كليات المجتمع بحاجة إلى التطور حسب احتياجات الطلاب

6 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يقول تشارلز ديكنز في رواية “قصة مدينتين”: “كان أفضل الأوقات، كان أسوأ الأوقات”. ويمكن قول الشيء نفسه عن التصور العام لكليات المجتمع، التي تتأرجح ما بين اعتبارها الطفل المدلل لصنَاع السياسة إلى ربيب التعليم العالي المنبوذ. تاريخياً، تأخر تمويل هذه المؤسسات عن غيرها من مؤسسات التعليم العالي، على الرغم من حقيقة أن ما يقرب من نصف الطلاب الذين حصلوا على شهادة جامعية عام 2015-2016 التحقوا بإحدى كليات المجتمع خلال السنوات العشر الماضية، وحصل كل منهم على دورات كطالب مسجل في مدرسة ثانوية مزدوج التسجيل، أو كطالب جامعي خلال عطلة الصيف، أو كطالب نقل. عادة ما ترتفع معدلات الالتحاق بكليات المجتمع في أثناء فترات الركود وتنخفض خلال أوقات التعافي، ما يصعّب مهمة قيادتها.

ويجب أن تحدد كليات المجتمع في المستقبل كيفية السير على حبل من التناقضات والتوقعات المتضاربة. ويجب أن يتعامل قادة هذه الكليات مع النمو والتدهور، والوفرة والندرة، والاستمرارية والتقلب، والتسجيل والتخرج. وما يعقّد هذا الواقع وجود فجوة تزداد اتساعاً – بين كليات المجتمع في المناطق الحضرية والريفية، وبين التركيز على تأهيل الطلاب لمراحل تعليمية أعلى وتدريبهم للالتحاق بالقوة العاملة، وبين الحاجة إلى التوسع والحاجة إلى إبقاء التركيز على المنتج التعليمي، وبين الطلاب الأغنياء والفقراء والمؤسسات. ثمة مستوى آخر من التعقيد يضيفه تحديد الولاية التي تقع بها كلية المجتمع.

في عام 2016، أجريتُ استبياناً لرأي قادة كليات المجتمع في مختلف أنحاء البلاد، بمشاركة ألف قائد. طلب منهم الاستبيان تحديد أكثر التحديات التي تواجه كليات المجتمع إلحاحاً، والابتكارات الجارية، واستعدادهم لتحمل المخاطر. خلصت هذه الدراسة إلى ثلاثة محاور رئيسية:

أثر نموذج الأعمال. عند تصنيف التحديات المستقبلية التي تواجه المؤسسات، أشار المشاركون إلى ما يلي: (1) اعتمادها بشكل متزايد على التمويل الخاص، (2) الصعوبات التي تلاقيها في الامتثال للنماذج الجديدة لتحمّل المسؤولية، (3) البيانات الضخمة والتحليلات المحوسبة تعيد تشكيل المقررات التعليمية وطرق التدريس والممارسات التشغيلية، (4) اتجاهها نحو نموذج أعمال تعتمد على الشراكة مع الآخرين. هذا وقد أسهم خفض الدعم الحكومي في تفاقم العديد من التحديات المشار إليها. كما عبر أحد القادة عن أسفه، قائلاً: “تترك الكليات الأصغر لتتخلف عن الركب”.

الابتكار المزعزع. ثمة حاجة إلى إدخال تغييرات على العمليات التشغيلية لكليات المجتمع، وهو ما يعتبر صلب أمثلة الابتكار المستشهد بها. وكما نوه أحد مسؤولي الإدارة المتوسطة، قائلاً: “قد يكون علينا اختيار بعض المجالات التخصصية، وقد نعجز عن تلبية مختلف الاحتياجات التي نحاول الآن تلبيتها”. ومن الأمثلة الأخرى المذكورة هناك الحاجة إلى الابتكار في التعليم التطويري (مثل إيجاد طرق بديلة لإلحاق الطلاب بالدورات التطويرية، وإنشاء نظام أفضل للتنسيق مع التعليم الأساسي، وإيجاد مسارات أقصر للدورات المعتمدة رسمياً)، وزيادة استخدام التكنولوجيا لدعم العملية التعليمية، ونماذج التمويل الجديدة. تتطلب التغييرات في توقعات نجاح الطالب – بحيث تشمل جميع الطلاب – تغيير طرق التدريس في الفصل الدراسي، ومسارات المناهج الدراسية، وأسلوب تحديد الكفاءات المطلوبة في العمل.
اتخاذ مخاطر محسوبة. وجد الاستبيان أن قدرة المسؤولين على اتخاذ مخاطر كبيرة كانت محدودة، وأن المرحلة المهنية مثلت أهمية كبيرة في نظرة القادة إلى اتخاذ المخاطر، حيث ألمح أحد المشاركين، قائلاً: “بما أنني في نهاية مسيرتي المهنية، فأنا على استعداد لاتخاذ المخاطر ومحاولة تنفيذ الابتكارات المزعزعة، لأنني أعتقد أنه الحل الأمثل لطلابنا”. وقال آخر: “المخاطرة صعبة عندما تكون المسيرة المهنية للمرء لا تزال في طور التقدم”. كان سلوك المخاطرة مرتبطاً بالنزاهة الشخصية ودعم رسالة المؤسسة، ما يتطلب من القادة عدم حصر تفكيرهم في تقدم مسيرتهم المهنية والتركيز بدلاً من ذلك على مصلحة حرمهم الجامعي. غالباً ما يكون هذا النوع من مخاطر القيادة صعباً على القادة الشبان ذوي الطموحات المهنية.

إذاً، ماذا يعني كل هذا لمستقبل كليات المجتمع؟ سيكون هناك بالتأكيد رابحون وخاسرون بين هذه المؤسسات، حيث تواجه الكليات الريفية والصغيرة مختلف أشكال التحديات وتتطلب مناهج مختلفة إذا أردنا التصدي لها. تجد هذه الكليات مشكلة في محدودية الموارد، وتناقص عدد السكان، وقلة عدد الدورات الإعدادية للكليات في مدارس التعليم الأساسي، وتدهور القطاع الصناعي، وعدم قدرة سوق العمل على استيعاب الخريجين، ما يؤدي إلى تفاقم تحديات الالتحاق بالمدارس – وهو ما يؤدي في النهاية إلى خفض ميزانيات عمل الكليات. السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: متى يمكن اعتبار الكلية أصغر من أن تواصل العمل؟ يختلف الدور الذي تلعبه كليات المجتمع في منظومة التعليم العالي من ولاية لأخرى أيضاً. على سبيل المثال، تبلغ نسبة الطلاب المسجّلين في كليات المجتمع بكاليفورنيا وتكساس ونيويورك 40% من إجمالي طلاب تلك الكليات على مستوى الدولة. لا تعتبر هذه الولايات من أكثر الولايات اكتظاظاً بالسكان في الولايات المتحدة فحسب، لكن كلاً من كاليفورنيا وتكساس هما ولايتان تقطنهما أغلبية من الأقليات، ما يجعلهما ولايتين رائدتين للتغييرات المستقبلية في كليات المجتمع. ويمكننا أن نتوقع أن نشهد في المستقبل ثلاثة تغييرات:

توحيد النظام. تتكهن المؤشرات المبكرة بأن أنظمة الولايات ستواصل محاولات توحيد الكليات والجامعات أو دمجها لتحقيق الكفاءة الاقتصادية. على سبيل المثال، أقرت ولاية ويسكونسن في عام 2018 دمج كلياتها البالغ عددها 13 كلية التي تعتمد نظام الدراسة لمدة سنتين مع سبع من كلياتها التي تعتمد نظام الدراسة لمدة أربع سنوات. وبالمثل، دمجت ولايتا جورجيا ولويزيانا كليات المجتمع والكليات التقنية في إطار جهودها لترشيد الإنفاق، كما أن ولاية كونيتيكت تمضي قدماً في خططها الرامية إلى دمج الكليات. جدير بالذكر أن انخفاض الدعم الحكومي وتقلب اتجاهات الالتحاق بالجامعات وانخفاض أعداد الخريجين في المدارس الثانوية تهدد الكليات الأصغر والكليات الريفية شحيحة الموارد. بالتزامن مع هذه المشاكل الاقتصادية تتنامى مخاوف الرأي العام من زيادة الرسوم الدراسية بنسب كبيرة – يُنظر إلى كليات المجتمع في هذا السياق على أنها نقطة انطلاق منخفضة التكلفة للطلاب. من ناحية، فإن الولايات التي تتميز بوجود شراكات قوية بين مؤسساتها التعليمية توفر للطلاب منافذ يمكن التنبؤ بها وأرخص من حيث التكلفة للالتحاق بمؤسسة جامعية بنظام الدراسة لمدة أربع سنوات. ومن ناحية أخرى، فإن الانخفاض في معدلات التخرج في المدارس الثانوية يعني أن الكليات الإقليمية التي تعتمد نظام الدراسة لمدة أربع سنوات تتنافس مباشرة مع كليات المجتمع لاستقطاب الطلاب. ومن هنا يجب على صانعي السياسة في الولايات المتحدة مراعاة المسار التعليمي بأكمله عند التفكير في احتياجات القوة العاملة، ويجب على قادة كليات المجتمع التفكير في كيفية الاستفادة من رسالتهم المجتمعية من أجل التنمية الاقتصادية وإيجاد موطئ قدم لها على خارطة السياسة التعليمية.

تغيير التراتبية. تسهم التراتبية المسطّحة على رفع مستوى مشاركة أعضاء الحرم الجامعي وزيادة مسؤولياتهم، وإن كان هذا التوجه يتنافر مع الثقافات الأكاديمية الحالية التي تركز منذ فترة طويلة على الأدوار والمناصب والتسلسل الإداري. يجب أن تعتمد كليات المجتمع أسلوب القيادة الشبكية التي تقوم على العمل الجماعي وتوزيع الأدوار القيادية بين كل مسؤولي الكلية. يتيح هذا النهج فرصاً أكبر لإحداث التغيير والقدرة على مواجهة التحديات الطارئة. وبمقدور قادة التغيير التحويلي المساعدة في هذا الصدد. فهم يركزون على زعزعة الممارسات الحالية من خلال التساؤل حول الأطراف المهمّشة بسبب السياسات أو الهياكل الإدارية الحالية.

يتطلب النهج التحويلي التفكير بأسلوب جديد في تطوير المهارات القيادية. على الرغم من قبولنا لفكرة حب المرأة للقيادة بالأسلوب التعاوني، فإنها تتخلف عن الرجل في شغل المناصب الرئاسية في كليات المجتمع. مطلوب فتح مسارات قيادة المدارس أمام المرأة والملونين بحيث تعكس التنوع الطلابي وإنشاء شبكات تواصل موسعة. علاوة على ذلك، فإن التركيز على قادة المستوى المتوسط وقيادة أعضاء هيئة التدريس يساعد على توسيع شبكات العلاقات المهنية والاستفادة من مواهب أولئك الموجودين بالفعل في الكليات. ثمة حالة من الاستقرار بين الرتب المتوسطة، حيث يدير قادة المستوى المتوسط خططاً استراتيجية مؤسسية ويتفاعلون مع الطلاب ويحددون فاعلية القيادة العليا.

إما المساواة أو الإفلاس. تشير الدراسات حول تغير التركيبة السكانية إلى أن البيض سيصبحون أقلية في الولايات المتحدة عام 2045، علماً بأن الطلاب البيض المسجلين في كليات المجتمع يشكلون أقلية بالفعل (48%) بالنسبة للطلاب الملونين (52%) وينتظرون توفير العدالة في المواقع والفرص. وعلى الرغم من توافر إمكانية الالتحاق بكليات المجتمع، إلا أن ذوي الأصول اللاتينية وأصحاب البشرة السمراء لا يبلون بلاء حسناً في إكمال تعليمهم أو الانتقال إلى مراحل متقدمة – حيث تبلغ معدلات تخرجهم 33% و25.8% على التوالي، مقارنة بزملائهم من البيض (45.1%) والآسيويين (43.8%). تسهم هذه الفجوة في اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء بين أبناء الأمة. تسلط بطاقة أداء العدالة هذه الضوء على التباينات في نتائج الطلاب الملونين. ويساعد بناء عقلية العدالة في معالجة أوجه اختلال التوازن بهذه الصورة، ويتطلب طرح أسئلة حول نتائج الطلاب غير المتكافئة – التعرف على أنماط عدم المساواة، واعتماد طرق التدريس التي تعمل على تشجيع الطلاب على المشاركة بشكل نشط، وتجنب النظرة السلبية للطلاب الملونين، واعتبار المساواة قيمة يسعى جميع أعضاء الحرم الجامعي إلى تحقيقها. يجب على كليات المجتمع تبني أجندة العدالة التي تركز على نجاح جميع طلابها، والتي بشّرت بها منذ أمد طويل باعتبارها مؤسسات مفتوحة أمام الجميع لتتيح لهم فرصة ثانية.

إن مستقبل كليات المجتمع حافل بالإمكانات الواعدة، خاصة مع توافر الفرصة المتاحة لمعالجة الفجوات التاريخية في التعليم بين البيض والآسيويين مقارنة بذوي الأصول اللاتينية وأصحاب البشرة السمراء شريطة تطبيق العدالة من جانب واضعي البرامج التعليمية وصناع القرار في الحرم الجامعي. وبالاستفادة من مهارات قادة المستوى المتوسط وأعضاء هيئة التدريس يمكن إعادة تشكيل كليات المجتمع من خلال بناء شبكة قوية من القادة القادرين على التعامل مع المبادرات الاستراتيجية. من الأمور الأساسية لمستقبل كليات المجتمع القدرة على بناء شراكات وإيجاد سبل للتعاون الخلاق القادر على إعداد الكوادر والكفاءات، مع تلبية الاحتياجات المشتركة أيضاً. دون هذا التجديد، ستواجه كليات المجتمع خطر التخلف عن الركب. يحفل تاريخ كليات المجتمع بالإنجازات التي تؤهلها لأن تكون مواقع للابتكار والمرونة، وهو ما يعطينا الأمل لمستقبل تؤثر فيه هذه المؤسسات على المجتمعات، والأهم من ذلك، تساعد على تغيير حياة الطلاب وأسرهم.

اقرأ أيضا: فوائد التعلم مدى الحياة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .