4 خطوات يتّبعها القادة لدعم الموظفين الشباب في ظل الضغوط النفسية

7 دقائق
تدهور الصحة العقلية
إيفجيني شفيتس/ستوكسي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يظهر بحث جديد أجرته مؤسسة الصحة العقلية سابين لابز (Sapien Labs) أن نصف الشباب في جميع أنحاء العالم قد عانوا من تدهور الصحة العقلية وتراجع “الذات الاجتماعية” في أعقاب الجائحة. يقدم المؤلف في هذه المقالة بعض الإجراءات الملموسة التي يمكن للشركات اتخاذها لتحسين التواصل مع الموظفين الشباب ودعمهم، بما في ذلك جعل عملية إعداد الموظفين الجدد لتكون أشبه بتمرين لبناء العلاقات الاجتماعية، ودعم المواهب الشابة من خلال التدريب، وزيادة الاعتماد على التواصل الشخصي مع الموظفين وتقليل الوقت الذي يمضونه على شاشاتهم.

 

وسط ارتفاع التضخم والديون الطلابية المرهقة وتكاليف السكن العالية وموجات تسريح الموظفين والجائحة المستمرة والركود الذي يلوح في الأفق، وسط كل ذلك، يكاد الكثير من الموظفين الشباب يصلون إلى نقطة الانهيار. تُظهر البيانات الجديدة من مشروع منتال هيلث مليون (Mental Health Million) الذي تقوم به مؤسسة سابين لابز، ويشمل 48 ألف شاب تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً في 34 دولة، تسارع مشاكل الصحة العقلية وتفاقمها بين الأجيال الشابة خلال الجائحة. وتكشف البيانات المنشورة في تقرير المؤسسة لشهر مايو/أيار عام 2022، الذي حمل عنوان “تدهور الذات الاجتماعية في الأجيال الشابة”، أن نحو نصف الشباب عانوا من تدهور الصحة العقلية خلال السنة الثانية للجائحة، وأن القدرة على التواصل والتفاعل مع الآخرين قد تدهورت بشكل خطير لدى أكثر من نصف الشباب في جميع أنحاء العالم.

يجب أن يكون تفكّك “الذات الاجتماعية” بين الشباب دافعاً للقادة في مكان العمل لليقظة والتنبّه كما يشير التقرير:

“القدرة على التواصل والتفاعل بشكل فعال مع الآخرين ضرورية جداً لإنشاء علاقات التعاون بين الناس وبناء عالمنا الحديث، إذ لا يمكننا بناء الصداقات والعلاقات الأخرى التي ترسّخ مكانتنا في النسيج الاجتماعي إلا من خلال التفاعلات المتكررة مع الآخرين. فمن الشعور بالعزلة إلى التجنب والانسحاب والأفكار الانتحارية، تمثل هذه الأعراض أقصى درجات الانفصال عن النسيج الاجتماعي أو الفشل في الاندماج فيه”.

من الضروري للغاية أن يبذل القادة والمدراء المزيد من الجهد للتواصل مع الموظفين الشباب ودعمهم في هذه الأوقات المضطربة، ليس بهدف إشراك الجيل القادم من المواهب فحسب، إنما كاستثمار في مستقبل يسوده التعاون أيضاً. فيما يلي 4 التزامات يمكن لشركتك القيام بها لدعم جيل الموظفين الشباب الذي يعاني مزيداً من الضغوط.

1. التركيز على الصحة العقلية

وفقاً للينكد إن، يرغب 66% من جيل زد أن تكون ثقافة الشركة مبنية على الصحة العقلية والرفاه الصحي. أخبرتني الحائزة درجة الدكتوراة في علم النفس والشريكة المؤسسة ورئيسة الخدمات الطبية في نادي كاو للصحة العقلية على الإنترنت، الدكتورة إميلي أنهالت، أن على القادة أن يقرنوا أقوالهم بالأفعال؛ فإذا كانت القيادة لا تولي الأولوية للصحة العقلية لموظفيها الشباب، فلن يفعل ذلك أحد آخر. لقد كشف تقرير “اتجاهات قطاع صحة الموظفين” (Employee Wellness Industry Trends) الصادر عن شركة ويلابل لابز (Wellable Labs)، التي تقدم خدمات الرفاهة الصحية للشركات، أن 90% من أصحاب العمل أبلغوا عن زيادة استثماراتهم في برامج الصحة العقلية، وأن 76% منهم زادوا استثماراتهم في برامج إدارة الإجهاد والمرونة، بينما زاد 71% استثماراتهم في برامج اليقظة الذهنية والتأمل.

يتجاوز مفهوم ثقافة المؤسسة المبنية على الصحة العقلية والرفاهة مجرد تقديم تطبيق للتأمل إلى تعزيز الصحة العقلية في مختلف أرجاء المؤسسة من خلال السياسات والبرامج التي تهتم بصحة الموظفين. وفي هذا الصدد، توصي الدكتورة أنهالت بالحرص على أن تشمل برامج المزايا الإضافية أشياء مثل نفقات العلاج أو تعويضاً يغطي خدمات الصحة العقلية. كما توصي بتنظيم تجارب الصحة العقلية على غرار فصول اللياقة العاطفية التي يجريها نادي كاو، وتقييم الموظفين بانتظام لمعرفة ما يحتاجون إليه لضمان تمتعهم بصحة عقلية أفضل.

يمكن أن يشمل التركيز على الصحة العقلية إجراءات مثل تقديم أجر تنافسي (لمواكبة التضخم المتزايد) وسياسات الإجازة المدفوعة الأجر والإجازات العائلية الممتدة وتقديم مختلف أشكال رعاية وخدمات الأطفال ودعم رعاية المسنين ومجموعات دعم الوالدين وبدلاً إضافياً عن الأعمال التي تركز على مجموعات موارد الموظفين والتنوع والمساواة والشمول. وقد ينطوي ذلك أيضاً على بذل جهود إضافية لمعالجة الاحتراق الوظيفي والإعياء عند الموظفين: على سبيل المثال، التركيز على سياسات العمل المرنة واختبار برنامج تجريبي لأسبوع عمل مدته أربعة أيام وإنشاء “أيام راحة الجمعة” و”الأيام بلا اجتماعات” و”ساعات عدم الإزعاج” وضمان حصول الموظفين على مزيد من الوقت للراحة واستعادة عافيتهم.

2. لتكن عملية إعداد الموظفين الجدد تمريناً لبناء المجتمع

تعدّ عملية إعداد الموظفين الجدد فرصةً لإظهار ما تنطوي عليه ثقافة الدعم المتبادل والرفاهة للموظفين الجدد. في هذا الصدد، أظهر استقصاء أجرته شركة بامبو إتش آر أن أكثر من 80% من الموظفين الذين صنفوا عملية الإعداد التي اتبعوها بالإيجابية جداً استمروا في تقديرهم لمؤسساتهم وكان لديهم فهم أكبر لوظيفتهم وشعروا بالالتزام الشديد تجاه عملهم. ولكن قد تكون عملية الإعداد بالنسبة للعديد من الموظفين الشباب بمثابة تجربتهم الأولى أو الثانية في البيئة المهنية، لذلك من المهم للغاية أن تنشئ عملية إعداد الموظفين الجدد وعاءً للدعم المتبادل، لا سيما بالنسبة للقوة العاملة عن بعد أو الهجينة. فعملية إعداد الموظفين الجدد لا تتعلق بتقديم معلومات عن شركتك بقدر ما تتعلق بالسماح للموظفين الجدد بأن يتعرف بعضهم إلى بعض وطرح الأسئلة في بيئة آمنة وداعمة، وهي ليست أيضاً المكان أو الوقت المناسبين لمناقشة دليل تدريب تقليدي مكثف، بل هي أقرب إلى تمرين لبناء مجتمع يمكن للموظفين خلاله تكوين صداقات جديدة.

يمكن أن تتضمن عملية إعداد الموظفين الجدد تمريناً لملازمة الموظفين الأقدم للتعلم منهم، حيث يرافق الموظفون الجدد زميلاً في العمل ليوم واحد ليروا كيف يقوم بعمله على أرض الواقع؛ أو تمريناً لتسريع تكوين الصداقات، حيث يلتقي الموظفون الجدد بالمدراء في المؤسسة؛ أو تمريناً للأهداف الشخصية لمساعدة الموظفين الجدد على اكتساب فهم أفضل لأهدافهم الشخصية؛ أو تمريناً مرحاً مثل الارتجال أو الغناء كي يشعر الموظفون الجدد بالراحة في تجربة أشياء جديدة والضحك أمام بعضهم البعض. ويُعدّ تمرين (Late Nite Art) أحد الأمثلة على الأنشطة غير التقليدية الفعالة جداً لعملية إعداد الموظفين الجدد، ويمكن إجراؤه شخصياً أو افتراضياً، وهو عبارة عن تجربة تعليمية تعاونية قائمة على الفن والموسيقى وتنطوي على الجرأة والمناقشات المتعمقة وحل المشاكل بشكل تعاوني. وقد استخدمت شركات مثل هيدسبيس وساوث ويست أيرلاينز وأكسنتشر هذا التمرين لمساعدة الموظفين على الخروج من منطقة راحتهم والتعرف على زملائهم بطريقة هادفة.

على الرغم من إمكانية إجراء عملية إعداد الموظفين الجدد بشكل افتراضي عبر الإنترنت بنجاح، فإنها تتطلب مزيداً من الاهتمام بتصميم العلاقات الإنسانية. فمع البيانات الجديدة المقلقة التي تُظهر تزايد شعور الموظفين الشباب بالوحدة وتدهور “ذواتهم الاجتماعية”، يجب على الشركات النظر في الفوائد التي توفرها عملية إعداد الموظفين الجدد الشخصية والقيمة الكبيرة التي يمكن أن يتركها الانطباع الأولي لدى موظفي جيل زد.

3. دعم المواهب الشابة بالتدريب 

وفقاً لتقرير رفاهة الموظف لعام 2021 الصادر عن شركة غلينت (Glint) الذي استند إلى استطلاعات الرأي، فإن العامل الأهم الذي يحدد بيئة العمل الاستثنائية اليوم هو توفر فرص التعلم والنمو. وفي هذا الصدد، تعتبر الرعاية والإرشاد المتبادل بين المؤسسات أداة أساسية للتعلم والتطوير، حيث تسهّل على مواهب الجيل التالي الحصول على فرص التطور والترقية على الصعيدين الشخصي والمهني.

أحد الأمثلة الناجحة على ذلك هو برنامج إيليفيت (Elevate) الذي تقدمه شركة دورداش (DoorDash)، وهو عبارة عن برنامج لتسريع المسار الوظيفي مصمم للنساء ذوات البشرة الملونة. ينخرط المشاركون في البرنامج، والذين يُعرفون بـ “الزملاء”، في تجربة جماعية مدتها ستة أشهر تتضمن تدريباً فردياً مع مدرب تنفيذي خارجي وورش عمل مهنية والمشاركة في اجتماعات القيادة واجتماعات الرعاة التنفيذيين مع أعضاء المناصب التنفيذية العليا. تمت ترقية 38% من الزملاء في غضون ستة أشهر من إكمال البرنامج، وهي زيادة كبيرة إذا ما قورنت بأقرانهم الذين لم يتبعوا برنامج إيليفيت. وكما كتب كل من جايل ألين وبي أويه في هارفارد بيزنس ريفيو في هذا الصدد، فإن نجاح برنامج تسريع المسار الوظيفي اعتمد على دعم حقيقي من القيادة العليا والمدراء.

هناك طريقة أخرى لدعم المواهب الشابة تتمثل في تدريب الأقران، وهي عملية يساعد فيها زميلان أحدهما الآخر من خلال تبادل خبراتهما ودعم أحدهما الآخر وبناء المهارات ومواءمة عملهما مع أهدافهما. وفقاً لمؤشر منصة تدريب الأقران إمبيرتيف (Imperative) حول أهداف القوة العاملة لعام 2022، قال نحو 46% ممن شملهم الاستقصاء إنهم يجدون صعوبة في تكوين صداقات في العمل، بينما قال نحو 57% إن مدراءهم لا يمدون يد العون لهم.

كجزء من برنامج تدريب الأقران مع شركة ويب إم دي هيلث سيرفيس، الذي نُشر في مجلة استراتيجي + بزنس، أجرى 150 موظفاً تقييماً لمساعدتهم على معرفة ما يمنحهم إحساساً قوياً بالهدف. بعد ذلك، جمعت منصة إمبيريتيف لتدريب الأقران الموظفين الذين لديهم أهداف متشابهة في المؤسسة. فالتقى أزواج الموظفين هؤلاء كل أسبوعين خلال مكالمة فيديو مدتها ساعة واحدة، مع تشجيعهم على الانخراط في محادثات معمقة حول تجاربهم ورفاههم. تظهر بيانات إمبيرتيف أن غالبية المشاركين (89%) في مثل هذه البرامج يطورون علاقات هادفة. ووفقاً لرئيسة الموظفين في ويب إم دي سيرفيس، أندريا هيرون، والرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لمنصة إمبيرتيف، آرون هيرست، فإن تدريب الأقران ساعد المشاركين على بناء علاقات خارج نطاق التدريب وشجعهم على اتخاذ إجراءات من شأنها مساعدتهم في بناء علاقات مفيدة مع أعضاء فريقهم الآخرين ومع الموظفين خارج فريقهم أو قسمهم.

4. استبدل بوقت الشاشة وقت الاتصال

يشير تقرير سابين لابز إلى أن التدهور خلال حقبة الجائحة في “الذات الاجتماعية” يعكس اتجاهاً متسارعاً بدأ في عام 2010، ويظهر البحث الذي أجرته عالمة النفس جيان توينج وزملاؤها أن هذا الاتجاه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بنمو استخدام الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي.

تداعيات هذه النتائج مقلقة، لأن الجائحة قادت إلى ضرورة -وشعبية- العمل الهجين والعمل عن بعد، ما زاد من حاجة وقت الشاشة بالنسبة للموظفين الشباب (ومن جميع الفئات العمرية أيضاً). من ناحية، تفضل الغالبية العظمى من موظفي الجيل زد (77%) سياسات العمل المرنة، ومن ناحية أخرى، فإنهم يفتقدون التواصل الشخصي ويشعرون بافتقارهم إلى الإرشاد وفرص التطوير الوظيفي بسبب عدم قربهم المادي من مدراءهم أو زملائهم في العمل.

يُعتبر إعلان شركة إير بي إن بي الأخير أحد الأمثلة لمحاولة تحقيق التوازن بين ترتيبات العمل المرنة والتواصل الشخصي، إذ يفيد بأنه بإمكان الموظفين العيش والعمل من أي مكان (مع الحصول على نفس الراتب)، مع إمكانية الحضور إلى العمل شخصياً لمدة أسبوع تقريباً كل ثلاثة أشهر. تعد التجمعات الشخصية البعيدة عن التواصل بالإنترنت ضرورية جداً، لا سيما بالنسبة لمعتكفات الفرق خارج أوقات العمل وللموظفين الجدد الذين يخضعون للإعداد. يجب أن يكون لبناء الفريق وأنشطة التواصل الإنسانية، في معتكفات الفريق الشهرية أو الفصلية أو السنوية في المكتب أو خارج مكان العمل، الأولوية على مشاركة العروض التقديمية وعروض الاستراتيجية التنفيذية.

ووفقاً لتحليل شركة سيغنا، فإن الموظفين الذين يقولون إن لديهم زملاء عمل يستمتعون بتناول الغداء معهم، أو لديهم صديق مقرب في العمل، أو يتلقون المزيد من المكالمات الهاتفية أو المحادثات الشخصية مع زملائهم في العمل، يشعرون بعزلة أقل على مقياس جامعة كاليفورنيا للوحدة. لذلك يجب ألا ينسى القادة أهمية الاتصال بأعضاء فريقهم عبر الهاتف (بدلاً من إرسال بريد إلكتروني إليهم، أو إخطارهم على منصة سلاك، أو جدولة اجتماع آخر على منصة زووم)، وكلما كان ذلك ممكناً، تخصيص وقتٍ لاحتساء القهوة مع الزملاء أو تناول الغداء أو الخروج في نزهة معهم. ومن المهم تخصيص 5 دقائق في بداية اجتماع الفريق الأسبوعي للسؤال عن صحتهم وأحوالهم والاستماع إلى ما يحتاجون إليه. يشعر الموظفون الذين يستطيعون فصل العمل عن الحياة الشخصية بالوحدة بنسبة أقل بسبع نقاط على مقياس جامعة كاليفورنيا للوحدة. عندما يراودك الشك بأن الموظفين يعانون، فكر في الطرق التي يمكنك من خلالها مساعدتهم على قضاء وقت أقل على شاشاتهم وزيادة وقت التواصل الشخصي مع أصدقائهم وعائلاتهم ومجتمعهم.

في هذه الأوقات العصيبة، إذا كنت ترغب في جذب الموظفين الشباب ومن مختلف الأجيال واستبقائهم وإشراكهم، فعليك أن تضع العلاقات الإنسانية في رأس قائمة أولويات المؤسسة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .