تقرير خاص

أسس تطبيق الحوكمة المؤسسية الناجحة: شركة الهلال للمشاريع مثالاً

5 دقائق
الحوكمة المؤسسية
shutterstock.com/LeoMinor
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

منذ مطلع القرن الحالي، برز العديد من قضايا الفساد المؤسسي، كان أبطالها شركات تربعت على القمة لسنوات، لكن هذه القضايا ستلازم اسمها كلما ذُكرت لسنوات طويلة. يقول وارن بافيت: “يتطلب بناء سمعة طيبة 20 عاماً، ويحتاج تدميرها 5 دقائق”. ومن أشهر هذه القضايا فضيحة شركة إنرون عام 2001، والتي كانت سابع أكبر شركة في الولايات المتحدة من حيث القيمة السوقية، حينما عمد قادتها إلى إخفاء خسائرها المالية وإظهار أنها الأكثر قيمة في بورصة “وول ستريت”، ليفاجأ الأميركيون بإعلان إفلاسها بين عشيّة وضحاها. والثانية فضيحة شركة فولكس فاغن في عام 2015، حينما كشفت وكالة حماية البيئة الأميركية عملية الغش التي تمارسها الشركة بشأن وضعها معدات داخل السيارة تزوّر نتائج الاختبار الخاصة بحجم انبعاثات عوادمها، وعلى الرغم من أن رئيس الشركة نُبه بهذا الاكتشاف قبل عام من الفضيحة الرسمية، غير أنه قرر التزام الصمت.

العامل المشترك بين القصتين هو غياب الشفافية، التي كان وجودها سيخفف، على الأقل، من حدة الفضيحة التي آلت إليها الشركتان. وهذا ما يضمنه تبني ممارسات الحوكمة المؤسسية التي لا تقلل فقط من مخاطر عدم الامتثال للالتزامات القانونية والتنظيمية، وإنما تساعد أيضاً الشركة النزيهة على تثبيط الاتهامات أو الافتراضات بسوء التصرف أو التقصير في أداء الواجبات.

في عالم شديد الاضطراب بسبب التغيّرات الرقمية المتسارعة، والهزات الاقتصادية المفاجئة مثل الهزة الناتجة عن جائحة كوفيد-19، إضافة إلى الالتزامات البيئية المفروضة مؤخراً على الشركات لمكافحة التغيّر المناخي، بات تبني ممارسات الحوكمة الجيدة ونهجاً إدارياً أكثر شفافية أكثر أهمية من أي وقت مضى.

ووسط هذه التحديات التي يواجهها قطاع الأعمال، لا تزال شركات عديدة تفشل في تطبيق هذه الممارسات بنجاعة. ولكن على الجانب الآخر هناك شركات أخرى استطاعت توظيف ممارسات الحوكمة المؤسسية لتحقيق أهدافها المالية والاستثمارية والبيئية عبر إعلاء قيمة “الشفافية”، مثل شركة الهلال للمشاريع (Crescent Enterprises)، التي نجحت في تطبيق ممارسات الحوكمة الفعّالة، ولا سيما الشفافية والمساءلة. فكيف استطاعت الهلال للمشاريع تبني ممارسات الحوكمة المؤسسية، وكيف قادتها هذه الممارسات إلى غرس الشفافية ضمن ثقافة الشركة وبين موظفيها؟

تكمن الإجابة في النقاط الثلاث الموضحة فيما يلي:

1. هيكل الحوكمة وتوزيع الأدوار

الممارسة الأولى التي تضمن الشفافية، والتي تغفل عنها الكثير من الشركات في سعيها إلى تطبيق الحوكمة، هي وضع هيكل إداري يضمن إسناد الأدوار وتوزيع المسؤوليات وتحديد مراكز اتخاذ القرارات في كل مسألة كي يتسنى للشركة مساءلة كل شخص وفقاً لمسؤولياته، على أن يتمتع مجلس الإدارة بالخبرة التنفيذية اللازمة. فوفقاً للتحقيق الذي أجراه مجلس الشيوخ الأميركي عن أسباب انهيار إنرون، كانت أبرز الأسباب أن أعضاء مجلس الإدارة يفتقرون إلى الخبرة، وأن المجلس كان مليئاً بتضارب المصالح.

فنجد أن هيكل حوكمة شركة الهلال للمشاريع يتضمن أربعة أقسام، وهي المجلس التنفيذي وثلاث لجان أخرى، مُحدد لكل منها مسئولياتها وخبراتها كالتالي:

  • المجلس التنفيذي لشركة الهلال للمشاريع: يمارس الإشراف الاستراتيجي واتخاذ القرارات فيما يتعلق بمشاريع شركة الهلال للمشاريع، وتقييم موارد رأس المال، والموافقة على الاستثمارات الرئيسية، والقرارات التشغيلية.
  • لجنة الاستثمار: تراجع استثمارات محددة وتوافق عليها أو ترفضها، وتتولى عمليات تخارج الاستثمارات والمشاريع المشتركة والشراكات الاستراتيجية، وتقدم تقارير إلى المجلس التنفيذي، ويتنوع أعضاء اللجنة بين أعضاء من المدراء التنفيذيين وآخرين مستقلين.
  • لجنة الموارد البشرية: تدير جميع السياسات المتعلقة بالموظفين وتضمن الامتثال لمدونة قواعد السلوك الخاصة بالشركة، على أن يكون كامل أعضائها من المدراء التنفيذيين.
  • لجنة مواطنة الشركات: تصوغ استراتيجية المواطنة المؤسسية للشركة، وتطوّر نهج منضبط لتحقيق أهداف مواطنة الشركة وتراقب تنفيذه، وتضم اللجنة مسؤولين كبار من كل إدارة في الشركة.

2. مواءمة الأهداف مع المبادرات العالمية والإقليمية الرئيسية الداعية للحوكمة

تمتثل شركة الهلال للمشاريع في عملها للأخلاقيات المهنية القويمة، إذ أعلنت التزامها بعدد من مبادرات التأثير العالمية والإقليمية الرئيسية، مثل الاتفاق العالمي للأمم المتحدة، الذي يشجع الشركات على مواءمة أعمالها مع 10 مبادئ تعزز حقوق الإنسان والعمل واحترام البيئة ومكافحة الفساد ودعم أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. وقد التزمت الهلال للمشاريع بدمج هذه المبادئ عبر استثماراتها وعملياتها، إذ تصدر سنوياً، منذ توقيعها الاتفاقية عام 2013، تقريراً سنوياً بشأن التقدم الذي أحرزته في تنفيذ المبادئ العشرة.

كما يحفل تاريخ الهلال للمشاريع بشراكة طويلة الأمد مع المنتدى الاقتصادي العالمي، إذ أنها عضو نشط في العديد من مبادراته، مثل مبادرة الشراكة ضد الفساد (PACI) التابعة للمنتدى الاقتصادي العالمي. إضافة إلى ذلك، فإن الهلال للمشاريع هي من مؤسسي “مبادرة بيرل” بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة للشراكات، والتي تحث الشركات على تعزيز مستوى الشفافية والمساءلة وتبني أفضل ممارسات العمل المسؤول.

وعلى الرغم من أن الكثير من الشركات توقع مثل هذه الاتفاقيات، يفشل العديد منها في الوفاء بها، ومواءمة بنودها مع أهدافها. إذ يُظهر بحث أجراه مشروع الكشف عن الكربون (Carbon Disclosure Project) في عام 2021، أن ما يقرب من 17 ألف شركة على مستوى العالم بقيمة 21 تريليون دولار لا تزال تفشل في الاستجابة لطلب الحصول على معلومات من مستثمريها وعملائها، أو تقديم معلومات كافية في استجابتهم. فيقول المدير العالمي للشركات وسلاسل التوريد في المشروع، دكستر جالفين: “هذه الشركات لا تُعرض الكوكب للخطر فحسب، بل تُعرض نفسها هي أيضاً للخطر. إذا استمروا في العمل على هذا النحو، فسوف ينتهي بهم الأمر نهاية غير محمودة”.

تسمح ممارسات الحوكمة الرشيدة للشركات التي تتبعها أمثال الهلال للمشاريع بالعمل بشفافية عالية وإظهار مدى مواءمة أعمالها حقاً مع أهداف التنمية المستدامة. فتشير ورقة بحثية صادرة في 2022 إلى أن الشفافية هي أساس أي انتقال ناجح إلى الهدف الصفري، مؤكدة أهمية اتباع الجهات الفاعلة في قضايا المناخ، ومن ضمنهم الشركات، نهجاً يعتمد على الشفافية لمواجهة حالة الطوارئ المناخية التي يمر بها كوكب الأرض.

3. الاهتمام بالعنصر البشري في قلب ممارسات الحوكمة

شهد عالم الأعمال الكثير من كوارث حوكمة الشركات بسبب فشل مجالس الإدارة وفِرق الإدارة العليا في إدراك أهمية القضايا المتعلقة بـ “الأفراد”، مثل الثقافة التنظيمية وإدارة الأفراد والتنوع والشمول والاستثمار في مهارات القوى العاملة وقدراتها. فظهرت مشكلات تتعلق بمجموعة من القضايا، بما في ذلك ظروف العمل السيئة، والقصور في تقديم الرعاية الصحية، نتيجة لفشل الشركات في الالتزام بالقيم المعلنة، وقلة الاستثمار في ممارسات إدارة الأفراد عالية الجودة، وفقاً لتقرير معهد شؤون الأفراد والتنمية البريطاني (chartered institute of personnel and development).

ويشير المعهد إلى أن الانخفاض طويل الأمد في الاستثمار في التدريب، والافتقار إلى تنوع القوى العاملة هي مؤشرات أخرى إلى أن العديد من الشركات تفشل في مراعاة مصالح أصحاب المصلحة (مثل الموظفين) كما يلزم لتحقيق أهداف الحوكمة.

تولي شركة الهلال للمشاريع أهمية خاصة لموظفيها وتحرص على تأمين ثقافة مؤسسية داعمة ومحفزة للنمو والنجاح، إذ تنتهج العديد من السياسات لتعزيز رفاهية الموظفين ونموهم ورضاهم في مكان العمل بشكل عام، وتمتد هذه السياسات لتشمل الصحة والرفاهية، وإدارة المواهب وتطويرها، ودعم التنوع والمساواة والشمول.

  • الصحة والعافية: وضعت الشركة سياسة خاصة للاستجابة لجائحة كوفيد-19 تضع صحة الموظفين على رأس أولوياتها، إذ قدمت العديد من التدريبات في هذا الخصوص، ورتبت حملات أخذ اللقاح للموظفين وأفراد أسرهم. كما تحرص الشركة على تنظيم ورش توعية من حين لآخر، مثل ورشة عمل للتوعية بسرطان الثدي لتحديد عوامل الخطر والأعراض وخيارات العلاج للموظفات. إضافة إلى ذلك، تتيح الشركة ميزة الفحص الصحي السنوية كأداة وقائية للموظفين بداية من سن الأربعين لتحديد أي خطر للإصابة بمرض في وقت مبكر.
  • التنوع والمساواة والشمول: توظف شركة الهلال للمشاريع والشركات التابعة لها 1,809 أشخاص من 37 جنسية، كما تولي أهمية خاصة لتطوير المواهب المحلية، إذ ارتفع عدد الموظفين المعينين من المجتمعات المحلية ليصل إلى 25% من إجمالي القوى العاملة في عام 2021 مقارنة بـ 16% قبل خمس سنوات.

كما تلتزم الشركة بالمساواة بين الجنسين عبر أنظمة التوظيف والتدريب وبناء القدرات والمزايا والمكافآت.

إدارة المواهب وتطويرها: تحرص شركة الهلال للمشاريع على تقييم التطوّر المهني والأهداف المهنية وإدارتها لكل موظف، فيساعد المدراء المباشرون موظفيهم على تحديد أهداف سنوية في بداية كل عام، ومن ثم تتبع التقدم المحرز في تحقيق هذه الأهداف كل ثلاثة أشهر. إلى جانب تقديم سلسلة من الدورات التدريبية عن موضوعات مختلفة.

استطاعت شركة الهلال للمشاريع، عبر هذه الممارسات الفعالة، تطبيق الحوكمة المؤسسية بنجاح، والاستفادة من قيم الشفافية والمساءلة في تحقيق أهدافها الخاصة وكذلك العامة. ويمكن اعتبار هذه الممارسات نهجاً مضموناً تسير على خطاه الشركات الأخرى لتكون ممارسات الحوكمة التي تتبعها فعّالة ومؤثرة وتحقق النتائج المنشودة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .