ثمة قوانين غير مكتوبة حول العواطف التي يُتوقع منك إظهارها في العمل، و”قوانين المشاعر” الضمنية هذه متغلغلة بعمق في النسيج الاجتماعي المؤسسي ويندر أن نلاحظها. ولكن تمر بك أوقات تشعر فيها بتعارض بين شعورك والعواطف التي يُتوقع منك إظهارها، إذاً كيف تحدد الوقت المناسب لتعبر عن مشاعرك الحقيقية وتكون “صادقاً” والوقت الذي يتعين عليك فيه إخفاء ما تشعر به وإظهار العواطف المطلوبة؟

يواجه القائد هذه المعضلة في كثير من الأوقات بسبب مكانته البارزة ومتطلبات دوره، خذ عدنان مثلاً، وهو أحد كبار قادة قسم الشؤون القانونية، الذي يخالف بشدة طرق المستشار العام في العمل ولكنه مطالَب بجمع فريقه حوله باستمرار، أو دينا التي كانت مطالبة بالتخلي طواعية عن مؤسستها التي بنتها وكانت متمسكة بها وتسليمها لقائد آخر ضمن عملية إعادة هيكلة. يضطر القائد غالباً إلى اتباع أسلوب “التمثيل السطحي” والتظاهر بما لا يتوافق مع مشاعره الحقيقية من أجل التعامل مع هذه المطالب العاطفية، وأصبح هذا العمل العاطفي اليوم أكبر من أي وقت مضى.

يجازف القائد بخسارة مصداقيته وفعاليته إذا أفصح صراحة عن كل ما يفكر فيه ويشعر به، لا سيما إن كان امرأة أو من أصحاب البشرة الملونة. ولكن كبت المشاعر مكلف أيضاً، فضغط التمثيل السطحي يجعل القائد أكثر عرضة لمعاناة الآلام الجسدية والأرق والاحتراق الوظيفي والاكتئاب، كما يؤدي الجهد الذي يبذله إلى الحد من قدرته على ضبط نفسه ويزيد احتمالات أن يبدي سلوكاً عنيفاً في العمل، وهذا بدوره يؤثر على مستويات الاندماج والدوران الوظيفي والأداء المالي في المؤسسة.

ما الحلّ إذاً؟ كيف يستطيع القادة التعامل مع سيف المصداقية ذي الحدّين؟ فيما يلي بعض الأساليب التي يمكنك الاستعانة بها حين تتضارب مشاعرك الحقيقية مع العواطف التي يُتوقع منك إظهارها.

1. أعِد تقييم الوضع

عندما تتضارب مشاعرك الحقيقية مع العواطف التي يُتوقع منك إظهارها، يمكنك الاستعانة بأسلوب “التمثيل العميق”، وهو بديل صحي وأكثر فعالية لأسلوب “التمثيل السطحي”؛ ركز على تحديد أسباب صادقة للعواطف المتوقعة كي لا تضطر إلى التظاهر بها.

أدركت صديقتنا دينا ضرورة أن تكون هادئة ومتعاونة عند تسليم مؤسستها للقائد الآخر، لكنها مع ذلك كانت تشعر أن الأمر ينتقص من قيمتها ويحزنها، ومن أجل التعامل مع هذا التضارب ركزت على فوائد الموقف واعتبرته فرصة لها لبدء عمل جديد، ومن خلال إعادة تقييم الموقف غيرت دينا حالتها العاطفية كي تتمكن من إظهار العواطف المتوقعة بصدق.

كما أن المشاركة الوجدانية تساعد في إعادة صياغة الموقف واتباع أسلوب التمثيل العميق؛ تخيل أن فريقك يسابق الزمن لتحقيق نتائج حاسمة، وفجأة يطلب أحد أفراده إجازة لمدة أسبوع بسبب حالة عائلية طارئة، قد يتمثل شعورك الفوري في عدم التصديق والهلع: كيف سنتمكن الآن من إنجاز العمل؟ ولكن حين تنظر إلى الموقف من منظور الشخص الذي طلب الإجازة ستشعر على الأرجح باهتمام صادق وستتعاطف معه.

يتطلب أسلوب التمثيل العميق جهداً فكرياً، وهو ليس ممكناً دائماً لأنه يستدعي أخذ وقت للتفكير في الموقف وإعادة تقييمه، ولكن بالمقارنة مع التمثيل السطحي، يقول من اتبعوا أسلوب التمثيل العميق إنهم شعروا بتعب أقل، ولم يشعروا بنفس القدر من انعدام المصداقية، وإنهم اكتسبوا ثقة زملائهم بدرجة أكبر وأحرزوا تقدماً أكبر تجاه أهدافهم المهنية.

2. ركز على المهم

التركيز على الغاية الأسمى من عملك هو من أساليب التمثيل العميق الأخرى، فالتركيز على الأشخاص الذين سيستفيدون من عملك يمدك بالنشاط ويقلل احتمالات إصابتك بالاحتراق الوظيفي.

رأى صديقنا عدنان أن تعبيره عن شعوره بالإهانة والاستياء كان له أثر سلبي في فريقه، وحين فكر في احتياجات فريقه بدلاً من منح الأولوية لقيمة الشفافية، تمكن من تغيير شعوره بالزيف إلى شعور بالرضا عن تقديم الدعم الذي يحتاج إليه فريقه.

من أجل إعادة توجيه تركيزك، فكر قليلاً فيما يمنح عملك أهميته، ما الأثر الذي يوقعه على أفراد فريقك وعملائك والمجتمع الأوسع؟ إن تحقيق نتيجة إيجابية لمن نهتم لأمرهم يخفف عنا عبء إظهار عواطف محددة وآثارها السلبية.

3. راجع عواطفك

تشكّل المواقف التي تولد لدينا شعوراً بالتضارب الداخلي فرصاً للتعلّم والنمو الشخصيين، راجع عواطفك واسأل نفسك: بم أشعر؟ كيف ينعكس هذا الشعور على جسمي؟ ما سبب شعوري هذا؟ ما المعتقدات أو القيم التي يبينها رد فعلي؟

نشأ معظمنا منذ الصغر على فكرة أن بعض العواطف ليست مسموحة، فحين يشعر الطفل بالحزن يقول له أبواه إن عليه التصرف “كرجل” أو إن “البكاء للأطفال”، وحين يغضب يطلبان منه أن يهدأ. ولكن العواطف طبيعية وضرورية إذ إنها تعكس ما نمر به وتساعدنا على اتخاذ قرارات صائبة وبناء علاقات إيجابية وتعزيز رفاهتنا.

فكر فيما إن كان شعورك بالاستياء ينشأ من معتقداتك حول شرعية عواطف محددة، وإذا كان الأمر كذلك فيساعدك منح عواطفك الشرعية على التحرر من القيود التي غرستها فيك عائلتك منذ طفولتك.

تساعد هذه العملية على بناء الذكاء العاطفي وتعزيز قدرتك على أداء العمل العاطفي والقيادي مع مرور الوقت. ينفصل كثير من القادة الذين أعمل على تدريبهم عن مشاعرهم وأجسادهم غير مدركين لتأثير ما يجري داخلهم في سلوكهم، ولكن الوعي الذاتي وإدارة العواطف بمهارة ضروريان للقيادة الفعالة في عالم اليوم المعقد المليء بالتحديات.

إن كان شعورك بالتضارب في دورك دائماً، فمن الجدير التفكير في طرق لتحقيق توافق أكبر بين موقفك وقيمك، فالاستمرار بإعادة تقييم عواطفك السلبية حول دورك أو ظروف عملك ليست حلاً مجدياً على المدى الطويل، وعندما تكون سماتك ودوافعك متطابقة بدرجة أكبر مع المتطلبات العاطفية في وظيفتك يصبح العمل العاطفي اللازم أقل.

4. خذ الوقت اللازم لتجدد علاقاتك وتستكملها

اطلب الدعم كي تتمكن من تقليل الإجهاد الناجم عن العمل العاطفي، تواصل مع الأشخاص الذين يمكن أن تعبّر لهم عن مكنونات نفسك بصدق، سواء كان شريك الحياة أو معالجاً أو مدرباً أو زميلاً موثوقاً. كما يمكنك تقليل شعورك بالضغط من خلال ممارسة الأنشطة التي تساعدك على الاسترخاء وتجديد نشاطك، مثل التأمل أو كتابة اليوميات أو الفنون أو المشي في الطبيعة.

كما أنه من الضروري أن تكون قادراً على التعاطف مع ذاتك، فالتعاطف الذاتي يزيد ذكاءك العاطفي وقدرتك على التعامل مع الآخرين بأسلوب متعاطف أكثر، ويزيد فعاليتك الكلية بوصفك قائداً. يندر أن يتلقى القادة تدريباً على تحديد عواطفهم والتعامل معها، لذلك احرص وأنت تتعلم ذلك على أن تعامل نفسك بلطف.

على الرغم من أن العمل العاطفي الذي تبذله في دورك القيادي غير ملحوظ ولا يحظى بالتقدير الكافي فقد اكتسب أهمية أكبر من أي وقت مضى في عالم العمل الحالي، إذ إنه سلوك إيثاري واجتماعي متضامن يتيح لك الاهتمام بالآخرين وإيقاع أثر إيجابي عليهم من دون أن تشعر، ولكن يجب ألا يكون ذلك على حساب نفسك. جرب أن تتبع الأساليب التي طرحناها في المقال لتحافظ على صحتك وتضمن استمرار أدائك العالي مع مرور الوقت.