بحث: ما الذي يحتاج إليه الموظفون ليقدموا أداءً عالي المستوى؟

5 دقائق
تعزيز فعالية الموظفين
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: حدد الباحثون العوامل المشتركة التي تعزز فعّالية الموظفين أو تضرّ بها، ومنها عوامل شخصية تشمل العقليات والمهارات التي ترافق الفرد إلى عمله ويستطيع التحكم بها إلى حدّ ما، في حين تتم إدارة العوامل الأخرى على المستوى المؤسسي، وهي إدارة قواعد أداء العمل وإظهار الذكاء العاطفي. أجرى باحثون دراسة على الممرضات في أثناء جائحة “كوفيد-19” وتوصلوا فيها إلى أن أهمية هذه العوامل تزداد في الأزمات، وأن الموظفين لن يتمكنوا من العمل بكامل إمكاناتهم في ظلّ الغموض والتوتر المتزايدين إلا إذا وضحت مؤسساتهم توقعاتها منهم وأقرّ المدراء بعواطفهم وساعدوهم على إدارتها. يقدم بحثنا رؤى ثاقبة حول الطرق التي تمكّن المدراء من تعزيز إمكانات موظفيهم حتى في أوقات الأزمات، الأمر الذي يتمتع بأهمية واقعية لقادة المؤسسات.

يعاني الموظفون الأميركيون من صعوبة في العمل بكامل إمكاناتهم حتى من قبل جائحة “كوفيد-19”. أجرينا عام 2017 دراسة استقصائية على أكثر من 14,500 موظف في مختلف القطاعات، وتوصلنا فيها إلى أن نحو 85% منهم لا يعملون بكامل إمكاناتهم، في حين أن 15% فقط منهم يعملون بكامل إمكاناتهم، كما أن 16% منهم يعملون بأقل من 50% من إمكاناتهم. ما الذي يمنع الغالبية العظمى من الموظفين من العمل بكامل إمكاناتهم؟ وما الذي عزز القلة القادرين على ذلك؟

في هذا البحث تمكنا من تحديد العوامل المؤسسية والشخصية التبادلية والفردية التي أثرت في قدرة الموظف على أداء عمله بأعلى درجة من الفعالية.

عندما انتشرت الجائحة ونشرت معها الغموض والتوتر راجعنا دراستنا وبدأنا بإجراء مقابلات مع الممرضات في مستشفى جامعي كبير، وعلمنا أن الأزمة زادت من أهمية عوامل تعزيز (أو تقويض) فعّالية الموظفين التي حددناها سابقاً. يمكن لهذه المعلومات التي توصلنا إليها مساعدة قادة المؤسسات ومدرائها على تعزيز إمكانات الموظفين حتى في الأزمات.

كيف يعمل الموظفون بكامل إمكاناتهم؟

في دراستنا الاستقصائية التي أجريناها على 14,500 موظف علمنا أن الموظفين يعملون بكامل إمكاناتهم في الحالات التالية:

  • عندما يعرفون ما يُتوقع منهم بصورة واضحة.
  • عندما يملكون الرغبة في طرح أسئلة ويشعرون بالأمان لطرحها.
  • عندما لا تغرقهم قواعد أداء العمل والاجتماعات غير المنتجة.
  • عندما تدعم مؤسساتهم حلّ المشكلات الإبداعي (بتطبيق اقتراحات الموظفين حول التحسينات مثلاً) وتقابل العمل الجيد بالمكافأة والتقدير.
  • عندما يلاحظ المدراء عواطف موظفيهم ويقرّون بها، ويفهمون تأثير قراراتهم على الموظفين ويساعدونهم على إدارة عواطفهم.
  • عندما يجد الموظفون هدفاً ومعنى في عملهم ويبدون التزاماً تجاه مؤسستهم.

الأهم هو أن هذه القائمة تدمج العوامل الشخصية التبادلية والفردية والمؤسسية بعضها ببعض، وهي تسلط الضوء على أن أهمية عقلية الفرد تتساوى مع أهمية الدعم الذي يتلقاه من مدرائه، وأنه من دون دعم المدراء والمؤسسة لن يتمكن الموظفون وحتى أكثرهم التزاماً وحماساً من استخدام كامل إمكاناتهم.

بالنظر إلى تجارب الممرضات في المستشفيات في أثناء جائحة “كوفيد-19” تمكنا من اختبار فهمنا لمساهمة هذه العوامل في تشكيل تجربة العمل.

في أثناء موجة الإصابات الأولى كان الغموض كبيراً جداً، ولم يكن معروفاً نوع الأقنعة التي تؤمن الحماية الكافية أو الوقت المناسب لوضع المريض على جهاز التنفس أو كيف يجب تقييم المخاطر الجديدة الكثيرة التي يواجهها المرضى. قال أحد قادة قسم التمريض إن الكثير من الممرضات “تراجعن”، إذ لم يستطعن العمل بنفس مستوى مهاراتهنّ المعتاد أو اتخاذ قرارات بسيطة نسبياً عند أسرة المرضى بسبب الغموض الكبير فيما يتعلق بما يجب عليهنّ فعله.

في إحدى المقابلات التي أجريناها تحدثت إحدى الممرضات عن تجربتها في طلب إجازة، إذ أيدها مديرها في أن الاستراحة ستساعدها في إدارة إرهاقها وتوترها، لكن طلبها تعارض مع سياسة المستشفى المتعلقة بالإجازات المدفوعة المقسمة، ولذلك رُفض طلبها. فكانت الممرضة مجبرة على الاستمرار بالعمل والضغط على نفسها على الرغم من الإرهاق المعنوي والجسدي الذي تعاني منه، ولم تكن قادرة على تقديم أفضل أداء لديها.

قالت ممرضات أخريات إنهنّ لم يشعرن بالارتياح للتحدث عن أفكارهنّ في اجتماعاتهنّ مع أخصائيي تعليم الممرضات أو طرح أسئلة دقيقة أو طلب مزيد من التفاصيل حول طريقة تنفيذ الإجراءات الجديدة. وهذا الأمر زاد من صعوبة تعلم طريقة العمل في الأزمة. والأهم هو أن ترددهن لم يكن بالضرورة ناتجاً عن الخوف من العواقب السلبية على أنفسهن فقط، بل نتيجة لعدم رغبتهن في زيادة التوتر في الجلسة التعليمية. تبين جلياً من محادثاتنا مع الممرضات أن هذه العوامل كانت تمنعهنّ من العمل بكامل إمكاناتهنّ.

وعلى الرغم من ذلك رأينا كثيراً من الممرضات ومدرائهنّ ومؤسساتهنّ يتوصلون إلى طرق للنجاح. أولاً، مع توضح رسائل العلماء وقادة المستشفيات انخفضت مستويات التوتر لدى الممرضات فيما يتعلق بالعمل المتوقع منهنّ وتمكنّ من الاعتناء بمرضاهنّ على نحو أفضل. ثانياً، شجع المدراء الممرضات على التفكير في طرق مبتكرة لتوفير الراحة للأسر التي مُنعت من زيارة المرضى، فرسمت الممرضات قلوباً صغيرة على أوراق ووضعنها في أيدي المرضى، وصورن المرضى وهم يمسكون بهذه الرسومات وأرسلن الصور إلى أفراد عائلاتهم الذين عبروا عن شعورهم بالراحة والعزاء نتيجة لهذه اللفتة البسيطة. ثالثاً، كان المدراء الذين يتمتعون بالذكاء العاطفي قادرين على دعم نمو الموظفين. قدم أحد المدراء طريقة لإعادة تأطير تقييمات الموظفين التي تقول إن واحدة من الممرضات فظّة أو لا مبالية في بعض الأحيان، وكانت هذه فرصة لمعرفة الأثر الذي أوقعته هذه الممرضة على زملائها عندما تعاني من التوتر الشديد. تم تدريب الممرضة وتوجيهها كي تتمكن من بناء المهارات التي تحتاج إليها لتدرك عواطفها وتديرها بفعالية أكبر، ما أتاح لها تعميق علاقاتها مع زملائها في الوحدة.

وأخيراً، قالت الممرضات اللاتي تحدثنا إليهنّ إنهنّ يعتبرن وظيفتهنّ واجباً ورسالة سامية، وإنهن يشعرن بالفخر والرضا لمعرفة أن ما يقمن به يخفف آلام المرضى ويساعدهم على التعافي وينقذ أرواحهم في بعض الأحيان. أضف إلى ذلك إمكانية ممارسة هذه القوة الشخصية وتعميقها على نحو هادف، قالت واحدة من قادة قسم التمريض إنها تحرص على تذكير نفسها بواجبها في خدمة مرضاها وموظفيها كل صباح.

كيف نزيد فعالية الموظفين؟

في أثناء الجائحة، شكلت العوامل المؤسسية والشخصية التبادلية والفردية التي حددناها مدى فعالية الممرضات في عملهن. عندما عرفت الممرضات بوضوح ما يتوقعه قادة المستشفى منهن في وظائفهنّ أصبحن أكثر قدرة على العمل من منطلق إحساسهن بهدف عملهنّ كمعالجات. وعندما دعم المدراء حلّ المشكلات الإبداعي لدى الممرضات وساعدوهنّ على إدارة العواطف الصعبة، تمتعت الممرضات بالحيلة الواسعة وأصبحن قادرات على العمل بكامل إمكاناتهنّ. يمكن أن تساعد هذه الدروس في توجيه المدراء والمؤسسات الأخرى من أجل تقديم دعم أفضل لموظفيهم كي يتمكنوا من العمل بكامل إمكاناتهم.

يمكن أن تدعم المؤسسات الموظفين بتخفيض المطالب البيروقراطية وإنشاء ثقافة قائمة على الثقة وإعادة النظر في دور القيادة.

بناء على خبرتنا في توجيه المؤسسات لتجاوز التغييرات الكبيرة (مثل عملية إعادة الهيكلة) توصل فريقنا إلى أن معرفة التفاصيل الدقيقة عن أيام الموظفين في العمل تساعد على اكتشاف طرق لتخفيف البيروقراطية والأنشطة المكررة وغير الضرورية التي تعيق عملهم.

يعتمد بناء الثقة على رؤية الموظفين لمدى اهتمام مدرائهم وقادة مؤسساتهم بالمسائل المتعلقة بعملهم ورفاهتهم. ومن أجل تنمية الثقة بحق على جميع مستويات المؤسسة يجب أن يلتمس كل مدير آراء موظفيه وتقدير أفكارهم وفهم تأثير قراراته على تجربة الموظفين في العمل والتواصل معهم لتوضيح أسباب عدم قدرته على قبول بعض الأفكار. يؤدي طلب الآراء والملاحظات والاستجابة لها إلى شعور الموظفين بأن أصواتهم مسموعة وأنها لا تقابَل بالرفض والتبريرات الجاهزة التي تتحدث عن عجز الميزانية وغيرها من الأجوبة المعتادة.

يجب أن يعمل القائد على تطوير ذكائه العاطفي ويمارسه كي يتمكن من ملاحظة عواطف موظفيه واستخدامها وفهمها وإدارتها. وفي أثناء الجائحة، يعني اتباع طرق الذكاء العاطفي في التعامل الإقرار بتوتر الموظفين المتصاعد وطمأنتهم بأن شعورهم بالإرهاق في ظل هذه الظروف ليس دليلاً على ضعف مهاراتهم. وسيساهم المدير الذي يتبع أساليب الذكاء العاطفي في تعامله مع الموظفين في إنشاء مناخ عمل إيجابي أكثر ومنح الموظفين القدرة على النمو في وظائفهم وزيادة فعاليتهم.

لا يستطيع كثير من الموظفين العمل بكامل إمكاناتهم حتى في أفضل الأوقات، ويجب أن يكون ذلك تنبيهاً لضرورة العمل لحلّ هذه المشكلة. إمكاناتنا أشبه بمخزن الطاقة، وإذا استنزف جزء من هذه الطاقة بسبب التوتر الشديد فلن يبقى ما يكفي منها لتعزيز الأداء في العمل. ومن أجل تخفيف هذا التوتر الذي يضعف الإنتاجية ومن أجل تعزيز فعالية الموظفين يجب على المدراء التفكير في تجربة الموظف آخذين في حسبانهم العوامل التي حددناها آنفاً، إذ ستساعد الإنتاجية والرفاهة على المستوى الفردي في تعزيز الإنتاجية والنجاح على مستوى المؤسسة بأكملها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .