3 أدوات تساعد القادة على تثبيت فرقهم في أثناء عملية التحول

6 دقائق
خصائص لتعامل الموظفين مع التغيير
تشاكان سايين/غيتي إميدجيز

ملخص: عندما يمر الأشخاص بتغييرات كبيرة، فإن شيئاً واحداً يطلق عليه أخصائيو علم النفس التنموي “أشياء انتقالية” يمكنه تقديم المساعدة لهم. فهذه الأشياء تمثل الأساس الضروري لتوجيه الإنسان في فترات الغموض، وقد تكون أشياء ملموسة مثل بطانية الأمان، أو أشياء معنوية مثل الأعمال الروتينية أو العادات أو الإجراءات. تبين الأبحاث أن هذه الأشياء تساعد المؤسسات في أوقات الاضطرابات الكبرى أيضاً، وكي يتمكن القادة من تحديد الأشياء الانتقالية التي ستساعد الموظفين بأكبر قدر ممكن، يجب عليهم التفكير في 3 خصائص لتعامل الموظفين مع التغيير، وهي إمكانية الاختيار، والصلة بالهدف، واستخدام شيء جديد كجسر يوصلهم إلى الوجهة المرغوبة.

 

عندما نمر بتغيير كبير، نحتاج إلى الدعم الذي يساعدنا على العبور إلى الجانب الآخر. يقدم علم النفس التنموي طريقة للقيام بذلك، وتحديداً العمل المبدع الذي قام به دونالد وينيكوت، عبر استخدام الأشياء الانتقالية. توفر هذه الأشياء الأساس الضروري لتوجيه الإنسان في تعامله مع فترات الغموض، سواء كانت ملموسة مثل بطانية الأمان، أو معنوية مثل الأعمال الروتينية أو العادات أو الإجراءات.

أجرى فريقي أبحاثاً على مدى 15 عاماً شملت أكثر من 100 مؤسسة في 7 دول مختلفة، درس فيها الدعم المحوري الذي تقدمه المؤسسة لموظفيها من خلال الأشياء الانتقالية في أثناء فترات التغيير في مكان العمل. على سبيل المثال، قرر مؤسس دار نشر عائلية يقع مقرها في المملكة المتحدة (وهو هاو شره في جمع التحف الفنية)، أن الوقت قد حان لبيع مؤسسته، وعرض على كل موظف فرصة اختيار قطعة فنية من مجموعته كهدية تقدير منه. كان هذا التصرف النابع عن السخاء والقطعة الفنية بحدّ ذاتها هي الشيء الذي بقي مع الموظفين من الماضي وساعدهم على الانتقال إلى المستقبل.

ليست كل الأشياء الانتقالية بهذا الوضوح، وفي بعض الأحيان لا ندرك أننا نستخدمها لتجاوز فترة صعبة. لكن من الضروري جداً أن ينتبه المدراء لها اليوم، مع اضطرار أعداد أكبر من الأفراد والموظفين والمؤسسات في العالم لخوض تغييرات أكبر من المعتاد في خضم جائحة “كوفيد-19”. ومع انتقال أماكن العمل نحو “الواقع الجديد” الذي لا يزال شديد الغموض ويفتقد الحدود الواضحة، يمكن للقادة دراسة أمر تحديد أشياء انتقالية ودمجها في جهودهم لدعم الموظفين.

وتحديداً، يجب على القادة التفكير في 3 خصائص مهمة قادرة على مساعدة الموظفين على التعامل مع فترات الانتقال، وهي إمكانية الاختيار والصلة بالهدف واستخدام شيء جديد كجسر يوصلك إلى وجهتك. وسيساعدك فهم هذه الخصائص في تحديد أنواع الأشياء الانتقالية التي ستقدم أفضل دعم لموظفيك لتجاوز عام مضطرب آخر.

الخاصية الأولى: إمكانية الاختيار

تؤكد الأدبيات المتاحة حول مفهوم “المطاوعة الدماغية” (neuroplasticity) في علم الأعصاب أنه من الممكن إعادة ضبط الدماغ الذي يبقى لدِناً طوال حياة الإنسان. هذا يعني أنه في فترات التغيير يمكن للإنسان التخلي عن القواعد القديمة وتبني قواعد جديدة. بيد أن هذا ليس سهلاً دائماً، إذ تبين البحوث أن التغيير يصبح مقبولاً أكثر إذا شعر الموظفون أنهم جزء فاعل في صناعة القرارات المتعلقة به، والأشياء الانتقالية التي تمنح الموظف إمكانية الاختيار قادرة على تقديم الدعم الذي يحتاج إليه للانتقال من الوضع القديم إلى الوضع الجديد.

في المؤسسات، قد يتمثل ذلك في منح الموظفين إمكانية اختيار مكان العمل وطريقته. على سبيل المثال، انتقلت إحدى الشركات التي أجرينا عليها دراستنا من حيز مكتبي صغير إلى حيز أكبر بكثير. وبدلاً من تحديد أماكن مكاتب الموظفين، أتاحت لهم الاختيار بين المقصورات والغرف ذات الأبواب، ومنحتهم بذلك شعوراً بالاستقلالية ودوراً واضحاً في خضم تغيير كبير. وهذا ينطبق على الوضع اليوم بصورة جلية، إذ تتخذ الشركات قرارات مهمة فيما يتعلق بمكان عمل الموظفين وطريقته في المستقبل. ما هي القرارات التي يمكنك منح الموظفين فيها إمكانية الاختيار؟

في مثال آخر، قرر فريق يعمل في شركة استشارية عالمية يقع مقرها في العاصمة واشنطن مغادرة المؤسسة التي يعمل معها منذ 5 أعوام على مشروع مربح للغاية. شعر فريق المشروع بحزن شديد، ومن أجل المساعدة في إدارة مشاعر أفراده في أثناء الانتقال، اقترح القائد الشريك للفريق الاستشاري عدداً من الخيارات لوضع خطة نمو طويلة الأجل يمكن للفريق اتباعها الآن وفي المستقبل. شعر أفراد الفريق بحماس أكبر عندما أتيح لهم الإدلاء بآرائهم فيما يتعلق بمستقبلهم، لاسيما أن من فعل ذلك هو القائد الذي يثقون به والذي كان سيغادرهم.

يمكن للمؤسسات الأخرى التفكير في إشراك مجموعة أكبر من الموظفين في صناعة قرارات معينة عندما ينتهي أمر محبوب بدرجة كبيرة. وعندما يشعر الموظفون أن لهم دوراً في صياغة الخطوات التالية، لاسيما عند حدوث أمر سلبي أو مفاجئ، فذلك سيساعد الجميع على تجاوزه والمضي قدماً.

الخاصية الثانية: الصلة بالهدف أو الرسالة

تشير الأبحاث إلى أن الثقافات الغربية تركز غالباً على الشخصية الفردية أكثر من تركيزها على الشخصية الجماعية. كان التغيير الهائل الذي نتج عن جائحة “كوفيد-19” بمثابة تذكير مفاجئ لهذه المجتمعات بالقوة الكبيرة التي يولدها العمل التعاوني بين الأفراد وبقائهم على اتصال بصورة مستمرة. وتحديداً، فإن الصلة بشيء مشترك كالهدف أو الرسالة أو الدليل المرشد يتيح للأفراد التركيز على شيء أكبر من الألم الآني الذي يولده التغيير أو الغموض.

ويمكن أن يتمتع هذا الأمر بقوة هائلة في مكان العمل. خذ مثلاً القصة التي رويت كثيراً عن الحاجب الذي يعمل في وكالة ناسا، حين سأله الرئيس جون كينيدي في زيارته للوكالة في عام 1961: “ماذا تفعل؟” فأجاب: “أنا أساعد في إيصال الإنسان إلى القمر”. تستخدم هذه القصة في توضيح العمق الذي تصل إليه رسالة المؤسسة، ودور ذلك في مساعدة وكالة ناسا على النجاح في تحقيق أهدافها الطموحة.

لكن هذه القصة ليست مجرد أثر من الماضي، ففي عام 2016 أجرى فريقنا البحثي تحليلاً على مدى عدة أعوام للبيانات التي جمعتها الحكومة الفيدرالية الأميركية من قبل لتتبع مقاييس الوكالات الفيدرالية فيما يخص الإنتاجية وقيادة الاندماج والرضا الوظيفي. كشفت الدراسة أنه على مدى الأعوام التي تزيد عن 15 عاماً والتي جمعت البيانات في أثنائها، حققت الوكالات التي بنت صلة عميقة برسالتها درجات مرتفعة باستمرار في جميع مقاييس الأداء مقارنة بالوكالات التي لم تبن صلة قوية برسالتها.

وتحديداً، اكتشفنا أن الصلة بالرسالة أو الهدف هو أحد الأشياء الداعمة الأساسية في أوقات التغيير أو الانتقال، وأي الوكالات الحكومية حققت أعلى الدرجات؟ وكالة ناسا. كي تتمكن من القيام بأمور صعبة والاستمرار بذلك مع مرور الوقت، يجب أن يعرف الموظفون دور ما يقومون به في دعم الهدف الأسمى.

وقد يكون ذلك في غاية الأهمية بالنسبة لمؤسستك إذا كانت تمر بمرحلة انتقال أو نمو كبير، أو العكس، إذا كانت تواجه صعوبات بسبب الجائحة. هل يمكنك تقديم هدف واضح أو رسالة واضحة قادرة على حشد الموظفين حولها في أثناء إجراء التغييرات الكبيرة؟ تشبه رسالة الشركة بطانية الأمان إلى حدّ كبير، فهي مثلها تمدّ الموظفين بشعور الألفة والراحة، وتمثل شيئاً يفهمونه ويعتبرونه هدفاً يتوجهون إليه عندما يزداد الغموض من حولهم.

الخاصية الثالثة: ابن جسراً

أرغمتنا جائحة “كوفيد-19” على إعادة تخيل كل شيء، بدءاً من طلب الرعاية الصحية مروراً بتعليم أطفالنا وأداء وظائفنا وصولاً إلى شراء حاجياتنا من البقاليات. فتدخلت المنصات التكنولوجية لمساعدتنا، وكانت ناجحة بدرجات متفاوتة، ومنها خدمات الرعاية الصحية عن بعد والتعليم الافتراضي ومنصة “زووم” وخدمات توصيل الطعام. بعبارة أخرى، أصبحت التكنولوجيا جسراً يدعم قدرتنا على إعادة تخيل الحياة اليومية “الطبيعية” في المستشفى والقاعة الدراسية ومكان العمل.

يتمتع هذا النوع من الجسور بقوة كبيرة لأنها تكشف ما لا يجدي في مجتمعاتنا وتقدم طرقاً جديدة لأداء مهامنا اليومية على نحو قد يكون أفضل أحياناً. على الرغم من أن جائحة “كوفيد-19” أقحمتنا في عالم مليء بالقلق والغموض، فمن الممكن أن تولّد تحولاً ثقافياً واجتماعياً في طرق عملنا كان سيستغرق تحقيقه في الظروف الطبيعية السابقة قرناً من الزمن. لذا، اسأل نفسك: ما هي الأمور التي يمكن للتكنولوجيا المساعدة في بناء جسور فيها لأجل موظفينا وعملائنا وزبائننا مع تشكيل هذا النموذج الجديد؟

لكن بناء الجسر لا يشير إلى التكنولوجيا فحسب، وإنما قد يكون بسيطاً بساطة الضفدع البرتقالي. هذا المثال قائم على قصة رمزية تتحدث عن ضفدع برتقالي يتمسك بنظرة إيجابية وسط بحر من الضفادع السلبية المتشائمة، وقد تعلمت ذلك في مؤسسة رعاية صحية لها مقران في ولايتي آيوا وإلينوي كانت تخوض في تغييرات مؤسسية كبيرة حفزها تزايد التكاليف وتناقص الإيرادات. (إفصاح: قدمت استشارات لهذه المؤسسة لكن ليس بشأن هذا المشروع). والفكرة الأساسية لهذه القصة هي أنه حتى في أكثر الأيام ظلمة من الممكن أن نعثر على بقعة مضيئة واحدة على الأقل نستطيع التركيز عليها، ويمكن اعتبار هذه البقعة المضيئة شيئاً انتقالياً يساعدك أنت وموظفيك على تجاوز المرحلة الصعبة يوماً تلو الآخر. ما هي البقع المضيئة التي لاحظتها اليوم؟

يمكن للأشياء الانتقالية تقديم الدعم بهذه الخصائص الثلاثة لتعامل الموظفين مع التغيير في أثناء فترات التغيير والغموض على اختلاف أشكالها. لذا، عندما تعود إلى العمل في مقر شركتك وتستأنف رحلاتك وتؤسس الواقع الجديد في مرحلة ما بعد الجائحة، اطرح على نفسك 3 أسئلة: ما هي الأمور التي يمكنني منح موظفيّ إمكانية الاختيار فيها؟ كيف يمكنني غرس الهدف في نشاطات العمل اليومية؟ ما هي الأشياء أو الابتكارات أو التقنيات التي يمكن أن تشكل جسراً يوصلني إلى وجهتي؟ لن يكون من السهل التعرف على جميع الأشياء الانتقالية، لكنها أساسية في السعي لتنمية المرونة المؤسسية وتعزيزها ثم الحفاظ عليها في أثناء الجائحة الحالية وبعدها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .