إلى رواد الأعمال: نهج جديد للتعامل مع تكنولوجيا المعلومات

6 دقائق
رواد الأعمال وتكنولوجيا المعلومات
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تبنى رواد الأعمال على مر التاريخ نهجاً واحداً من أصل نهجين في التعامل مع تكنولوجيا المعلومات. فمعظمهم ينظر إلى تكنولوجيا المعلومات على أنها “شر لا بد منه”. فماذا عن رواد الأعمال وتكنولوجيا المعلومات؟

بالنسبة لهذه المجموعة، فهم يعتبرون تكنولوجيا المعلومات وسيلة مخصصة لمكاتب الدعم الإدارية لأفكار الأعمال. وهم يوظفون عادة أطرافاً ثالثة لمساعدتهم في شؤون تكنولوجيا المعلومات، ولا يعتبرونها أبداً جزءاً من أعمالهم الأساسية. بينما تُركز مجموعة أخرى من رواد الأعمال على السلع المعلوماتية، وتفكر في تكنولوجيا المعلومات باعتبارها منتجاً. يتمتع رواد الأعمال هؤلاء عادة بخلفية هندسية، وكليات تدعم هذا النهج ولديها أقسام هندسية قوية. يتبنى هؤلاء الرواد، استناداً إلى قدراتهم المميزة، نهج “أفعل كل شيء بنفسك” في التعامل مع تكنولوجيا المعلومات، ويطورون برمجيات مُخصصة لدعم احتياجات مؤسساتهم وتلبيتها.

لكن في وقتنا الحالي يوجد نهج ثالث، سيكون المسار المهيمن الذي يتبناه معظم رواد الأعمال، تحديداً أولئك الذين يصممون منتجات معلوماتية. ينظر هذا النهج الثالث إلى تكنولوجيا المعلومات باعتبارها عاملاً أساسياً في التفاعل مع جميع أصحاب المصلحة الجدد التابعين للمشروع. لكن من الجدير بالذكر، أن رواد الأعمال، الذين تبنوا هذا النهج، كانوا سعداء باستخدام وحدات البناء الموجودة بالفعل التابعة لتكنولوجيا المعلومات لابتكار هذه الواجهات البينية. فهم يحققون نجاحاً رقمياً من خلال نهج قائم على “عناصر متاحة بالفعل” أو ما يعرف بنهج “البريكوليدج” (bricolage).

ما هو نهج “البريكوليدج” (bricolage)؟

تعني كلمة “بريكوليدج”، وهي كلمة فرنسية المنشأ، بناء الأشياء من مجموعة عناصر متاحة. أما كلمة «بريكولير” (bricoleur)، فهو مصطلح فرنسي يشير إلى الشخص الذي يتبنى طرق بناء كهذه، سواء أكان رجلاً حرفياً متخصصاً بمهمة معينة، أو شخصاً خبيراً بكافة الأعمال. في هذه الآونة، يستطيع رواد الأعمال، الذين يتبعون نهج النجاح الرقمي باستخدام عناصر متاحة بالفعل، تأسيس شركات رائعة ومؤسسات واعدة من أجزاء موجودة بالفعل، ونجح العديد منهم في تقديم قدرات لم تكن متاحة فيما مضى إلا للشركات الضخمة.

على مدار آخر 15 عاماً، صمم عمالقة الإنترنت منصات أو مرافق تعمل عبر الإنترنت، تجعل الابتكار أسهل وأسرع. فمثلاً، صممت شركة “أمازون” خدمة سحابية مخصصة للأعمال والشركات، تمكن الشركات الراسخة والناشئة على حد سواء من استئجار بُنى تحتية لتكنولوجيا المعلومات، وكذلك عمليات تابعة لها من شركة “أمازون”. إذ صمَمت خدمة “أمازون ويب سيرفيسز” (Amazon Web Services)، ويرمز إليها اختصاراً بـ (AWS)، بنية تحتية قوية يمكنها التعامل مع معدلات الطلب الكثيفة، وتتمتع بقدرة احتياطية للسماح للآخرين باستخدامها. وتقدم شركة “مايكروسوفت”، و”آي بي إم”، و”جوجل” خدمات مماثلة. يمكن للشركات أيضاً، استئجار تطبيقات هذه الشركات المُخصصة للأعمال (لأغراض المحاسبة والتمويل، وإدارة الموارد البشرية، والتسويق، والمبيعات، والتعاون وإدارة المشاريع، وما إلى ذلك) حسب الطلب، من شركات مثل “مايكروسوفت”، و”سيلز فورس دوت كوم” (Salesforce.com)، و”وورك داي” (Workday)، و”هاب سبوت” (Hubspot)، و”يامر” (Yammer)، و”دروب بوكس” (Dropbox)، و”بيسكامب” (Basecamp)، وغيرها.

يمكن تبني نهج “النجاح الرقمي باستخدام عناصر متاحة بالفعل” بطريقة أخرى، ألا وهي مشاركة البيانات والتطبيقات عبر المؤسسات. وقد صار ذلك ممكناً بفضل ظهور واجهات برمجة التطبيقات، أو ما يعرف اختصاراً بـ (APIs). إن واجهات برمجة التطبيقات هي تقنية تسمح للشركات بالتفاعل مع المعلومات، ومشاركتها مع غيرها من الشركات على نطاق لم يسبق له مثيل. إذا كان موقعك الإلكتروني في حاجة إلى قدرات تخطيطية، فيمكنك الحصول عليها من “جوجل” أو “ماب كويست” (Mapquest)، عبر واجهات برمجة التطبيقات. وإذا كنت بحاجة إلى بيانات بخصوص المناخ لموقعك، أو شركتك، فيمكنك اللجوء إلى شركة “أكيوويزر” (Accuweather)، أو “ويزر تشانيل” (Weather Channel)، أو “ويزر أندرجراوند” (Weather Underground). هل تحتاج إلى معلومات تخص السفر أو خدمات متعلقة به؟ يمكنك الحصول عليها من شركات مثل “تريب أدفايزر” (TripAdvisor)، أو “إكسبيديا” (Expedia)، أو “أماديوس” (Amadeus) عبر واجهات برمجة التطبيقات.

بل إن بعض الشركات، التي تقدم إمكانيات تكنولوجيا المعلومات، قد صممت واجهات برمجة لتطبيقات خاصة بخدماتها وعروضها الأساسية. فمثلاً، عندما أطلقت شركة “آي بي إم” منصة “واتسون” (Watson) للتقنية المعرفية، لم تحاول الشركة تصميم جميع التطبيقات من التقنية نفسها. لكن بدلاً من ذلك، عمدت إلى فتح واجهات برمجة التطبيقات في منصة “واتسون” (يوجد 35 واجهة تقريباً الآن، ويجري إنشاء المزيد طيلة الوقت)، وسمحت للجهات الثالثة باستخدامها في تطبيقات الخدمات المعرفية. فمثلاً، اختيرت واجهات برمجة التطبيقات هذه من قبل مركز “ميموريال سلون كيتيرينغ” (Memorial Sloan Kettering) للسرطان، ومستشفيات أخرى، وطُوِرت لتصبح تطبيقاً مفيداً للغاية في علاج الأورام، يستعين به الأطباء في زيارات المرضى.

بفضل وجود واجهات برمجة التطبيقات، فإن استثمارات تكامل البيانات ليست مضطرة إلى الاعتماد على العلاقات. فعلى سبيل المثال، تُمكّن واجهات برمجة التطبيقات الموصوفة علناً والتابعة لشركة “إكسبيديا” (الشبكة التابعة لـ “إكسبيديا”)، عملية تكامل البيانات عبر الشركاء المختلفين، بما في ذلك شركات الخطوط الجوية المتنافسة جميعها تقريباً، وآلاف الفنادق، والمنتجعات، وشركات تأجير السيارات، ومزودي خدمات الدفع. وليس من الضروري أن يكون هناك حد أقصى لعدد الشركاء المسجلين في واجهات برمجة التطبيقات التابعة لـ “إكسبيديا”. ففي الحقيقة، تحقق الشركة استفادة عندما يسجل عدد أكبر من الشركاء، مع زيادة قليلة أو منعدمة في التكاليف التي تتكبدها الشركة ومدى تعقيد العملية. وفي نهاية المطاف، ينتج عن زيادة عدد الشركاء زيارات أكثر لموقع الشركة، وكذلك المزيد من عمليات الحجز.

إذن، فالمهمة الأساسية أمام رواد الأعمال والمبتكرين الرقميين هي استخدام “استراتيجية النجاح الرقمي باستخدام عناصر متاحة بالفعل” للحصول على بنية تحتية رقمية حديثة، وأدوات لتحويل الشركات القائمة بالفعل، أو لكي تحتضن شركات جديدة أو تؤسسها.

يستخدم مبتكرو المجال الرقمي البنية التحتية العصرية الحديثة، مثل وحدات البناء الشبيهة بالمكعبات، بهدف إنشاء منتجات وخدمات جديدة تثير اهتمام الزبائن، وتتسم بالابتكار. خُذ شركة “إير بي إن بي” (Airbnb) كمثال. فقد رصدت الشركة تفاوتاً في معدلات العرض والطلب في خدمات الإسكان، ومن هنا أنشأت الشركة منصة تربط الباحثين عن مسكن بمقدمي خدمات الإقامة، وتيسر لهم إيجاد بعضهم البعض. تستخدم شركة “إير بي إن بي” الهواتف الذكية وبيانات الموقع للحصول على معلومات الزبائن، وتستخدم منصات الدفع الحالية، وتستعين بخدمة “أمازون ويب سيرفيسز” لتلبية احتياجاتها في قطاع البنية التحتية. أما وحدات البناء السحرية التي تضيفها الشركة للخليط، فهي أدوات لمطابقة البيانات، وتسعير المناطق، وتحليل البيانات التي تجمعها الشركة من جميع المشتركين في بيئة العمل المتكاملة خاصتها. تنجح شركة “إير بي إن بي”، من خلال تمكين المستأجرين والباحثين عن سكن بالبيانات ذات الصلة التي تتدفق بسلاسة وبلا انقطاع عبر الهواتف الذكية، في إحداث زعزعة في قطاع السفر بأكمله. لكن لا تتوقف الشركة عند هذا الحد، بل تعقد شراكات مع جهات ثالثة، مثل: “أميركان إكسبرس” (American Express)، و”نيست” (Nest)، و”تسلا” (Tesla)، وخطوط “كيه إل إم إيرلاينز” الجوية (KLM Airlines) من أجل تزويد زبائنها بخدمات أخرى ذات قيمة مضافة. وقد استخدمت شركات أخرى تحقق نجاحاً سريعاً في المجال الرقمي، مثل “أوبر”، طرقاً مماثلة.

استفادة رواد الأعمال من تكنولوجيا المعلومات

إذن، كيف يستفيد مبتكرو المجال الرقمي من توافر البنية التحتية القابلة لإعادة الاستخدام؟ حسناً، تقدم هذه الميزة فوائد عديدة:

أولاً، تختصر الوقت اللازم لدخول السوق

إذ تعمل واجهات برمجة التطبيقات والمنصات على تقليل الوقت الذي تستغرقه المنتجات والخدمات في التغلغل في السوق.

ثانياً، تقدم شبكة منخفضة التكلفة وآنية لاختبار الأفكار

يمكن لرواد الأعمال الذين يخرجون بفكرة جديدة وصف فكرتهم، والحصول على تصويت الأشخاص المنتمين إلى السوق المستهدفة، وذلك باستخدام منصات مثل “فيسبوك” و”تويتر”. كما تتيح اختبارات أ/ب (A/B) عقد مقارنات سريعة بين المزايا والوظائف البديلة. وتمثل مواقع التمويل الجماهيري طريقاً آخر لاختبار أفكار المنتجات. وبفضل هذه الآليات، يتكبد رواد الأعمال تكاليف أقل ناجمة عن تجربة أفكارهم الجديدة. وبالنظر إلى انخفاض تكلفة البنية التحتية، يستطيع رواد الأعمال أصحاب المنتجات أو الخدمات الرقمية تأسيس شركاتهم بسرعة كبيرة، وإجراء اختبار لمعرفة ما إذا كانت توجد سوق تحتضن أفكارهم أم لا.

ثالثاً، تتيح الحصول على آراء الخبراء والإرشاد

في زمننا الحالي، من الممكن أن نحصل على إجابات لكثير من الأسئلة التي تراودنا باستخدام الشبكات المدعومة بوسائل التواصل الاجتماعي. ويكمن السر في متابعة الأشخاص المؤثرين، وتأسيس علاقات معهم. فضلاً عن ذلك، إذا طرحت تساؤلات وأجبت عنها على منتديات “لينكد إن” (LinkedIn)، و”كورا” (Quora)، فسيلاحظ الناس ذلك، ويردون لك الجميل بالرد على الأسئلة التي تطرحها. أضف إلى ذلك، امتلاك رواد الأعمال لمدونات وموارد مُصممة خصيصاً لهم؛ مثل“أون ستارت أبس دوت كوم” (Onstartups.com).

رابعاً، تُسَهِّل تحديد الشركاء والوصول إليهم

في الآونة السابقة، اضطرت الشركات إلى إشراك قسمها القانوني، وتوقيع العقود قبل تجربة علاقة شراكة جديدة. أما الآن فيتسنى للشركات بناء بيئة عمل متكاملة معقدة من خلال إتاحة بياناتها وخدماتها للجهات الثالثة، وتتبّع الاستخدام. وإذا رصدت الشركات معدل استخدام مرتفع، فيمكنها التفاوض حول الشروط والاتفاقيات. ويشار إلى ذلك عادة باسم استراتيجية “الانتشار أولاً ثم تأتي الإيرادات لاحقاً”.

إن استخدام قدرات تكنولوجيا المعلومات القائمة بالفعل والخدمات ذات الصلة (نهج البريكولاج)، يعني أن ريادة الأعمال الرقمية أصبحت أسهل من أي وقت مضى بسبب موضوع رواد الأعمال وتكنولوجيا المعلومات. إذ يحتاج رواد الأعمال فقط أن يكونوا على دراية بالموارد الخارجية المتاحة، وأن يتخذوا قرارات ذكية بشأن الموارد التي يجب عليهم تأسيسها بأنفسهم، والأخرى التي يمكن الحصول عليها من السوق الخارجية. فهم بحاجة إلى فكرة جيدة تصلح للعمل التجاري، لكن بمقدورهم أن يختبروها بسرعة، ويدخلون عليها تحسينات باستخدام الأدوات المتاحة بالفعل. وستستمر هذه الشبكة من الموارد في طريقها الواعد نحو التوسع، ولن تكف عن تحويل عملية تكوين الأعمال التجارية، وعملية التوسع.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .