هل تعاني من إجهاد العمل؟ الحل في تعلم الإنصات إلى جسدك

7 دقائق
مصدر الصورة: غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: هل يمكن أن يساعد تعلُّم كيفية التفاعل مع جسدك بشكل مختلف في علاج أعراض إجهاد العمل الإضافي الناجم عن الإفراط في بذل الجهد؟ أثبتت الأبحاث التي أُجريت على مجموعتين من الأشخاص الذين يتلقون تدريباً لمعلمي اليوغا أن تعلم كيفية “الاستغناء” في أثناء التدريب ساعد المشاركين على فعل الشيء نفسه في حياتهم العملية أيضاً. علاوة على ذلك، فإن هذا “الطريق الثالث” الذي يتضمّن التدريب مع الآخرين قد وفَّر مساحة نحن في أمسّ الحاجة إليها للتخلُّص من معايير العمل الضارة وإدارتها. وهكذا، فإن الدرس المستفاد يتمثّل في ضرورة البحث عن مجتمعات خارج دائرة العمل والمنزل تتصدى لاتجاهات السعي المفرط للإنجاز وجداول العمل المضغوطة، بحيث تستطيع تحقيق الوعي بجسدك.

 

إذا كان هناك ثابت وحيد في حياة سوزان، فهو الضغط على نفسها باستمرار للارتقاء إلى مستوى توقعات الآخرين. فقد أصبحت محاسبة لأن جدها أخبرها بأنها وظيفة جيدة. وفي العمل، ضغطت سوزان (وهذا اسم مستعار) على نفسها لتلبية المُثُل العليا للآخرين. “لقد دفعوا لي راتباً كبيراً ليمتصوا دمي حتى آخر قطرة. وقد سمحت لشركتي بأن تجرني إلى هذه الدوامة”. وبعد سنوات من العمل لتلبية المُثُل العليا للآخرين، تأثرت صحة سوزان العقلية والجسدية سلباً، حتى إنها قالت لي: “كانت الإدارة قاسية. لقد وصلتُ إلى نقطة عجزت فيها عن تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية، كنت أعود إلى المنزل وأعمل طوال الليل ولا أكف عن الصراخ في وجه أطفالي… لقد تسرب التوتر إلى حياتي الأسرية. وانتهى بي الأمر إلى الإصابة بالقلق المزمن. وتراجعت صحتي”.

قد تبدو قصة إصابة سوزان بالإجهاد الناجم عن الإفراط في بذل الجهد مألوفة إلى حدٍّ مزعج. فقد أثبتت الأبحاث التي استمرت لعقود من الزمان أن أماكن العمل غالباً ما ترتكز على معايير “العامل المثالي” التي تكافئ الموظفين على استعدادهم الدائم ورغبتهم وقدرتهم الدائمتين على العمل في كل وقت وحين. ويحاول بعض العاملين استيعاب هذه المطالب، مطبقين شعار “العمل بجدّ واللعب بجدّ”؛ أي إنهم يقدّرون الإفراط في بذل الجهد في كل ما يخص وما لا يخص العمل كوسيلة للسعي لتحقيق “التوازن”، والضغط على أنفسهم في كلا العالمين. في حين يحافظ الآخرون على استعدادهم للالتزام بالإفراط في بذل الجهد خلال الأسبوع واستغلال عطلة نهاية الأسبوع كمحاولة للتعافي والاستجمام. لكن ما إن يحل أول أيام الأسبوع حتى تقع كلتا المجموعتين مرة أخرى في دوامة العمل نفسها. وقد يؤدي الالتزام بمعايير العامل المثالي بمرور الوقت إلى انهيار الجسم والعقل معاً.

ويستعرض بحثنا طريقة مختلفة يمكن للعاملين من خلالها تجاوز صورة العامل المثالي وكسر هذه الحلقة المفرغة من الإفراط في بذل الجهد ثم الاستجمام: من خلال تجربة التعايش مع مجتمع خارج نطاق العمل ينخرط في الوعي الجسدي. وندرس على وجه التحديد كيفية تفاعل الناس مع أجسادهم واستخدامها والتعبير عنها عند الانخراط في مهمات مختلفة لا تتعلق بالعمل، وهو ما يسمى “التفاعل الجسدي”. ونفعل ذلك من خلال الاعتماد على دراسات استمرت لمدة عامين لتدريب معلمي اليوغا.

الأهم من ذلك، وجدنا أن المرء يستطيع أن يتعلم تعديل أنماط الإفراط في بذل الجهد داخل إطار العمل وخارجه من خلال تعلّم التفاعل بشكل مختلف مع جسده. ومن خلال فهم معنى الإجهاد الجسدي في أثناء تدريب معلمي اليوغا، تمكّن المشاركون من فهم كيف ومتى انتابتهم مشاعر مماثلة في جوانب أخرى من حياتهم. وعندما بدؤوا التعرف على هذه الأحاسيس في أثناء العمل، قادهم ذلك إلى التساؤل حول أنماط إصابتهم بالإجهاد الناجم عن الإفراط في بذل الجهد ومقاومتها. باختصار، لقد بدؤوا في النظر إلى أجسادهم من زاوية قبول الذات بدلاً من اعتبارها أداة لرفع مستوى الأداء إلى أقصى حدٍّ ممكن.

وقد توصّلنا إلى هذه الأفكار من خلال طرق البحث الإثنوغرافية. فقد التحق كل منا على وجه التحديد ببرامج مختلفة لمعلمي اليوغا وشارك فيها للإجابة عن أسئلة بحثنا. كانت ستيفاني تمتلك خبرة سابقة في تعليم اليوغا وممارستها وكانت مهتمة بدراسة كيفية إسهام مختلف أنواع العلاقات في تشكيل الهوية المهنية وتطويرها. وكان لدى كارين أيضاً خبرة سابقة في ممارسة اليوغا وكانت مهتمة بالآثار المترتبة على الممارسات العقلية والجسدية في مكان العمل. ووفقاً لما تتطلبه مجالس المراجعة المؤسسية لجامعتينا، فقد كشفنا عن أدوارنا المزدوجة كباحثتين ومشاركتين في الجلسة الرسمية الأولى لبرامج التدريب الخاصة بنا. وقد شاركنا في كافة الأنشطة المتوقعة من المتدربين كما هو شائع في الأبحاث الإثنوغرافية.

ما الذي تعلمه المشاركون في تدريب معلمي اليوغا؟

قبل الانضمام إلى تدريب معلمي اليوغا، كان المشاركون في دراستنا يقبلون إلى حدٍّ كبير الإفراط في بذل الجهد باعتباره أمراً مفروغاً منه وتعاملوا مع أجسادهم كأمر مُسلَّم به ويعتبرونها مجرد أدوات لدعم الأداء في العمل. وعندما نال منهم التعب، رأوا في هذه السلوكيات تجارب مخيبة للآمال أو خبرات مزعجة نجمت عن متطلبات العمل التي لا تنقطع.

كان الكثيرون ينظرون إلى تدريب معلمي اليوغا في البداية باعتباره فرصة لاستعادة قواهم الجسدية. فقد قال أحد المشاركين: “ذهبت إلى تدريب المعلمين، معتقداً أنني سأمرّن جسدي وبالتالي سأشعر بالتحسن”. واشتركت إحداهن في التدريب لأنها كانت تتلقى دروس اليوغا بعد العمل كوسيلة للاسترخاء وكانت تشعر دائماً بالراحة بعدها”. وقررت مشاركة أخرى الانضمام عندما وجدت أن حياتها الزوجية تواجه بعض الصعوبات لأنها “كانت تحتاج إلى تخصيص مساحة جسدية وعقلية لنفسها”.

وقد تعلم المشاركون (بمن في ذلك سوزان) طوال مدة بحثنا تغيير طريقة التفاعل مع أجسادهم في مختلف الأنشطة والبيئات. كما بدؤوا التشكيك في مُثُلهم العليا بالعمل التي لطالما حثتهم على الإفراط في بذل الجهد، وبدؤوا التفكير فيها باعتبارها مشكلة ترتبط بالثقافة الغربية، وفهموا أن الإفراط في بذل الجهد يمثّل نقطة تمايز عن معتقدات ممارسي اليوغا. وقد علّقت إحدى المشاركات على هذه الملاحظة، قائلة: “لم نتعلم قطّ في الغرب أن نقول: ’لا يمكنك‘… وإلا عاقبتني أمي. علينا أن نفعل كل شيء، وأن نكون أمهات ومربيات وصديقات”. انتقل هذا الشعور إلى اليوغا أيضاً، ما أدى إلى الحاجة إلى “الضغط باستمرار وإلحاح” من خلال التحدي وتكثيف الجهد للوصول إلى وضع ذراع التوازن أو شكل الجسم الملتوي.

وبمرور الوقت، تعلّم المتدرّبون كيفية فحص أجسادهم، حتى يتعرفوا عن قرب على تجربتهم الجسدية عند الإفراط في بذل الجهد في أثناء وقوفهم في أحد أوضاع اليوغا الصعبة، وتحديد النقاط التي تشعر فيها أجسادهم بالتوتر والإجهاد. لقد تعلموا أن يلاحظوا مكان شعورهم وزمانه بـ “إحكام قبضتهم” والتفكير في احتمالات “تخفيف قبضتهم”. علاوة على ذلك، فقد عملت المهام الرسمية والتشجيع من كبار المدربين على توجيه المتدربين لتطبيق ما كانوا يتعلمونه في برنامج اليوغا في مختلف جوانب حياتهم. ونتيجة لذلك، فإن مشاركة القصص الشخصية عن التعرف على ميول الإفراط في بذل الجهد وتغييرها كان أمراً طبيعياً ومتوقعاً كجزء من دعم المتدربين لتطوير بعضهم لبعض. وغالباً ما تبدأ جلسات الفلسفة الأسبوعية بفحص عمل المشاركين وحياتهم الشخصية، حيث يشارك المتدربون ويناقشون اللحظات الأساسية، بما في ذلك سلوكياتهم التي تنم عن الإفراط في بذل الجهد.

نظر المشاركون في النهاية إلى مجتمعات اليوغا كمصدر للتشجيع والدعم ساعدهم على التعرف إلى أنماط إصابتهم بالإجهاد نتيجة الإفراط في بذل الجهد والاستجابة لها، سواء كان ذلك يعني تشجيع بعضهم على “الاستغناء” عندما يجدون صعوبة في مصطلحات اللغة السنسكريتية أو عندما يصبح تذكر خطوات تمارين اليوغا بالغ الصعوبة أو عندما تصبح الديناميات التنافسية في العمل مرهقة.

العلاقة بين اليوغا والعمل

الأهم من ذلك، أثبت بحثنا أن القدرة على مراقبة تفاعلاتهم الجسدية وتعديلها لوضع حد للإفراط في بذل الجهد في تدريب معلمي اليوغا كانت قابلة للتطبيق في حياة المشاركين على نطاق أوسع. إذ يمكنهم الآن ضبط أنفسهم والتوقف والتخلُّص من الإفراط في بذل الجهد عن طريق الحد من التفاعلية وتقليل وقت العمل وتقليل الإجهاد البدني والعقلي. وقد لاحظت معلمة بإحدى المدارس كانت قد طورت وعياً بعادتها في الشعور بأنه “يجب عليها أن تنتهي من أعمالها وتنجزها في التو واللحظة” أنه يمكنها الآن التعرُّف على هذا الشعور الذي يساور جسدها وعقلها ومن ثم “التراجع عن وعي”. وتعلّق على هذه النقطة، قائلة: “نعم، هناك حاجة إلى استكمال المشروع، ولكن هل يجب الانتهاء منه الآن؟”.

وأدركت مديرة مالية بإحدى الشركات أنها تصبح شديدة التوتر عندما ينفد صبرها مع مرؤوسيها المباشرين، وعندئذٍ تعلمت أن تتوقف وتتنفس. وقد أشارت مستشارة صحية إلى أنها أصبحت قادرة على أن تكون أقل تفاعلية عند التعامل مع الإحباطات في العمل، ويمكنها الآن “ضبط” نفسها و”أن تكون أكثر قدرة على التمييز واتخاذ خيار أكثر عقلانية” بشأن استجابتها وأفعالها التالية. ويمكن القول بشكل عام إن الربط بين السلوك والوعي قد مكّن المشاركين من التوقف مؤقتاً والتفاعل مع ما كانوا يشعرون به وإجراء تعديلات أكثر تعقلاً على أنماط سلوكهم المُرهِق نتيجة الإفراط في بذل الجهد.

بالإضافة إلى ذلك، فقد وجدنا بنهاية تدريب معلمي اليوغا أن المشاركين بدؤوا التشكيك في قيمة تطبيق المرء لفكرة العامل المثالي في المقام الأول. ولم يعودوا بحاجة لأن يكونوا “شخصيات تنافسية” “مهووسة بالسيطرة”، أو أن يكونوا الأشخاص الذين يمكنهم فعل كل شيء في كل الأوقات. ورأوا أنفسهم بدلاً من ذلك من النوع الذي يعطي الأولوية لاحتياجاته الخاصة. على سبيل المثال، كانت المعلمة تفخر في الماضي بعدم حصولها على إجازة من العمل أياً كان شعورها وتزهو بأنها أمضت 20 عاماً دون أن تأخذ إجازة مرضية ولو ليوم واحد. وبعد تدريب معلمات اليوغا، وجدت نفسها تعمل لتكون من النوع الذي “يحترم جسده” وحرصت على أخذ إجازات لتقضيها في العناية بشؤونها الشخصية كلما شعرت بالحاجة إلى ذلك.

شعر المشاركون بأنه لا يزال بإمكانهم أن يكونوا معلمين أو محامين أو محاسبين، لكنهم محاسبون يرون أنفسهم أيضاً من ممارسي اليوغا الذين يهتمون بأنماط إفراطهم في بذل الجهد ويعدلونها وفق مقتضى الحاجة. قد تكون لهذا آثار إيجابية على مَنْ لا يمارسون اليوغا أيضاً. على سبيل المثال، تمكنت مديرة التطوير بإحدى الشركات من التراجع عن قيادة فريقها باستمرار، وحينما فعلت ذلك، وجدت أنه قد بات من السهل على مرؤوسيها المباشرين تقديم إسهاماتهم الخاصة.

وأخيراً، فقد كشفت دراستنا أن العضوية المستمرة في مجتمع اليوغا بعيداً عن برامج تدريب المعلمين قد أسهمت في تعزيز هذا المجتمع كـ “طريق ثالث”، ويُقصَد به مسار خارج دائرة العمل والمنزل يساعد المشاركين على مقاومة الإفراط في بذل الجهد وتوسيع أفقهم وعيش حياة أكثر ثراءً. وبعد انتهاء التدريب، التقى المشاركون لاحتساء القهوة ونظّموا حفلات لمشاهدة مباريات كرة القدم خلال الأسبوع وتبادلوا المعلومات حول الفرص المتميزة التي تتيحها ممارسة تمارين اليوغا معاً (مثل دروس الغروب على ألواح التجديف)، بل دعوا بعضهم إلى فعاليات العمل الخاصة.

وبالعودة إلى سوزان، فقد أدى التفاعل المستمر في المجتمع إلى إثراء حياتها الأسرية أيضاً. “يمنحني مجتمع اليوغا طاقة محفزة ويساعدني على إدارة شؤون الأسرة، حتى إنني سألت أطفالي: “هل تحبون أمكم أكثر قبل اليوغا أم بعدها؟”. وكانوا يجيبونني على الفور: “بعد اليوغا! بعد اليوغا!”… لذا أحرص على الاستمرار في ممارستها”.

في أثناء دراستنا لتدريب معلمي اليوغا، وجدنا أن بحثنا ينطبق أيضاً على الأشخاص الذين يشاركون بانتظام في مجتمعات اللياقة البدنية أو الرياضية أو غيرها من مجتمعات ممارسة تمارين اللياقة البدنية. لكن احذر! فقد تعزز بعض المجتمعات أشكال التفاعل الجسدي الكامنة وراء الإفراط في بذل الجهد. فهناك أنشطة، مثل الجري في سباقات الماراثون أو برامج “كروس فيت” (CrossFit) المكثَّفة للياقة البدنية أو حتى برامج اليوغا المكثَّفة، قد تكون أقل فاعلية في تخفيف معايير الإفراط في بذل الجهد لأنها تعزز المُثُل التنافسية ذاتها التي تنشد الكمال وتشكّل حجر الأساس في الكثير من ثقافات مكان العمل.

وحينما يصبح الناس أكثر وعياً بالجوانب السلبية لمعايير العامل المثالي، فلن تعوزهم النصائح حول كيفية الإفراط في بذل الجهد وإدارته. ونصيحتنا مختلفة بعض الشيء، لكنها ليست أقل فاعلية: ابحث عن مجتمعات خارج دائرة العمل والمنزل تتصدى لاتجاهات السعي المفرط للإنجاز وجداول العمل المضغوطة، بحيث تستطيع تحقيق الوعي بجسدك. قد يبدو العمل بهذه النصيحة أمراً شاقاً، إذ يجب أن تكون واعياً بالرغبة في تطوير طرق أكثر استدامة للحياة والابتعاد عن “إجهاد العمل الإضافي”، لكن بحثنا يشير إلى أنه قد يكون تحدياً يستحق المحاولة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .