كيف تُسهم مشاركة قصصنا في تعزيز الشمول؟

7 دقائق
تعزيز الشمول
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: حان الوقت لتطبيق منهج يتمحور حول الإنسان عند الحديث عن تعزيز الشمول والتنوع، فالأمر لا يرتبط بالأرقام فقط، إنما يرتبط بالأشخاص أيضاً. وتمنحنا رواية القصص فرصة نادرة للنظر إلى الأشياء من زوايا جديدة باعتبارها إحدى أكثر التجارب البشرية شيوعاً. ويعتبر التعرّف على وجهات النظر البديلة مهارة حياتية، وليس مجرد مهارة يجري استخدامها في مكان العمل فقط. والشركات التي تعطي الأولوية للشمول ستخرج من الأزمة أقوى من منافسيها، وتمثل القصص وسيلة رئيسية لمساعدتها على تحقيق هذه الغاية. وتقدّم مستشارتا الشمول، سيلينا ريزفاني وستاسي غوردون، خطوات عملية لتنفيذ منهج يستند إلى رواية القصص في التنوع والمساواة والشمول، وذلك من خلال تشجيع الموظفين على رواية قصصهم بأسلوبهم الخاص والتفكير في أثرها على خبراتهم اليومية في العمل.

 

كثُر الحديث عن تعزيز الشمول في عام 2021 إثر عامين حافلين بالكثير من المصاعب والأحداث غير المسبوقة. فقد شهد الكثير من المؤسسات حالة من الصحوة إثر وقوع عدد من الأحداث المتلاحقة، مثل جائحة “كوفيد-19” ومقتل بريونا تايلور وجورج فلويد وأحمد أربيري وجرائم الكراهية وتعطُّل مسيرة المرأة العاملة. لكن هل هذا الحديث المُعاد والمكرَّر يُترجَم إلى نتائج عملية؟ وما أثره الحقيقي على أرض الواقع؟

نلاحظ بحكم خبرتنا كمستشارتين في مجال الشمول إصرار المزيد والمزيد من الشركات على استخدام مقاييس التنوع، مثل دراسات الجدوى وبطاقات قياس الأداء والأهداف. فالمنطق يحتّم ضرورة قياس الأشياء ذات الأهمية، أليس كذلك؟ وتتعقب هذه البرامج أشياء، مثل التركيبة السكانية لقوة العمل ومراعاة التنوع في عملية تعيين الموظفين الجدد ومعدلات استبقاء الموظفين الحاليين وترقيتهم واستخدام موارد التنوع والمساواة والشمول. وعلى الرغم من الحرص على تتبع هذه المقاييس، فقد لاحظنا عدم كفايتها لتعزيز الشمول بمفردها. والحقيقة أن المغالاة في استخدام المنهج الحسابي البحت تؤدي في واقع الأمر إلى الحط من أهمية الشيء ذاته الذي نود الإعلاء من شأنه في أماكن العمل التي تحرص على تحقيق الشمول، كالوعي والتواصل والتعاطف والاحترام المتبادل.

ففي خضمّ محاولاتنا لخلق بيئات أكثر يقظة ووعياً، ننسى أن الأرقام عادة لا تلهمنا القدرة على تغيير سلوكنا، بخلاف العنصر البشري والقصص. وقد لاحظنا بحكم خبرتنا في التعامل مع عملائنا من الشركات أن تبادل الخبرات البشرية من خلال القصص والمجموعات المركزة وجلسات الاستماع قادر على إلهام الأفراد لخلق حالة من التغيير الدائم على المستوى الشخصي.

ويمكننا إحراز تقدم حقيقي على صعيد تعزيز الشمول من خلال تنفيذ منهج يستند إلى رواية القصص، وذلك من خلال تشجيع الموظفين على رواية قصصهم بأسلوبهم والتفكير في أثرها على خبراتهم اليومية في العمل.

ما القصص التي يجب روايتها؟

والآن ربما تقول لنفسك: إذا كنا سنروي المزيد من القصص، فمن المنطقي أن نبدأ بقصص القادة، أليس كذلك؟

ليس بالضرورة.

فقد كشفت دراسة منشورة في مجلة “أكاديمية الإدارة” (Academy of Management) أن الموظفين الجدد يفضلون سماع قصص أقرانهم، وليس قصص القادة. وإذا كان هذا صحيحاً، فلماذا تتيح معظم برامج الشمول فرصة ضئيلة جداً للأقران لمشاركة خبراتهم الحياتية؟

تقع المسؤولية على كاهل القادة لتسهيل مشاركة هذه القصص. وإذا قصّروا في أداء هذه المسؤولية، فسيؤدي ذلك إلى شعور الموظفين، خاصة النساء وذوي البشرة الملونة، بانعدام تمثيلهم. وقد اتصل بنا أحد عملائنا في إحدى شركات السلع الاستهلاكية، طالباً مشورتنا لأن النساء كُنَّ يُحجمن عن “التصدي للفرص المتاحة”، على عكس الرجال. وبعد عشرات المقابلات الثنائية، وجدنا أن النساء كُنَّ يحاولن التصدي للفرص المتاحة، ولكن كان يتم تجاوزهن ورفضهن باستمرار. ثم عقدنا جلسة مع القادة والموظفين، طرحنا خلالها موضوعات مُستمدَّة من المقابلات الشخصية التي أجريناها معهم. ووصف أحد مدراء الشركة الحوار الذي دار خلال هذه الجلسة بأنه أكثر الحوارات صدقاً وصراحة منذ سنوات، وذلك بفضل قصص الموظفين وآرائهم التي خرجت من القلب إلى القلب دون تجميل أو تزييف.

وعندما يسمع الأفراد قصصاً يشعرون بأنها تمثّل كافة الأطياف، فإن ذلك سيتيح الفرصة لخوض محادثات مثمرة قادرة على تحفيز التغيير الحقيقي. إذ تدعو القصص إلى التعرّف على وجهات النظر البديلة، وذلك من خلال تشجيع كل شخص على وضع نفسه في مكان الآخرين وتخيُّل كيف كانت ستسير الأمور لو كان مكانهم. وهي أداة غير مستغلة بالقدر الكافي لتحقيق الشمول. فقد توصلّت دراسة إلى أن التعرّف على وجهات النظر البديلة للآخرين “قد يكون له أثر إيجابي دائم على النتائج المتعلقة بالتنوع من خلال زيادة الدافعية الداخلية للأفراد للاستجابة دون تحيز مسبق”.

ولم يفهم أحد الرؤساء التنفيذيين الذين عملنا معهم في قطاع الترفيه معنى مجموعات موارد الموظفين (ERGs) أو سبب احتياج الشركة إليها، لكنه وافق على تفعيلها وخصّص لها جزءاً من الميزانية. لقد كان متشككاً ولم ير لها فائدة تُرتجَى حتى حضر إحدى فعاليات مجموعات موارد الموظفين، وعرف من خلال القصص كيف أثر التحيز على الموظفين الذين ينتمون إلى مجتمعات الأقليات. وأدرك في وقت لاحق كم كانوا أكثر سعادة في العمل بمجرد أن بدؤوا يشعرون بانتمائهم إلى مكان العمل، وبدؤوا في العمل على إيجاد طرق لتحسين مستوى أداء الشركة، ليس فقط لهؤلاء الموظفين، بل للجميع.

انظر إلى المرآة

نظراً لأن برامج التنوع والمساواة والشمول التقليدية قد تراعي الجوانب النظرية فقط وتغفل حقيقة أن التنوع والمساواة والشمول ترتبط بالإنسان نفسه، فإننا ننصح كافة القادة بمختلف ميولهم بضرورة النظر أولاً إلى المرآة والتمعن في قصص التنوع الخاصة بهم. ويسهم اتخاذ هذه الخطوة في مساعدة القادة على فهم السرديات التي يشاركها الآخرون والتعاطف معها. وبمجرد الكشف عن قصصهم الخاصة، قد تتم دعوتهم لمشاركة قصصهم (وهو أمرٌ مُنتظَر منهم)، بالإضافة إلى قصص المساهمين الأفراد، وبالتوازي معها.

ويحب كل موظف أن يلمس في قادته المصداقية والتجانس والشفافية. ولا يريد أن يرى نسخة “احترافية” مُصطنَعة منك كقائد. وهناك مفهوم مغلوط مفاده أن إظهار هوياتنا الفريدة والشخصية أمرٌ ينُّم عن الافتقار إلى المهنية إلى حدٍّ ما ويجب تحاشيه بكل السبل في العمل. ولكن سواء تجاهلناها أو وضعناها على رأس أولوياتنا، فإنها تسهم بقوة في تشكيل طريقة تفاعلنا مع الآخرين في كل موقف، ولن تجد أحداً يتصرف بطريقة موضوعية طوال الوقت. وحينما نسرد قصصنا الخاصة، فإن هذا سيساعدنا على خلق حالة من التباين مع الآخرين وتعزيز قدرتنا على رؤية الفروق الدقيقة في قصصنا وما تحمله من تصورات.

وإذا شعرت بالحيرة أو بالعجز عن معرفة كيفية صياغة قصة التنوع الخاصة بك، فإليك بعض المحفزات للبدء:

  • متى أسهمت ميزتك في منحك معاملة تفضيلية مختلفة عن معاملة الآخرين؟
  • متى دافع أحدهم عنك؟ (هل حصلت على مساعدة من شخص ذي ميزة معينة؟)
  • هل احتجت إلى البحث للعثور على الشعور بالانتماء؟
  • متى اكتشفت التحيز أو المعاملة التفضيلية في شركتك، وكيف تغلبت عليها؟
  • هل شعرت يوماً بالضغط للتطابق مع الآخرين أو تحقيق الملاءمة الوظيفية؟
  • هل شاهدت يوماً سلوكاً ينمُّ عن الانحياز اللا إرادي في مكان العمل؟

إليك ما تعلمناه نحن شخصياً من هذا التمرين:

سيلينا: لطالما تحاشيتُ قصصي الشخصية المرتبطة بالتنوع وحرصتُ على إخفائها، كامرأة ثنائية العِرق. فأنا نصف باكستانية ذات بشرة داكنة بعض الشيء، كما أنني نصف قوقازية أيضاً وأعتبر نفسي أحياناً ضمن ذوي البشرة البيضاء. وقد يغذّي فيك اختلاط العِرق إحساساً بالشعور بعدم الانتماء إلى أي مكان. وبمجرد أن رويت قصتي أخيراً عن التناقضات التي أعايشها بصفتي امرأة متعددة الأعراق، شعرت بإحساسٍ منحني حرية التواصل مع الآخرين، حتى العملاء، بشكل أعمق وبصورة أصدق.

ستاسي: نشأتُ كامرأة ذات بشرة سمراء في عالم من ذوي البشرة البيضاء، وكنتُ واحدة ضمن عدد قليل جداً من الأطفال ذوي البشرة السمراء في مدرستي، ولم أشعر يوماً بالاندماج في محيطي. كنتُ أعتقد أن هذا الوضع سيتغير عندما انتقلت إلى بروكلين في نيويورك، ولكن من المدهش أن هذا لم يحدث، لأنني أدركت بمجرد وصولي أن الجميع يرونني “فتاة بريطانية”. لقد استغرق الأمر سنوات للقبول بثقافتي غير التقليدية، لكن الاعتزاز بهويتي ساعدني على اكتساب الشعور بالانتماء، وها أنا الآن أستفيد من هذه الرحلة لمساعدة عملائنا على فعل الشيء نفسه.

وقد شارك أكثر من 500 مهني في استقصاء مخطط عمل التنوع والمساواة والشمول الذي نظمته مؤسستنا، وأجاب 4% فقط من المشاركين بـ “نعم” عن الجملة التي تقول: “هناك توافق بين قيادتنا على الالتزام بالتنوع والشمول في المؤسسة”. فكيف يمكن للقادة استجماع شجاعتهم ورواية قصصهم إذا لم يكن هناك توافق حول أهمية التنوع والمساواة والشمول؟ تعتبر هذه فجوة يصعب سدها، وتلك مشكلة كبيرة. وهذا يعني أن القصص التي نسمعها منهم غالباً ما تكون مُصطنَعة ولا يمكن ربطها بسياق الأحداث. فهي لا تؤدي غرضاً محدداً، ولكنها مجرد كلام، ولا تساعد الآخرين على رؤية الجانب الإنساني في القائد.

ما الذي يمكن للقادة فعله إذاً؟

المشاركة! شارك قصتك بصدق قدر الإمكان. أفصح عن مشاعرك الحقيقية. واحكِ عن الأخطاء التي ارتكبتها. وكن صادقاً.

أتح الفرصة لرواية القصص

تُعتبَر أفضل طريقة من أجل تعزيز الشمول في المؤسسة هي توفير مساحات آمنة تتيح إمكانية سماع القصص دون إصدار أحكام. وتعمل هذه الآلية على أفضل نحو ممكن عندما يتم تعزيز الأمان النفسي بقوة. وتنطوي رواية القصص بطبيعتها على التقمُّص الشخصي والتعاطف الوجداني الذي يصاحب مشاركة القصص، بالإضافة إلى غريزة المحاكاة. وهذا يعني أن الأفراد لا يُطالبون بمشاركة قصصهم في أماكن العمل الأكثر أماناً من الناحية النفسية، لكنهم يجدون الأمان الذي يشجّعهم على مشاركتها من تلقاء أنفسهم. ويجب أن تهتم المؤسسة بجوانب الضعف الإنساني التي يبديها الموظفون أمام القادة. ولتشجيع أعضاء الفريق على التحدث بانتظام عن قصص التنوع الخاصة بهم، احرص على اتخاذ الإجراءات التالية:

  • اطرح سؤالاً عاماً في الاجتماعات
  • اعقد جلسات استماع
  • استضف نوادي الكتب الحافلة بالمناقشات
  • رتّب لعقد جلسات لرواية القصص
  • احرص على إدراج القصص في المدونات ومقاطع الفيديو والاحتفالات والعروض الترويجية وعمليات إعداد الموظفين الجدد
  • تحلَّ بالشفافية بشأن الاستقصاءات والمجموعات المركزة التي تعكس التصورات السلبية وأساليب المعاملة الضارة
  • نظّم منتديات ولقاءات اجتماعية
  • دشّن حملات ديناميكية على وسائل التواصل الاجتماعي لمشاركة القصص

وقد يكون لدى الكثير من الأشخاص خبرات مليئة بالأحداث، ولكنهم لا يرونها “قصصاً جيدة”. فطمئنهم إلى أنه لا يُشترط أن تكون قصصهم مثالية، كل ما هنالك أنها يجب أن تكون حقيقية فحسب.

وعندما تفتح المنتديات لأعضاء فريقك، شجّعهم على رواية قصصهم بأسلوبهم الخاص، وذلك من خلال:

  • استحضار عقلية المبتدئين. تخلَّ عمّا تعتقد أنك تعرفه حتى تتمكن من الإصغاء جيداً إلى ما يُقال.
  • تلقي قصص التنوع بنوع من التعاطف والترحاب. أظهر إعجابك بالقصص التي تسمعها، حتى إذا لم تشعر بالتعاطف مع أحداثها أو لم تعكس مشاعر صاحبها بطريقة مفهومة. وإذا أبدى أحدهم انفعاله أو عدم ارتياحه، فأكد أنك مستعد لدعمه ومساندته.
  • عدم مطالبة رواة القصص “بالتحقق من صحة كلامهم”. بعد انتهاء أحدهم من مشاركة قصته، فلا تحاول تحديه أو مطالبته بذكر أدلة تثبت صحة أحداث قصته، حتى إذا كانت لديك أسئلة. وإذا كانت لديك أسئلة، فاسأله مباشرةً عمّا إذا كان بإمكانك طرح سؤال حول تجربته عند الانتهاء من رواية قصته.
  • توجيه الشكر للأفراد على مشاركة قصصهم. من المهم أن تدع الآخرين يعرفون أنك تصغي إليهم وأنك تقدر مشاركتهم لخبراتهم.
  • التحقق من إتاحة مساحة آمنة وتحسينها باستمرار. مع تنظيم المزيد من منتديات رواية القصص، تحقَّق من إتاحة مساحة آمنة. اسألهم عما إذا كانوا يشعرون بأنك قد أتحت فرصاً تسنح للأفراد برواية قصصهم والاستماع إليها في جوٍّ يسوده الأمان النفسي.

حان الوقت لتطبيق منهج يتمحور حول الإنسان عند الحديث عن تعزيز الشمول والتنوع، فهما لا يرتبطان بالأرقام فقط، إنما يرتبطان بالأشخاص أيضاً. وتمنحنا رواية القصص فرصة نادرة للنظر إلى الأشياء من زوايا جديدة باعتبارها إحدى أكثر التجارب البشرية شيوعاً. ويعتبر التعرّف على وجهات النظر البديلة مهارة حياتية، وليس مجرد مهارة يجري استخدامها في مكان العمل فقط. والشركات التي تعطي الأولوية للشمول ستخرج من الأزمة أقوى من منافسيها، وتمثل القصص وسيلة رئيسية لمساعدتها على تحقيق هذه الغاية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .