4 أيام عمل بالأسبوع حُلم الأمس أصبح واقعاً

5 دقائق
4 أيام عمل بالأسبوع
shutterstock.com/Sinseeho
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

هل من الممكن أن يتقاضى الموظف 100% من أجره الشهري حتى وإن لم يعمل سوى ما يعادل 80%؟ كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ أسبوع العمل لمدة أربعة أيام ليس جديداً، لكنه اكتسب الكثير من الاهتمام العالمي في السنوات القليلة الماضية، خاصة في أثناء جائحة كورونا. حيث يوجه الكثير من الشركات بل حتى الدول من مختلف أنحاء العالم نحو منح الموظفين أسبوع عمل أقصر. تتعمق هذه المقالة في جميع الأسباب التي تجعل المؤسسات تفكر في تطبيق 4 أيام عمل بالأسبوع.

التوظيف والاختيار

هل تحاول استقطاب موظفين متميزين وإثراء التنوع في بيئة العمل؟ انسَ الامتيازات العصرية. تبحث دول أخرى، مثل الولايات المتحدة وكندا والإمارات والعديد من الدول الأوروبية، عن حل أكثر إغراءً. فازدادت التنافسية في استقطاب تلك المواهب بعدما رفعت شركات عالمية مثل فيسبوك وجوجل سقف التحدي بتقديم مزايا وحلول ذكية لموظفيها مثل تقليص أيام العمل الأسبوعية إلى أربعة أيام.

وجد استطلاع (Qualtrics 2022) أن 92% من الموظفين أبدوا ترحيباً واسعاً بتقليص أسبوع العمل إلى أربعة أيام. ووجد الاستطلاع أيضاً أن 80% قالوا إن نظام 4 أيام عمل في الأسبوع سيزيد من الولاء للشركة ويساعد على جلب المواهب. وفي السياق نفسه، أجرت إحدى وكالات التسويق الشهيرة بالولايات المتحدة تجربة لـ “4 أيام عمل بالأسبوع”، وكانت النتيجة أن معدل الاحتفاظ بالموظفين ارتفع من 80% إلى 98%. مثل هذه الاستطلاعات التي بدأت تزداد مؤخراً تبين لأصحاب العمل أنه من خلال استثمارهم في التوظيف، سينجحون في استقطاب الموظف الكفء والحفاظ على الموظف المتميز ولن يضطروا إلى صرف مبالغ طائلة على تحسين أنظمة التوظيف لديهم. لأنه من خلال اعتماد نموذج “4 أيام عمل بالأسبوع”، ستحصل على ميزة تنافسية وبيئة جاذبة للمواهب بعيداً عن الشركات التي لا تزال تستخدم “5 أيام عمل في الأسبوع”.

اكتساب ميزة تنافسية

في دراسة أجرتها كامبريدج، يمكن أن يكون لساعات العمل الطويلة تأثير سلبي في نتائج الأداء الوظيفي، وكذلك النتائج الصحية. بالإضافة إلى ذلك، يعاني الموظفون كثيراً من أجل استعادة صحتهم والحفاظ عليها وتعزيز مشاركتهم في العمل. على العكس تماماً، أظهرت الدراسات أن “4 أيام عمل  بالأسبوع” له فوائد عديدة للمنظمات وموظفيها. على سبيل المثال، وجدت الأبحاث ازدياداً ملحوظاً في التوازن بين العمل والحياة الشخصية، كما أظهرت دراسات أخرى أن 4 أيام عمل في الأسبوع يرتبط بالعديد من النتائج الإيجابية، مثل الرضا الوظيفي، وزيادة الإنتاجية، ومستوى أعلى لأداء الموظف، والالتزام. ولم تقف المزايا عند هذا الحد، بل وجد البحث أيضاً أن بعض المنظمات تشهد انخفاضاً في معدل الاستقالات، والتغيب، كما قلّت مستويات القلق والتوتر لدى الموظفين بعد تطبيق 4 أيام عمل في الأسبوع.

الدول التي تطبق “4 أيام عمل بالأسبوع”

أطلق العديد من البلدان نموذج 4 أيام عمل في الأسبوع، وعلى رأس تلك الدول: المملكة المتحدة وإسبانيا والهند ونيوزيلندا وأيسلندا واليابان، بالإضافة إلى الإمارات العربية المتحدة التي تعتبر أول دولة تُطبّق نموذج 4.5 أيام عمل في الأسبوع، عدا إمارة الشارقة التي فضّلت ركب موجة 4 أيام. غالبية هذه البلدان أبلغت عن نتائج إيجابية أولية نتيجة تطبيق هذا النموذج. فعلى سبيل المثال، أكثر من 70 مؤسسة في المملكة المتحدة خضعت لتجربة مدتها ستة أشهر، وأظهرت النتائج أن غالبية الموظفين أصبحوا أكثر إنتاجية. علاوة على ذلك، في بداية العام المنصرم، قامت الحكومة الإسكتلندية بتمويل تجربة 4 أيام عمل في الأسبوع لضمان احتفاظ الموظفين بنفس المزايا، فكانت النتيجة زيادة رفاهة الموظف حسب التقارير الصادرة. وبالمثل، أعلنت الحكومة الإسبانية أنها ستخفض في سبتمبر/ أيلول الماضي ساعات العمل إلى 32 ساعة في الأسبوع وتعوض الفرق في رواتب الموظفين. أما أيسلندا التي تعتبر من أوائل الدول لتطبيق قرار 4 أيام عمل في الأسبوع فحصلت على تجربة مثمرة، إذ وجدت دراسة أجريت بين عامي 2015 و2019 أن جودة التوازن بين العمل والحياة قد تحسنت، وانخفضت ضغوطات الموظفين وإرهاق العمل. أخيراً وقبل عدة أيام استبشر المجتمع الوظيفي العربي بالنتائج الإيجابية التي أصدرتها إمارة الشارقة بهذا الشأن، حيث وجدت ارتفاعاً أعلى بنسبة الإنتاجية، الرضا الوظيفي، والتأثير الإيجابي على الصحة النفسية، فيما انخفضت نسبة الإجازات المرضية.

كل هذه النتائج المُبشّرة من تجارب البلدان الأخرى شجعت السياسيين في بعض الولايات الأميركية مثل كاليفورنيا على تقديم مقترح 4 أيام عمل في الأسبوع، ولكن يبدو أن المجلس التشريعي يحتاج إلى حجج مُقنعة أكثر، حيث تم وضع هذا المقترح على الرف في الوقت الحالي، وفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال.

التأثيرات داخل المؤسسات وخارجها

كيف يجب أن تتجه منظمة ما إلى التفكير في 4 أيام عمل في الأسبوع من حيث الثقافة التنظيمية؟ تكثر تداعيات قادة الشركات عندما يتعلق الأمر بـ 4 أيام عمل في الأسبوع، نتيجة لسوء الفهم حول هذا النموذج، ولكن تطبيقه لا يعني تقليص إنتاجية الموظف أو الجهد المبذول أسبوعياً. وبالتالي، عند تقديم المُقترح يجب توعية أصحاب القرار والتأكيد لهم أن القيادة الصحية والمشجعة هي حجر الأساس الضروري للنجاح الفردي والمؤسسي، وأن تطبيق مثل هذه القرارات يخدم مصلحة المؤسسة قبل الموظف.

تعمقت الدراسات في تأثير 4 أيام عمل في الأسبوع حتى تعدّت محيط العمل وانتقلت إلى البيئة الخارجية. تشير التقارير إلى أن قدوم الموظفين إلى العمل أربعة أيام فقط بدلاً من خمسة أيام، سيقلل انبعاثات الكربون وستنخفض بشكل كبير. بالنسبة للمؤسسات، يمكن أن يوفر هذا النموذج الوقت والطاقة ويكون بمثابة إحدى مزايا استقطاب المواهب. بالنسبة للبيئة ككل، فإن 4 أيام عمل في الأسبوع له العديد من العوائد الإيجابية مثل توفير الوقود والموارد الأخرى. المنظور المجتمعي مهم أيضاً، حيث تعتبر التأثيرات على رفاهة الأسرة والتماسك الاجتماعي اعتبارات مهمة جداً وحقيقية يجب التركيز عليها عند أخذ هذا النموذج بالحسبان.

ماذا يجب أن يفعل أصحاب العمل؟

مع استمرار المنظمات في النجاح أكثر فأكثر في تبنيها 4 أيام عمل في الأسبوع، قد ينتج عن ذلك تحولات ثقافية إيجابية. ليس من المستغرب أن نموذج 4 أيام عمل في الأسبوع يروق لكثير من الأفراد، ولكن قبل أن تبدأ المنظمات في اعتماده، ينبغي مراعاة ما يلي:

  • معالجة القضايا الشائكة أولاً. على الرغم من النتائج الإيجابية التي أظهرتها التقارير في هذا المقال فإنها لن تُجدي نفعاً إذا لم تكن المؤسسة تمتاز ببيئة عمل صحية ومهيأة لدعم الأفكار الجديدة. لذلك، يجب على الشركات معالجة التحديات اليومية أولاً مع البدء بالتسويق لنموذج 4 أيام عمل في الأسبوع كحل للتحديات مثل التوظيف والاختيار. فمن وجهة نظر العديد من الخبراء يخاطر أصحاب العمل بفقدان الموظفين الموهوبين ويجدون صعوبة في استبدالهم إذا رفضوا تغيير سياساتهم وعدم التحلي بالمرونة.
  • الاستفادة من الموارد والخبرات الموجودة مسبّقاً. اتخذ العديد من المهنيين المتحمسين لهذا الموضوع بالفعل خطوات فعّالة نحو دمج 4 أيام عمل في الأسبوع في كبرى المنظمات. على سبيل المثال، هذا الموقع الإلكتروني أُنشئ على نحو خاص للوظائف التي تقدم 4 أيام عمل في الأسبوع. بالإضافة إلى ذلك، ننصح بالاستفادة من خبرات الشركات والدول التي وردت في هذا المقال.
  • لا تدع نموذج 4 أيام عمل في الأسبوع يصبح عبئاً على أحد. من الأهمية بمكان ألا يشكل هذا النموذج مزيداً من الضغط على موظفيك أو حتى على المؤسسة. فالهدف هو جذب المواهب والحفاظ عليها. لكن إذا كنت تراهن على هذا النموذج كميزة وحيدة من أجل جلب المتميزين، فلن يُجدي الأمر، بل يمكنك توقع نتائج أداء سلبية كما في 5 أيام عمل في الأسبوع. فهناك كثير من الشركات التي حاولت القيام بذلك وفشلت.
  • القيادة من خلال التمكين. بغض النظر عن عدد أيام العمل في الأسبوع، فإن القادة الذين لا ينتهجون سياسة تمكين موظفيهم (وإلهام موظفي المستقبل) لن تُفلح مساعيهم في تطبيق نموذج 4 أيام عمل في الأسبوع. يجب أن يعلم هؤلاء القادة أن هذا النموذج ليس بحل سحري يقضي على كل مشاكل المؤسسة، بل يجب منح الموظفين حافزاً أكبر للمساهمة بنفس القدر المعتاد.

والآن ماذا؟

إذا كُنت تتساءل عن مدى نجاح نموذج 4 أيام عمل بالأسبوع فإن الجواب كما هو الحال مع معظم الأسئلة التي تبحث عن إجابات مُطلَقة، هو: “الأمر يعتمد”. تختلف احتياجات وموارد كل منظمة بشكل كبير، لذلك ستكون النتائج مختلفة دائماً وسيعتمد الأمر على كل شركة ومدى قابليتها للتطبيق. بالنظر إلى النقاط المذكورة أعلاه، فقد قُمنا بجمعها بعناية فائقة حتى ننقُل الصورة لأصحاب القرار من زاوية لم يروها من قبل، وهي مُعدة للتنفيذ في المنظمات بشكل عام، أما على وجه الخصوص فنوصي بجلب استشاريين في مجال علم النفس التنظيمي أو تخصصات مشابهة لدراسة شاملة لثقافة المؤسسة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .