تخفيف الضغط النفسي وزيادة الاندماج لدى موظفيك في العمل

6 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

نعرف جميعنا أن الضغط النفسي في العمل هو أحد مخاطر العمل الصحية، ولكن ما لا يتم الحديث عنه بذات القدر هو تأثير الإنهاك على أداء الشركة. فالضغط النفسي يؤدي إلى زيادة تصل إلى نحو ثلاثة أضعاف في احتمال مغادرة الموظفين لوظائفهم، ما يؤدي إلى إعاقة التفكير الاستراتيجي بصورة مؤقتة، ويصيب القدرات الابتكارية بالخمول. وبذلك يشكل الإنهاك تهديداً لصافي الأرباح، وهو يكلف الولايات المتحدة أكثر من 300 مليار دولار سنوياً على صورة نفقات التغيب ودوران الموظفين وتضاؤل الإنتاجية بالإضافة إلى التكاليف الطبية والقانونية وتكاليف التأمينات.

وسيتحسن قطاع رفاهية مكان العمل كلما زاد وعي الشركات بشأن هذا الأمر، ولكن لا يتمثل الحل لمشكلتنا هذه في المزايا الفردية، كالصالات الرياضية وغرف القيلولة في مكان العمل. توصل الباحثون في دراسة حديثة إلى أنه على الرغم من وجود توقعات بأن تتمكن برامج الحفاظ على الصحة من تقليص نفقات الرعاية الصحية والتغيب خلال عام أو اثنين، إلا أنها غالباً لا تتمكن من تحقيق ذلك. وتؤيد هذه الدراسة واقع كيان العمل الحالي الذي يشير إلى أن هذه البرامج ليست فعالة كما نعتقد.

كيفية تخفيف الضغط النفسي في العمل

وعوضاً عنها، يتعين على الشركات الانتقال إلى خطط على المستوى التنظيمي لتخفض الضغط النفسي في العمل وتحتضن رفاهية الموظفين مع تحسين أداء الشركة في نفس الوقت. وهذا أمر واقعي على الرغم من أنه لا يبدو كذلك. فقد تعلمت من عملي، كأخصائي في الطب النفسي وكمستشار في القيادة على مدى أكثر من عقد من الزمن، أن تفادي الإنهاك يتطلب تخفيض الضغط النفسي وزيادة اندماج الموظفين في العمل في آن. وفيما يلي طريقة تحقيق ذلك.

أنشئ بيئة عمل تخفض الضغط النفسي

عندما يتعرض الموظفون لوضع يكون الضغط النفسي فيه شديداً، سواء بسبب توقعات غير واضحة أو مواعيد نهائية غير منطقية أو مكان عمل فوضوي، فسيكونون عرضة للانتقال إلى وضع “قاتل أو اهرب”. وهذا ما يحدث لأجسامنا عندما نشعر بالتهديد، حيث تتولى الأجزاء البدائية والأكثر عاطفية من أدمغتنا زمام الأمور، وتتراجع قدرتنا على التفكير على الأمد الطويل والتخطيط والابتكار. وإذا استمر هذا الوضع مدة أطول مما ينبغي فسنصاب بالإنهاك. وللتصدي لهذا الأثر، يجب عليك أن تبني بيئة عمل آمنة وأن تغرس عادات تخفيض الضغط النفسي ضمن أعمال فريقك اليومية.

ارفع درجة الأمان النفسي

إذا شعر موظفوك بأن مكان العمل يشكل تهديداً لهم، فلن تتمكن من بناء الثقة التي يحتاج فريقك إليها من أجل التعاون والابتكار بفعالية. تصف إيمي إدموندسن في كتابها بعنوان “المؤسسة الشجاعة” (The Fearless Organization) ثلاث خطوات يمكنك اتخاذها من أجل بناء الأمان النفسي. أولاً، وضح توقعاتك عن طريق تقديم أهداف واضحة لموظفيك. ثانياً، احرص على أن يشعر الجميع بأن أصواتهم مسموعة وأن يعرفوا أنك تريد ذلك. ويمكنك تحقيق ذلك عن طريق دعوة الموظفين إلى التعبير عن آرائهم في الاجتماعات، وإجراء عمليات تبادل الأفكار أكثر من فرض قرارات من القمة إلى القاعدة. وثالثاً، طور بيئة عمل تتسم بالتحدي ولا تشكل تهديداً. دع الموظفين يشعرون أنه لا بأس في الفشل، وميز أفراد الفريق الذين يفكرون خارج الصندوق، واطلب من موظفيك أن يقدموا آراءهم على نحو دوري لتثبت لهم أنكم جميعاً يد واحدة.

حدد أوقات استراحة منتظمة أثناء يوم العمل

يمكن للدماغ البشري التركيز لمدة تتراوح بين 90 إلى 120 دقيقة قبل أن يحتاج إلى الاستراحة. ولذلك يجب أن تشجع موظفيك على النهوض عن مكاتبهم والابتعاد ذهنياً عن الأعمال الصعبة كل ساعتين. اقترح عليهم الذهاب للمشي لفترة قصيرة (خصوصاً إذا شاركوا في عدة اجتماعات طويلة متتالية)، أرسل لهم دعوات على جداولهم الإلكترونية تذكرهم بأوقات استراحاتهم، وحاول أن تكون قدوة لهم. وستمنح إراحة الذهن وتحريك الجسم المساحة الذهنية التي يحتاج أفراد فريقك إليها من أجل الاستمرار بالأداء الجيد.

شجع استخدام مساحات العمل الخاصة عندما يحتاج الفريق إلى التركيز

يتعرض الموظف لتشتيت التركيز عندما يعمل ضمن مساحة عمل مفتوحة، وذلك يؤدي إلى زيادة الضغط النفسي وتخفيض الإنتاجية. يتضمن شكل المكتب توقعاً دائماً بتواجد الموظفين دائماً من أجل حضور الاجتماعات والنقاشات الارتجالية، وإذا لم يكن لديك مساحات عمل خاصة يمكن للموظفين التركيز فيها أو التنفيس عن توترهم، جرب استخدام إشارات “الرجاء عدم الإزعاج” عند الحاجة، أو تحديد “ساعات هدوء” ضمن جدول العمل ليتمكن الموظفون أثناءها من العمل.

ضع حدوداً للأوقات خارج المكتب

قد يحتاج أفراد الفريق الذين لا يعملون في مكان واحد إلى العمل خارج أوقات العمل التقليدية من وقت لآخر. إلا أن عدم وضوح أوقات العمل والأوقات الشخصية يعتبر مصدراً هاماً للضغط النفسي في العمل. وقد وجدت إحدى الدراسات أن الرد على الرسائل الإلكترونية ليس وحده ما يزيد توتر الموظفين، بل التوقع أنهم سيضطرّون للقيام بذلك خارج أوقات العمل أيضاً. ولمحاربة ذلك، ضع مبادئ توجيهية واضحة واتبعها. فلتكن الرسائل الإلكترونية والمكالمات الهاتفية بعد ساعات العمل للحالات الطارئة فقط، وارفع مستوى المعايير لدرجة كبيرة.

فكر بتطبيق سياسات عمل مرنة

يجب عليك إنشاء بيئة عمل مرنة إذا رغبت في أن يكون فريقك قادراً على التكيف. وفر المرونة لموظفيك عن طريق إتاحة ساعات عمل مرنة وأخذ احتياجاتهم المتغيرة بعين الحسبان. أجر اجتماعات فردية مع الموظفين من أجل فهم هذه الاحتياجات والعثور على بدائل بالنسبة لمن يعانون صعوبة في تحقيق التوازن بين عملهم وحياتهم.

ابن اندماج الموظفين 

أكدت بيانات عقود من الزمن أن ازدياد اندماج الموظفين، أي قوة العلاقة العاطفية والمعنوية التي يشعر بها الموظف تجاه مكان عمله، تنطوي على العديد من الفوائد الإيجابية، بما فيها تخفيض الضغط النفسي وتحسين الصحة والرضا الوظيفي، بالإضافة إلى زيادة الإنتاجية ونسب الاحتفاظ بالعمل والربحية.

كن شفافاً

إذا كان أفراد فريقك مرتبكين بشأن طريقة ارتباط عملهم بأهداف الشركة قصيرة الأمد وطويلة الأمد وخدمتهم لها، فسيزيد توترهم وتنقص إنتاجيتهم بصورة طبيعية، وخصوصاً في فترات القلق والاضطراب. ومساعدتهم على رؤية الصورة الأكبر أو الدور الذي يمارسونه في مساعدة الشركة على تحقيق أهدافها الأكبر هو جزء من واجبك. وعلى الرغم من أنك قد لا تتمكن من مشاركة كل المعلومات مع فريقك، إلا أنه بإمكانك توفير المعلومات التي يحتاجون إليها من أجل فهم مشاركة عملهم في مهمة الشركة. وإذا كانوا يشعرون بفضول بشأن أمر لا يمكنك مشاركته معهم، فيمكنك توضيح سبب عدم قدرتك على مشاركته بشفافية، لأنه يجب عليك تخفيف الضغط النفسي الذي يترافق مع الغموض. وجدت إحدى الدراسات التي أجريت على 2.5 مليون فريق أنه عندما قام المدراء بالتواصل مع مرؤوسيهم المباشرين بصورة يومية، ازدادت احتمالات اندماج الموظفين ثلاثة أضعاف مقارنة بالأوقات التي لم يكن مدراؤهم يتواصلون معهم فيها بصورة منتظمة. ومع ذلك، يقول 40% فقط من الموظفين أنهم حصلوا على معلومات كافية عن أهداف الشركة الاستراتيجية.

احرص على أن يكون كل موظف في الدور المناسب له

إذا كان أفراد فريقك يكرهون وظائفهم، فسيتراجع اندماجهم في العمل بصورة طبيعية. ومن أجل ضمان أن تتوافق كفاءاتهم ونقاط قوتهم مع التوقعات والمسؤوليات في أدوارهم، يجب عليك التحدث مع كل واحد من مرؤوسيك المباشرين بصورة دورية. ليس ضرورياً أن تكون هذه المحادثات رسمية، بل تحدث معهم عما يثير شغفهم وعن اهتماماتهم وأهدافهم. استثمر هذه المعلومات في تسليمهم المشاريع التي سيشعرون بأنها مفيدة لهم، وتابعهم كي تضمن أنهم يملكون الأدوات التي يحتاجون إليها للنجاح.

امنحهم أكبر قدر ممكن من الاستقلالية

امنح فريقك السيطرة وإمكانية التحكم بطريقة إدارة مشاريعهم عندما يكون ذلك ممكناً. إذ تتراجع احتمالات أن يعاني الموظفون من مستويات عالية من الإنهاك بنسبة 43% عندما يملكون إمكانية اختيار المهمات التي يعملون عليها وتحديد أوقات تنفيذهم لها والوقت الذي يحتاجون إليه لإنهاء كل منها. تشير إحدى الدراسات أنه كي تتأكد أن الموظف أصبح مستعداً للعمل بصورة مستقلة، يمكنك أن تطلب منه أن يلازمك في إحدى مهماتك أو مشاريعك أولاً، ومن ثم تسمح له بالتدرب تحت إشرافك. ويمكنك في أثناء ذلك تقييمه وتحديد متى سيكون جاهزاً للعمل بمفرده.

أبد التزاماً بنمو موظفيك وتقدمهم

لا تتمسك بموظفيك الموهوبين بشدة، على الرغم من أن معظم الموظفين لا يحصلون على الترقية إلا كل عام أو اثنين، إلا أنه يجب أن يشعروا أنك تمدهم بفرص ثابتة للنمو والتعلم، وقد يعني ذلك في بعض الأحيان تأييد الانتقال الداخلي. امنح الموظفين فرصة للتحرك بين الوظائف أو التقدم فيها إذا كان ذلك يشكل الخطوة التالية المناسبة لحياتهم المهنية. كما سيعمق التزامك بنموهم الثقة بينكم.

رسخ ثقافة العرفان والتقدير

 سيؤدي الاعتراف بعمل أفراد الفريق الدؤوب ومشاركاتهم وتقديرهم علناً إلى تخفيف الشعور بالضغط النفسي وزيادة الشعور بالارتباط والانتماء. وقد أثبتت الدراسات أن الشركات التي تضم ثقافات العرفان والتقدير تتمتع بأداء أفضل ونسب أقل من دوران الموظفين مقارنة بالتي لا تضم هذه الثقافة. وربما كان ذلك لأن الدعم والتقدير يساعدان الموظفين على التأقلم بسهولة أكبر مع متطلبات العمل عن طريق إثبات أن جهودهم تحظى بالتقدير. واجتماعات الفريق مناسبة جداً للإشادة بأصحاب الأداء المتميز، كما يمكن أن تكون المبادرات غير المتوقعة التي تعبر عن التقدير الصادق فعالة أيضاً. مثلاً، قدم تهنئة علنية لموظف تمكن من إنهاء صفقة مع عميل جديد. وتضيف شركة ديلويت أنه إذا تمكنت من إنشاء ثقافة يبدي فيها الزملاء تقديراً وامتناناً متبادلين، فستزداد احتمالات أن يبقى موظفوك سعداء وراضين في وظائفهم.

عمّق الاندماج أكثر عن طريق غرس حس الهدف

 إذا كان الراتب هو الأمر الوحيد الذي يدفع موظفيك على الحضور إلى العمل، فسيتراجع أداؤهم أكثر ممن لديهم حس الهدف فيما يفعلونه. بينما ستكتسب الأعمال اليومية معنى حتى لو كانت فيما سبق تبدو متعبة عندما يتمكن الموظفون من ربط أثر عملهم مع عالمهم الحقيقي. ابدأ بجعل الهدف جزءاً من خطة عمل شركتك، حتى وإن لم يكن معلناً بصراحة في رسالة الشركة، يمكنك مساعدة فريقك على فهمه عن طريق توضيح أثر عملهم على الشركة داخلياً وعلى الأقسام الأخرى وعلى المجتمع خارج المؤسسة أيضاً. يجب أن تخبرهم عن هدفك أثناء عملية التوظيف وأن تبحث عن المرشحين الذين يدعمونه.

وفي نهاية الحديث عن الضغط النفسي في العمل تحديداً، يؤدي الإنهاك وعواقبه التي تنتج عن عدم الاعتراف به إلى الإضرار برفاهية الموظف وأداء الشركة، ومن أجل التصدي لهذا الوباء المتنامي وإنشاء بيئات عمل صحية أكثر، يجب على القادة الالتزام بتغيير ما تبدو عليه “رفاهية مكان العمل”. فلتسترشد بهذه الخطوات، وإذا نجحت، فلن تخفض الضغط النفسي في العمل فحسب، وإنما ستنشئ قوة عاملة تتألف من موظفين أكثر سعادة وإنتاجية، وستكون شركتك مكاناً أفضل لهم.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .