هل يمكنك التخلي عن ساعات العمل المتواصل ما دمت تحقق النتائج المطلوبة؟

5 دقائق
ساعات العمل المتواصل
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هل تتمنى التمتع بإجازة على أحد الشواطئ الساحرة لتحرير روحك من الانتقادات المباشرة وغير المباشرة لأدائك المهني؟ كيف ترى إنتاجيتك اليوم بعد أكثر من عام على تفعيل العمل عن بُعد والعودة من جديد إلى المكاتب؟ أترى ترحيباً حاراً لاستقبالك على نفس المكتب المعتاد للعمل طوال ثماني ساعات متواصلة؟ ما الذي تفضله، نهج العمل القائم على النتائج أم القائم “ساعات العمل المتواصل”؟ الآن هل يمكنك التخيل أنه يمكنك العمل لوقت أقل بنفس الأجر والحصول على مكافآت تحفيزية أيضاً؟

حسناً، بالنسبة للكثير من المهنيين السويديين، أصبح حلمك هذا حقيقة على أرض الواقع، حيث أدخل أصحاب العمل في جميع أنحاء السويد مؤخراً ساعات عمل أقصر إلى روتين الموظفين، واستبدال بيوم العمل من التاسعة صباحاً حتى الخامسة مساءً يوم عمل مدته ست ساعات. وفي اللحظة ذاتها التي تقرأ فيها هذه الكلمات، فإن شركة “بربيتشوال غارديان” (Perpetual Guardian) في نيوزيلندا، أدركت بالفعل فوائد العمل لمدة أربعة أيام متتالية مع الحفاظ على مستوى مقبول من التزام الموظفين ورضاهم وتعزيز روح العمل الجماعي إضافة إلى تقليل مستويات التوتر فيما بينهم.

أنظمة العمل التقليدية

يعود نظام العمل لمدة ثماني ساعات في اليوم إلى زمن ازدهار الاشتراكية في القرن التاسع عشر، والغريب في الأمر أنه لا يزال مستمراً إلى القرن الواحد والعشرين في الوقت الذي تزدهر فيه التكنولوجيات الحديثة التي يعتمد عليها أسلوب حياتنا بالأساس. في الماضي، لم تقبل نقابات العمال الأميركية بالأوضاع الصعبة المتمثلة في الأجور القليلة أو عمالة الأطفال، لكنها لم تستسلم وكافحت حتى جاءت المصادقة على تطبيق نظام عمل مدته 40 ساعة في الأسبوع كجزء من قانون معايير العمل العادل عام 1938، وكان ذلك انتصاراً كبيراً للمصلِحين والنقابات العمالية بعد أن ناضلوا لسنوات من أجل ضمان أجور أفضل وجداول زمنية واقعية للعمال.

يبحث المدراء دائماً عن طرق لإبقاء الموظفين سعداء، والأهم من ذلك، منتجين وفعّالين خلال ساعات العمل. لكنهم لا يدركون أن أحد السبل لتحقيق كل هذه النتائج هو تشجيع الناس على العمل لوقت أقل، وبالتالي لا يولون أهمية لما يمكن أن يلهي الموظفين عن تعزيز إنتاجيتهم أو على الأقل محاولة الالتزام بتنفيذ المهام المكلفين بها؛ ما يأتي بنتائج عكسية غير مرغوبة.

على سبيل المثال، صندوق الوارد الخاص بالعديد من الموظفين يشبه الحديقة، حيث يتطلب مراقبة مستمرة وتشذيباً وإلا ستنتشر الحشائش وتفرض سيطرتها، لكن ذلك يكلف ثمناً باهظاً على حساب وقتهم. فإذا افترضنا أن الأمر يستغرق دقيقة واحدة فقط لإدارة بريد إلكتروني واحد، فإن ملايين الموظفين سيقضون ما يعادل 15.55% من إجمالي ساعات العمل للرد على البريد الإلكتروني وحده.

على الرغم من التقدم التكنولوجي، فإن عبء العمل المتراكم على الموظفين، يمتد حتى بعد الساعة الخامسة مساءً. ونظراً لتوفر استخدام الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية على نطاق واسع، أصبح الوصول إلى البريد الإلكتروني أكثر سهولة من أي وقت مضى، ونتيجة لذلك، أصبح جزءاً لا يتجزأ من مكان العمل اليومي والحياة الشخصية لمعظم الموظفين. أجرت شركة “أوبينيون ماترز” (Opinion Matters) استطلاعاً شمل 503 من الموظفين، وجاءت النتيجة صادمة، فالأمر تعدى حدود الإنتاجية إلى القضاء على ملامح الحياة الشخصية، حيث أصبح الخط الفاصل بين العمل والحياة المنزلية غير واضحاً، وبلغت نسبة الذين يتحققون من بريدهم الإلكتروني في أثناء عطلة نهاية الأسبوع 81%، كما أجرت أكاديمية الإدارة بحثاً كانت نتيجته أن 76% من الموظفين يفحصون رسائل البريد الإلكتروني بعد يوم العمل، بينما يفحص 10% من الموظفين رسائلهم باستمرار في الوقت الذي يقومون فيه بمهام متعددة مثل العمل في أثناء قيادة السيارة أو غيرها من المواقف التي تجعلهم معرضين للخطر.

معاناة المدراء مع الوقت

الأمر كذلك بالنسبة للمدراء، فنجد أن إيلون ماسك، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة “تيسلا” (Tesla) بعدما تباهى بالعمل تحت الضغط لنحو 120 ساعة خلال الأسبوع، أصبح على حافة الانهيار، واضطر إلى تقليل ساعات عمله إلى 80 ساعة. ومع ذلك فإن هذا العدد من الساعات هو أكثر من 10 ساعات من متوسط ​​عمل الرئيس التنفيذي لشركة بمليارات الدولارات.

وجدت دراسة سابقة منشورة بمنصة هارفارد بزنس ريفيو، أن الرؤساء التنفيذيين يعملون بمعدل 62.5 ساعة في الأسبوع. إذ تتبع مايكل بورتر ونيتين نوريا، أساتذة جامعة هارفارد، كيف قضى 27 من الرؤساء التنفيذيين للشركات التي يبلغ متوسط ​​إيراداتها السنوية 13.1 مليار دولار وقتهم. وكانت النتيجة أنه في المتوسط، عمل الرؤساء التنفيذيون 9.7 ساعة يومياً خلال الأسبوع، كما عملوا في 79% من أيام عطلة نهاية الأسبوع بمعدل 3.9 ساعة يومياً، و70% من أيام الإجازة بمتوسط ​​2.4 ساعة في تلك الأيام.

يقول الكاتب الأميركي “أندي روني”: “لقد تعلمت أنه كلما قل الوقت الذي أعمل به، أنجزت المزيد من المهام”. لكن ماذا إن كان مخطئاً؟ ماذا إن كان الوقت عنصراً وهمياً تُعزى إليه كل أسباب تراجع الإنتاجية؟

العمل القائم على الوقت

أدت جائحة كورونا إلى تسريع اعتماد العمل عن بُعد، والعمل الهجين، وأسابيع العمل لمدة 4 أيام لكن بعض المدراء يتمسكون بالالتزام اليومي بثماني ساعات من العمل المتواصل وذلك على الرغم من احتمالية إصابتهم بالإرهاق والاحتراق الوظيفي. كما أثبتت دراسة أجرتها “دروغيم” غروب (draugiem group) عن عادات عمل الموظفين وقياس مقدار الوقت الذي يقضيه كل موظف في مهام مختلفة ومقارنة ذلك بمستويات إنتاجيتهم أن طول يوم العمل لم يكن مهماً كثيراً؛ ما يهم هو كيفية تنظيم الموظفين ليومهم.

تركز بعض الشركات على توفير نهج العمل القائم على الالتزام بثماني ساعات العمل فقط؛ لكن تكمن مشكلة هذا النهج في أن الإدارة التفصيلية غالباً ما تستدعي التأكد من سير العمل خطوة بخطوة، بدلاً من التركيز على الهدف المنشود. فالانخراط في العمل لا يعني بالضرورة زيادة الإنتاجية.

العمل القائم على النتائج

تركز الشركات الموجهة بنهج العمل القائم على النتائج بشكل أكبر على “سبب” المشروع. وهنا، ستكون إنتاجية الموظفين أكثر كفاءة في الشركات التي تركز على إنتاج منتج عالي الجودة على سبيل المثال. وعندما تبتعد الشركات عن المهام غير الضرورية أو العادية، يكون لدى الموظفين ثقة أكبر في تجربة الأفكار المبتكرة.

عند استبعاد الالتزام بساعات محددة من العمل يومياً، فإن الأمور تسير بطريقة طبيعة نحو إنجاز العمل، وأداء المهام الشخصية، ويمكن أن يمنحك الوقت الذي تحتاجه بعيداً عن عملك قسطاً كافياً من الراحة؛ ما يجدد من نشاطك ويعزز تركيزك في العمل، بل وانتماءك إلى الشركة التي تعمل بها، وبالأخير إنجاز مهام العمل في وقت أقل قد يعني أخطاءً أقل.

عندما بدأت “جودي طمسون” العمل في قسم الموارد البشرية في “بست باي” (Best Buy)، شعرت بالضغط الذي يعيشه الموظفون للبقاء في المكتب بغض النظر عما إذا كانوا بحاجة إلى إنجاز شيء ما أو العمل على مهمة مؤجلة. في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قادت مع زميلتها “كالي ريسلر” من الموارد البشرية، حركة “النتائج فقط في بيئة العمل” (Results Only Work Environment (ROWE) لمساعدة عملاق الإلكترونيات في جذب المزيد من المواهب. وحينها تم إخبار الموظفين بنسيان الزمان والمكان والانتهاء من مهامهم.

لم يكن الهدف من الحركة، الجدولة المرنة أو العمل عن بُعد، كان على الموظفين السيطرة بشكل كامل على جدولهم الزمني، دون طرح أي أسئلة. وبالفعل زادت الإنتاجية بنسبة 41%. وهذا ما جعل جودي وكالي يوثقان هذه التجربة في كتابهما “لماذا العمل مزعج وكيف يمكن إصلاحه؟” (Why Work Sucks and How to Fix it) في 2008، فلا أحد يمكنه الاستفادة من ساعات العمل المتواصل والطويلة عوضاً عن النتائج، ولا معنى لذلك في الاقتصاد العالمي الدائم، وبالتالي تستند هذه الحركة إلى مفهومين أساسيين هما: الاستقلالية من الوقت والمساءلة عن الإنجازات.

عند التمعن في نهج العمل القائم على النتائج، فإننا نجدد طاقتنا بناءً على الحرية والمرونة التي يوفرها. يستطيع الأشخاص إكمال العمل في وقتهم الخاص، طالما أنهم يلتزمون بالمواعيد النهائية المحددة لهم. لا توجد اجتماعات إلزامية أو جداول زمنية محددة. أنت تتوقف عن القيام بأي نشاط يمكنه إهدار وقتك، ولا ينتقدك أحد لأنك تغادر مبكراً أو تأتي متأخراً، طالما أنت تبذل قصارى جهدك في منتصف الليل أو أي وقت تختاره، فأنت المتحكم الوحيد في عقارب الساعة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .