$User->is_logged_in:  bool(false)
$User->user_info:  NULL
$User->check_post:  object(stdClass)#7063 (18) {
  ["is_valid"]=>
  int(1)
  ["global_remaining_posts_to_view"]=>
  int(0)
  ["remaining_posts_to_view"]=>
  int(0)
  ["number_all_post"]=>
  int(0)
  ["number_post_read"]=>
  int(0)
  ["is_from_gifts_balance"]=>
  int(0)
  ["gifts_articles_balance"]=>
  int(0)
  ["all_gifts_articles_balance"]=>
  int(0)
  ["gifts_read_articles"]=>
  int(0)
  ["exceeded_daily_limit"]=>
  int(0)
  ["is_watched_before"]=>
  int(0)
  ["sso_id"]=>
  int(5279)
  ["user_agent"]=>
  string(9) "claudebot"
  ["user_ip"]=>
  string(12) "100.25.40.11"
  ["user_header"]=>
  object(stdClass)#7070 (45) {
    ["SERVER_SOFTWARE"]=>
    string(22) "Apache/2.4.57 (Debian)"
    ["REQUEST_URI"]=>
    string(149) "/%D8%B1%D9%83%D9%88%D8%A8-%D9%85%D9%88%D8%AC%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D9%86%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B2%D8%B9%D8%B2%D8%B9%D8%A9/"
    ["REDIRECT_HTTP_AUTHORIZATION"]=>
    NULL
    ["REDIRECT_STATUS"]=>
    string(3) "200"
    ["HTTP_AUTHORIZATION"]=>
    NULL
    ["HTTP_HOST"]=>
    string(13) "hbrarabic.com"
    ["HTTP_ACCEPT_ENCODING"]=>
    string(8) "gzip, br"
    ["HTTP_X_FORWARDED_FOR"]=>
    string(12) "100.25.40.11"
    ["HTTP_CF_RAY"]=>
    string(20) "866aaa843c25207e-FRA"
    ["HTTP_X_FORWARDED_PROTO"]=>
    string(5) "https"
    ["HTTP_CF_VISITOR"]=>
    string(22) "{\"scheme\":\"https\"}"
    ["HTTP_ACCEPT"]=>
    string(3) "*/*"
    ["HTTP_USER_AGENT"]=>
    string(9) "claudebot"
    ["HTTP_REFERER"]=>
    string(169) "https://hbrarabic.com/%D8%B1%D9%83%D9%88%D8%A8-%D9%85%D9%88%D8%AC%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D9%86%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B2%D8%B9%D8%B2%D8%B9%D8%A9"
    ["HTTP_CF_CONNECTING_IP"]=>
    string(12) "100.25.40.11"
    ["HTTP_CDN_LOOP"]=>
    string(10) "cloudflare"
    ["HTTP_CF_IPCOUNTRY"]=>
    string(2) "US"
    ["HTTP_X_FORWARDED_HOST"]=>
    string(13) "hbrarabic.com"
    ["HTTP_X_FORWARDED_SERVER"]=>
    string(13) "hbrarabic.com"
    ["HTTP_CONNECTION"]=>
    string(10) "Keep-Alive"
    ["PATH"]=>
    string(60) "/usr/local/sbin:/usr/local/bin:/usr/sbin:/usr/bin:/sbin:/bin"
    ["SERVER_SIGNATURE"]=>
    string(73) "
Apache/2.4.57 (Debian) Server at hbrarabic.com Port 80
" ["SERVER_NAME"]=> string(13) "hbrarabic.com" ["SERVER_ADDR"]=> string(10) "172.21.0.5" ["SERVER_PORT"]=> string(2) "80" ["REMOTE_ADDR"]=> string(15) "162.158.110.142" ["DOCUMENT_ROOT"]=> string(13) "/var/www/html" ["REQUEST_SCHEME"]=> string(4) "http" ["CONTEXT_PREFIX"]=> NULL ["CONTEXT_DOCUMENT_ROOT"]=> string(13) "/var/www/html" ["SERVER_ADMIN"]=> string(19) "webmaster@localhost" ["SCRIPT_FILENAME"]=> string(23) "/var/www/html/index.php" ["REMOTE_PORT"]=> string(5) "47988" ["REDIRECT_URL"]=> string(53) "/ركوب-موجة-التقنيات-المزعزعة/" ["GATEWAY_INTERFACE"]=> string(7) "CGI/1.1" ["SERVER_PROTOCOL"]=> string(8) "HTTP/1.1" ["REQUEST_METHOD"]=> string(3) "GET" ["QUERY_STRING"]=> NULL ["SCRIPT_NAME"]=> string(10) "/index.php" ["PHP_SELF"]=> string(10) "/index.php" ["REQUEST_TIME_FLOAT"]=> float(1710821986.017332) ["REQUEST_TIME"]=> int(1710821986) ["argv"]=> array(0) { } ["argc"]=> int(0) ["HTTPS"]=> string(2) "on" } ["content_user_category"]=> string(16) "paid_subscribers" ["content_cookies"]=> object(stdClass)#7071 (3) { ["status"]=> int(0) ["sso"]=> object(stdClass)#7072 (2) { ["content_id"]=> int(5279) ["client_id"]=> string(36) "e2b36148-fa88-11eb-8499-0242ac120007" } ["count_read"]=> NULL } ["is_agent_bot"]=> int(1) }
$User->gift_id:  NULL

ركوب موجة التقنيات المزعزعة

25 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تسود في عالم الأعمال ظاهرة تتمثل في عجز الشركات الرائدة على البقاء متصّدرةً صناعاتها عندما تتغير التقنيات والأسواق، فعلى سبيل المثال، دخلت شركتا “غوديير” (Goodyear) و”فايرستون” (Firestone) سوق الإطارات نصف القُطرية في فترة متأخرة للغاية، في حين سمحت “زيروكس” لشركة “كانون” بإنشاء سوق الناسخات الصغيرة من العدم. أما شركة “بيسيرس إيري” (Bucyrus-Erie) فسمحت لشركتي “كاتربيلر” (Caterpillar) و”دير آند كو” (Deere) بالسيطرة على سوق الحفارات الميكانيكية، في حين أعطت “سيرز” المجال لـ”وول مارت” لتتقدم.

وتنتشر هذه الظاهرة خاصة في صناعة الحواسب، إذ كانت “آي بي إم” (IBM) تسيطر في الماضي على سوق أجهزة الحواسب المركزية، لكنها تخلفت بسنوات عن اللحاق بركب أجهزة الحواسب الصغيرة التي كانت أبسط تقنياً مقارنةً بالحواسب المركزية. أما شركة “ديجيتال إكويبمنت كروبريشن” (DEC) فسيطرت على سوق الحواسب الصغيرة بابتكارات مثل “هيكلية ملحق العنوان الظاهري” (VAX)، لكن فاتتها سوق أجهزة الحواسب الشخصية بالكامل تقريباً. وقادت شركة “آبل” عالم الحوسبة الشخصية وأرست معيار الحواسب سهلة الاستخدام، لكنها تأخرت خمس سنوات عن نظيراتها في طرح الحواسب المحمولة في السوق.

لماذا تستثمر مثل هذه الشركات بقوة ونجاح في التقنيات الكفيلة بالمحافظة على عملائها الحاليين، ثم تفشل في إنشاء استثمارات تقنية أخرى معينة سيطلبها العملاء مستقبلاً؟ لا شك في أن هناك عوامل تلعب دوراً في هذا، مثل البيروقراطية والغرور وعدم المرونة الإدارية وسوء التخطيط وآفاق الاستثمار قصيرة المدى. ولكن هناك سبب أكثر جوهرية في إمكانه أن يشكّل الفارق أيضاً، ألا وهو استسلام الشركات الرائدة لأحد أكثر شعارات الإدارة شعبية وقيمة: البقاء على صلة وثيقة بعملائها.

ويتمتع العملاء بسلطة استثنائية فيما يتعلق بتوجيه استثمارات الشركة، وذلك على الرغم من ميل معظم المدراء إلى الاعتقاد أنهم هم أصحاب القرار، إذ يسبر المدراء أغوار عملائهم قبل إصدار القرار بإطلاق تقنية أو تطوير منتج أو إنشاء مصنع أو بدء قنوات توزيع جديدة: هل يريد عملاؤهم ذلك؟ وما حجم السوق؟ وهل سيكون الاستثمار مجدياً؟ وكلما طرح المدراء أسئلة أكثر من هذا القبيل وحصلوا على أجوبتها، كانت استثماراتهم أكثر توافقاً مع احتياجات عملائهم.

ويمثّل ما سبق الطريقة التي على الشركات جيدة الإدارة العمل بها. صحيح؟ لكن ماذا قد يحدث عندما يرفض العملاء تقنية جديدة أو منتجاً جديداً أو طريقة مختلفة لممارسة الأعمال التجارية لأنها لا تلبي احتياجاتهم بشكل فاعل كما يفعل النهج الحالي للشركة؟ لم تكن متاجر التصوير الكبيرة، التي تمثل أساس قاعدة عملاء “زيروكس”، تستخدم في البداية أجهزة النسخ الصغيرة والبطيئة، ولم يكن عملاء “بيسيرس إيري” من مقاولي الحفر ممن كانوا يعتمدون على الحفارات الكبيرة التي تعمل بالبخار والديزل يريدون حفارات هيدروليكية أصغر حجماً وأضعف أداءً، كما كان الحال في بداياتها. أما عملاء “آي بي إم”، من تجار وصناعيين وجهات حكومية، فلم يروا أي استخدامات حالية لأجهزة الحواسب الصغيرة. وفي كل حالة، كانت الشركة تصغي لعملائها، ثم تعطيهم المنتج الذي يرغبونه والذي يقدم الأداء الذي يبحثون عنه. لكن في نهاية المطاف، تأثرت تلك الشركات بالتقنيات ذاتها التي كان عملاؤها يدفعونها لتجاهلها.

ولقد لاحظنا هذا النمط مراراً ضمن دراسة مستمرة لشركات رائدة في مجموعة متنوعة من الصناعات التي واجهت تغييراً تقنياً. وتُظهر الدراسة كيف تتصدر معظم الشركات الراسخة التي تُدار قطاعاتها جيداً، فيما يتعلق بتطوير التقنيات الجديدة وتسويقها، طالما أن هذه التقنيات تلبي احتياجات الأداء الخاصة بعملائها، حيث تجري تحسينات إضافية عليها وتطلق تعديلات تكنولوجية جديدة. لكن في الوقت نفسه، نادراً ما تكون هذه الشركات نفسها في الصدارة فيما يتعلق بتسويق تقنيات جديدة لا تلبي، في البدايات على الأقل، احتياجات عملائها التقليديين العاديين، وتكون جذابة فقط للأسواق الصغيرة أو الناشئة.

يجب على المدراء الحذر من تجاهل التقنيات الجديدة التي لا تلبي، في البدايات على الأقل، احتياجات عملائهم الرئيسين.

ويكاد يكون من المستحيل، باستخدام عمليات الاستثمار التحليلية العقلانية التي طورتها معظم الشركات المدارة جيداً، تقديم المبررات المقنعة لتحويل الموارد من أمور معروفة تلبي احتياجات العملاء بالفعل ضمن الأسواق القائمة إلى أسواق وعملاء يبدون غير مهمين أو لم يوجدوا بعد. ففي نهاية المطاف، تستلزم تلبية احتياجات العملاء الأساسيين وصد المنافسين حشد جميع الموارد التي تملكها الشركة. وتركّز العمليات المستخدمة في الشركات التي تُدار جيداً على العملاء والأسواق الحالية حيث تعمل على تحديد احتياجات العملاء، والتنبؤ بالاتجاهات التقنية، وتقييم الربحية، وتخصيص الموارد عبر المقترحات التي تتنافس على نيل الاستثمار، ونقل منتجات جديدة إلى السوق. ويعتبر هذا هو الأمر الصحيح الواجب فعله، إذ صُممت هذه العمليات للتخلص من المقترحات الخاصة بالمنتجات والتقنيات لا تلبي احتياجات العملاء.

وفي الواقع، فإن العمليات والحوافز التي تستخدمها الشركات للحفاظ على تركيزها على عملائها الرئيسين ناجحة لدرجة تعميها عن ملاحظة أي تقنيات جديدة مهمة في أسواق ناشئة. وتكبّدت العديد من الشركات الكثير خلال محاولتها التعرف على المخاطر الناتجة عن تجاهل التقنيات الجديدة التي لا تلبي في بداياتها احتياجات عملائها الأساسيين. فعلى سبيل المثال، على الرغم من تخلّف أجهزة الحواسب الشخصية تقنياً عما يريده مستخدمو أجهزة الحواسب المصغّرة (minicomputer) في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، تحسنت قدرة الحوسبة للحواسب الشخصية بمعدل أسرع كثيراً مما كان يطالب به مستخدمو الحواسب المصغّرة فيما يتعلق بتلك القدرة. ونتيجةً لذلك، بدأت أجهزة الحواسب الشخصية تلبي احتياجات الحوسبة الخاصة بعملاء شركات أجهزة الحواسب المصغّرة، على غرار “وانغ” (Wang) و”برايم” (Prime) و”نكسدورف” (Nixdorf) و”داتا جينرال” (Data General) و”ديجيتال إكويبمنت كوربوريشن”، الذين بات عليهم التنافس مع أجهزة الحواسب المكتبية في عقر دارهم، حيث كان قرارهم القاضي بالإصغاء إلى رغبات عملائهم، وتجاهل ما كان في البداية تقنيات حواسب شخصية منخفضة الأداء يستخدمها عملاء غير مهمين ضمن أسواق ناشئة، قراراً منطقياً، لكن الأيام برهنت أنه كان قراراً كارثياً.

وليس من الضرورة أن تكون التغييرات التقنية التي تُلحق الضرر بالشركات الراسخة تغييرات مختلفة جذرياً أو صعبة جداً تقنياً؛ فهي ببساطة ذات صفتين: الأولى أنها عادةً ما تقدم خصائص أداء مختلفة لا تكون محل تقدير العملاء الحاليين، في البدايات على الأقل. أما الثانية، فهي تحسين خصائص الأداء التي يقدّرها العملاء الحاليون بمعدل سريع، لدرجة تصبح فيها تلك التقنية الجديدة قادرة على غزو الأسواق الراسخة لاحقاً، وفي هذه المرحلة فقط سيرغب العملاء في الحصول عليها. ولسوء حظ موردي التقنية القديمة، غالباً ما يكون وقت لحاقهم بركب التقنية الجديدة متأخراً نظراً لهيمنة رواد التقنية الجديدة على السوق فعلياً.

ومن ثم، يجب أن يكون بمقدور كبار المسؤولين التنفيذيين التعرّف على التقنيات التي تندرج ضمن الفئة السالف ذكرها، ثم عليهم حماية تلك التقنيات من العمليات والحوافز الموجهة تقليدياً لخدمة العملاء الأساسيين للشركة لكي تنمو تلك التقنيات الجديدة وتنضج حتى تكون قابلة للطرح التجاري لاحقاً. وتتمثل الطريقة الوحيدة في حماية تلك التقنيات في إنشاء مؤسسات مستقلة تماماً عن المؤسسة الأم.

وتعتبر صناعة محركات الأقراص الثابتة الخاصة بالحواسب أكبر مثال على خطر الإصغاء لما يريده العملاء. فبين عامي 1976 و1992، تحسّن أداء محركات الأقراص بمعدل مذهل، إذ تقلص الحجم الفعلي لنظام 100 ميجابايت من 5,400 بوصة مكعبة إلى 8 بوصات فقط، في حين انخفضت تكلفة كل ميجابايت من 560 دولاراً إلى 5 دولارات. وكانت التطورات التقنية وراء هذه الإنجازات المذهلة طبعاً، حيث جاءت نصف التحسينات تقريباً من تحديثات جذرية كانت جوهرية لتطوير أداء محرك الأقراص، في حين جاء النصف الآخر من التطور الطبيعي.

ويمكن رؤية النزعة ذاتها التي سادت صناعة محركات الأقراص في العديد من الصناعات الأخرى؛ إذ تقوم الشركات الرائدة والراسخة التي تقود الصناعة باستمرار، بتطوير وتبني تقنيات جديدة يطلبها عملاؤها – حتى عندما كانت تلك التقنيات تتطلب كفاءات تقنية وقدرات تصنيعية مختلفة تماماً عن تلك التي لدى الشركة. وعلى الرغم من إعادة التموضع الشديدة تلك، لم يستطع أي مُصنّع لمحركات الأقراص السيطرة على السوق أكثر من بضع سنوات، حيث سنجد دورة مستمرة، فيها تبرز شركات تطيح بالسابقة لتحصل على مكانة مرموقة فترة، قبل أن يُطاح بها بدورها على يد القادمين الجدد ممن قدموا تقنيات لم تلبِّ في البدايات احتياجات العملاء العاديين. ونتيجة لذلك، لا توجد اليوم شركة واحدة تهيمن على سوق محركات الأقراص الخارجية منذ عام 1976.

ولتوضيح الاختلافات في تأثير أنواع معينة من الابتكارات التقنية على صناعة معينة، يمكن أن يكون مفهوم مسارات الأداء مفيداً، وهو المعدل الذي يتحسن به أداء المنتج ويتوقع تحسنه مع مرور الوقت. ولكل صناعة تقريباً مسار أداء حرج. ففي الحفارات الميكانيكية، كان المسار الحرج التحسن السنوي في مساحة الأرض التي يمكن حفرها بالمتر المربع في الدقيقة. أما في آلات النسخ، فالمسار هو عدد النسخ الناتجة في الدقيقة، في حين تعتبر السعة التخزينية أحد المقاييس المهمة لأداء الأقراص، وقد ارتفعت بمعدل 50% سنوياً ​​لحجم محدد من محركات الأقراص.

تؤثر الأنواع المختلفة من الابتكارات التقنية على مسارات الأداء بطرق مختلفة. فمن ناحية، تميل التقنيات المستدامة إلى الحفاظ على معدل التحسن؛ أي إنها تمنح العملاء شيئاً أكثر أو أفضل في السمات التي يقدرونها بالفعل. فعلى سبيل المثال، عنصر الأغشية الرقيقة في محركات الأقراص، الذي حل محل رؤوس “فريت” التقليدية وأقراص الأُكسيد بين عامي 1982 و1990، مكّن من تسجيل المعلومات بكثافة أكبر على الأقراص. وكان المهندسون يحاولون جاهدين دفع حدود الأداء التي يمكنهم اكتسابها من رؤوس الفريت وأقراص الأكسيد، ولكن بدا من الواضح أن محركات الأقراص التي تستخدم هذه التقنيات وصلت إلى نهاياتها. وعندها، ظهرت تقنية جديدة هي الأغشية الرقيقة التي مكنت من متابعة المسار التاريخي لتحسين الأداء.

لكن من ناحية أخرى، تقدم التقنيات المزعزعة خصائص مختلفة تماماً عما يقدره العملاء تاريخياً، وغالباً ما يكون أداء إحدى الخصائص التي يوليها العملاء أهمية خاصة سيئاً جداً، وقد يشمل أيضاً أكثر من واحدة. وكقاعدة عامة، لا يرغب العملاء العاديون في استخدام منتج مُزعزِع في تطبيقات يعرفونها ويفهمونها. ويميل استخدام التقنيات المزعزعة في البدايات إلى أن يكون محصوراً في أسواق جديدة أو ضمن تطبيقات جديدة فقط؛ وفي الواقع، قد تساهم تلك التقنيات في ظهور أسواق جديدة عموماً. فعلى سبيل المثال، كانت أجهزة راديو الترانزستور المبكرة من “سوني” ذات نقاء صوت محدود، لكنها خلقت سوقاً جديدة تختص بأجهزة الراديو المحمولة، وفيها يتم تقدير خصائص جديدة مختلفة عن السوق السابقة، على غرار الحجم الصغير والوزن الخفيف وقابلية الحمل.

وبالعودة إلى صناعة الأقراص الصلبة، سنجد أن الشركات القائدة كانت تتعثر عند كل نقطة تغيير تكنولوجي مزعزِعة: فعندما تقلص قطر محركات الأقراص من 14 بوصة إلى 8 بوصات، ثم إلى 5.25 بوصة، وأخيراً إلى 3.5 بوصة. عرضت كل تقنية في البدايات سعة تخزين أقل كثيراً من تلك التي يطلبها المستخدم العادي في السوق. فعلى سبيل المثال، قدّم محرك الأقراص مقاس 8 بوصات عند طرحه سعةً بلغت 20 ميجابايت، في حين كانت السوق الأساسية لمحركات الأقراص وقتها—وهي الحواسب المركزية— تطلب أقراصاً بسعة 200 ميجابايت في المتوسط. ومن ثم، لم يكن مستغرباً رفض الشركات الرائدة في مجال الحواسب الأقراص مقاس 8 بوصات. ونتيجةً لذلك، لم يتابع الموردون عن قرب، ممن يقدمون منتجات رئيسة تتألف من محركات أقراص مقاس 14 بوصة بسعة تزيد عن 200 ميجابايت، ذاك المنتج المُزعزِع. وتكرر هذا النمط عند ظهور محركات الأقراص مقاس 5.25 بوصة و3.5 بوصة، حيث رفض صناع الحواسب الراسخون محركات الأقراص تلك باعتبارها تقدم سعات غير كافية، ومن ثم تجاهلها مصنّعو محركات الأقراص بدورهم.

وصحيح أن الأقراص الجديدة كانت تقدم سعة تخزين أقل، لكنها قدمت بدورها خصائص أخرى مختلفة. فعلى سبيل المثال، قدمت المحركات مقاس 8 بوصات مصدر طاقة داخلي وحجماً أصغر، في حين قدمت المحركات مقاس 5.25 بوصة حجماً أكثر صغراً ومحرك قرص منخفض الكلفة؛ أما المحركات مقاس 3.5 بوصة فقد قدمت بدورها الصلابة وخفة الوزن وقلة استهلاك الطاقة. وتسبب توفر محركات الأقراص الثلاثة تلك في ظهور أسواق أجهزة الحواسب المصغرة، ثم أجهزة الحواسب الشخصية، ثم أجهزة الحواسب المحمولة، على امتداد الفترة من أواخر السبعينيات وحتى منتصف الثمانينيات.

وكان كل قرص من تلك الأقراص تطوراً طبيعياً رغم الطبيعة المزعزعة التي مثلها وقتها، إذ كان هناك بالفعل مهندسون ضمن الشركات الرائدة أيدوا تلك الأقراص الجديدة وصمموا نماذج أولية منها قابلة للتصنيع. كما كان هناك مهندسون، في العديد من الشركات الرائدة ممن دافعوا عن التقنيات الجديدة، صمموا نماذج أولية قابلة للطرح التجاري، مستخدمين موارد غير رسمية قبل نيلهم موافقة الإدارة الرسمية عليها لاحقاً. لكن لم تتمكن الشركات الرائدة من طرح تلك المنتجات عبر قنواتها إلى السوق في الوقت المناسب، إذ إنه في كل مرة ظهرت فيها تقنية مزعزِعة، فشل ما بين نصف وثلثي الشركات المصنعة القائمة في تقديم نماذج تستخدم تلك البنية الجديدة، وذلك في تناقض صارخ مع قيامها هي نفسها بإطلاق تقنيات ثورية مستدامة في الوقت المناسب. وعندما أطلقت تلك الشركات نماذج جديدة، كانت دخيلة على الصناعة ومتأخرة قرابة عامين، وهو ما يعد تدهوراً في صناعة تدوم دورة حياة منتجها عامين في الغالب. وقادت الموجات الثلاثة تلك شركات جديدة على السوق استولت بدايةً على أسواق جديدة، ثم تفوقت على الشركات الراسخة في الأسواق الرئيسة، لتخسر أمام شركات جديدة قادمة، وهكذا دواليك.

فكيف يمكن لتقنيات كانت في البداية قليلة الأهمية ومفيدة فقط للأسواق الجديدة أن تهدد في النهاية عرش الشركات الرائدة في الأسواق القائمة؟ حالما ترسخت البنى المزعزِعة في أسواقها الجديدة، تسببت الابتكارات المتواصلة في زيادة أداء كل واحدة منها بشكل هائل ومتصاعد بشدة، لدرجة أنها باتت قادرة على تلبية احتياجات العملاء في الأسواق الراسخة بالفعل. فعلى سبيل المثال، كان محرك الأقراص مقاس 5.25 بوصة في بداياته في عام 1980 بسعة 5 ميجابايت فقط، التي كانت سعة أقل مما يحتاجه سوق الحواسب المصغّرة، لكنه تطور لتزيد سعته باطراد، ثم لينافس بقوة في سوق الحواسب المصغّرة بحلول عام 1986، ثم في سوق أجهزة الحواسب المركزية بحلول عام 1991. (راجع الرسم البياني “كيف لبّى أداء محرك الأقراص احتياجات السوق”).

وتلعب هياكل الإيرادات والتكلفة للشركة دوراً مهماً في الطريقة التي تقيِّم بها الابتكارات التقنية المقترحة. فبشكل عام، تبدو التقنيات المُزعزِعة غير جذابة مالياً للشركات القائمة، إذ إن الإيرادات المحتملة من الأسواق المميزة صغيرة، وغالباً ما يصعب تقدير حجم أسواق التقنية على المدى الطويل. ويستنتج المدراء عادةً أنه لا يمكن للتقنية أن تقدم مساهمة ذات مغزى في نمو شركاتهم؛ ومن ثم، لا تستحق مجهود الإدارة اللازم لتطويرها. بالإضافة إلى ذلك، في العديد من الشركات الراسخة، تكون الهياكل الخاصة بخدمة التقنيات المستدامة أعلى كلفةً من تلك التي تتطلبها التقنيات المُزعزِعة. ونتيجةً لذلك، يجد المدراء أنفسهم عادة أمام خيارين عند تقرير ما إذا كانوا سيواصلون استخدام التقنيات المُزعزِعة: الأول هو الدخول إلى السوق وقبول هوامش الربح المنخفضة في الأسواق الناشئة التي ستتقبل تلك التقنيات المُزعزِعة في البداية. أما الثاني فهو أخذ التقنية الجديدة ومحاولة دخول قطاعات السوق التي لا تزال هوامش الربح فيها مرتفعة. (على سبيل المثال، لا تزال هوامش ربح الحواسب المركزية لشركة “آي بي إم” أعلى مقارنةً بأرباح الحواسب الشخصية). وستختار أي عملية عقلانية لتخصيص الموارد في الشركات الذهاب وخدمة الأسواق القائمة عبر التسويق والدعم بدلاً من خدمة تلك الناشئة.

أما مدراء الشركات التي كان لها الصدارة في تقديم التقنيات المُزعزِعة ضمن الأسواق الناشئة فيرون العالم بشكل مختلف تماماً، إذ تجد هذه الشركات الأسواق الناشئة جذابة، لعدم امتلاكها هياكل التكلفة العالية التي لدى نظرائها من الشركات الراسخة. وبمجرد أن تقوم الشركات بتأمين موطئ قدم لها بالأسواق وتحسّن أداء تقنياتها، ستبدو الأسواق القائمة جذابة؛ أي تلك الأسواق التي يخدمها حالياً الموردون ذوو التكلفة العالية. وعندما تهاجم تلك الشركات الناشئة هذه الأسواق فعلاً، ستجد أن مقاومة اللاعبين الحاليين في السوق ضعيفة لأنهم لم يكونوا مستعدين لذلك؛ بسبب نظرتهم إلى السوق من أعلى، ومن ثم، لم ينتهبوا للتهديد القادم من أسفل.

ومن المغري أن نتوقف عند هذه النقطة وأن نستنتج درساً مهماً يجب علينا كلنا أن نتعلمه: يمكن للمدراء تلافي تفويتهم للموجة التالية من التقنيات عبر منحهم الاهتمام الكافي للتقنيات التي يمكنها أن تتسبب في زعزعة التقنيات الحالية، وتلك التي لا تلبي احتياجات العملاء الحاليين. لكن التعرف على تلك الموجة شيء، ومعرفة كيفية اختراقها شيء آخر؛ فعلى الرغم من غزو الداخلين للأسواق القائمة بتقنيات جديدة ثلاث مرات متتالية، لم يبدُ أن أياً من القادة الرائدين في صناعة محركات الأقراص تعلموا من تجارب أولئك الذين سقطوا أمامهم. ولا يمكن أن يفسّر قصر نظر الإدارة أو عدم وجود التبصر هذه الإخفاقات. والمشكلة هي أن المدراء يواصلون القيام بما نجح في الماضي: تلبية الاحتياجات المتنامية بسرعة لعملائهم الحاليين. العمليات التي طورتها الشركات الناجحة والمدارة جيداً لتخصيص الموارد بين الاستثمارات المقترحة غير قادرة على تحويل الموارد إلى برامج لا يريدها العملاء الحاليون بشكل صريح، ويبدو أن هوامش الربح غير جذابة.

لم يتعلم أي من القادة الرائدين في صناعة محركات الأقراص من تجارب أولئك الذين سقطوا أمامهم.

وترتبط إدارة تطوير التقنية الجديدة ارتباطاً وثيقاً بالعمليات الاستثمارية للشركة، حيث تتشكل معظم المقترحات الاستراتيجية – لإضافة سعة أو تطوير منتجات أو عمليات جديدة – ضمن المستويات الأدنى للمؤسسات داخل مجموعات الهندسة أو فرق المشروع. ثم تستخدم الشركات أنظمة التخطيط والميزنة التحليلية للاختيار من بين المرشحين المتنافسين على الأموال. وتعد مقترحات إنشاء أعمال تجارية جديدة في الأسواق الناشئة صعبة بشكل خاص لأنها تعتمد على تقديرات غير موثوق بها لحجم السوق. وليس من المستغرب أن يدعم المدراء من المستوى المتوسط ​​والعالي المشاريع التي تتم إدارتها جيداً في الشركات المدارة جيداً؛ نظراً لقدرة المدراء على وضع الرهانات المناسبة. والمدراء يركزون الموارد، كما تم تدريبهم، على المشاريع التي يمكنها الوفاء بمتطلبات العملاء الموثوقين ممن تجلب خدمتهم أرباحاً للشركة، فضلاً عن العمل على البقاء على مقربة من العملاء الرائدين. ويتم تقليل المخاطر – وحماية الوظائف – عبر إعطاء العملاء المعروفين ما يريدون.

وتوضح تجربة شركة “سيجيت تكنولوجي” (SeagateTechnologyعواقب الاعتماد على عمليات تخصيص الموارد هذه عند محاولة تقييم التقنيات المُزعزِعة. وكانت “سيجيت تكنولوجي”، الواقعة في سكوت فالي في كاليفورنيا، بلا جدال واحدة من أكثر الشركات نجاحاً وكفاءةً في تاريخ صناعة الإلكترونيات الدقيقة: إذ ارتفعت إيراداتها منذ إنشائها في عام 1980 ارتفاعاً هائلاً لتصل إلى أكثر من 700 مليون دولار بحلول عام 1986. وكانت رائدة في محركات الأقراص الثابتة مقاس 5.25 بوصة والمورد الرئيس لشركات تصنيع أجهزة الحواسب الشخصية المتوافقة مع “آي بي إم” وأجهزة “آي بي إم” ذاتها. وكانت الشركة الرائدة في مجال محركات الأقراص مقاس 5.25 بوصة في تلك الفترة التي بدأت فيها بوادر محركات الأقراص مقاس 3.5 بوصة في الظهور في منتصف الثمانينيات (التي كانت التقنية المُزعزِعة وقتها).

كان المهندسون في “سيجيت تكنولوجي” ثاني من استطاع تطوير نماذج أولية قابلة للتسويق لمحركات أقراص 3.5 في هذه الصناعة، إذ كانوا، بحلول أوائل عام 1985، قد صنعوا ما يفوق 80 نموذجاً من هذه النماذج مع مستوى منخفض من تمويل الشركة. وعرض المهندسون الطُرز الجديدة على كبار المسؤولين التنفيذيين في مجال التسويق، في الوقت نفسه الذي كانت الصحف تذكر فيه عمل “سيجيت تكنولوجي” النشط على تطوير محركات أقراص مقاس 3.5 بوصة. لكن لم يُظهر أي عميل من عملاء “سيجيت تكنولوجي” الرئيسين مثل “آي بي إم” وغيرها من الشركات المصنعة لأجهزة الحواسب الشخصية أي اهتمام بالمحركات الجديدة. لقد أرادوا إدراج محركات أقراص بسعة 40 ميجابايت و60 ميجابايت في طرزهم الجديدة، في حين كان محرك 3.5 بوصة المقدّم من “سيجيت تكنولوجي” بحجم 10 ميجابايت فحسب. ورداً على ذلك، خفّض المسؤولون التنفيذيون للتسويق في “سيجيت تكنولوجي” توقعات مبيعاتهم لمحركات الأقراص الجديدة.

وأشار المسؤولون التنفيذيون والمسؤولون الماليون في الصناعة إلى عيب آخر في محركات الأقراص 3.5 بوصة، إذ كانت محركات الأقراص الجديدة، وفقاً لتحليلهم، غير قابلة لمنافسة 5.25 أبداً فيما يتعلق بالتكلفة لكل ميجابايت، وهو مقياس مهم كان عملاء “سيجيت تكنولوجي” يستخدمونه لتقييم محركات الأقراص. وبالنظر إلى هيكل تكلفة “سيجيت تكنولوجي”، كانت الطرازات مقاس 5.25 بوصة ذات السعة العالية تقدم وعوداً بهوامش ربح أعلى كثيراً من تلك الموجودة في المنتج الجديد الأصغر.

وقرر كبار المدراء بعقلانية أن المحرك مقاس 3.5 بوصة لن يوفر حجم المبيعات وهوامش الربح التي تحتاجها “سيجيت تكنولوجي” من منتج جديد. ويتذكر مسؤول تسويق سابق في الشركة القصة قائلاً: “لقد احتجنا إلى نموذج جديد يمكن أن يصبح (إس تي 412) التالي (وهو محرك مقاس 5.25 بوصة يحقق مبيعات سنوية تزيد على 300 مليون دولار كان يقترب من نهاية دورة حياته)”. وآنذاك، كانت سوق محركات الأقراص مقاس 3.5 بوصة بكاملها أقل من 50 مليون دولار، ما جعل هذه السوق غير مناسبة للشركة سواء من حيث المبيعات أم الأرباح.

ولم يكن التخلي عن محرك الأقراص مقاس 3.5 بوصة إشارة إلى عدم رضا “سيجيت تكنولوجي” عن الابتكار، إذ قدمت الشركة على مر السنوات التالية طرازات جديدة من المحركات مقاس 5.25 بوصة بمعدل متسارع مع مجموعة رائعة من التحسينات التقنية المستمرة، وذلك على الرغم من إحالة الشركة أجزاءً كبيرة من خطوطها التصنيعية إلى التقاعد لتقادمها.

وبينما كان انتباه “سيجيت تكنولوجي” منصبّاً بالكامل على سوق أجهزة الحواسب الشخصية، أسس موظفون سابقون في “سيجيت تكنولوجي” وشركات أخرى تُصنّع محركات أقراص مقاس 5.25 بوصة، ممن كانوا محبطين من تأخر أصحاب عملهم في إطلاق محركات أقراص مقاس 3.5 بوصة، شركة جديدة تدعى “كونر بيرفيرالز” (Conner Peripherals) التي ركزت على بيع محركات أقراص مقاس 3.5 بوصة للشركات في الأسواق الناشئة لأجهزة الحواسب المحمولة ومنتجات سطح المكتب صغيرة الحجم (أجهزة الحواسب التي تشغل مساحة أصغر على المكتب). وكان العميل الرئيس للشركة هو “كومباك”، عميل لم تتعامل معه “سيجيت تكنولوجي” مطلقاً. وقلل ازدهار “سيجيت تكنولوجي” وتركيز “كونر” على العملاء الذين يريدون سمات مختلفة في محرك الأقراص (على غرار المتانة والحجم والوزن)، من استشعار “سيجيت تكنولوجي” لأي خطر محتمل من “كونر” (Conner) والمحرك مقاس 3.5 بوصة الخاص بها.

لكن بعدما تصدّرت “كونر” السوق الناشئة لأجهزة الحواسب المحمولة، انتقلت بعد ذلك إلى تحسين سعة التخزين لمحركاتها بنسبة 50% سنوياً لتصبح سعة المحركات مقاس 3.5 بوصة بنهاية عام 1987 تكفي متطلبات سوق أجهزة الحواسب الشخصية السائدة. وفي هذه المرحلة، عاد المسؤولون التنفيذيون في “سيجيت تكنولوجي” إلى محرك الأقراص مقاس 3.5 بوصة الخاص بشركتهم المركون على الرف، وقدموه للسوق كرد فعل دفاعي على هجوم الشركات الداخلة مثل “كونر” و”كوانتم كوربوريشن” (Quantum Corporation) – الشركة الرائدة الأخرى في محركات الأقراص مقاس 3.5 بوصة – ولكن حدث ذلك بعد فوات الأوان. فبحلول ذلك الوقت، واجهت “سيجيت” منافسة قوية. ولفترة من الزمن، تمكنت فيها الشركة من الدفاع عن سوقها الحالية من خلال بيع محركات أقراص 3.5 بوصة لقاعدة عملائها الراسخة من مصنعي وموردي أجهزة الحواسب الشخصية كاملة الحجم. في الواقع، استمر شحن نسبة كبيرة من منتجاتها بحجم 3.5 بوصة في علب مقاس 5.25 بوصة، وهو ما مكّن عملاءها من تركيبها ضمن أجهزة الحواسب المصممة لاستيعاب محركات الأقراص مقاس 5.25 بوصة. لكن في النهاية، لم تصبح “سيجيت” إلا مورداً من الدرجة الثانية في سوق الحواسب المحمولة الجديدة.

وعلى النقيض من ذلك، أنشأت “كونر” و”كوانتوم” موقعاً مهيمناً في سوق الحواسب المحمولة الجديدة، ثم استخدمت قاعدة الحجم والخبرة في تصميم وتصنيع منتجات مقاس 3.5 بوصة لزحزحة “سيجيت” من سوق الحواسب الشخصية. وفي السنة المالية 1994، تجاوزت إيرادات “كونر” و”كوانتوم” معاً 5 مليارات دولار.

يشابه توقيت “سيجيت” السيئ في الاستجابة ما تتبعه العديد من الشركات القائمة الراسخة عند مواجهة التقنيات المُزعزِعة، إذ قررت “سيجيت” دخول سوق محركات الأقراص مقاس 3.5 بوصة فقط عندما أصبحت السوق كبيرة بما يكفي لتلبية المتطلبات المالية للشركة – أي فقط عندما أراد العملاء الحاليون التقنية الجديدة. ونجت من الغرق عبر استحواذها الذكي على أعمال شركة محركات الأقراص “مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها” (Control Data Corporation) في عام 1990. وبفضل القاعدة التقنية لتلك الأخيرة وخبرة “سيجيت” في تصنيع وحدات التخزين، أصبحت الشركة لاعباً قوياً في مجال توفير محركات أقراص كبيرة السعة لأجهزة الحواسب المتطورة. ومع ذلك، أصبحت “سيجيت” الجديدة ظل نفسها السابقة في سوق الحواسب الشخصية.

ولا ينبغي أن نُفاجأ من معرفة أن قلة من الشركات استطاعت التغلب على معوقات الحجم أو النجاح، عندما واجهت تقنيات مزعزِعة. ولكن يمكن القيام بذلك، حيث سنتعرف خلال الأسطر التالية على طريقة لاكتشاف التقنيات المُزعزِعة وزراعتها.

تحديد ما إذا كانت التقنية مُزعزِعة أم مستمرة. إن الخطوة الأولى هنا هي النظر إلى التقنيات التي لا تعد ولا تحصى، الموجودة في الأفق، وتحديد أي تقنية منها قد تكون مُزعزِعة وتشكل تهديداً حقيقياً. ولدى معظم الشركات عمليات مصممة جيداً لتحديد وتتبع التقدم المحرز في التقنيات التي يحتمل أن تستمر، لأنها مهمة لخدمة العملاء الحاليين والمحافظة عليهم؛ لكن لدى قلة منها عمليات منهجية لتحديد التقنيات المُزعزِعة وتتبعها.

وتتمثل إحدى الطرق لتحديد التقنيات المُزعزِعة في النظر إلى الخلافات الداخلية التي تحدث حيال تطوير منتجات أو تقنيات جديدة. من يدعم المشروع ومن لا يدعمه؟ نادراً ما يدعم مدراء أقسام التسويق والشؤون المالية التقنية المُزعزِعة؛ بسبب حوافزهم الإدارية والمالية. لكن من ناحية أخرى، غالباً ما سيصر الموظفون الفنيون ذوو السجلات الممتازة على أن سوقاً جديدة للتقنية ستظهر – حتى في مواجهة معارضة العملاء الرئيسين والموظفين التسويقيين والماليين. وغالباً ما يشير الخلاف بين المجموعتين إلى وجود تقنية مزعزِعة يجب على المدراء رفيعي المستوى استكشافها.

ثم يجب تحديد الأهمية الاستراتيجية للتقنية المُزعزِعة، حيث تتمثل الخطوة التالية في سؤال الأشخاص المناسبين الأسئلة الصحيحة حول الأهمية الاستراتيجية للتقنية المُزعزِعة. وتميل التقنيات المُزعزِعة إلى المراوحة في المكان ضمن مرحلة المراجعات الاستراتيجية، وذلك على اعتبار أن المدراء إما يطرحون الأسئلة الخاطئة، أو يسألون الأشخاص الخطأ الأسئلة الصحيحة. فعلى سبيل المثال، لدى الشركات الراسخة إجراءات منتظمة لسؤال العملاء العاديين – وخاصة أولئك المهمين منهم ممن يختبرون الأفكار الجديدة بالفعل – لتقييم قيمة المنتجات المبتكرة. ويُختار هؤلاء العملاء بشكل عام لأنهم من يبذلون أقصى جهدهم للبقاء في صدارة منافسيهم في دفع أداء منتجاتهم. ومن ثم، من المحتمل أن يطلب هؤلاء العملاء أعلى أداء من مورديهم. ولهذا السبب، يكون العملاء الرئيسون دقيقين بشكل موثوق عندما يتعلق الأمر بتقييم إمكانات التقنيات المستدامة، لكنهم غير دقيقين بشكل موثوق عندما يتعلق الأمر بتقييم إمكانات التقنيات المُزعزِعة. فهم الفئة الخطأ عندما يتعلق الأمر بطرح الأسئلة.

الرسم البياني البسيط الخاص بأداء المنتج، الذي يمثّل محوره الرأسي الأسواق الرئيسة بينما محوره المحور الأفقي هو الوقت، يمكن أن يساعد المدراء على تحديد الأسئلة الصحيحة والأشخاص المناسبين لطرحها عليهم. وعليك في البداية رسم خط يوضح مستوى الأداء ومسار تحسين الأداء الذي تمتع به العملاء تاريخياً، ويحتمل أن يتوقعوه في المستقبل. ثم تحديد موقع مستوى الأداء الأولي المقدّر للتقنية الجديدة. فإذا كانت التقنية مزعزِعَة، فستكون النقطة في موضع أقل بكثير من الأداء الذي يطلبه العملاء الحاليون. (انظر الرسم البياني “كيفية تقييم التقنيات المُزعزِعة”).

ما الميل المحتمل لتحسين الأداء للتقنية المُزعزِعة مقارنة بميل تحسين الأداء الذي تطالب به الأسواق الحالية؟ إذا اعتقد تقنيو المعرفة أن التقنية الجديدة قد تتقدم أسرع من طلب السوق لتحسين الأداء، فإن هذه التقنية، التي لا تلبي احتياجات العملاء اليوم، ستلبيها جيداً غداً. ومن ثم، ستكون تلك التقنية الجديدة أمراً بالغ الأهمية من الناحية الاستراتيجية.

وبدلاً من اتباع ذلك النهج، يطرح معظم المدراء الأسئلة الخاطئة، إذ يقارنون المعدل المتوقع لتحسن أداء التقنية الجديدة بأداء التقنية الحالية المستخدمة، في منطق ينص على أنه إذا كان لدى التقنية الجديدة القدرة على تخطّي تلك القائمة، فعليهم الانشغال في تطويرها.

ويعتبر هذا المنطق بسيطاً، لكنه يميل بشدة أيضاً لصالح التقنيات المستمرة، على اعتبار أنه لا ينظر إلى الأمر الجوهري الكامن وراء تقييم التقنيات المُزعزِعة المحتملة. ولم تتمكن تقنيات مُزعزِعة عديدة درسناها من تخطي تلك القديمة، والأمر المهم هنا هو مسار التقنية المُزعزِعة مقارنةً بالسوق. فعلى سبيل المثال، لا يتمثل سبب تقلص سوق أجهزة الحواسب المركزية في تفوق أجهزة الحواسب الشخصية عليها في الأداء، إنما في تلبية الحواسب الشخصية المتصلة بشبكة خادم ملفات احتياجات الحوسبة وتخزين البيانات في العديد من المؤسسات بشكل أكثر كفاءة. ولا يعود سبب معاناة صانعي أجهزة الحواسب المركزية إلى أن أداء تقنية الحوسبة الشخصية أفضل من أداء الحواسب المركزية، بل لأنها تلبي الأداء الذي تتطلبه السوق القائمة.

لنعد إلى الرسم البياني من جديد. فإذا اعتقد الفنيون أن التقنية الجديدة ستتقدم بنفس معدل طلب السوق لتحسين الأداء، فقد تكون التقنية المُزعزِعة أبطأ في اجتياح الأسواق القائمة. تذكر أن “سيجيت” استهدفت الحوسبة الشخصية، حيث الطلب على سعة القرص الصلب لكل جهاز كمبيوتر ينمو بنسبة 30% سنوياً. ونظراً لأن سعة محركات الأقراص 3.5 بوصة قد تحسنت بمعدل أسرع كثيراً، فقد تمكنت الشركات الرائدة في صناعة محركات الأقراص 3.5 بوصة من إخراج “سيجيت” من السوق. ومع ذلك، فقد استهدفت شركتان أخريان صانعتان لمحرك الأقراص سعة 5.25 بوصة، وهما “ماكستور” (Maxtor) و”مايكروبوليس” (Micropolis)، سوق محطات العمل الهندسية، حيث كان ثمّة طلب نَهِم على سعة كبيرة للقرص الصلب. وفي تلك السوق، كان مسار السعة المطلوبة متوازياً بشكل أساسي مع مسار تحسين القدرات الذي يمكن أن يوفره الفنيون في البنية مقاس 3.5 بوصة. كنتيجة لذلك، كان دخول مجال محركات مقاس 3.5 بوصة أقل أهمية استراتيجياً لتلك الشركات مقارنةً بـ”سيجيت”.

حدّدْ موقع السوق الأولية للتقنية المُزعزِعة. بمجرد أن يقرر المدراء أن إحدى التقنيات الجديدة هي تقنية مُزعزِعة ومهمة استراتيجياً، تتمثل الخطوة التالية في تحديد الأسواق الأولية لتلك التقنية. ونادراً ما تكون أبحاث السوق مفيدة، رغم أنها الأداة التي اعتمد عليها المدراء تقليدياً: إذ إنه في الوقت الذي تحتاج فيه الشركة إلى تقديم التزام استراتيجي بالتقنية المُزعزِعة، لا توجد سوق ملموسة لها. فعندما طلب إدوين لاند من باحثي سوق بولارويد تقييم المبيعات المحتملة لكاميرته الجديدة، خلصوا إلى أن بولارويد ستبيع 100 ألف كاميرا فقط على مدى عمر المنتج؛ وتخيل قلة ممن قابلوهم الاستخدامات المحتملة للتصوير الفوري.

ونظراً إلى أن التقنيات المُزعزِعة تشير في كثير من الأحيان إلى ظهور أسواق أو قطاعات سوقية جديدة، يجب على المدراء إنشاء معلومات حول هذه الأسواق؛ على غرار من هم العملاء المحتملون، وما أبعاد أداء المنتج الأكثر أهمية بالنسبة إليهم، وما الأسعار المناسبة. ويمكن للمدراء إنشاء هذا النوع من المعلومات فقط عبر تقديم تجارب سريعة متكررة ورخيصة مع كل من المنتج والسوق.

ويعتبر من الصعوبة بمكان للشركات الراسخة إجراء مثل هذه التجارب؛ نظراً لأن عمليات تخصيص الموارد التي تعتبر حيوية للربحية والقدرة التنافسية لن توجه الموارد إلى أسواق ستكون فيها المبيعات صغيرة نسبياً، ولا يجب عليها أصلاً فعل ذلك. ومن ثم، كيف يمكن إذاً لشركة راسخة سبر أغوار السوق حيال تقنية مُزعزِعة؟ يجب أن تجري الشركات الناشئة هنا تلك التجارب، سواء أكان ذلك بتمويل من الشركة الراسخة أم لا. وتتميز المؤسسات الصغيرة الجائعة بالقدرة على وضع الرهانات الاقتصادية، وتلقي اللكمات بمرونة، وتغيير استراتيجيات المنتج والسوق سريعاً استجابةً لملاحظات الطرح الأولي في السوق.

تتمتع المؤسسات الصغيرة الجائعة بالجودة في تغيير استراتيجيات المنتج والسوق سريعاً.

ولننظر إلى شركة “آبل” في أيامها الأولى عندما كانت شركة ناشئة. كان المنتج الأصلي للشركة، جهاز “آبل وان”، متخبطاً عند طرحه في عام 1977، لكن لم تضع “آبل” رهاناً كبيراً عليه وتعلمت الكثير من طرحه على المستخدمين الأوائل. فقد زود “آبل وان” الشركة بالكثير من الأفكار بخصوص التقنية الجديدة وحول ما يريده العملاء وما يرفضونه. وبنفس القدر من الأهمية، عرفت مجموعة من العملاء بدورها الأشياء التي تريدها في حاسب شخصي بالضبط. وانطلاقاً من تلك المعلومات، أطلقت “آبل”، جهاز “آبل تو” الذي حقق نجاحاً كبيراً.

كان يمكن للعديد من الشركات تعلم نفس الدروس القيمة عبر مراقبة “آبل” عن كثب. وفي الواقع، تتبع بعض الشركات استراتيجية واضحة، حيث تفضل أن تكون في الصف الثاني فيما يتعلق بالاختراع، إذ تسمح للرياديين الصغار بقيادة الطريق إلى منطقة السوق المجهولة. فعلى سبيل المثال، سمحت “آي بي إم” لـ”آبل” و”كومودور” (Commodore) و”تاندي” (Tandy) بتحديد معالم سوق الحواسب الشخصية قبل أن تدخل هي لاحقاً السوق بقوة وتُنشئ قطاع الحاسب الشخصي الكبير.

لكن النجاح النسبي لشركة “آي بي إم” في الدخول إلى سوق جديدة متأخرة يمثل الاستثناء وليس القاعدة. ففي كثير من الأحيان، تضع الشركات الناجحة أداء السوق الصغيرة من ضمن المعايير المالية ذاتها التي تطبقها على أداء السوق الكبيرة، حيث تقوم الشركات، في محاولة للتأكد من أنها تستخدم مواردها بشكل جيد، بتعيين عتبات عالية نسبياً لحجم الأسواق التي تفكر في دخولها، سواء أكان ذلك بشكل صريح أم ضمني، وهو ما يتسبب في دخولها متأخرة إلى أسواق مليئة بالفعل بلاعبين أقوياء.

فعلى سبيل المثال، عندما ظهر محرك الأقراص مقاس 3.5 بوصة، احتاجت “سيجيت” إلى منتج يقدم لها أرباحاً سنوية بقيمة 300 مليون دولار لاستبدال طرازها الناضج مقاس 5.25 بوصة المسمى “إس تي 412″، في حين لم يكن حجم سوق المحركات مقاس 3.5 بوصة كبيراً بما يكفي. وبعد عامين من ذلك، وعندما سألت الصحف التجارية “سيجيت” عن موعد إطلاقها محركها مقاس 3.5 بوصة، أجاب المسؤولون التنفيذيون في الشركة أنه لم توجد له سوق بعد. وفي الواقع كانت السوق موجودة، وكانت تنمو بسرعة. إن الإشارات التي تشير إلى أن “سيجيت” كانت تتعامل مع السوق، والتي تأثرت كما كانت من قبل العملاء الذين لا يريدون محركات أقراص مقاس 3.5 بوصة، كانت مضللة. وعندما قدمت الشركة أخيراً المحرك مقاس 3.5 بوصة في عام 1987، كان قد بيع من تلك المحركات بالفعل ما يزيد ثمنه عن 750 مليون دولار في السوق. وكانت المعلومات حول حجم السوق متاحة على نطاق واسع في جميع أنحاء الصناعة، لكن ذلك لم يكن مقنعاً بدرجة كافية لتحويل تركيز مدراء “سيجيت” ممن استمروا في النظر إلى السوق الجديدة من خلال عيون عملائهم الحاليين وفي سياق هيكلهم المالي الحالي.

دفعت “سيجيت” ثمن السماح للشركات الناشئة بقيادة الطريق إلى الأسواق الناشئة.

ويعد وضع صانعي محركات الأقراص الرائدة اليوم تجاه أحدث التقنيات المُزعزِعة، محركات مقاس 1.8 بوصة، مألوفاً للغاية، حيث صمم كل واحد من رواد الصناعة نموذجاً واحداً أو أكثر من محركات الأقراص الصغيرة لتوضع تلك النماذج لاحقاً على الأرفف. وسعة تلك الأقراص منخفضة للغاية بحيث لا يمكن استخدامها في أجهزة الحواسب المحمولة، ولا أحد يعرف حتى الآن مكان السوق الأولية لمحركات أقراص 1.8 بوصة، لكن آلات الفاكس والطابعات وأنظمة تعيين لوحة معلومات السيارات كلها مرشحة. وشكا أحد المسؤولين التنفيذيين في هذا المجال قائلاً: “لا توجد سوق. لدينا المنتَج وفريق مبيعاتنا جاهز لتلقي الطلبات، لكن لا يوجد أي طلب؛ لأنه لا أحد يحتاج ذاك المنتج. إنه فقط قابع هناك”. ولم يلاحظ هذا المدير التنفيذي حقيقة أنه لا حافز لفريق المبيعات لبيع محركات الأقراص مقاس 1.8 بوصة بدلاً من المنتجات ذات هوامش الأرباح المرتفعة التي يبيعونها للعملاء الذين يطلبونها بكميات هائلة. وعلى الرغم من أن محرك الأقراص مقاس 1.8 بوصة يجلس على الرف في شركته وشركات أخرى، فقد بيع ما قيمته 50 مليون دولار منها العام الماضي فقط على يد الشركات الناشئة بالكامل تقريباً. ويُقدّر سوق محركات مقاس 1.8 بوصة هذا العام بحوالي 150 مليون دولار.

فشلت كل شركة حاولت إدارة الأعمال السائدة والمزعزِعة في مؤسسة واحدة.

ويجب على المدراء التنفيذيين أن يرصدوا بأنفسهم المعلومات المتاحة عن تقدم الشركات الرائدة، من خلال اجتماعات شهرية مع التقنيين والأكاديميين ورأسماليي المشاريع، ومصادر المعلومات غير التقليدية الأخرى؛ لتجنب السماح للشركات الصغيرة والرائدة بالسيطرة على الأسواق الجديدة، إذ لا يمكنهم الاعتماد على القنوات التقليدية للشركة في قياس الأسواق؛ لأن تلك القنوات غير مصممة لهذا الغرض.

ضع مسؤولية بناء أعمال تقنية مزعزِعَة على عاتق مؤسسة مستقلة. تُعرف على نطاق واسع أهمية استراتيجية تشكيل فرق صغيرة للعمل على المشاريع الصغيرة لعزل تلك المشاريع بعيداً عن المطالب الخانقة في المؤسسات الراسخة، لكن لا يتم تطبيق هذه الاستراتيجية جيداً. فعلى سبيل المثال، عزْل فريق من المهندسين حتى يتمكنوا من تطوير تقنية مستدامة جديدة تماماً لمجرد أن هذه التقنية مختلفة تماماً، يعد مثالاً على التطبيق السيئ لتلك الفكرة. كما يعد تحويل الإدارة إلى ذاك المنتج بالكامل غير ضروري أيضاً في حال حدث أن باتت التقنية المزعزِعة أكثر جاذبية مالياً من المنتجات الحالية. فكر في انتقال “إنتل” (Intel) من رقائق ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية (DRAM) إلى المعالجات الدقيقة، إذ حقق عمل “إنتل” في مجال المعالجات الدقيقة في وقت مبكر هامشاً إجمالياً أعلى من نشاط رقائق الذاكرة الخاص بها؛ بمعنى آخر، إن عملية تخصيص الموارد العادية من “إنتل” تزود بطبيعة الحال القطاع الجديد بالموارد التي يحتاج إليها. (روبرت بورجلمان (Robert Burgelman)، “ذكريات الخبو: نظرية عملية إنهاء الأعمال الاستراتيجية في البيئات الديناميكية” (Fading Memories: A Process Theory of Strategic Business Exit in Dynamic Environments)، المجلة الفصلية للعلوم الإدارية 39 (1994)، الصفحات 24-5

ويعدُّ إنشاء مؤسسة منفصلة ضرورياً فقط عندما يكون للتقنية المُزعزِعة هامش ربح أقل من الأعمال الرئيسة وعليها خدمة الاحتياجات الفريدة لمجموعة جديدة من العملاء. نجحت “مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها” (CDC)، على سبيل المثال، في إنشاء مؤسسة مستقلة لتسويق محرك الأقراص بحجم 5.25 بوصة. ففي عام 1980، كانت “مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها” المورد الرئيس المستقل لمحرك الأقراص نظراً لخبرتها في تصنيع محركات أقراص مقاس 14 بوصة لصانعي أجهزة الحواسب المركزية. وعندما ظهر محرك الأقراص مقاس 8 بوصة، أطلقت شركة “مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها” جهداً للتطوير في وقت متأخر، لكن مهندسيها كانوا يُسحبون مراراً من المشروع لحل المشكلات الخاصة بالمشاريع الأكثر ربحية ذات الأولوية العليا التي هي أقراص مقاس 14 بوصة والموجهة إلى أهم عملاء الشركة. ونتيجةً لذلك، تأخرت “مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها” في طرح منتجها الأول من مقاس 8 بوصة، وكانت حصته من السوق أقل من 5%.

وعندما وصل جيل مقاس 5.25 بوصة، قررت “مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها” أنها ستواجه التحدي الجديد بطريقة أكثر استراتيجية، حيث عينت الشركة مجموعة صغيرة من المهندسين والمسوقين في أوكلاهوما سيتي في ولاية أوكلاهوما، بعيداً عن عملاء المؤسسة الرئيسين، وطلبت منهم تطوير منتج تنافسي بحجم 5.25 بوصة وتسويقه. ويتذكر أحد المدراء التنفيذيين الأمر قائلاً: “لقد احتجنا إلى إطلاقه في بيئة يشعر فيها الناس بالحماس في حال عُرضت ميزانية قدرها 50 ألف دولار، إذ إنه في مينيابوليس، تحتاج إلى ميزانية بقيمة مليون دولار لإبهار أي شخص”. ولم تقم “مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها” مطلقاً باستعادة نسبة 70% التي كانت تتمتع بها سابقاً في سوق محركات أقراص الحواسب المركزية، لكن جلبت لها عملية أوكلاهوما سيتي حصة 20% من سوق محركات الأقراص مقاس 5.25 بوصة عالية الأداء.

لو كانت شركة “آبل” قد أنشأت مؤسسة مماثلة لتطوير مساعدها الرقمي الشخصي “نيوتن” (Newton)، فلربما كان أولئك الذين رأوا أن المشروع فاشل هم أنفسهم من أعلنوا نجاحه. فعند إطلاق المنتج، ارتكبت شركة “آبل” خطأ التصرف كما لو كانت تتعامل مع سوق راسخة، حيث بدأ مدراء “آبل” العمل على مشروع المساعد الرقمي الشخصي انطلاقاً من افتراض أنه سيقدم مساهمة كبيرة في نمو الشركة. ومن ثم، أجروا أبحاثاً شاملة عن رغبات العملاء ثم ضخوا مبالغ ضخمة لإطلاق نيوتن. ولو أن “آبل” قدمت رهاناً تقنياً ومالياً أكثر تواضعاً وعهدت “بنيوتن” إلى شركة صغيرة بذات الحجم الذي كانت عليه “آبل” عندما أطلقت حاسب “آبل ون”، لكانت النتيجة مختلفة. وربما كان سيُنظر إلى “نيوتن” على نطاق أوسع باعتباره خطوة قوية إلى الأمام في السعي لاكتشاف ما يريده العملاء حقاً. فقد بيع من “نيوتن” أكثر بكثير مما بيع من “آبل” في العام الأول من طرح كلا الجهازين.

حافظ على المؤسسة المُزعزِعة مستقلة. يمكن للشركات الراسخة فقط السيطرة على الأسواق الناشئة من خلال إنشاء مؤسسات صغيرة على غرار التي أنشأتها “مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها” في أوكلاهوما سيتي. ولكن ما الذي يجب عليهم فعله عندما تصبح السوق الناشئة كبيرة وراسخة؟

يفترض معظم المدراء أنه بمجرد أن تصبح المنتجات العرضية قابلة للتطبيق تجارياً في سوق جديد، فإن عليهم دمجها في المؤسسة الرئيسة انطلاقاً من فكرة إمكانية مشاركة التكاليف الثابتة المرتبطة بأنشطة الهندسة والتصنيع والمبيعات والتوزيع عبر مجموعة أوسع من العملاء والمنتجات.

يجب على الشركة امتلاك القدرة على تقبّل فكرة احتضار وحدة عمل، لكي تتمكن هي من الحياة. 

قد ينجح هذا النهج مع التقنيات المستمرة؛ لكن يمكن أن يؤدي إلى عواقب كارثية في حالة التقنيات المزعزِعة. فعندما يتم دمج المؤسستين المستقلة والرئيسة معاً من أجل مشاركة الموارد، ستظهر إلى السطح الحجج المنهِكة لا محالة، مثل أي مجموعة يجب أن تحصل على الموارد، وما إذا كان ينبغي أو متى يمكن تفكيك المنتجات المؤكدة. ففي تاريخ صناعة محركات الأقراص، فشلت كل شركة حاولت إدارة الأنشطة الرئيسة والمُزعزِعة داخل مؤسسة واحدة.

وبغض النظر عن الصناعة، تتألف أي شركة من وحدات أعمال ذات فترات حياة محدودة: حيث ستختفي في النهاية القواعد التقنية والسوقية لأي عمل تجاري. والتقنيات المُزعزِعة هي جزء من تلك الدورة. ويمكن للشركات التي تفهم هذه العملية إنشاء أعمال جديدة لتحل محل تلك التي ستموت في نهاية المطاف. وللقيام بذلك، يجب على الشركات أن تطلق لمدراء الابتكار المزعزِع العنان من أجل تحقيق الإمكانات الكاملة للتقنية – حتى لو كان ذلك يعني في النهاية قتل الأعمال الرئيسة. ويجب على الشركة أن تكون مستعدة لتقبّل فكرة احتضار وحدة عمل لكي تتمكن هي من الحياة. لأنها إذا لم تقتلها الشركة بنفسها، فسيفعل المنافسون ذلك.

إن مفتاح الازدهار في نقاط التغيير المُزعزِعة ليس مجرد تحمل المزيد من المخاطر، أو الاستثمار على المدى الطويل، أو محاربة البيروقراطية؛ بل هو إدارة التقنيات المُزعزِعة المهمة استراتيجياً في سياق تنظيمي، حيث تخلق الطلبيات الصغيرة الطاقة، وحيث تكون الغزوات منخفضة التكلفة سريعة في أسواق غير محددة، وحيث تكون النفقات العامة منخفضة بما يكفي للسماح بالربح حتى في الأسواق الناشئة.

ويمكن لمدراء الشركات الراسخة إتقان التقنيات المُزعزِعة بنجاح غير عادي. لكن عندما يسعون إلى تطوير وإطلاق تقنية مزعزِعَة يرفضها العملاء المهمون في سياق المتطلبات المالية للأعمال السائدة، فإنهم يفشلون – ليس لأنهم يتخذون القرارات الخاطئة، ولكن لأنهم يتخذون القرارات الصحيحة للظروف التي على وشك أن تصبح من التاريخ.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

Content is protected !!