هل تقبل السفر جواً مع شركة تسعّر تذاكرها حسب وزن المسافر؟

3 دقائق
خفض التكاليف في الشركات
shutterstock.com/Ozgur Coskun
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

سيطرت سويسرا على صناعة الساعات منذ أواخر القرن الخامس عشر إلى غاية النصف الثاني من القرن العشرين؛ وفي عام 1983 تحديداً، واجهت هذه الصناعة الحيوية بالنسبة لسويسرا أزمة حقيقية حيث اجتاحت اليابان سوق الساعات السويسري والأوروبي بساعات منخفضة التكلفة تعمل بتكنولوجيا شاشة البلورات السائلة، أدت إلى سقوط حر في حجم الإنتاج من 94 مليون ساعة مصنّعة عام 1974 إلى 45 مليون ساعة عام 1983، ولاح في الأفق شبح الكارثة الاجتماعية مع احتمال فقدان 60 ألف شخصاً في سويسرا لوظائفهم بسبب خفض التكاليف في الشركات.

لقد بنت الساعات السويسرية ميزتها التنافسية على مدى قرون من الخبرة في الهندسة الدقيقة (إحدى فروع الهندسة الميكانيكية)، لكن هذه الخبرة المتراكمة أصبحت في ظرف وجيز غير مجدية في مواجهة الابتكارات الإلكترونية اليابانية؛ ما الحل إذن لتخطي هذه الأزمة؟ تكمن الإجابة في العلامة التجارية “سواتش” (Swatch)، والتي كان وراء تصميمها المهندس اللامع لبناني الأصل “نيكولاس حايك” (Nicolas Hayek) الذي شغل منصب الرئيس التنفيذي لاحقاً. 

تموضع استراتيجي منخفض التكلفة

نيكولاس كان يعرف أنه لن يستطيع الفوز في مواجهة مباشرة مع اليابانيين نظراً لتفوقهم على الجميع من حيث الفعالية التشغيلية، وهو مصطلح تطرق له مايكل بورتر في مقاله الشهير “ما هي الاستراتيجية“، لذلك عمد إلى خطوة جريئة ومبتكرة، وهي غزو السوق الياباني على الأراضي اليابانية نفسها عن طريق تموضع جديد منخفض التكلفة للعلامة الجديدة “سواتش”؛ وفي سبيل تحقيق هذا التموضع الجديد، نفذ مجموعة من الخيارات الاستراتيجية مثل:

  • عملية تصنيع جديدة تستخدم 50 مكوّناً عوض 150 مكوّناً في ساعة اليد الواحدة.
  • تصميم فريد بحيث تبدو الساعات مواكِبة لصيحات الموضة الجديدة.
  • حملة تسويقية ضخمة استحوذت فيها الإعلانات على 15% من رقم الأعمال.
  • التخلي عن نقاط البيع الفخمة ومحلات الجواهر الباهظة (توزيع انتقائي) لصالح توزيع كثيف قائم على محلات صغيرة في مراكز التسوق الضخمة وحتى متاجر البيع المؤقتة.

حقق هذا التموضع الجديد نجاحاً ساحقاً مع توجيه أكثر من 90% من ساعات سواتش للتصدير، وتراجعت اليابان إلى مركز المدافع عن سوقها الرئيسي في اليابان.

تطرق مايكل بورتر إلى أُسس استراتيجية خفض التكاليف في مقاله “ما هي الاستراتيجية”، الذي يُصنف ضمن أفضل 50 مقالاً كُتب في هارفارد بزنس ريفيو، وهي واحدة من استراتيجيات بورتر العامة، لكن ممارسات خفض التكاليف توسعت كثيراً منذ ثمانينيات القرن الماضي، ولعل أشهر قطاع خدمي تظهر فيه هذه الممارسات جلياً لعموم الزبائن هو قطاع النقل الجوي للأفراد، وهنا يبرز مقال “كيف يمكن لشركات الطيران خفض التكاليف دون إزعاج العملاء؟” ليوضح لنا كيف يمكن أن تكون خدمة “تقديم الخيارات حسب الطلب” فعالة في توفير جزء معتبر من المصاريف، ثم مقال “كيف تخفض الخطوط الجوية متدنية التكلفة أسعار تذاكرها؟” ليبيّن لنا كيف استطاعت شركات مثل “راين إير” و”إيزي جيت” عرض تذاكر سفر لا يتجاوز سعرها 9 دولارات لرحلة لا تفوق مدتها ساعتين، بالإضافة إلى سرد مجموعة من الممارسات الصارمة اعتمدتها “الخطوط الجوية منخفضة التكلفة” لضغط التكاليف أقصى حدّ ممكن؛ مثل منع “راين إير” طواقم طائراتها شحن هواتفهم أثناء الرحلات توفيراً للطاقة، وإجبار طيّاريها على تناول وجباتهم أثناء الرحلة للحفاظ على الوقت، والشركة الهندية “جو إير” (Go Air) التي توظف الإناث حصراً لطواقم رحلاتها منذ عام 2013 (ما عدا الطيارين)، لأن هذا يوفر لها نحو 500 ألف دولار سنوياً من استهلاك الكيروسين نظراً لأن الإناث يزن أقل من الذكور بنحو 20 كغ في المتوسط، و”ساموا إيرلاينز” (Samoa Airlines) التي تعدّ أول خطوط جوية في العالم تسعّر التذاكر حسب وزن المسافر. لا يقتصر تخفيض التكاليف على هذا النوع من الخطوط الجوية، بل حتى الخطوط الجوية كاملة الخدمات (Full Services Airlines) تسعى لتوفير التكاليف لكن بطريقة مختلفة، ففي عام 1987، وفّرت “أميركان إيرلاينز” (American Airlines) مبلغاً قدره 40 ألف دولار من خلال حذف حبة زيتون واحدة من كل طبق مُقدَم في رحلات الدرجة الأولى!

منتجات الشركات الفاخرة التي تشبه المنتجات متدنية التكلفة

في سياق الحديث عن سعي الشركات الكبرى لتوفير التكاليف، يناقش مقال “حقيبة التسوق التي سعرها ألفي دولار وتبيعها إيكيا بدولار واحد“، أسئلة مثل لماذا تبيع الماركة الفاخرة “بالينسياغا” (Balenciaga) حقيبة بسعر ألفي دولار، مصممة على غرار حقيبة تسوق إيكيا الزرقاء التي تبيعها شركة “إيكيا” (Ikea) بقيمة دولار واحد؟ وما سر اللهفة الشديدة على حذاء “غوتشي” (Gucci) الرياضي الذي يبدو قديماً ومهترئاً؟ ولماذا يستخدم الطاهي الإيطالي كراكو، الحائز على نجمتي “ميشلان”، رقائق البطاطا التجارية منخفضة التكلفة في الوجبات التي يقدمها؟

لقد أصبح الأثرياء بحاجة إلى طرق بديلة للإشارة إلى مكانتهم ونفوذهم، إذ يعمد أصحاب النخبة من الأثرياء والمشاهير لتجربة ثقافة الأشياء البسيطة والأذواق السائدة دون الخوف من خسارة مكانتهم؛ وهو ما انتبهت له كبرى شركات المنتجات الفاخرة التي سارعت لتصميم منتجات تُرضي حاجتهم المختلفة في التميز.

ما هي مغالطة “التكلفة الغارقة” (Sunk Cost)؟

نختم بأحد المغالطات المنطقية المرتبطة بموضوع خفض التكاليف في الشركات تحديداً، والتي يقع فيها الكثير من المدراء والقادة وهي “مغالطة التكلفة الغارقة“، وهي التكلفة التي تم تحملها في الماضي ولا يمكن استردادها، ويتم استبعادها عند اتخاذ القرارات الاستراتيجية أو الاستثمارية، لأنه يُنظر فقط في التكاليف التي قد تتغير، أي التكاليف المستقبلية التي تُدفع إثر اتخاذ القرار، أما المغالطة، فيظهر أثرها عند مُضي المدير في تنفيذ قرار ما بناء على نية عدم خسارة التكاليف التي تم دفعها بالفعل، مع أنه لا توجد علاقة بين ضمان نجاح القرار المتخذ والتكاليف المدفوعة سابقاً. على سبيل المثال، وفي مجال الطيران دائماً، الاستثمار الضخم الذي استمرت الحكومتان البريطانية والفرنسية في بذله في مشروع “الكونكورد” (Concorde)، رغم عِلمها أنه لن يكون مجدياً اقتصادياً (في الواقع، لا يزال يُشار إلى تأثير التكلفة الغارقة أحياناً باسم “مغالطة الكونكورد”).

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .