لا تدع قصة جيدة تقنعك بفكرة سيئة

6 دقائق
تحسين مهارات رواية القصص
ماتياس كلامر/غيتي إيميدجز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: القصص مؤثرة، لذلك يجب تحسين مهارات رواية القصص فربما كانت عاملاً رئيسياً في تطور الجنس البشري، كما أنها بلا شك أداة مهمة في صندوق أدوات أي قائد. ولكن يمكن أيضاً أن تكون خطيرة لأنها قد تكون مضللة بطرق غير ملحوظة. على سبيل المثال لا الحصر تشمل هذه الطرق ما يلي: كثيراً ما تجعل القصص النجاح والفشل يبدوان أكثر قابلية للتنبؤ بهما مما هما عليه في الواقع (الإدراك المتأخر). وقد تؤكد القصص على وجود علاقة سببية في حين أنه لا توجد سوى علاقة ترابطية، وأحياناً تبالغ في تبسيط مجموعات البيانات، وغالباً ما تستند إلى نوادر، كما أنها تصف “النجاح” بناء على عوامل أظهرتها العديد من حالات الفشل في الفئة نفسها. ولكن لا تتجاهل القصص، بل انظر إليها بعين نقدية متشككة.

لا شك في أن القصص أدوات قوية. يقول المؤرخ يوفال هراري في كتابه “العاقل” (Sapiens) إن القدرة على صياغة القصص ساعدت البشر على التعاون لإحراز تقدم غير مسبوق والسيطرة على العالم في نهاية المطاف. واليوم، لا يمكن أن نتصور إطلاق منتج جديد أو تقديم عرض ترويجي أو فيلم وثائقي شهير أو محاضرة عبر منصة “تيد” دون قصص أخّاذة.

للقصص مزايا عديدة لأسباب وجيهة. فهي تساعدنا على حل المسائل المعقدة وتذكُّر الأفكار والتواصل مع الآخرين والتنبؤ بالمستقبل. لذا من المهم أن يستفيد المدراء ورواد الأعمال من هذه المزايا، وفي هذا الصدد توفر هارفارد بزنس ريفيو مجموعة كبيرة من المحتوى المصمَّم لتحسين مهارات رواية القصص. ولكن بسبب ما للقصص من آثار قوية ودائمة، من الضروري أن يتعرف صنّاع القرار على الطرق المختلفة التي يمكن بها للقصص أن تكون مضللة.

وجّه مؤلفون، مثل نسيم طالب وتايلر كوين، العديد من التحذيرات حول القصص التي تستهين بحالة القلق والغموض وتشوه فهمنا للعلاقات السببية. وفي مقالات نُشرت في هارفارد بزنس ريفيو، أوضحت هيلاري أوستن كيف أن جاذبية القصص يمكن أن تؤدي إلى تقييمات متحيزة وأخطاء غير قابلة للتصحيح في مجال الأعمال، وبيّن جوناثان غوتشال كيف ضللت القصص صنّاع القرار بشأن حقيقة ما حدث في شركة “ثيرانوس” (Theranos). وفي كتابنا  “أسطورة التجربة” (The Myth of Experience)، نناقش حقيقة أن كتابة قصة خاطئة وتصديقها أسهل من تجاهلها. لذلك، عليك أن تكون متشككاً في القصة، لاسيما عند معالجة المشكلات الحرجة واتخاذ القرارات المنطقية.

التحيزات المرتبطة بالوقت

بعض القصص تبسّط الواقع من خلال تشويه تأثير الوقت أو تجاهله. ولذلك، فإن المجموعة الأولى من العلامات التحذيرية تتناول التحيزات المرتبطة بالوقت.

الإدراك المتأخر

عادة ما تقلل القصص التي صيغت بعد ظهور نتيجة معينة من أهمية السيناريوهات البديلة التي كان من الممكن أن تحدث ولكنها لم تحدث. ونتيجة لذلك، كثيراً ما تجعل القصص النجاح والفشل يبدوان أكثر قابلية للتنبؤ وأكثر تأكيداً مما هما عليه في الواقع. ولكن حتى النتائج التي تبدو واضحة للغاية بعد فوات الأوان، غالباً ما تكون غير مؤكدة في وقت اتخاذ القرار. على سبيل المثال، كانت الأفكار الثورية، مثل النسخ الضوئي أو أجهزة الكمبيوتر الحديثة أو محرك البحث “جوجل” أو شخصية هاري بوتر، تبدو وكأنها استنتاجات حتمية بعد نجاحها الهائل. ولكن جميعها رفضها في البداية المستثمرون الخبراء الذين كانوا في وضع يؤهلهم لكسب ثروات منها. في الواقع، في كثير من الحالات، لا يستطيع حتى أصحاب الأفكار التنبؤ بدقة بإمكانية تنفيذها. على سبيل المثال، فشلت شركة “زيروكس” (Xerox) في الاستثمار في تقنية الكمبيوتر الشخصي الرائدة الخاصة بها، و”جوجل” حاولت بيع نفسها مقابل جزء ضئيل من قيمتها النهائية في بداياتها.

الخلط بين العلاقة الترابطية والعلاقة السببية

يمكن أن تشير القصص إلى وجود علاقة سببية بين الأحداث المعاصرة والمترابطة، حتى عندما يكون هذا الرابط لا وجود له في الواقع. وتنبع الأساطير الحديثة، مثل النحس الذي يصاحب مَن يظهرون على غلاف مجلة “سبورتس إليستريتد” (Sports Illustrated)، من مثل هذه التصورات الخاطئة. فعندما يظهر أي لاعب أو فريق رياضي على غلافها ويتدنى مستوى أدائه بعد ذلك، يتم إلقاء اللوم على المجلة، حتى إذا كانت هذه النتيجة متوقعة بسبب ظاهرة “التراجع نحو الوسط”. وبالمثل، يمكن أن يكوّن المدراء معتقدات خاطئة حول تأثيرات الثناء والعقوبة، خاصة عندما يستمر أصحاب أفضل أداء، الذين يثني المدراء عليهم، في تقديم أداء سيئ، بينما يتحسن أصحاب الأداء الأسوأ الذين يعاقبهم المدراء. كما تغذي الروابط الخاطئة بين الأحداث المتتالية نظريات المؤامرة مثل الروابط السببية المفترضة بين بعض اللقاحات ومرض التوحد أو بين بعض التقنيات المطورة حديثاً وجائحة فيروس كورونا.

قصر النظر

تفشل بعض القصص في اكتشاف علاقة قائمة بالفعل عندما تكون الأسباب والآثار بعيدة عن بعضها زمنياً. فالعديد من الاستراتيجيات، مثل التطعيم أو اعتماد تقنية جديدة، لا تظهر آثارها على الفور. وما يجعل الأمور أكثر تعقيداً هو أن بعض الاستثمارات تبرز الديناميات الأسوأ قبل الديناميات الأفضل، ويمكن بسهولة أن تغفل القصص عن ذلك أو تفسره على نحو خاطئ. فالقصص ذات النظرة المحدودة تجعل القادة الجدد يتلقون الإشادة أو اللوم على النتائج التي تحققت بعد تعيينهم مباشرة، على الرغم من أنها قد تكون نتاج عمل الإدارات السابقة في الواقع. وقصر النظر هذا يمكن أن يدفع الإدارة إلى اختيار الحلول السريعة التي تخفف الأعراض فقط بدلاً من العلاجات الفعالة طويلة الأجل.

انتهاء الصلاحية

يمكن للقصص المبنية على الماضي أن تصبح متقادمة بشكل سريع عندما تتغير المواقف فجأة وبشكل كبير. ولكن التقاليد القائمة عليها غالباً ما تستمر إلى ما بعد تواريخ انتهاء صلاحيتها. قبل بضعة عقود فقط، كان من شبه المؤكد أن الحصول على شهادة جامعية يضمن العمل في مهنة مربحة. وعلى الرغم من أن هذا لم يعد صحيحاً، فإن هذه الفكرة هي أحد أسباب أزمة ديون الطلاب المتزايدة. فالقصص قصيرة العمر خاصة عندما تتطور العمليات بشكل غير خطي، ما يجعل صنّاع القرار أصحاب الكفاءة يغفلون عن مسؤولياتهم وواجباتهم. على سبيل المثال، بدا أن “بلوك باستر” (Blockbuster) و”ماي سبيس” (Myspace) و”نوكيا” (Nokia) جميعها شركات منيعة ولا تُقهر قبل وقت قصير من انهيارها السريع.

التحيزات في الاختبار

بعض القصص تبسط الواقع بحذف جزء مهم من الصورة. لذا تتناول المجموعة الثانية من العلامات التحذيرية التحيزات في الاختيار.

المتوسطات

كثيراً ما يتم وصف التحليلات المستندة إلى البيانات والاستنتاجات العلمية في شكل قصة لنشرها وفهمها بسهولة. ولكن العديد من هذه العروض التقديمية تبالغ في تبسيط الواقع من خلال قَصْر المناقشات على متوسط التأثيرات الإحصائية. ونتيجة لذلك، قد نتوقع أن تزيد استراتيجية معينة من الأرباح وأن القدر الكبير من التعليم يؤدي إلى زيادة الدخل وأن العزيمة تحقق النجاح. كما أن القصص المستندة إلى هذه الروابط السببية يمكن أيضاً أن تتوافق مع معتقداتنا السابقة. ومع ذلك، فإنها ستكون صالحة فقط حتى متوسط عمر العينات التي تستند إليها، وقد تخفي مخاطر كبيرة وفروقاً دقيقة حول النتائج المتوقعة.

النوادر

من المغري استحداث قصص شاملة وجامعة من التجارب الشخصية والأحداث والوقائع المذهلة. ولكنها مجرد عينات صغيرة وغالباً ما تكون غير تمثيلية. في الواقع، نظراً إلى الاختلافات واسعة النطاق في الظروف والشخصيات، كلما كانت الملاحظات فريدة ومميزة، قلت احتمالية التعميم. وبالتالي بدأت العديد من المؤسسات في تفضيل الخوارزميات المستندة إلى البيانات على القصص القائمة على التجربة عند صناعة القرارات المعقدة. على سبيل المثال، يتناول كتاب “كرة المال” (Moneyball) لمايكل لويس موضوع عدم موثوقية النوادر والقصص القائمة على التجارب السابقة عند تقييم الأداء المحتمل في لعبة البيسبول.

الناجحون

التعلم من قصص النجاح ممتع ومحفّز. كما أن تحليل السمات المشتركة للأشخاص والمؤسسات الناجحة منتشر في كل مكان. ولكن هذا النهج يتجاهل حقيقة أن هذه السمات نفسها قد تكون سائدة بالتساوي لدى الأشخاص والمؤسسات غير الناجحة للغاية. غالباً ما تؤكد القصص على أن الناجحين موهوبون ودؤوبون بشكل فريد، خاصة عندما يكون معدل النجاح منخفضاً. ولكنها تتجاهل بكل بساطة عشرات الفاشلين ذوي المهارات وأخلاقيات العمل نفسها الذين لم يحققوا المستوى نفسه من النجاح لجميع أنواع الأسباب الظرفية والعشوائية. ونتيجة لذلك، تؤدي القصص التي تعاني من تحيزات تتعلق بتحقيق النجاح إلى تكوين معتقد خاطئ بأنه يمكن التحكم في النجاح والتنبؤ به بشكل أكبر مما هو عليه الحال في الواقع.

النتائج. غالباً ما تركز القصص على النتائج التي يمكن ملاحظتها مع تجاهل العمليات الأساسية. ومن عواقب ذلك، الجهل المنتشر بعمليات الخداع المحتملة والسلوكيات غير الأخلاقية التي ساهمت في تلك النتائج. هناك قائمة طويلة من القصص القائمة منذ فترة طويلة والقصص الشائعة التي تستند فقط إلى نتائج ناجحة كشفت في النهاية عن جوانبها المظلمة. وتتضمن هذه الحالات: مخططات بونزي وأزمات المواد الأفيونية والممارسات التجارية الاحتيالية، من بين تجاوزات أخرى. هناك عاقبة أخرى للقصص المستندة إلى النتائج وهي سوء فهم الكيفية التي يعمل بها الابتكار. فالقصص حول الابتكار عادة ما تمجّد النسخ النهائية من الأفكار الناجحة إلى جانب عدد قليل من المبتكرين الرائعين، بينما تتجاهل معظم العمليات الأساسية التعاونية المعقدة التي يجريها العديد من رواد الأعمال المغامرين (الجريئين). ونتيجة لذلك، يبدو الابتكار فردياً وحتمياً بشكل أكبر مما هو عليه في الواقع.

للأسف هناك ما لا يقل عن اثنين من التعقيدات الأخرى ذات الصلة بهذه العلامات التحذيرية. أولاً، يمكن أن تتصف بعض القصص بمزيج من هذه العلامات. على سبيل المثال، قد تركز بعض القصص بشكل حصري على النتائج الناجحة لقليل من الناجحين وتعرضها في شكل نوادر مع الاستفادة مما ندركه بعد فوت الأوان بوضوح شديد. وكلما زادت العلامات التحذيرية التي تظهر في القصة، كان هناك مبرر أقوى للتشكيك فيها. ثانياً، يمكن أن تحدث التحيزات المتعلقة بالوقت والمشكلات المتعلقة بالاختيار حتى عندما تكون القصص صحيحة من الناحية الواقعية. فما ندركه بعد فوات الأوان والنتائج النهائية التي نلاحظها والعلاقات الترابطية أو متوسط التأثيرات الذي نقدره، يمكن أن تكون جميعها صحيحة في الواقع. ولذلك يمكن أن تكون القصص مضللة على الرغم من أنها تقدم معلومات.

حل المشكلات المتعلقة برواية القصص ليس التوقف عن روايتها أو تجاهلها تماماً. فهذا سيحرمنا من فوائدها الحيوية. ولكن بدلاً من ذلك، يمكن لصنّاع القرار استخدام القصص بما يحقق النفع لهم من خلال اعتبار أن القصص الملائمة والمقنعة بمثابة نظريات ينبغي التدقيق فيها وليس حقائق ينبغي اتباعها. ويمكنهم استخدام هذه العلامات التحذيرية لاختبار القصص وصقلها ثم تحديثها. وهذا سيحفز رواة القصص على أن يكونوا أكثر حرصاً عند صياغة رسائلهم. وبالتالي، فإن التشكيك في القصة يمكن أن يؤدي في النهاية إلى صياغة قصص أفضل وأكثر صحة، ما سيحسن التعلم الجماعي والقرارات.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .