الطريقة الأفضل للاستفادة من حكمة الجماهير

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تكون فرق الإدارة مسؤولة عادة عن الإجابة عن الأسئلة المعقدة مثل تقدير حجم نمو السوق خلال العام المقبل أو الاستراتيجية الأفضل للتغلب على المنافس. ويعد اللجوء إلى “حكمة الجماهير” إحدى الآليات الشائعة للإجابة عن تلك الأسئلة والتي تتمثل في طرح السؤال نفسه على أشخاص كثر للحصول على آرائهم ومقترحاتهم، ثم جمعها معاً لتشكيل أفضل قرار يعبّر عن الجميع. وتشير الأدلة إلى أنه غالباً ما يكون الجمع بين آراء متعددة ومستقلة أكثر دقة من رأي فرد خبير.

إلا أنّ بحثنا يتطرق هنا إلى التكلفة المخفية لهذا النهج. فعندما يكون شخص ما قد شكَل رأيه بالفعل، يكون أقل احتمالاً لأن يتقبل آراء الآخرين، ما يؤدي إلى أن يقيّم الأشخاص الآخرين وأفكارهم بشكل أكثر سلبية. ولكن لحسن الحظ، يقترح بحثنا أيضاً بضع طرق لتقليل هذه التكلفة.

مشكلة الآراء المستقلة

تشير “حكمة الجماهير” إلى نتيجة عملية محددة جداً يتم فيها الجمع بين الآراء المستقلة بشكل إحصائي (أي باستخدام المعدل ​​أو المتوسط) لتكوين رأي نهائي بأكبر قدر من الدقة. ولكن عملياً، نادراً ما يتّبع الناس توجيهات إحصائية صارمة عند الجمع بين تقديراتهم الخاصة وتقديرات الآخرين، إذ غالباً ما تتسبب عوامل إضافية في تقييم الناس لبعض الآراء بإيجابية أكثر على حساب أخرى. فعلى سبيل المثال، هل يجب تقييم تقدير المدير بشكل أعلى مما هو عليه فقط بسبب منصبه؟ ألا ينبغي الاعتداد برأي الخبير أكثر من رأي المبتدئ؟

كما نجد في بحثنا عاملاً آخر يبدو أنه يؤثر على كيفية تقييمنا لآراء الآخرين وهو: عندما يكوّن شخص ما رأيه الخاص. وقد بدأنا نلاحظ، كقادة فرق، كيف أنّ أحد أكثر أسباب الاحتكاك بين أعضاء الفريق شيوعاً هو تبني بعض أعضائه لأفكارهم الخاصة قبل اتفاق الفريق ككل على مسار العمل. وتساءلنا إن كان ترتيب سير العمل هو المتسبب بهذا التوتر؛ بمعنى آخر، تشكيل الفرد لرأيه قبل تقييمه لرأي شخص آخر.

وفي محاولتنا الإجابة عن هذا السؤال، أجرينا تجربة طلبنا فيها من بعض الأفراد تكوين رأي تجاه قضية ما قبل عرض رأي آخر عليهم، وقمنا بالأمر بشكل معكوس للبعض الآخر. وطلبنا من 424 أباً وأماً أميركية تقدير التكلفة الإجمالية لتنشئة طفل من سن الولادة إلى سن الثامنة عشر، مع قيامهم أيضاً بتقييم تقدير شخص آخر قدمناه إليهم على أنه رأي “أب آخر” بينما كان في الوقع تقدير أجمع عليه خبراء ماليون.

ووجدنا أنّ أولياء الأمور الذين أجروا تقديرهم الخاص أولاً قيّموا لاحقاً تقدير الشخص الآخر بشكل أكثر سلبية على الرغم من أنّ التقدير الذي قُدّم إليهم كان نفسه دائماً. وكان الآباء الذين قدموا تقديرهم أولاً ذي احتمال أقل بنسبة 22% للاعتراف على الأقل بأنّ التقدير الآخر “يُحتمل إلى حد ما أن يكون صحيحاً” مقارنة بالآباء الذين قاموا بتقييم تقدير الشخص الآخر قبل صياغة تقديرهم الشخصي.

وتساءلنا إن كانت هناك عوامل أخرى قد تؤثر على طريقة الاستجابة هذه، حيث نظرنا في هذه الدراسة، وفي دراسة أخرى أجريناها، إلى وجود أي اختلاف في الإجابة بين الرجال والنساء، وبين الأفراد الأكبر سناً والأصغر، وبين الخبراء وغير الخبراء. ولم يكن هناك أي فرق في كل الأوضاع السابقة، إذ كان صانعو القرار الذين شكّلوا رأيهم في البداية أكثر عرضة لتقييم رأي الآخرين بشكل سلبي بغض النظر عن جنسهم أو عمرهم أو مستوى خبرتهم.

وفي دراسة ثانية، طلبنا من 164 خبيراً من خبراء الأمن القومي في الولايات المتحدة تقييم استراتيجية إنقاذ رهائن وتقييم ما اقترحه “خبير أمن قومي آخر”. وعلى عكس سؤال تقدير التكلفة في دراستنا الأولى، لم تكن إجابة هذا السؤال محددة برقم، ولم يكن هناك إجابة صحيحة واضحة. وعلى الرغم من ذلك، وعلى الرغم من أنّ الأفراد في هذه الدراسة كانوا من الخبراء، حصلت ذات النتيجة التي رأيناها في الدراسة السابقة، إذ رأى أولئك الذين شكّلوا رأيهم أولاً، وقبل تقييم رأي النظير، أنّ رأي الأخير كان أقل مستوى من رأيهم، على عكس من قاموا بتقييم رأي النظير قبل تكوين رأيهم الخاص.

لماذا ينظر الناس إلى آراء الآخرين بدونية بعد تشكيل رأيهم الخاص؟ يبدو أنّ العامل الرئيس هنا هو مدى التباعد بين تقدير الشخص الآخر وتقدير الشخص نفسه. فعندما طلبنا من المشاركين في هاتين الدراستين النظر ببساطة إلى رأي شخص ما ثم تقديم تقديرهم الخاص لاحقاً، انحازت تقديرات المشاركين تجاه التقدير الذي نظروا إليه في البداية في ظاهرة يشار إليها غالباً باسم “المرسى”. وعلى النقيض، عندما قام المشاركون بإجراء تقديرهم الخاص بشكل مستقل أولاً، كانوا أكثر عرضة لأن يختلفوا بالرأي مع التقدير الذي كان عليهم تقييمه لاحقاً، حيث نظروا إليه عن أنه مختلف جداً عن تقديرهم، وبالتالي أقل احتمالاً لأن يكون صحيحاً.

وبينما لا يعتبر الاختلاف في الرأي أمراً سيئاً بالضرورة نظراً لأن حكمة الجماهير تُبنى على الجمع بين الآراء والتقديرات المتنوعة، إلا أنه يجب أولاً تفسيرها بشكل صحيح للاستفادة منها بكفاءة. وفي معظم الحالات، يجب أن يشير الاختلاف في الرأي إلى احتمال أن يكون أحد الطرفين على خطأ أو كلاهما. وتشير بياناتنا إلى أنّ المشكلة تكمن في تفسير الأشخاص ذاتياً للاختلاف في الرأي، بمعنى رؤية تقديرهم هو الصحيح وتقدير الآخر خاطئ.

وقمنا بعد ذلك بإجراء دراسة نهائية لاختبار هذا التفسير، إذ طلبنا من 401 شخصاً بالغاً في الولايات المتحدة تكوين رأي قبل رؤية رأي مشارك آخر اُختير عشوائياً من دراسة سابقة. ورأى بعض المشاركين أنّ آراء أقرانهم اتفقت بشدة مع آرائهم، في حين رأى آخرون أنّ التقديرات اختلفت بشكل كبير. ثم طلبنا منهم تقييم جودة كلا الرأيين لنجد أنه كلما كان الاختلاف بين الرأيين أوسع، مال الناس أكثر إلى تقييم آراء الآخرين بقسوة مع بقاء تقييمهم لآرائهم على حاله. وفسر المشاركون في الدراسة اختلافهم بالرأي بالقول أنّ الشخص الآخر هو من كان على خطأ وليس هم.

كما وجدنا عبر دراساتنا وجود تكلفة اجتماعية لتشكيل الآراء قبل تقييم تلك المقدمة من قبل الآخرين (بالمقارنة مع إجراء التقييم أولاً ثم تشكيل الشخص لرأيه لاحقاً)، إذ نظر المشاركون بدونية إلى تقديرات الشخص الآخر وأفكاره، وفي بعض الحالات، ظنوا أنّ الشخص الآخر أقل أخلاقية وذكاءً.

كيف يمكن اتخاذ قرارات أفضل؟

ما الذي يجب على المدير فعله إذاً إن أراد الحصول على آراء أفضل وتقليل التبعات المترتبة على افتتان الناس بآرائهم الخاصة؟ تشير الأدلة بشدة إلى أنّ على أعضاء الفريق تكوين آراء مستقلة قبيل اجتماعهم معاً لاتخاذ القرار كمجموعة وذلك بغرض زيادة الدقة لأقصى حد ممكن.  

ولكن تشير النتائج التي توصلنا إليها أيضاً إلى أنّ على مجموعات صانعي القرار الاتفاق مسبقاً على الاستراتيجية الخاصة بدمج آرائهم معاً والتي ستعتمد بدورها على نوع السؤال الذي يعمل عليه الفريق، حيث يمكن للالتزام المسبق باستراتيجية تجميع حماية الفريق من التكاليف الاجتماعية السلبية لتقييم كل عضو لرأي الآخر في ضوء آرائه التي سبق وأن شكّلها.

ويجب أن تهدف الفرق التي تواجه أسئلة قابلة للتحديد الكمّي إلى وضع استراتيجيات تزيل الرأي البشري من عملية التجميع قدر الإمكان. فيمكن للفريق الذي يريد تقدير حجم نمو السوق كمياً القيام مثلاً بتحديد خوارزمية بشكل مسبق للجمع بين آراء أعضاء الفريق المختلفة (كأن تكون مثلاً المعدل أو المتوسط لآراء الجميع).

كما يجب أن تعتمد الفرق التي تواجه أسئلة غير كميّة على صيغة أخرى للجميع بين الآراء المتفرقة، إذ يجب على الفرق مثلاً منع الشخص المسؤول عن إصدار الرأي النهائي من تكوين رأي خاص به قبل رؤية آراء الآخرين، الأمر الذي لا يكون سهلاً دائماً نظراً لأنه وبحلول الوقت الذي يقيّم فيه المدراء أفكار مرؤوسيهم، غالباً ما يكونون قد شكلوا رأيهم الخاص بالفعل.

ويسلط هذا الضوء على نقطة مهمة مفادها أنّ الالتزام باستراتيجية التجميع مسألة مهمة ويجب الاتفاق عليها في وقتها. ويتطلب التجميع غير المتحيز تنظيم سير العمل بطريقة تمنع قيام المسؤولين عن تجميع الآراء بتشكيل آرائهم الخاصة بهم أولاً، أو على الأقل العمل لعدم السماح لتلك الآراء المسبقة بتقويض عملية صنع القرار.

وعلى المستوى الفردي، يجب على أعضاء الفريق إعادة صياغة طريقة تفكيرهم حول الاختلاف في الرأي، إذ تشير دراساتنا إلى تفسير أشخاص عديدين للاختلاف في الرأي على أنه يعني أنّ الشخص الآخر على خطأ. ولكن يجب العمل على تلافي هذا من خلال عمل الأفراد مع بعضهم البعض. وبالنسبة للفرق، يجب اعتبار الخلاف مصدراً قيّماً للمعلومات. وقد يكون أفضل طريقة لمعالجة تكاليف التحول إلى الحشد للإجابة عن الأسئلة المعقدة التفكير في الاختلاف على أنه يحمل قيمة بدل النظر إليه كأمر سيئ.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .