ما هي صفات العرض التقديمي المميز الذي يجذب انتباه الناس ويحفزهم على العمل؟ تُعد مؤتمرات تيد (TED talks) معياراً للعروض التقديمية الناجحة، وحتى إن هارفارد بزنس ريفيو طلبت في أحد مقالتها من مؤسس مؤتمرات تيد، كريس أندرسون، مشاركة الدروس التي استقاها من تجربته التي امتدت 3 عقود أدار فيها مؤتمرات تيد المميزة.

لكن الخبرة والحدس شيء، والبيانات والتحليل شيء آخر. ما الذي يمكن للمرء أن يتعلمه من مشاهدة 150 ساعة من مؤتمرات تيد الأكثر نجاحاً، ومحاورة العديد من المتحدثين فيها، ثم مراجعة النتائج التي توصّل إليها متخصصو الأعصاب في دراسة الإقناع وتحليلها؟ هذا ما فعلته بالضبط، وإليك ما تعلمته:

استخدم العاطفة والسرد القصصي 

نال خطاب برايان ستيفنسون في برنامج مؤتمرات تيد، “يجب أن نتحدث عن الظلم”، أطول تحية بالوقوف والتصفيق الحار في تاريخ الحدث. يعرف ستيفنسون تماماً كيف يقنع الناس بمواقفه، فهو محامي الحقوق المدنية الذي رافع في قضية المحكمة العليا “ميلر ضد ألاباما” الشهيرة التي تطالب بحظر فرض عقوبة السجن المؤبد الإلزامية من دون إخلاء السبيل المشروط على الأحداث المدانين بالقتل، وفاز بها أخيراً.

حللت محتوى حديث ستيفنسون باستخدام أنماط الإقناع الثلاثة لأرسطو. يندرج 10% من حديثه فقط ضمن فئة “الأخلاق” (ethos)، التي تهدف إلى ترسيخ مصداقية المتحدث، و25% في فئة “المنطق” (logos) أو البيانات والإحصائيات، وصنفت 65% الباقية بالكامل على أنها “العاطفة، رواية القصص” (pathos). روى ستيفنسون 3 قصص لدعم وجهة نظره في أثناء خطابه الذي استمر 18 دقيقة، كانت الأولى عن جدته، وعندما سألته لماذا بدأ بها، كانت إجابته بسيطة: “لأنه لكل منا جدة”. استعان برواية القصة لخلق اتصال الفوري مع الجمهور.

فالقصص التي تثير عواطف الناس هي تلك التي تعلّمهم وتنورهم وتلهمهم وتدفعهم إلى العمل على نحو أفضل. يمتلئ معظم محادثاتنا اليومية في مكان العمل بالبيانات بينما تفتقر إلى القصص، لكننا نحتاج إلى القصص لتعزيز وجهات نظرنا، لذلك ابدأ بدمج مزيدٍ من القصص -من تجربتك أو تجارب الآخرين أو قصص عن منتجات أو علامات تجارية (ناجحة أو فاشلة)- في كلماتك الترويجية وعروضك التقديمية.

قدّم لجمهورك شيئاً جديداً

نحب جميعاً أن نرى شيئاً جديداً ونسمع عنه. أحد المبادئ التوجيهية التي يوصي بها برنامج مؤتمرات تيد المتحدثين هو تجنب تقديم محتوى مكرر أو مبتذل للجمهور، أي الحرص على تقديم معلومات جديدة فريدة مثيرة للاهتمام أو مفاجئة.

على سبيل المثال، في أثناء عرضه التقديمي في برنامج مؤتمرات تيد عام 2009 حول تأثير الملاريا في البلدان الإفريقية، فاجأ المؤسس المشارك لشركة مايكروسوفت وصاحب الأعمال الخيرية المعروف، بيل غيتس، الحضور عندما فتح عبوة تحتوي على البعوض في منتصف حديثه، وقال حينها: “تنتقل الملاريا عن طريق البعوض بالطبع. لقد أحضرت بعضاً منها إلى هنا حتى تتمكنوا من معايشة هذه التجربة، لذلك سأطلقها هنا في القاعة، فليس من العدل أن يعاني الفقراء فقط من هذه التجربة”. طمأن غيتس الجمهور بأن هذا البعوض لا يحمل عدوى الملاريا، ولكنه لم يخبرهم بذلك إلا بعد أن جذبت حيلته انتباه جمهوره وشدتهم إلى المحادثة.

يؤكد المتخصص في الأعصاب، الدكتور أيه كيه براديب، أن أدمغتنا مجبرة على الاهتمام بالأشياء الجديدة: “إنها مجبولة على البحث عن أشياء بارزة وجديدة ومثيرة للاهتمام، أشياء لم نختبرها من قبل”. براديب جدير بمعرفة ذلك، فهو رائد في مجال التسويق العصبي، حيث يدرس الإعلانات والتعبئة ويعمل في التصميم للعلامات التجارية الكبرى التي تطرح منتجات جديدة.

يطرح المستمع في مكان العمل (المدير أو الزميل أو العميل المرتقب للمبيعات) سؤالاً واحداً على نفسه: “هل يعلمني هذا الشخص شيئاً لا أعرفه؟” إذا أردت أن تكون مقنعاً، فقدم له مواد غير متوقعة أو مفاجئة أو حلاً جديداً ومبتكراً لمشكلة قديمة.

ركّز على الجانب المرئي

تضمن خطاب روبرت بالارد في برنامج مؤتمرات تيد عام 2008 حول اكتشافه سفينة التيتانيك الغارقة على عمق 4 كيلومترات تحت سطح المحيط الأطلسي على 57 شريحة عرض خالية من أي نص. عرض بالارد صوراً ومشاهدَ ورسوماً متحركة للحياة تحت سطح البحر من دون تدوين أي كلمة عليها، وقد أحبها الجمهور فعلاً. سألته: “لماذا قدمت عرضاً تقديمياً كاملاً لا يتضمن سوى الصور؟” فأجابني: “لأنني أروي قصة ولا ألقي محاضرة”.

تظهر الأبحاث أن معظمنا يتعلم بصورة أفضل عندما تُقدم المعلومات على شكل صُور ونصوص معاً بدلاً من تقديمها في نصوص فقط، وأن المستمع لا يتذكر سوى 10% من المحتوى المقدم إذا تلقى الأفكار شفهياً دون دعمها بالصور، بينما ترتفع نسبة التذكر إلى 65% عند دعمها بالصور.

لذلك تخلّ عن الكتل النصية وقوائم التعداد النقطي في عرضك التقديمي التالي، وركز على استخدام عناصر بصرية جذابة ولافتة للاهتمام بدلاً من ذلك. استخدم الصور والرسوم المتحركة والمشاهد التي تعزز الرسالة التي تريد إيصالها إلى جمهورك لمساعدتهم على تذكرها.