كيف تغير دور الشركات في المجتمع عام 2020؟

12 دقيقة
دور الشركات في المجتمع في عام 2020
استوديو كاكتوس كرييتف/ ستوكسي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: ما أهم 10 قصص عن تقاطع قطاع الأعمال والمجتمع في 2020؟ وكيف تغيّر دور الشركات في المجتمع عام 2020؟ تأتي القضايا المتعلقة بفيروس “كوفيد” على رأس القائمة، وتشمل الطرق التي اتبعتها الشركات في الابتكار والعراقيل التي أسفرت عن تعطيل قطار التنمية المستدامة. ويتصدرها أيضاً عدد من الموضوعات المهمة، كاستمرار رحلة الاستغناء عن الوقود الأحفوري وتضاؤل أهميته، والتوسع في تعريف مسؤولية الشركات، ورفع الشركات لشعار “حياة السود مهمة” (واتخاذ الكثير منها إجراءات ملموسة في هذا الصدد)، واتساع رقعة الدعوات المنادية بإصلاح الرأسمالية.

 

كان عام 2020 قاسياً إلى أقصى حد، لكنه لم يشأ أن يرحل دون بقعة ضوء كبيرة في نهاية النفق المظلم.

تعرضت الحياة البشرية والاقتصادية لخطر الدمار التام بسبب جائحة عالمية تحدث مرة واحدة كل قرن من الزمان، مأساة مشوبة بالغموض كادت تهلك الحرث والنسل. ولكن نجحت شركة “فايزر” و”موديرنا” (Moderna) وغيرهما من شركات الأدوية في تحقيق ما يشبه المعجزة العلمية، وأنتجت ما بدا أنه لقاحات فاعلة للغاية لفيروس “كوفيد-19” بحلول شهر ديسمبر/كانون الأول من العام 2020. وهكذا، صار هناك بصيص أمل جديد بعد عام من الخسائر الفادحة.

لكن في حين أن فيروس “كوفيد” كان قصة العام الماضي، إلا أنه لم يكن بحال من الأحوال القصة الوحيدة، فقد تواصلت تحدياتنا الجسام الأخرى، ونمت للأسف بشكل أكبر. فقد بات التفاوت الاقتصادي صارخاً، وازداد الأمر سوءاً بعد عقود من حصول أصحاب الدخل المرتفع على كل مكاسب الثروة، حوالي 50 تريليون دولار في الولايات المتحدة وحدها. واستطاع جميع المليارديرات الأميركيون جني ثروة بقيمة تريليون دولار خلال الجائحة. وازدادت مخاطر التغير المناخي ضراوة أكثر من أي وقت مضى وشهدنا هبوب موجات أعنف من العواصف والموجات الحارة والحرائق واسعة الانتشار بصورة قياسية في أستراليا وكاليفورنيا، حتى إن عام 2020 قد يكون أكثر الأعوام سخونة على الإطلاق.

واستجابت الحكومات للأزمات الاقتصادية الناجمة عن الجائحة بتقديم الإعانات، حيث ضخت دول العالم حوافز مالية بقيمة 20 تريليون دولار تقريباً في الاقتصاد، وهو ما يقدّر بحوالي ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وذلك لمساعدة الأفراد والشركات على البقاء. ومع هذا القدر الكبير من رأس المال، وأزماتنا الأخرى التي تلوح في الأفق، دعا الكثيرون إلى “إعادة البناء بشكل أفضل”، أي أنظف وأكثر عدلاً وأكثر استدامة، وهو الشعار الذي تبناه المرشح الرئاسي الأميركي آنذاك جو بايدن أيضاً.

وأخيراً، أدت المظاهرات التي اندلعت في الولايات المتحدة احتجاجاً على وحشية الشرطة إلى إثارة النقاش العالمي حول قضايا التمييز العنصري.

ومن هنا، يمكن القول إن العام 2020 قد شهد أحداثاً أكثر بكثير من المعتاد، وهو ما يعني أن قطاع الأعمال قد تغير إلى الأبد. ولا يمكن تغطية كل الأحداث في قائمة واحدة، ولكني سأورد فيما يلي 10 قصص وموضوعات لفتت انتباهي.

1. تعطل قطار التنمية المستدامة بسبب تفشي فيروس “كوفيد”

كانت الدول والشركات تحرز تقدماً ملموساً في علاج معظم أسقام العالم بمعدلات ثابتة، حتى لو لم يكن بالسرعة الكافية لمتطلبات العلم. لكن تقرير الأمم المتحدة الصادر في يوليو/ تموز حول أهداف التنمية المستدامة (SDGs) أظهر تراجعاً مؤلماً في كل المؤشرات تقريباً. فقد ارتفع عدد الفقراء في العالم للمرة الأولى منذ 20 عاماً، وتعرضت مئات الملايين من فرص العمل إما للفقدان التام أو التآكل الجزئي، وتلقت المرأة على وجه الخصوص ضربة قوية بعد عقود من التقدم نحو المساواة في مكان العمل.

ومن المفارقات العجيبة أن التحسن الوحيد كان في انبعاثات الغازات الدفيئة، حيث أدى توقف عجلة الإنتاج إلى خفض الانبعاثات بنحو 7%، لكن ذلك سلط الضوء على التحدي الأهم والذي يشير إلى أننا نحتاج إلى اتخاذ خطوة كهذه كل عام لتجنب أسوأ نتائج التغير المناخي، وعلى الشركات والحكومات التي تسعى لتحقيق الاستدامة أن تعمل بجد أكثر من أي وقت مضى.

2. دخول الابتكار على الخط في قطاع الأعمال لمساعدة العالم على التكيف مع مرض “كوفيد”

تعرضت سلاسل التوريد العالمية لضغوط لم تحدث من قبل مع تصاعد الجائحة. إذ يتم إنتاج أهم المستلزمات الطبية الضرورية للتعامل مع تبعات الأزمة، كالكمامات والقفازات، في مواقع مثل ووهان بالصين والتي تعرضت للإغلاق بسبب الفيروس. ونفد مخزون المستلزمات الطبية. وبالتالي كان على الشركات بمختلف أحجامها أن تتعامل سريعاً مع الأزمة، فهرولت إلى تغيير خطوط الإنتاج وتوفير المستلزمات الطبية والدعم.

ولك أن تنظر إلى هذه الأمثلة التوضيحية المستقاة من عشرات القصص الدالة على سرعة التغيير التشغيلي والتعاون غير العادي.

فقد عملت شركات مثل “بي آند جي” على رفع معدلات إنتاج مُعقمات اليدين، فيما عملت شركات أخرى، مثل “إل في إم آتش” (LVMH)، على تحويل مصانع العطور إلى خطوط لإنتاج سوائل التعقيم إسهاماً منها في تلبية الطلب المتزايد على هذه المواد. واتجهت شركة “فوكس كون” (Foxconn)، شريك “آبل”، إلى صناعة أجهزة التنفس الصناعي وواقيات الوجه. وتعاونت “فورد” مع شركة “ثري إم” (3M) لصناعة أقنعة التنفس، كما تعاونت مع “جنرال إلكتريك” واتحاد “عمال السيارات المتحدون” (United Auto Workers) لإنتاج أجهزة التنفس الصناعي. وعملت شركة “ميدترونيك” (Medtronic)، الرائدة في مجال صناعة الأجهزة الطبية، على تيسير سبل الإنتاج للجميع من خلال إتاحة مواصفات تصميماتها مجاناً لأحد أجهزة التنفس الصناعي المملوكة لها حصراً. وراح الكثير من شركات الملابس يصنع الملابس الطبية الواقية والكمامات، مثلما حدث في هذا الإجراء المضحك لشركة “فاناتكس” (Fanatics) المتخصصة في صناعة ملابس البيسبول للفرق المحترفة حينما قررت صناعة ملابس طبية واقية تشبه قمصان الفرق الرياضية. وأخيراً، لدينا عمالقة التكنولوجيا بقيادة شركة “آي بي إم” ووزارة الطاقة الأميركية  اللتين أنشأتا اتحاد الحوسبة عالية الأداء لتقديم موارد حوسبة عالية المستوى لخدمة المنظومة العلمية التي تعمل على مكافحة الجائحة.

3. تعامل الشركات مع القضايا الماسة بالأفراد بصورة جيدة… وسيئة

تعرّضت قطاعات بأكملها للاختفاء التام بين عشية وضحاها، مثل قطاع الضيافة والسياحة. وخسر الكثير من العلامات التجارية للأغذية والمنتجات الاستهلاكية كل مبيعاتها في القنوات التجارية، ولكنها حققت بعض المكاسب في قطاع البيع بالتجزئة وتوصيل الطلبات إلى المنازل مباشرة. وكانت هذه التغييرات التاريخية تعني حدوث تغييرات جذرية في الوظائف والكثير من الإجازات وتسريح العمال. وقد تعامل الكثير من الشركات مع هذه الأزمة بصورة جيدة، واضعة العنصر البشري في المقام الأول، حيث بادر رؤساؤها التنفيذيون بتخفيض أجورهم فوراً إسهاماً منهم في توفير المال لرواتب الموظفين ومزاياهم الوظيفية، حتى إن كبار المسؤولين التنفيذيين في شركة “كومكاست” (Comcast) تبرعوا بكل رواتبهم. ولقي سلوك براين تشيسكي، الرئيس التنفيذي لشركة “إير بي إن بي”، إشادة واسعة لإرساله خطاباً صريحاً وصادقاً إلى الموظفين حول عمليات التسريح اللازمة. وعندما انتعشت أعمال “إيكيا” بشكل أسرع مما كان متوقعاً، أعادت الأموال التي تلقتها من 9 حكومات مقابل دفع أجور العاملين الموقوفين مؤقتاً.

لكن هناك شركات أخرى لم تكن على قدر المسؤولية. فقد سارع عدد من كبرى الشركات في المملكة المتحدة بإعادة تعويضات المسؤولين التنفيذيين إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الأزمة بعد بضعة أسابيع، واستغلت بعض الشركات التي تقدمت بطلب لإشهار إفلاسها، مثل “جي سي بيني” (JCPenney) و”هرتز” Hertz و”تشسابيك إنرجي” (Chesapeake Energy)، ثغرات قانونية لضمان حصول مسؤوليها التنفيذيين على العلاوات الإضافية والتي تصل إلى عدة ملايين من الدولارات… في حين يجري تسريح آلاف العاملين وإغلاق المحال والمكاتب. وبالطبع لم تكن تلك لفتة طيبة بالمرة.

4. تزايد الطموحات بشأن المناخ والاستدامة، على الرغم من كل ذلك

حددت “مايكروسوفت” في يناير/كانون الثاني من العام 2020 الهدف المناخي الأكبر في العالم وقطعت على نفسها العهود بوصول نسبة انبعاثاتها الكربونية إلى الصفر عام 2030، ومعادلة كل انبعاثاتها منذ تأسيس الشركة في عام 1975، وذلك بحلول عام 2050، لتكون أول شركة تحقق الحياد الكربوني بأثر رجعي. وما كان من “جوجل” إلا أن سارعت برفع سقف التحدي واشترت تعويضات الكربون لمعادلة انبعاثاتها الكربونية على مدار تاريخها فوراً، وقطعت على نفسها عهداً بتشغيل عملياتها باستخدام الطاقة المتجددة في مواقعها الميدانية عام 2030. واستهدفت “آبل” تحقيق الحياد الكربوني على طول سلسلة التوريد عام 2030 على نحو ما فعلت ستاربكس، حينما وضعت قائمة مفصلة بالفحص النافي للجهالة لتغيير سلوك المستهلك وسلوكيات سلاسل التوريد. وصرحت “أمازون” بأنها ستحقق الحياد عام 2040 وأعادت تسمية منطقة “كي أرينا” (KeyArena) في سياتل لتصبح “كلايمت بليدج أرينا” (Climate Pledge Arena).

