كله، لذا تريد شيئاً مفيداً، ولكنك تريد أيضاً أن يكون الأساس الذي تبني عليه متيناً. لذا فإن كنت تريد أخذ النصائح والدروس المستفادة، فإنك تريد بعض الثقة بأن هذه النصائح والدروس حقيقية. 

أعتقد أنه ثمة توجه يتمحور حول الرئيس التنفيذي والثقافة. ولا شك أنك قرأت الكثير من كتب الإدارة وقلت في نفسك، حسناً يجب أن يكون الرئيس التنفيذي (CEO) هو الرئيس التحفيزي (CIO). وأن كل ما عليك فعله هو أن تضرب الطاولة لتظهر أنك تحب الابتكار. والمشكلة هي أن ذلك غير مجد. توجد الكثير من الكتب حول الثقافة، ولكنني لا أعتقد أننا قضينا الوقت الكافي للتفكير حول الهيكلية الثقافية.

كيرت نيكيش: أخبرنا أكثر عن ذلك.

صافي باكول: حسناً. قد أبدأ بمثال غريب، لكن تحمل ذلك معي. تخيّل أن لديك كأس ماء وتضع إصبعك في هذا الكأس. يمكن أن تحرك إصبعك في الماء وسيتحرك الماء حوله. وهذا صحيح دائماً. إلا في حال قمت بخفض درجة الحرارة تدريجياً، فسوف يتغير هذا السلوك فجأة بشكل كامل. لا تستطيع وضع إصبعك مرة ثانية، حيث يتجمد الماء. ويصبح صلباً بالكامل.

كيرت نيكيش: في العلوم، يعتبر هذا تحولاً طورياً.

صافي باكول: نعم، يسمى ذلك بالتحول الطوري.

كيرت نيكيش: في الكيمياء.

صافي باكول: ولكن الجزيئات في الداخل كما هي تماماً. إذاً، لماذا تتغير سلوكياتها فجأة؟ وكيف تعرف هذه الجزيئات أن تغير سلوكياتها فجأة؟ لا يوجد جزيء يؤدي دور الرئيس التنفيذي ويقول عبر مكبّر صوت: “حسناً، هيّا نصبح سائلاً الآن”، ثم “أعتقد أن درجة الحرارة تتغير. دعونا نصبح في حالة صلبة غداً”. لا يوجد جزيء رئيس تنفيذي. لا توجد قيادة. ليس ثمة نقاش حول الثقافة. ذلك يتغير فجأة فحسب.

وهذا هو ما أعنيه بالهيكلية. تتعلق هذه التغيرات المفاجئة بديناميكيات التفاعل. وهي تظهر بشكل جمعي من خلال هذه الديناميكيات. وبهذا، جلست عند مرحلة معينة وقلت: هل توجد طريقة ما يمكن من خلالها تطبيق ذلك على الفرق والشركات والمؤسسات بطريقة أكثر تنظيماً؟

وتبين أنك إذا قمت بكتابة ما يبدو وكأنه رياضيات الحوافز لدى الأشخاص، ستجد شيئاً تراه في كأس الماء، أو تراه في أي تحول طوري، أي تغير مفاجئ. وهو أن أي تغير مفاجئ في الطبيعة يأتي نتيجة لقوتين متنافستين.

في حالة الماء، لديك جزيئين يريدان الحركة والتحرر، وهذه إنتروبيا (قصور حراري)، ويريدان أيضاً البقاء متجمدين في المكان. وتلك قوتان متنافستان. وتعتمد القوى النسبية لهاتين القوتين على درجة الحرارة، حيث تطغى الرغبة في الحركة والتحرر عند درجة الحرارة العالية. وتفوز طاقة الارتباط عند انخفاض درجة الحرارة. وفي مكان ما بينهما عندما تخفض درجة الحرارة، تحدث المفاجأة. يتقاطع هذان الشيئان. عند نقطة التعادل، يتجمد الماء. وينهار النظام.

كيرت نيكيش: أنت تتحدث الآن عن الطبيعة الأساسية للجزيئات. إنها تتبع القوانين. وبمقارنتها مع فرق من الأشخاص، فإن الطريقة التي يعمل بها الأشخاص داخل مؤسسة ما تكون أكثر تعقيداً. هل يمكنك إجراء تلك المقارنة؟

صافي باكول: هذا سؤال رائع. فكرة التحول الطوري تنطبق على بعض الأنظمة. 

كيرت نيكيش: ونحن نتحدث في الأعمال عن بيئات العمل المتكاملة، أيضاً. أستطيع فهم ذلك، ولكن الأمر أكبر من ذلك بكثير، فهو يبدو أكثر تعقيداً من مجرد قوتين متنافستين.

صافي باكول: هذه عقلية مختلفة، ولكن أحد الأشياء التي يمكنك التفكير بها هو أنك عندما تنظم الأشخاص في مجموعة ما، وهذا مبدأ عام إلى حد كبير، تحصل دائماً على شكلين من الحوافز. فإذا قمت بإدارة شركة ما أو إدارة الموارد البشرية، قد تسمي ذلك بالنقود والأسهم. تتعلق النقود بالراتب الأساسي، كمستواك داخل مؤسسة ما، فعندما يتم ترقيتك تحصل على راتب أساسي أكبر وأكبر.

وتتعلق الأسهم بحصتك المالية في المشروع أو الحصة المالية في مشروع الفريق. الآن قد تكون قادراً على رؤية ما تتجه إليه الأمور هنا. عندما تقوم بإدارة شركة صغيرة جداً، كيف تتوازن هذه القوى؟ لنقل إنك تدير شركة تكنولوجيا حيوية صغيرة. وحصتك كبيرة في قطاع الأدوية. وامتيازات التصنيف غير مهمة نوعاً ما. إذا كان هناك 10 أشخاص في الشركة وأنت تعلم سواء كنت عضواً في الفريق أم قائداً له فإن التغيير لا يتعدى زيادة صغيرة في الراتب الأساسي، ولكن إذا نجح العقار، فسيكون الجميع مليونيرات وأبطال. وإذا فشل العقار، أصبح الجميع عاطلين عن العمل. لذا إن كنت تمتلك فرقاً صغيرة جداً في الشركات، فستطغى إحدى هذه القوى عليها. وهذا هو جانب الأسهم. 

كيرت نيكيش: هذه هي طاقة الارتباط لديك، بشكل أساسي.

صافي باكول: الآن، لنقل أنك في شركة فايزر. أنت نفسك. ونفس المشروع. الآن هي شركة تضم 100,000 شخص. ما هي أسهمك؟ حسناً، العقار الجيد قد يحقق مبيعات بقيمة 500 مليون دولار. ماذا عن إيرادات شركة فايزر؟ إنها حوالي 50 مليار دولار. إذاً حصتك المالية في الأسهم، هي حوالي واحد%. ولكن إذا استطعت أن تبدو ذكياً في اجتماعات اللجان وأن تقوم بإطلاق نوع من التعليقات الساخرة حول العيوب في أي مرحلة مبكرة من المشروع، فقد يتم ترقيتك. وماذا يحصل إذا جرى ترقيتك؟ 

كيرت نيكيش: ستحصل على..

صافي باكول: ستحصل على زيادة كبيرة. قد تحصل على 30 أو 50%. الآن أصبح التغيير تغييراً كاملاً. تماماً مثل القوتين في كأس الماء، حيث تكون لديك مرحلة تتوحد فيها جميع المكونات حول هذه الأفكار المجنونة لإنقاذهم لأن أسهمهم كثيرة. وفي المرحلة الأخرى يركز الجميع على السياسات والترقية والمسيرة المهنية فحسب، لأن جميع الحوافز تتعلق بالحصول على الترقية. ويكون حافز الأسهم أقل بكثير. 

كيرت نيكيش: أقصد هل هذه هي طريقتك في شرح لماذا أصبحت بعض الشركات التي كانت مبتكِرة جداً تنأى بنفسها عن المخاطرة وتتوقف عن الابتكار؟

صافي باكول: بالتأكيد. على سبيل المثال، قمت بإدارة شركة صغيرة، ووصل عددنا في نهاية المطاف إلى حوالي 200 موظف. يكون الجميع متحفزين ويعملون بجد عندما تكون الشركة صغيرة. والآن، ماذا يحدث عندما تكبر الشركة؟ الجميع يعرف بشكل بديهي أن شيئاً ما يتغير. أنت تشعر بذلك في داخلك. وترى ذلك بنفسك حينما يبدأ الموظفون بالاهتمام بشكل أقل.

حسناً. ماذا تفعل مع ذلك؟ يوجد العديد من الأشياء الممتعة القادمة إذا كان بإمكانك الجلوس ومحاولة إيجاد الحل. فمثلاً، عندما يتساقط الثلج مساء، ما الذي تنثره على رصيف المشاة؟ 

كيرت نيكيش: حسناً، الكثير من الناس فعلوا ذلك مؤخراً في بوسطن. تضع الملح.

صافي باكول: تضع الملح.

كيرت نيكيش: إنه مهم لخفض درجة التجمد.

صافي باكول: بالضبط. تخفيض درجة التجمد. إذاً يدعى ذلك بمعامل تحكم. عندما تبدأ بالفعل في فهم هذه القوى، يمكنك البدء في التعرف على نقاط التعديلات الصغيرة التي يمكنك القيام بها لتعديل النظام. وهذا ما تستطيع فعله داخل الفرق والشركات. بمجرد الجلوس والتفكير في ذلك ملياً وكتابة الحوافز، يمكنك القيام بتعديلات مشابهة. ويمكنك التعرف على ما ستفعله لتعديل الحوافز التي يمكنها تصميم فرقاً وشركات أكثر ابتكاراً. تماماً كما بإمكانك صناعة سوائل تبقى بحالتها السائلة لفترة أطول.

أستطيع أن أقدم لك مثالاً آخر. عندما تأخذ الحديد، ويعتبر الحديد الخام معدناً ضعيفاً إلى حد ما، وتضيف إليه القليل من الكربون، فإنه يصبح فولاذاً صلباً. تمثل تلك تغيرات صغيرة في الهيكلية، وعندما تضيف القليل أيضاً من التنجستن والنيكل تصبح هذه مادة قوية للغاية تُستخدم داخل محركات الطائرات. لذا فالأمر المدهش والجديد هنا هو أنك تستطيع التعرف على هذه التغيرات البسيطة في الهيكلية، كإضافة القليل من الملح أو القليل من الكربون، التي ستصمم فرقاً أكثر ابتكاراً. وعند هذه النقطة تصبح تلك مثالاً عملياً. 

كيرت نيكيش: رأيت درو هوستون، الرئيس التنفيذي لشركة دروب بوكس (Dropbox)، يتحدث مؤخراً وقد وصف نمو تلك الشركة بركوب موجة عالية. ثم توقف ذلك النمو، ثم أصبح كنوع ما من النمو العضوي، والجميع ينظرون حولهم ويتساءلون أين الموجة التالية؟ وأصبحت شركة مختلفة في ذلك الحين.

أرى أن تلك هي مشكلة مشتركة لدى الشركات التي كانت إبداعية وحصدت الجوائز منها ثم أصبحت مكاناً مختلفاً تحاول إعادة إحياء تلك الروح. إذاً ما هي أساليبك لإضافة الملح والكربون إلى شركة ما في تلك المرحلة كي تحاول..

صافي باكول: وأتعاطف كوني عشت تلك التجربة ولدي الكثير من الأصدقاء في نفس هذا الوضع. تجد نفسك تقول، إذا كنت الرئيس التنفيذي فإنك تمتلك هذه الحصة من الأسهم وتهتم بها بكل شغف. وعندما تجتاز رقماً محدداً، تهبط أسهم الناس. وتبقى أسهمك عالية جداً ثم يصبح الأمر محبطاً للغاية. كيف لهم أن يعملوا حتى يحصلوا على الترقية، بدلاً من أن يقودهم الشغف في مشروعهم؟ وهذا..

كيرت نيكيش: لأنك لا تستطيع إرغام الجميع على..

صافي باكول: لا تستطيع إعطاء كل شخص نصف شركتك بعد الآن. يوجد عدد محدود من أنصاف الشركة التي يمكنك الحصول عليها. لذا فإن إحدى أدوات التأثير التي يمكنك استخدامها هي تغيير ما يمكنك أن تسميه بـ “العائد على السياسات”. وللتفكير في ذلك بصورة نوعية، إذا كان الموظف المتوسط لديك يقضي ساعة يومياً في استمالة رئيسه، فما هو احتمال أن يزيد فرصه في الترقية؟

يبدو ذلك تقنياً بعض الشيء، ولكنني أحاول أن أقول ذلك لأؤيد أنك تستطيع حل ذلك. ومن غير المفاجئ أن ما تراه هي شركات تكون فيها الأنظمة كأنك إذا قضيت الكثير من الوقت في استمالة مديرك يمكن أن تحسن فرصك في الحصول على ترقية بالفعل. ما الذي تعتقد أن الموظفين سيفعلونه؟ إنهم يقضون وقتاً طويلاً في الحديث عن السياسات. ويتحدثون عن مدى روعة أفكارهم ومدى سوء أفكار الموظفين الذين في الجانب الآخر من الردهة. ماذا باستطاعتك أن تفعل حيال ذلك؟ 

كيرت نيكيش: لا تكافئ هؤلاء الأشخاص.

صافي باكول: هذا سؤال أكثر عمقاً لأنك لا تستطيع إخبار المدراء ولا تعير انتباهك لاستمالة المسؤولين. كل شخص عرضة للاستمالة. ولكن بعض الشركات، ومثال عليها ماكنزي وجوجل والقليل من الشركات الأخرى، تقوم بشيء أكثر صرامة وهو أنها تأخذ قرار الترقيات والعلاوات من يد المدراء.

لذا إذا كنت مديراً فإن لديك عدداً من الأشخاص الذين يعملون تحت إمرتك، ولا يمكنك فعلاً أن تحدد مصيرهم. وفي الحقيقة، وهذا مكلف، لديهم شخص مستقل من مكتب ثان أو مجموعة مختلفة مثلاً ربما لا يعرف المدير أو الموظف ويقوم ببعض المقابلات ويتمعن في مسألة أداء هذا الشخص، ويتعامل مع الأمر كأي مشكلة حقيقية وتمرين لتقصي الحقائق، ويغادر عندما ينتهي ذلك التمرين.

في ذلك النوع من المواقف، ماذا يفعلون؟ يقومون فقط بخفض العائد على السياسات. افرض أنه يوجد 10 زملاء يتنافسون على منصب واحد، وفجأة لا يحظى أحد بنتيجة من استمالة نائب الرئيس أو مديرهم. عائدهم على السياسات منخفض جداً. لماذا؟ لأن هذا الشخص ليس له علاقة باتخاذ القرار.

كيرت نيكيش: ماذا تستطيع أن تفعل أيضاً؟

صافي باكول: والشيء الآخر هو ملاءمة المهارات للمشروع. تخيل أن لديك شخصاً ما يعمل على مشروع ولكنه ليس جيداً بشكل خاص في هذا المشروع. ستقول لماذا يبقى في هذا المشروع؟ حسناً، أحياناً توجد الكثير من المقاومة. يريد المدراء إبقاء الأشخاص أو لا يرغب هؤلاء الأشخاص بالرحيل أو أنهم يشعرون بالراحة أو أي شعور آخر ولا يريدون الاستقالة.

وكلما عمل الواحد منهم على مشروعه لا يحصل على المزيد من العائدات لأنه بكل بساطة ليس جيداً. لذا فالعمل التدريجي الإضافي الذي يقومون به لا يقدم لهم الكثير. ومن ناحية أخرى، يمكنهم قضاء ذلك الوقت على السياسات واستمالة المسؤولين وقد يساعدهم ذلك. ويمكن أن يحصلوا على ترقية أو يتسببوا بشعور لدى الموظفين حول مدى سوء مشروعهم.

إذاً ما ستجده يحدث في الكثير من الشركات هو أنه لا يوجد بها عمليات منظمة للسؤال فيما إذا كان الشخص جيداً جداً في منصبه. وهل هذا الشخص يعمل بكامل طاقته، لكن ليس قليلاً ولا كثيراً جداً. لأنه أيضاً إذا لم يكن يعمل بكامل طاقته في كل شيء عدا الدور المنوط به، فستكون انتهت مهمته بالعمل في مشروع معين. إذا كان لديك شخص ينشئ تصميم ماكينة قهوة أو شيئاً ما، ويقول إنه مصمم حاصل على جوائز وقد أنهى مهمته خلال ساعتين. ولكن إذا وضعته على رأس ذلك المشروع لمدة شهرين، فما الذي سيفعله في بقية وقته؟

لذا ستجد بعض أفضل الشركات تملك مجموعة مستقلة لا يقوم أفرادها سوى بالبحث في المؤسسة. لماذا ليس المدير؟ حسناً، في بعض الأوقات لا يملك الشخص الذي يتولى التصميم حق القول “هذا الرجل سيكون موظف مبيعات رائع”. أو “هذا الشخص سيكون موظف تسويق منتجات رائع”.

أنت تريد شخصاً مستقلاً يمتلك رؤية ثاقبة، يقوم بالبحث في المؤسسة بكاملها ويقول: “لا أعتقد أن هذا الشخص مناسب هنا”. وذلك المدير ليس من مهماته أو وظيفته أن يفهم أين يمكن أن يكون المكان الأفضل لهذا الشخص.

كيرت نيكيش: من المثير أن بعض هذه الأفكار تأخذ القرارات الإدارية من بين يدي المدراء. 

صافي باكول: هذا صحيح. 

كيرت نيكيش: بدلاً من مساعدة المدراء في اتخاذ قرارات أفضل. أنت تقريباً تقول هيّا ندرك فقط أن هذا خاطئ، سيكون لدينا أشخاص آخرون يقومون باتخاذ هذه القرارات ويدعوننا نركز على شيء آخر.

صافي باكول: حسناً، إن ذلك في نهاية المطاف هو محاولة إخراج السياسات خارج المؤسسة. وإذا تجاوب المدراء مع الاستمالة، وهي سمة إنسانية لا مناص منها، فأنت تشجع السياسات. 

كيرت نيكيش: أحد اقتراحاتك هو تعيين رئيس تحفيزي. وهذا مثير للاهتمام لأنك تقول نوعاً ما إذا كان التجاوب مع الاستمالة هي طبيعة البشر فإن علينا الالتفات أكثر إلى الحوافز لجعلهم يعملون لتحقيق الهدف الذي تحاول مؤسستك الوصول إليه.

صافي باكول: هذا صحيح. وأنت تعلم، ثمة شيء مشابه، أعتقد أنه في الاقتصاد، للعديد من السنوات حتى الأعوام العشرة أو العشرين الماضية، كانت توجد نظرة بأن الناس كانوا عقلانيين تماماً ويتجاوبون كما يتجاوب الكمبيوتر مع الأنظمة المحيطة بهم.

ثم أتت هذه الأفكار لكانيمان وفريستش وعدد آخر، ولكنني أعتقد أنها أفكار علم النفس، فالناس ليسوا كمبيوترات مثالية. يتجاوب الناس فعلاً بطرق مدهشة إلى حد كبير مع تصميم البيئة، وكيفية إهدائهم خيارات وجوانب بارعة من حوافزهم، وهو ما يعتبر أكثر تطوراً.

وما أحاول قوله هنا هو أننا فكّرنا بشأن الحوافز بنفس الطريقة الموجودة داخل الشركات على مدى عقود. وإلى المدى الذي نقول فيه “نعم، إن من الضروري للموظفين امتلاك أسهم”، ونقول “هيّا نعطي الجميع خيارات أسهم” كمثال على ذلك. هذه إجابة كسولة وليست إجابة رائعة لأننا فلنفترض أنك في شركة تضم 50,000 شخص وأعطيتك خيار أسهم. كم نسبة دعم مشروع للسهم في الشركة؟ الإجابة لمعظم الناس هي ليس كثيراً. إذاً فما الذي يفعله ذلك الخيار؟ إنه ببساطة يمثل تبذيراً، وفي عالم الاقتصاد يسمونه بمشكلة الاستفادة بالمجان. ويمكنك أيضاً الجلوس والاسترخاء وإذا ارتفعت قيمة الأسهم تستمتع بذلك، وإذا انخفضت..

كيرت نيكيش: لأن أشخاصاً آخرين يعملون بجد.

صافي باكول: بالضبط. هذه هي الاستفادة بالمجان. لذا فإننا لا نفعل شيئاً بخصوص الهيكلية لأننا نكتب شيكاً على بياض، ونقول يا له من عام جميل، يحصل الجميع على زيادة بنسبة 10%. أو دعنا نقول نقوداً. أو يحصلون على خيار أسهم. أظن أنهم سيكونون راضين. ولكن ذلك لا ينجح حقاً.

أي شخص بصفة مدير عملي أو قائد عملي وشغل منصب رئيس تنفيذي لـ 13 عاماً أو أكثر يقول سأقابل رئيس الموارد البشرية أسبوعياً أو فصلياً أو سنوياً وسنتحدث عن الأجور، هذا صعب، خصوصاً إذا كنت مشغولاً، حيث تواجه الكثير من التحديات التي يكون عليك التعامل معها. والكثير من المشاكل لتحلها.

من السهل أن تقول، أتعلم؟ هيا نعطي هذا للجميع. أعط الجميع ذلك وتجاوز الأمر. ولكن هذا غير مجد. لذا فالمهم هو الارتقاء بهذه العملية. إذا أردنا تحفيز جلال أو ماريا، كيف ننشئ نظاماً ينسجم مع ما يفعله جلال وماريا ومدى القيمة التي يحققانها للعمل من خلال حوافزهما. كيف نفعل ذلك بحيث لا يقل اهتمامهم إذا جرت ترقيتهم؟ 

كيرت نيكيش: كيف يفلح ذلك في بيئة ذات طابع تنافسي حيث يمكن لجلال الذهاب والعمل لصالح شركة أخرى والحصول على تلك الـ 10% الإضافية؟ نوعاً ما بصورة تلقائية كل عام دون الحاجة إلى بذل جهد أكبر أو إبداع أفكار يمكنك دمجها في أفكارك؟

صافي باكول: هذا سؤال رائع. من الذي تظن أنك ستجذبه إذا كانت لديك هذه الحوافز في مكان تقوم فيه بتشجيع الأشخاص فيه على امتلاك حصة أكبر من أفكارهم؟ ستجذب المزيد من الأشخاص المبتكرين. 

كيرت نيكيش: حسناً. سيغادر الأشخاص الذين يتطلعون للمشي على الحياد.

صافي باكول: بالضبط. الآن فهمت المغزى من هذا الأمر. قد يبدو ذلك تقنياً بعض الشيء، لكن في نهاية المطاف الرسالة بسيطة جداً. كنا نقضي كل هذا الوقت في التفكير بشأن الثقافة. نريد قضاء بعض الوقت في التفكير بشأن الهيكلية. وربما العائد على الاستثمار من شيء مثل تعيين رئيس تحفيزي، يفكر في الأمور بشكل أكثر مهنية وأكثر تنظيماً.

بدلاً من قضاء ساعة كل ربع سنة في القول “مجموعة خيارات أسهمنا ستكون هذه”، وهو ما تفعله مع لجنة التعويضات ومجلس الإدارة، ومن أن يكون لديك نائب رئيس أو كل مدير يقول إن هذه مجموعتي وسأقوم بتوزيعها كذلك وسأنتهي. بدلاً من ذلك كن شخصاً، اقض يوماً أو اقض يومين واجعل فريقك يقول، في كل مجموعة، ما معايير القياس والحوافز المناسبة التي نريد وضعها؟

أنت تريد شخصاً خبيراً يفكر في هذا بعمق، خذ تلك الوظيفة مرة أخرى، كما نقول، بعيداً عن أيدي المدراء، حيث تكون رقم 19 على قائمة أولوياتهم، وضعها في يدي الخبير. إذاً هل سيكلفك ذلك المزيد من المال؟ حسناً. ستحتاج إلى مجموعة موارد بشرية ورؤساء تحفيزيين أكثر خبرة وأعلى مرتبة ممن هم لديك الآن، حيث أن معظم من يعملون الآن في الشركات لا يفعلون شيئاً سوى الختم على الأوراق.

الآن، إليك الأمر. ما مدى أهمية امتلاكك لقوة عاملة متشجعة ومتحفزة كما يجب؟ هل تعادل أهمية امتلاك كل شخص لأحدث جهاز كمبيوتر وأداة؟ والأمر المهم هنا هو أن العائد على الاستثمار في الحصول على نظام أفضل وأكثر تفكيراً يتواءم فيه الأشخاص على نحو أفضل مع أهداف الشركة سيكون عالياً جداً، وعلى الأقل جيد بنفس قدر التأكد من امتلاك الجميع لآيفون إكس بدلاً من آيفون 9.

كيرت نيكيش: كيف تعرف إذا كان نظامك يعمل بشكل جيد؟

صافي باكول: كيف تعرف إذا كان نظامك يعمل بشكل جيد؟

كيرت نيكيش: حسناً. كيف تعرف فيما إذا لو قمت بإعادة تحويل شركتك من الثلج إلى الماء؟

صافي باكول: إذا مشيت في الأروقة وسمعت أشخاصاً يتحدثون عن المهن والترقيات، فتلك إشارة سيئة. وإذا مشيت في الأروقة وسمعت أشخاصاً يضربون الطاولة بحماس ولهفة للفكرة الجريئة أو المجنونة التالية، فإنك تكون قد قمت بالعمل الصحيح.

كيرت نيكيش: شكراً لقدومك يا صافي إلى برنامجنا.

صافي باكول: شكراً لاستضافتكم لي.

كيرت نيكيش: كان ذلك صافي باكول. وهو مؤلف كتاب “المشاريع الابتكارية: كيف تنمي الأفكار المجنونة التي تكسب المعارك وتعالج الأمراض وتحول القطاعات الصناعية” (Loonshots: How to Nurture the Crazy Ideas That Win Wars, Cure Diseases, and Transform Industries). وكتب أيضاً مقالة بعنوان “معادلة الابتكار” (The Innovation Equation). 

هذه الحلقة من إنتاج ماري دوي. وحصلنا على المساعدة الفنية من روب إيكاردت. ومدير الإنتاج الصوتي لدينا هو آدم باكولتز.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .