تنوء كواهل أعضاء فريقك بالكثير من المسؤوليات التي يتعين عليهم إنجازها، لذا لا يمكنك تحمل تكاليف وجود عضو في الفريق يخذل زملاءه باستمرار، ومن ثم فإنك تحتاج إلى أفراد يفهمون مسؤولياتهم ويشعرون بأن الواجب يملي عليهم الاضطلاع بها دون تقصير، وتحتاج إلى فريق يتكوّن من أفراد يشعرون بتحمّل المسؤولية؛ ولكن بناء فريق يتحمل مسؤولياته سهل نظرياً، صعبٌ عملياً.

لا يمكنك إرغام أحدهم على الشعور بتحمّل المسؤولية؛ لأن تحمّل المسؤولية شعور داخلي في الأساس. تستطيع بكل تأكيد استخدام الحوافز أو المكافآت المالية لمحاولة إجبارهم على الاهتمام بعملهم، كما تستطيع استخدام نبرة التهديد والوعيد أو الأساليب العقابية أو اللهجة الاستنكارية لحملهم على الشعور بالمسؤولية (ومن المؤكّد أنك لن تكون الشخص الوحيد الذي سيحاول تجربة هذه الأساليب). وللأسف فإن لغتنا الدارجة والاستعارات المستخدمة في تذكير العاملين بتحمّل مسؤولياتهم تثير في الذهن هذا النوع من النهج العقابي؛ إذ نتحدث عن موظفين “أوقعوا أنفسهم في مأزق”، كما لو كان الموظفون مجرد أسماك وقعت في شباك صياديها دون أن تجد لنفسها مهرباً. وإذا لم تكن هذه اللهجة استفزازية بما فيه الكفاية، فأود أن أشير إلى القادة الذين أسمعهم يتحدثون عن وجود “طرف واحد يتحمّل المسؤولية كاملة”. تنمُّ هذه اللهجة عن التخويف وليس الشعور بتحمّل المسؤولية.

ويتجسّد التحدي الماثل أمامك في إرساء مبادئ تحمّل المسؤولية باستخدام لهجة تنمُّ عن التعاطف بدلاً من التخويف. وعندما تكون مديراً متعاطفاً مع مرؤوسيه، فسيعرف أعضاء فريقك أنه لا بأس بمعاناة بعض الصعاب وأن هذا أمر مفهوم، وحتى موضع ترحاب. وبصفتك مديراً متعاطفاً مع موظفيه، فإنك تفصح لهم عمّا تتوقعه منهم عندما يستدعي الموقف ذلك. ولكن كما هي الحال مع معظم سلوكيات القيادة، فقد تبالغ في إظهار التعاطف إلى درجة ابتذال معناه، وقد تؤدي المبالغة في التعاطف إلى أن يسيء الموظفون فهم أن اللطف لا يعني التساهل بالضرورة. فكيف تجد المزيج الصعب المنال الذي يجمع بين تحمّل المسؤولية والتعاطف؟ إليك بعض الأساليب التي من شأنها أن تساعدك على أن تغرس في نفوس أعضاء فريقك الشعور بأنك لا تجد بأساً في أن يحدّثوك عن الصعوبات التي تواجههم، مع تحمّلهم مسؤولية تحقيق الأهداف المطلوبة منهم في الوقت نفسه.

كيفية تعزيز الشعور بتحمّل المسؤولية من خلال إظهار التعاطف

ضع توقعات واضحة

يعتمد الأمر في المقام الأول على وضع توقعات واضحة ومُعلَنة للجميع. وإذا استخففت بأهمية الحوار المسبق، وفشلت في الإجابة عن الأسئلة التي تتناول أسباب التوقعات وطبيعتها والأطراف المسؤولة عنها، فلن يحقق موظفوك النتائج المرجوة منهم على الأرجح. وستضطر عندئذٍ إلى التدخُّل بنفسك، لكن بعد أن يهدر فريقك الكثير من الوقت والطاقة، وهو ما قد يكون محبطاً (فضلاً عن انعدام كفاءته).

احرص بدلاً من ذلك على تعزيز الشعور بتحمّل المسؤولية من خلال وضع توقعات واضحة. نصيحة: التوقعات الواضحة تخلو من الصفات؛ لأن الصفات حمّالة أوجه، وهي أعدى أعداء الوضوح. ويصعب على مرؤوسيك المباشرين الشعور بتحمّل المسؤولية إذا طلبت منهم أن يكونوا مبتكرين أو مواكبين للأحداث أو متعاونين؛ لأن هذه الكلمات تستحضر لدى كلٍّ منكم صوراً ذهنية مختلفة إلى حدٍّ كبير. استخدم الأسماء والأفعال بدلاً من الصفات، بحيث تتحول كلمة “متعاون” إلى “احرص على الحصول على تقييم عملية التسويق للفرصة ودمجها في تحليلك”. ويُعتبر تحديد التوقعات أفضل نهج يمكن أن تتبعه لتعزيز الشعور بتحمّل المسؤولية بطريقة استباقية وليست عقابية.

حافظ على الانتباه

تتمثّل الخطوة التالية في إضافة العمليات والأدوات التي من شأنها أن تحافظ على تركيز الجميع على التقدم المُحرَز. وحينما يعرف الجميع أن كل فرد في الفريق لديه دور واضح في إحراز التقدم (أو عدمه)، فإن هذا سيعزز شعورهم بتحمّل المسؤولية. وإذا كان أعضاء فريقك يعملون معاً في مقر واحد، فيمكنك الاستفادة من وجود مركز قيادة مشترك من خلال تعليق لافتات في أماكن واضحة لتذكيرهم بالتزاماتهم وتتبُّع المراحل الرئيسية لتنفيذ مهماتهم. وإذا كان أعضاء فريقك يعملون عن بُعد أو بشكل هجين يجمع بين الأمرين، فيمكنك استخدام خرائط الطريق الرقمية أو برامج تتبُّع التقدم المُحرَز أو اللوحات البيضاء كوسائل بديلة. ولا تتوقف عند زيادة وضوح أدوار الجميع، بل احرص أيضاً على مراجعة التقدم المُحرَز في الاجتماعات الثنائية والاجتماعات العامة للفريق ككل، واستغل هذه الفرص لإظهار أي مخاوف أو مشكلات تلوح في الأفق.

عزّز الأمان النفسي

بغض النظر عن مدى دقة تحديد التوقعات ومدى جودة مراقبة التقدم المُحرَز، يجب ألا تتوقع الكمال. وتتمثل الخطوة التالية لتعزيز الشعور بتحمّل المسؤولية في إنشاء مساحة آمنة نفسياً للموظفين للإفصاح عن الصعوبات التي تواجههم.

فعندما يكون الكمال هو الخيار الوحيد، قد يشعر بعض الموظفين بعدم القدرة على تحمّل المسؤولية. وإذا عملت، بدلاً من ذلك، على دعوة أعضاء فريقك للإفصاح عن الصعوبات التي تقابلهم، فستتاح لك الفرصة لتدريبهم وتوجيههم حتى يتمكنوا من تكوين فهم واضح للمشكلة والتعرُّف إلى مجموعة الحلول القابلة للتنفيذ على أرض الواقع. لكن احترس؛ فالتوجيه مفيد، لكن حل مشاكلهم نيابة عنهم يقوّض شعورهم بتحمّل المسؤولية بدلاً من تعزيزه؛ لأنه سيعلّم موظفيك التواكل وأنهم ليسوا مطالَبين بتحمّل المسؤولية؛ لأنك ستتحملها نيابة عنهم بكل بساطة. والأسوأ من ذلك أن إقدامك على إنقاذ أعضاء فريقك قد يترك انطباعاً لديهم بأنك لا تثق بهم، وبذلك فإنك لن تجني فائدة تُذكَر سوى تقويض شعورهم بتحمّل المسؤولية وتدمير إحساسهم بتعاطفك معهم، كل ذلك بضربة واحدة! لذا بدلاً من محاولة تجنُّب إزعاجهم، شجِّعهم على حل المشكلة بقول شيء مثل: “أتفق معك أن هذا أصعب طرح لمنتجاتنا على الإطلاق، وهذا ما جعلني أضعك على رأس هذه المهمة. والآن، هل يمكنك إطلاعي على الصعوبات التي تواجهها؟”. يكمن السر في الاعتراف بالصعوبات التي يواجهونها مع إثبات ثقتك في قدرتهم على تذليل أي عقبات تقف في طريقهم.

كُن مدرباً، لا مديراً تفصيلياً

على الرغم من أنك بحاجة إلى توخي الحذر حتى لا تقدّم إجابات جاهزة أو تملي على موظفيك كيفية أداء مهماتهم، فإنك مطالب بتوجيههم إلى التصورات التي لا يمكنهم الحصول عليها بمفردهم. المهم هنا أن تتأكد أن ملاحظاتك تأتي في شكل سلسلة من التوجيهات التصحيحية البسيطة للمسار، دون أن تتخذ شكل شحنات مكثَّفة من خيبة الأمل أو الازدراء. وفي أثناء تدريب كل موظف، فإن مسؤوليتك الأساسية تنحصر في لفت انتباهه، دون أن تُملي عليه كيفية أداء العمل المطلوب منه. اطرح عليهم أسئلة تسمح لهم بمراجعة نهجهم وتجعلهم يتعلّمون إعادة النظر في افتراضاتهم الخاصة أو تنفيذ سيناريوهات بديلة. ساعدهم على رؤية الآثار غير المقصودة لنهجهم. على سبيل المثال، يمكنك توجيه الموظف الذي يعاني صعوبات في طرح المُنتَج الجديد المشار إليه سابقاً بقول: “أشعر بأن أهم شيء في هذا الطرح هو تحديد المنطقة المناسبة لتجريب مُنتَجنا الجديد. لديك منطقة الساحل الغربي أولاً في خطتك الحالية، لكنني أخشى ردود فعل عملائنا الكبار في منطقة الساحل الشرقي. فكيف تفكر في معايير المكان الذي ستبدأ فيه عملية الطرح أولاً؟”.

استخدم سياسة العواقب المناسبة

يتفاجأ القادة أحياناً حينما يسمعونني أشجعهم على استخدام سياسة العواقب كجزء أساسي من العملية التعليمية. لكنّ ثمة تحذيراً مهماً هنا، وهو أنك يجب أن تبحث عن السلوكيات المفيدة والبنَّاءة بحيث تكون أغلبية العواقب التي تقدمها إيجابية ومعزِّزة (مثل تكريم الموظف أو مكافأته أو منحه مسؤولية أكبر). وإذا اقتضت الضرورة، فيمكنك استخدام العواقب السلبية التي تم تصميمها خصيصاً حسب مقتضيات الموقف. ابدأ باتخاذ إجراءات غير ضارة نسبياً (مثل زيادة عدد المراحل الرئيسية للموظف الذي يتخلف عن المواعيد النهائية)، وإذا لم تلاحظ تغييراً في سلوكه، فصعِّد العواقب حسبما يقتضي الموقف. وتذكر أنه على الرغم من أهمية العواقب، فإن التعاطف يعني استبيان المواقف التي لا تستدعي اتخاذ أي إجراء من جانبك؛ لأن شعور الموظف بخيبة الأمل والانزعاج يعتبر في حد ذاته عقاباً كافياً.

إذا أعيتك الحيلة، فاسمح بإعفاء الموظف من منصبه بطريقة لائقة

أخيراً، سأقدّم نصائح قد تبدو للوهلة الأولى غير بديهية على الإطلاق: يفهم القادة المتعاطفون أن أفضل إجراء يمكنهم اتخاذه في بعض الأحيان هو إعفاء الموظف من منصبه، ما لم يصل إلى مستوى الأداء المطلوب؛ وذلك لأن أعضاء الفرق يتفاعلون فيما بينهم بديناميات اجتماعية، وبمجرد أن يفقد الفرد ثقتك، سيتضح لزملائه في الغالب أنه واقع في ورطة. ويؤسس هذا لموقف لا يُطاق؛ لأنه سيفقد ثقة باقي أفراد المجموعة أيضاً، وبالتالي تتضاءل فرصه في النجاح. وفي هذه الحالة، من الأفضل أن توجّه تعاطفك لمساعدة هذا الموظف على الخروج من الفريق بلطف ودعمه في أثناء بحثه عن دور جديد.

من الصعب أن تحقق التوازن المطلوب بين حث الأفراد على تحمّل مسؤولية النتائج المتحققة في العمل وإبداء اللطف تجاههم. ويكمن السر في التركيز بقوة على وضع توقعات واضحة، ثم تقديم جرعات غير مكثفة من التدريب والملاحظات على فترات متقاربة، وذلك لتقديم يد العون لأعضاء فريقك دون تحمّل مسؤولياتهم نيابة عنهم. إنها صيغة رابحة لفريق سعيد وصحي ومُنتِج.