كما توسعت أهداف استخدام الأراضي والتنوع البيولوجي في العام 2020 أيضاً. فقد خصصت شركة “يونيليفر” مليار يورو لاستصلاح الأراضي وعزل الكربون، وقالت “وول مارت” إنها ستتكفل بحماية 50 مليون فدان من الأراضي بالإضافة إلى مليون ميل مربع من مياه المحيط للإسهام في تحولها إلى “شركة إصلاحية”، وقطعت شركة الملابس العملاقة “كيرينغ” (Kering) على نفسها عهداً بالتعامل بإيجابية تامة فيما يخص التنوع البيولوجي، لاستصلاح 6 أضعاف مساحة الأرض التي تستخدمها سلاسل التوريد الخاصة بها. وعلى الجانب الاجتماعي، صرحت “ماستركارد” بأنها تعتزم ربط مليار شخص و50 مليون شركة صغيرة و25 مليون امرأة بالاقتصاد الرقمي.

5. استمرار رحلة الاستغناء عن الوقود الأحفوري وتضاؤل أهميته

كانت الطاقة المتجددة المصدر الرئيسي لتوليد حوالي 90% من الطاقة الكهربية المضافة مؤخراً إلى شبكة الكهرباء على مستوى العالم في عام 2020، حيث بلغ سعر الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية 1.5 سنت لكل كيلوواط ساعة. وستحل الطاقة النظيفة محل الفحم كأكبر مصدر للطاقة عام 2025.

وأوردت صحيفة “نيويورك تايمز” في أبريل/نيسان أن “شركات النفط في سبيلها إلى الانهيار“. وقد انخفضت القيمة المالية لعمالقة النفط والغاز، مثل “إكسون” و”شل” و”بي بي” وغيرها، بنسبة الثلث مقارنة بقيمتها القصوى بناءً على حساباتي. ومنذ أن تخلت شركة “أورستيد” (Orsted) الدنماركية عن الغاز والفحم لصالح توليد الطاقة من الرياح البحرية، فإن قيمتها حتى كتابة هذه السطور تفوق قيمة شركة “بي بي” بربع الإيرادات.

قصص أخرى بارزة حول هذا الموضوع، حيث أنتج مصنع “فولكس فاغن” الذي مضى على إنشائه 116 عاماً آخر سيارة تعمل بمحرك احتراق، وتحول إلى صناعة السيارات الكهربائية. وأعلنت “يونيليفر” أنها ستنفق مليار يورو للبحث عن بدائل واستبدال المواد الكيميائية المستخلصة من الوقود الأحفوري في منتجات التنظيف التي تحمل علامتها التجارية. وصرحت “جوجل” بأنها ستمتنع من الآن فصاعداً عن إنشاء خوارزميات لمساعدة الشركات العاملة في قطاع النفط والغاز على إيجاد المزيد من الوقود واستخراجه. وستتوقف شركة “صن كورب” (Suncorp) للتأمين عن تمويل شركات النفط والغاز أو التأمين عليها بداية من عام 2025.

6. مواصلة المستثمرين التحرك نحو “استيعاب” أهداف البيئة والمجتمع والحوكمة

ترتفع نبرة الحديث عن أهداف البيئة والمجتمع والحوكمة عاماً بعد آخر، ولكن بدا هذا العام وكأنه نقطة تحول. فقد قرر عدد كبير من البنوك، مثل “صن كورب”، الخروج من مشاريع الوقود الأحفوري والاستثمار في المشاريع التي تلبي أهداف البيئة والمجتمع والحوكمة.

وبدأ العام بما أصبح الآن طقساً سنوياً، رسالة من أكبر مالك للأصول في العالم، أي شركة “بلاك روك” (Blackrock)، إلى المستثمرين والشركات حول أهداف البيئة والمجتمع والحوكمة. حيث أوضح الرئيس التنفيذي لاري فينك في العام 2020 أن التغير المناخي ومخاطره النظامية ستعيد تشكيل المشاريع التمويلية. وقالت شركة “تي رو برايس” (T. Rowe Price) إن الإفصاح عن أهداف البيئة والمجتمع والحوكمة أصبح الآن الموضوع رقم واحد على طاولة مناقشات المشاريع مع إدارة الشركة. وأظهر استقصاء أُجري من قبل مؤسسة “مورغان ستانلي” أن 80% من مالكي الأصول يدمجون أهداف البيئة والمجتمع والحوكمة في عملية الاستثمار، بعد أن كانت نسبتهم 70% فقط عام 2017.

والتزمت “مورغان ستانلي”، جنباً إلى جنب مع بعض كبار المستثمرين من أمثال “صندوق نيويورك لمعاشات التقاعد” (New York Pension Fund) و”ماكويري لإدارة الأصول” (Macquarie Asset Management)، بامتلاك محافظ استثمارية خالية من الانبعاثات عام 2040 أو 2050 (بعد فوات الأوان لأن الاستثمارات تؤدي إلى إنشاء بنية تحتية طويلة الأمد لمحطات الطاقة، لكنها بداية لا بأس بها على أي حال). وصرح أكبر صندوق سيادي في العالم بالنرويج بأنه سيفرض على الشركات إبداء مزيد من الإفصاح عن أهداف البيئة والمجتمع والحوكمة، بما في ذلك السياسات المتعلقة بالتغير المناخي وأهداف تقليل الانبعاثات. وأعلن صندوق “روكفلر برازرز” (Rockefeller Brothers) أن خفض استخدام الوقود الأحفوري ساعده في التفوق على السوق.

7. رفع شعار “حياة السود مهمة” في عالم الأعمال

حقق الوعي بالتمييز العنصري قفزة جبارة إلى الأمام عام 2020. ولعب فيروس “كوفيد” دوراً ملموساً من نواح عدة، فقد تراوح عدد الحالات المصابة بالفيروس ودخول المستشفيات والوفيات بين سكان الولايات المتحدة ذوي البشرة السمراء واللاتينيين والأميركيين الأصليين ما بين ضعف إلى أربعة أضعاف الأميركيين ذوي البشرة البيضاء. لكن مقطع الفيديو القاسي والشهير لمقتل الأميركي جورج فلويد كان نقطة تحول.

أثار مقطع الفيديو موجة من المسيرات الاحتجاجية العفوية حول العالم، وبالإضافة إلى ذلك فقد أحست كل المؤسسات تقريباً بأن الواجب يملي عليها أن تقول أو تفعل شيئاً لدعم حركة “حياة السود مهمة” وإظهار التزامها بالعدالة. فقطع الكثير من الشركات على نفسه عهداً برفع مستوى تمثيل ذوي البشرة السمراء في الإدارة ورفع معدلات شراء المستلزمات من جهات التوريد المملوكة لذوي البشرة السمراء. فتعهدت “مايكروسوفت”، مثلاً، بشراء 500 ميغاواط من الطاقة الشمسية من مجتمعات الأقليات وشركاتهم التجارية إسهاماً منها في نصرة قضيتهم، وستخصص سلسلة “سيفورا” 15% من مساحة الأرفف في محالها التجارية للعلامات التجارية المملوكة لذوي البشرة السمراء (انقر هنا للحصول على قائمة أكثر شمولاً من الإجراءات).

كانت الحركات الرمزية على قدر كبير من الأهمية أيضاً. فقد أعلنت “بيبسيكو” تخليها عن صور علاماتها التجارية القديمة مثل “آنت جميما” (Aunt Jemima) و”أنكل بن” (Uncle Ben) وأعلنت “ناسكار” (NASCAR) عن حظر علم الكونفدرالية في سباقاتها (يرمز هذا العلم إلى الكونفدرالية خلال حقبة الحرب الأهلية الأميركية والعبودية). ووجدت الكثير من الشركات طرقاً مؤثرة للتعبير عن أسفها لوقوع خسائر في الأرواح. فقد أعلنت قنوات “فياكوم سي بي إس” (ViacomCBS) عن إظلام شاشاتها لمدة 8 دقائق و46 ثانية (مقدار الوقت الذي اختنق فيه فلويد حتى الموت). وجاء أقوى بيان رأيته من مصدر غير متوقع على الإطلاق، ألا وهو موقع BabyNames.com. فقد عُرف بأنه موقع خفيف يمكن التعرف من خلاله على معاني الأسماء واختيار الأنسب منها لأطفالك حديثي الولادة، إلا أن الموقع نشر صندوقاً أسود بسيطاً بأحرف بيضاء يسرد أسماء العشرات من الرجال والنساء ذوي البشرة السمراء الذين لقوا حتفهم على يد رجال الشرطة أو العنصريين ذوي البشرة البيضاء، مصحوباً بعبارة بسيطة تقول: “كل واحد من هذه الأسماء كان اسماً لطفل في يوم من الأيام”.

8. التوسع في تعريف مسؤولية الشركات

أقدمت شركة التعدين العملاقة “ريو تينتو” (Rio Tinto) في شهر مايو/أيار من العام 2020 على توسيع منجم لخام الحديد، ما أسفر عن تدمير موقعين أثريين قديمين للسكان الأصليين في غرب أستراليا. وأدت الفضيحة التي أعقبت هذه الحادثة إلى إقالة الرئيس التنفيذي جيان سيباستيان جاك. وأعلنت هيئة تحرير “فايننشال تايمز” أن إقالته كانت “دليلاً على القوة المتنامية للاستثمار المسؤول اجتماعياً”. وألقت الصحيفة باللوم على مجلس الإدارة أيضاً.

الدرس المستفاد من هذه القصة هو أن أسلوب تعامل الشركات مع أصحاب المصلحة المعنيين، كالمجتمعات والموظفين، بات الآن مسألة أساسية في الحكم على أداء المسؤولين ذوي المناصب التنفيذية العليا. وقد قدم لنا العام 2020 مثالاً آخر لا يقل أهمية، حينما تلقت “ديزني” انتقادات حادة إثر إصدارها فيلم الحركة الحية “مولان”. حيث تم تصوير جزء من الفيلم في مناطق من الصين يتعرض فيها ما لا يقل عن مليون من مسلمي الأويغور للاحتجاز القسري، وهي إحدى أسوأ كوارث حقوق الإنسان في العالم. وتتزايد مسؤولية الشركات عن وضع تعريف أوسع بكثير “لتأثيرها” على المجتمع يتجاوز الآثار المادية مثل التلوث البيئي أو استخدام الأراضي. تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن كل ما يسهم في مجتمع يفتقر إلى العدالة مطروح على الطاولة.

9. دفاع الشركات عن ركائز المجتمع

شهد العام 2020 تزايد المخاطر المهددة للديموقراطية في مختلف أنحاء العالم، وخاصة في الولايات المتحدة والبرازيل. لكن الشركات نجحت في التصدي لها من نواح عدة،

فهناك أولاً تمكين الأفراد من التصويت في الانتخابات. حيث وقع ما يقرب من 2,000 شركة في الولايات المتحدة على وثيقة بعنوان “إجازة التصويت” يُمنح الموظفون بموجبها إجازة مدفوعة الأجر للقيام بواجبهم المدني. حتى إن “تارغت” و”واربي باركر” (Warby Parker) و”كومباس كوفي” (Compass Coffee) و”أولد نيفي” (Old Navy) التابعة لشركة “غاب” (Gap Inc.) منحت الموظفين إجازة مدفوعة الأجر إبان انتخابات الرئاسة الأميركية.

هناك أيضاً التهديد المجتمعي المتمثل في المعلومات المضلّلة والتي غالباً ما تنتشر على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وفي محاولة منها للإسهام في مكافحة هذه الظاهرة، أقدم عدد من كبرى العلامات التجارية في العالم، بداية من “أديداس” و”بيست باي” (Best Buy) وصولاً إلى “كوكاكولا” و”يونيليفر” و”فانز” (Vans) و”وايت كاسل” (White Castle) بالترتيب الأبجدي، على سحب إعلانات بعشرات الملايين من الدولارات من “فيسبوك“.

ترتبط مشكلة المعلومات المضلّلة هذه ارتباطاً وثيقاً بالهجمات الموجهة إلى العلوم ومحاولات زعزعة الثقة فيها والتي قد تكون التطور الأخطر في السنوات الأخيرة. وقد أيدت كل من مجلة نيو إنغلاند الطبية” البالغ عمرها 208 أعوام ومجلة “ساينتفيك أميركان” البالغ عمرها 175 عاماً مرشحاً بعينه للرئاسة الأميركية للمرة الأولى في تاريخهما. كلتاهما أيدت الرئيس المنتخب جو بايدن لأن “دونالد ترامب أضر بالولايات المتحدة وشعبها بشدة بسبب رفضه الدليل والعلم”، على حد وصف مجلة “ساينتفيك أميركان”.

10. تزايد الدعوات المنادية بإعادة تعريف الرأسمالية

تزايدت الدعوات المنادية بإعادة البناء على نحو أفضل، وهو ما جعل الكثيرين منا، لاسيما ريبيكا هندرسون الأستاذة في “كلية هارفارد للأعمال” وملياردير صناديق التحوط راي داليو، يسعون إلى المناداة ببعض الحلول الجادة للمشاكل المتأصلة في الرأسمالية خلال تطبيقها. فلا يمكن افتراض الاستدامة أو العدالة في نظام يتأثر بعوامل دخيلة غير مسعرة ويوجه كل الثروة إلى القمة.

وقد كشفت الاستجابة العالمية لأزمة “كوفيد” أن تقديم حوافز بقيمة 20 تريليون دولار يثبت أن الحكومات ستتخلى عن النيوليبرالية وأيديولوجية السوق الحرة عندما تتأزم الأمور. لذا ربما كان علينا تكثيف الاستثمار في البنى التحتية الاجتماعية والمادية لاكتساب الصلابة والقدرة على التحمل قبل وقوع الكارثة. وقد أحسنت هيئة تحرير “فايننشال تايمز” (مجدداً) إذ عبرت عن هذه المعضلة بإيجاز: “يكشف الفيروس هشاشة العقد الاجتماعي“. حيث أوضحوا أن “السياسات التي كانت تعتبر حتى وقت قريب شاذة، مثل ضرائب الدخل الأساسي والثروة” ستكون مطروحة على طاولة النقاش.

وتلعب الشركات دوراً ملموساً في المساعدة على تحفيز إعادة التوزيع العادل للثروة من خلال الدعوة الإيجابية أيضاً للتغيير ومن خلال سياساتها الخاصة. ويتبنى عدد من كبرى شركات الملابس، مثل “أديداس” و“باتاغونيا” (Patagonia) و”ماتر” (Matter) و”إيفرلين” (Everlane)، دفع أجور المعيشة في سلاسل التوريد الخاصة بها. كما رفض المستثمر والملياردير المعروف بول تودور جونز، المؤسس المشارك لشركة “جاست كابيتال” (Just Capital) المكرسة لبناء اقتصاد يعود بالنفع على الجميع، في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي ما أسماه “العقيدة الزائفة للأجور المنخفضة” ودعا الشركات إلى تبني أجور تكفل معيشة كريمة.

قد نستلهم فكرة أخيرة حول درسين تعلمناهما من العام الماضي. أولاً: تستطيع الشركات أن تغير عقيدتها ودورها بسرعة كبيرة عندما تضطر إلى ذلك، وهو ما ثبت بالدليل العملي حينما أُعيد تنظيم الكثير من سلاسل الإنتاج أو التوريد في غضون أيام. ولك أن تنظر مثلاً إلى قطاع الأدوية الذي شهد إنتاج لقاحات “كوفيد” في أقل من عام. وهو ما يثبت أننا قادرون على الكثير.

ثانياً: مع توقف العالم بصورة مؤقتة في ربيع العام الماضي، نظر الملايين من سكان المدن في لوس أنجلوس وبكين وغيرهما من بقاع المعمورة إلى الأعلى ورأوا السماء زرقاء صافية. لم تكن الجائحة أمراً ساراً، لكنها أعطتنا صورة جميلة عن الحياة في عالم أكثر نظافة.

بينما يجري توزيع اللقاح حول العالم، يمكننا جميعاً أن نتطلع إلى المستقبل يحدونا الأمل أن تنتهي المعاناة في عام 2021 ومواصلة بناء عالم مزدهر للجميع. ويستمر على العموم جدول أعمال الاستدامة لأنه يجب أن يستمر حتى في خضم أزمة صحية ذات أبعاد لا يمكن تصورها على البشرية بأسرها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .