كيف تحفّز ذاتك لتتعلم الموضوعات التي تجدها مملة؟

4 دقائق
كيف أحفز نفسي للتعلم
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لطالما كنت نموذجاً للأشخاص الذين يعانون من رهاب مادة الرياضيات: لقد أخفقت أو بالكاد نجحت في اجتياز جميع دورات الرياضيات الإلزامية في المدرسة. وبالنسبة لي، كان التخرّج أمراً في غاية التشويق لأنني لن ألمس مجدداً أي كتاب للرياضيات أو العلوم. إذ لم أكن أنظر إلى الرياضيات بوصفها مادة لا معنى لها فحسب، بل كانت بالنسبة لي بلا قيمة ومحبطة على نحو مؤلم جداً، وتنطبق مشاعر الإحباط ذاتها على موضوع التكنولوجيا أيضاً.

كم كانت النسخة الشابة مني ستُذهل لو علمت بأنني في نهاية المطاف سأصبح أستاذاً في الهندسة مغرماً بالرياضيات وضليعاً في عالم التكنولوجيا. لكن حسبما اكتشفت من خبرتي الشخصية والأبحاث التي اطلعت عليها، ثمة إمكانية لتتعلم أن تُحب (وحتى أن تُغرم) بمواد ومواضيع ربما تبدو مملة لك أو أنك كنت تبغضها في الماضي. وفي عصر بيئات العمل المتغيرة بسرعة، تعد القدرة على تطوير مشاعر جديدة بالحب والشغف تجاه موضوع ما إمكانية بالغة الأهمية. وفيما يلي كيفية تطوير هذه المشاعر.

ابحث عن بذرة التحفيز

الخطوة الأولى على مسار بناء الإحساس بالشغف تجاه مادة لا تحبها هي تحديد سبب واحد يدفعك إلى تعلّمها. وتُعد الرغبة لإحراز تقدم في حياتك من أفضل المحفزات، فامتلاكك هذه الرغبة يُتيح لك إمكانية القيام بمحاكمة عقلية بين موقعك الحالي (لنقل وظيفة مساعد في مكتب) والموقع الذي تصبو إليه (محاسب عام معتمد).

بالنسبة لي، كانت المحاكمة العقلية بين الموقع الذي كنت فيه، (أدنى رتبة عسكرية في الجيش) من جهة، والخيارات المهنية المدنية العديدة التي طالما حلمت بها، من جهة أخرى، حافزاً قوياً جداً. وهكذا، عندما بلغت الـ 26 من عمري، وجدت نفسي أعود لأُرمم معارفي في الرياضيات في مسعى مني لأغدو مهندساً.

تجاوز الألم في دماغك

عند التفكير في أمر لا نحبه أو لا نريده، يفعّل ذلك الجزء من دماغنا، وهو الجزيرة الثنائية الظهرية الخلفية المسؤولة عن الشعور بالألم. هذا يعني أن التفكير بالرياضيات إذا كنت تكره الرياضيات (أو تعلّم اللغة الإنجليزية إذا كنت تكره اللغة الإنجليزية) يمكن أن يسبب لك الألم الجسدي حقاً. ونتيجة لذلك، فإن دماغك يحرف انتباهك عن ذلك الشيء الذي يسبب لك الألم. وبعبارة أخرى، فإنك تلجأ حينئذ إلى التسويف والمماطلة.

واحدة من أفضل الطرق لمجابهة المماطلة والتسويف في اتباع تقنية “بومودورو”، هي خطة ذكية على نحو مبهر طوّرها فرانسيسكو سيريلو. تعتمد هذه التقنية على الخطوات التالية:

  1. أوقف كل ما يشتت انتباهك (فلا تسمح بأي أصوات صغيرة صادرة عن هاتفك أو حاسبك).
  2. اضبط المؤقت على 25 دقيقة.
  3. ركز كل انتباهك أثناء هذه المدة من الزمن.
  4. اعط نفسك 5 دقائق راحة على الأقل بعد انقضاء فترة التركيز تلك (بسماع الموسيقى، أو التحدث إلى صديق، أو شرب فنجان من القهوة).

لسوء الحظ، لم أسمع بتقنية “بومودورو” عندما كنت أمرن دماغي. ستساعد تلك الاستراحات القصيرة دماغك على توطيد المادة التي تتعلّمها، الأمر الذي يسمح لك بتطوير استيعابك لها بأقل قدر من الإحباط. وبمناسبة الحديث عن الإحباط، اعرف أنه من الطبيعي تماماً ألا يفهم المرء كل شيء من الوهلة الأولى. ولا يعرف الكثيرون أن للدماغ نمطين اثنين مختلفين لاختبار العالم من حولنا: يحدث النمط الأول عندما نركز انتباهنا وتفكيرنا على موضوع ما، الأمر الذي يفعّل ما يسميه علماء النفس “شبكات التركيز على المهام”، أما النمط الثاني يحدث عندما لا يتركز تفكيرنا على أمر بعينه. فنمط عدم تركيز التفكير “يفعّل شبكة الوضع الافتراضي” للذهن و”شبكات حالات الراحة” الأخرى، وهو نمط تفكير مشتت ومبعثر أكثر مما هو مركّز.

يحتاج معظم الناس إلى الانتقال مرات عدة بين نمطي التفكير، المركز والمشتت، من أجل تعلم موضوع معين. فعندما تُخفق في حل مسألة ما من محاولة التركيز الأولى، اعلم أنك لست غبياً، بل إنك بحاجة فقط إلى بعض الوقت للانتقال إلى نمط التفكير المشتت. فهذا النمط يمنح دماغك فرصة توطيد واستيعاب تفاصيل المسألة والنظر إليها من منظور آخر.

يمكنني القول إن من أهم أسباب فشلي المبكر في مادة الرياضيات هو أنه لم يذكر أحد أمامي تلك الفكرة البسيطة القائلة: “إن الإنسان من الطبيعي ألا يفهم بعض الأمور من الوهلة الأولى”. فلطالما ظننت حقاً أنني يجب أن أفهم من الوهلة الأولى أي مفهوم يواجهني في مادة الرياضيات. وبما أن ذلك لم يحدث، أرجعت السبب في ذلك إلى غياب موهبتي في تلك المادة وتوقفت عن محاولة الفهم. ولم أعاود محاولاتي تلك وأثابر مدة كافية من الزمن على حل المسائل الإفرادية وأكتشف بأنني أستطيع فعلاً تعلم الرياضيات والعلوم إلا بعد سنوات عدة ساعدتني فيها خدمتي العسكرية في تكوين شكل من أشكال التباين العقلي التحفيزي.

ابن مجموعة من “الارتباطات” العصبية

عندما نتعلم شيئاً جديداً لا نشعر بالانجذاب له بطبيعتنا، لأننا غالباً ما نتعلمه على نحو سطحي دون التعمق في ماهيته واستيعابه بتركيز. ولكن لا أحد قادر على تعلم غناء أي أغنية من المرة الأولى والادعاء بأنه يتقنها فعلاً، حيث يتطلب تطوير الخبرات استظهار المفاهيم والأدوات الأساسية بسهولة وسلاسة واستيعابها تلقائياً.

جرّب هذا التمرين إن كنت تعمل في مجال مرتبط بالرياضيات والعلوم (وبوسعك بسهولة استخلاص تمرين مشابه في المواضيع الأخرى). حاول حلّ مسألة أساسية على الورق كلياً، دون النظر إلى حل المسألة الجاهز. وإن لم تستطع، حاول مرة أخرى، ومرة ثالثة في اليوم التالي، ولعدة أيام قادمة. فكل يوم من التعلم المركّز الذي يتبعه نوم خلال الليل، يقوّي أنماطك العصبية الجديدة التي هي في الواقع تكتلات عصبية للتعلم. وسرعان ما ستجد نفسك قادراً على “إنشاد” المشكلة ذهنياً، فبمجرد أن تنظر إليها،  ستتراءى أمامك خطوات الحل بسرعة وانسياب. وهكذا تكون حوّلت المادة المراد تعلمها إلى تكتلات عصبية في ذهنك. ولكن لا تخدع نفسك عليك أن تعمل حقاً وفعلاً لحل المسألة على الورق مرات عدّة قبل أن يبدأ حلّها بالتبلور في ذهنك.

وكلما كبرت المجموعة التي بنيتها من الارتباطات العصبية ذات الصلة بحل المشكلات المختلفة، ازدادت خبرتك. وكلما ازدادت خبرتك، كبر ميلك واستعدادك للإعجاب بما تتعلمه. وربما يكون التدريب اليومي وبناء الارتباطات العصبية من الأمور المهمة للتعلم، وليس فقط الرياضيات والعلوم، بل كل المواضيع تقريباً: اللغة، والرياضة، والموسيقى، والرقص وحتى قيادة السيارة.

بالاعتماد على هذه الخطوات السابقة، يمكنك توليد شغف في ذاتك تجاه أي موضوع لم تكن تحبه. قد يستغرق إتقان بعض المواد وقتاً أطول مما تستغرقه مواد أخرى لإتقانها، غير أن النهج الموضح في هذه المقالة قادر على مساعدتك لتخطي أصعب العراقيل. ومثلي أنا، سوف تندهش أنت أيضاً بمدى تنوع المواضيع التي ستتعلمها وتحبها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .