كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يغير أمازون: تجربة فكرية

5 دقائق
الذكاء الاصطناعي وأمازون
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كيف سيغيّر الذكاء الاصطناعي الاستراتيجية؟ هذا هو السؤال الأكثر انتشاراً على الإطلاق الذي يطرحه علينا المسؤولون التنفيذيون في الشركات، والإجابة عنه ليست سهلة. يُعدّ الذكاء الاصطناعي تكنولوجيا معتمدة على التنبؤ. مثلما يجعل التقدم في الذكاء الاصطناعي التنبؤ أقل تكلفة، فإن النظرية الاقتصادية تفترض أننا سنستخدم التنبؤ مراراً وعلى نطاق أوسع، وأن قيمة مكملات التنبؤ – مثل التمييز البشري – سوف تزيد. لكن ماذا يعني هذا كله للاستراتيجية؟

الذكاء الاصطناعي في شركة “أمازون”

فيما يلي تجربة فكرية عكفنا على استخدامها للإجابة عن هذا السؤال. معظم الناس على دراية بالتسوق من “أمازون”. مثلما هي الحال مع معظم شركات التجزئة على الإنترنت، حينما تريد التسوق من شركة أمازون، تبدأ عملية الشراء بزيارة الموقع الإلكتروني للشركة، ثم تتسوّق وتضع الأصناف في “سلة المشتريات” وتدفع ثمنها ثم تشحنها لك الشركة. في الوقت الحالي، نموذج عمل أمازون هو: التسوق ثم الشحن.

لاحظ معظم المتسوقين أثناء قيامهم بالتسوق أن محرِّك اقتراحات أمازون يقدّم لهم توصيات بأصناف تنبّأت آليات الذكاء الاصطناعي بأنهم سيرغبون في شرائها. في الوقت الحالي، يؤدي الذكاء الاصطناعي لأمازون عملاً معقولاً بالنظر إلى وجود ملايين الأصناف المعروضة. وعلى الرغم من ذلك، فإنه بعيد عن الكمال. في حالتنا، يتنبأ الذكاء الاصطناعي بدقة بما نريد أن نشتريه في 5% من الحالات. بعبارة أخرى، نحن بالفعل نشتري صنفاً واحداً من كل عشرين صنفاً يوصينا بها. ليس ذلك سيئاً!

الآن نعود إلى التجربة الفكرية. تصوّر أن الذكاء الاصطناعي لأمازون يجمع مزيداً من المعلومات الخاصة بنا، فبالإضافة إلى سلوكنا البحثي والشرائي على موقعه الإلكتروني، فإنه يجمع كذلك أي بيانات أخرى يجدها عنا على الإنترنت بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي أو خارج الإنترنت من خلال المتاجر العادية، كسلوكنا التسوقي في “هوول فودز” (Whole Foods) مثلاً. وهو لا يعرف ما نشتريه فقط، بل يعرف أيضاً أي وقت نقصد فيه المتجر، وأي منطقة نتسوق فيها، وكم ندفع، وأكثر من ذلك.

الآن تصوّر أن الذكاء الاصطناعي يستخدم هذه البيانات لتحسين تنبؤاته. نعتقد أن هذا النوع من التحسين أشبه برفع مستوى الصوت في اتصال يجري بالسماعات. لكن بدلاً من رفع الصوت، فإننا نقصد أن ترفع دقة تنبؤ الذكاء الاصطناعي. ماذا يحدث لاستراتيجية أمازون حين يعمل علماء البيانات فيها ومهندسوها وخبراء التعلم الآلي بشكل دؤوب لرفع دقة آلة التنبؤ؟

في مرحلة ما، عندما ينفّذون الأمر، ستجتاز دقة تنبؤ الذكاء الاصطناعي أحد الحواجز للدرجة التي يصير بها من مصلحة أمازون تغيير نموذج عملها. ذلك أن التنبؤ يصبح دقيقاً بما يكفي لدرجة أنه يصير مربحاً لأمازون أن تشحن السلع التي تنبأت برغبتك فيها بدلاً من انتظارك حتى تطلبها. تشحن لك أمازون كل أسبوع صناديق تحتوي على أصناف تتنبأ برغبتك فيها، ثم تتسوق وأنت مستريح في منزلك وتختار أياً منها تود الإبقاء عليه مما وصلك بالفعل في الصناديق.

يتيح هذا النهج ميزتين لأمازون. أولاهما أن سهولة الشحن التنبؤي تقلل من احتمالات شرائك الأصناف نفسها من شركة تجزئة منافسة مع وصول المنتجات إلى منزلك بسهولة قبل أن تشتريها من مكان آخر. وثانيتهما أن الشحن التنبؤي يدفعك لشراء أصناف كنت تفكر في شرائها لكنك تنفّذ عملية الشراء حتى ذلك الحين. في كلتا الحالتين، تجني أمازون حصة أكبر من محفظة العميل (مبلغ إنفاقه الكلي نظير المنتجات أو الخدمات التي يتلقاها). كما يغيّر تشغيل خاصية التنبؤ بدرجة كافية نموذج عمل أمازون من “التسوق ثم الشحن” إلى “الشحن ثم التسوق”.

بالطبع لن يرغب المتسوقون في التعامل مع الإزعاج المصاحب لإعادة جميع الأصناف التي لا يريدونها. لذلك سوف تستثمر أمازون في البنية التحتية للمرتجعات، ربما في صورة أسطول من شاحنات التوصيل التي تتسلم الشحنات مرة واحدة في الأسبوع تجمع فيها الأصناف التي لا يريدها الزبائن.

إذا كان هذا نموذج عمل أفضل، فلماذا لم تتحول إليه أمازون حتى الآن؟ حسناً، إنهم يعملون على هذا الأمر. ولكنه إذا طُبّق اليوم، فإن تكلفة جمع المرتجعات وتصنيفها سوف تفوق الزيادة في الإيرادات المتحققة من الحصول على حصة أكبر من محفظة الزبائن. على سبيل المثال، سنعيد اليوم 95% من الأصناف التي شحنتها لنا. هذا أمر مزعج لنا ومكلف لأمازون. ليس التنبؤ جيداً بدرجة كافية لأمازون لتبني النموذج الجديد.

ومع ذلك، يمكن للمرء أن يتصور سيناريو تتبنى فيه أمازون الاستراتيجية الجديدة حتى قبل أن تصبح دقة التنبؤ جيدة بالدرجة الكافية على صعيد الربح، وذلك لأن الشركة تتوقع أن الأمر سيكون مربحاً في مرحلة ما. بالانطلاق مبكراً، سيحصل الذكاء الاصطناعي لأمازون على مزيد من البيانات مبكراً ويتحسن بشكل أسرع. تدرك أمازون أنها كلما أسرعت في البدء في هذه العملية، كان من الصعب على المنافسين اللحاق بالسباق. ستجذب التنبؤات الأفضل مزيداً من المتسوقين الذين سيولّدون مزيداً من البيانات لتدريب الذكاء الاصطناعى، وسيؤدي المزيد من البيانات إلى تنبؤات أفضل، وهكذا، ما يخلق دائرة فاعلة. بعبارة أخرى، هناك عوائد متزايدة للذكاء الاصطناعي، ومن ثَم فإن توقيت اعتماد هذا النوع من الاستراتيجية أمر مهم. قد يكون اعتمادها في وقت مبكر مكلفاً، لكن تطبيق هذه الاستراتيجية بعد فوات الأوان قد يكون مدمراً.

تقوم الفكرة الرئيسة هنا على أن تشغيل خاصية آلة التنبؤ سيكون له تأثير كبير في الاستراتيجية. في هذا المثال، سيحول نموذج عمل أمازون من (التسوق ثم الشحن) إلى (الشحن ثم التسوق)، ويولد الحافز للاندماج رأسياً في تشغيل خدمة المرتجعات (بما في ذلك أسطول الشاحنات)، ويسرّع توقيت الاستثمار للاستفادة من ميزة الحركة الأولى في زيادة العائدات. يرجع هذا كله إلى الإجراء الوحيد المتمثل في تشغيل خاصية آلة التنبؤ.

سيكون معظم القراء على دراية بنتائج شركات مثل “بلوك باستر” (Blockbuster) و”بوردرز” (Borders) اللتين قللتا من أهمية السرعة التي سيتحول بها سلوك المستهلك عبر الإنترنت في سياق التسوق عبر الإنترنت والتوزيع الرقمي للسلع والخدمات. ربما كانوا قد تباطؤوا بسبب الرضا تجاه معدل التبني الأوليّ البطيء لهذه التقنية في الأيام الأولى للإنترنت التجاري (1995-1998).

الرهانات المبكرة في مجال الذكاء الاصطناعي

اليوم، في حالة الذكاء الاصطناعي، تذهب بعض الشركات إلى رهانات مبكرة، متوقعةً أن يبدأ تشغيل خاصية آلة التنبؤ بشكل أسرع بمجرد اكتسابها حراكاً. يعرف معظم الناس باستحواذ “جوجل” على “ديب مايند” (DeepMind) في عام 2014 ودفعها أكثر من 500 مليون دولار مقابل شركة حققت إيرادات ضئيلة لكنها طورت ذكاءً اصطناعياً تعلّم أن يؤدي بعض ألعاب الأتاري بأداء بشري فائق المستوى. ربما يدرك عدد أقل من القراء أن المزيد من الشركات التقليدية تضع رهانات أيضاً على سرعة تشغيل خاصية آلة التنبؤ. في عام 2016، دفعت “جنرال موتورز” أكثر من مليار دولار للاستحواذ على شركة ناشئة في الذكاء الاصطناعي هي “كروز أوتوميشين” (Cruise Automation)، وفي عام 2017، استثمرت “فورد” مليار دولار في شركة ناشئة في الذكاء الاصطناعي هي “أرغو أيه آي” للذكاء الاصطناعي (Argo AI)، ودفعت شركة “جون ديري” (John Deere) أكثر من 300 مليون دولار للاستحواذ على شركة ناشئة في الذكاء الاصطناعي هي “بلو ريفر تكنولوجي” (Blue River Technology)، وحققت جميع الشركات الناشئة الثلاث إيرادات ضئيلة جداً نسبة إلى سعرها في وقت الشراء. كما تراهن كل من «جنرال موتورز» و«فورد» و«جون دير» على السرعة المطّردة لأداء الذكاء الاصطناعي، وتتوقع بهذه الأسعار تأثيراً كبيراً في استراتيجيات أعمالها.

وعلى ضوء هذا كله، يواجه الاستراتيجيون قضيتين، هما: أولاً، يجب عليهم الاستثمار في تطوير فهم أفضل لمدى السرعة والاتصال بآلات التنبؤ من أجل قطاعهم وتطبيقاتهم. ثانياً، يجب عليهم الاستثمار في تطوير نظرية حول خيارات الاستراتيجية التي توفرها الاقتصادات المتحولة لأعمالهم والناتجة عن تحويل الطلب فيما يشبه التجربة الفكرية التي درسناها لأمازون.

إذاً، ما المحور الشامل لإعداد استراتيجية الذكاء الاصطناعى؟ أغمض عينيك، تخيَّل أنك تضع أصابعك على مفتاح آلة التنبؤ الخاصة بك، وتديره إلى أقصى حد ممكن، ويمكنك الاستفادة بهذا الشأن من تجربة الذكاء الاصطناعي في أمازون.

الأفكار المذكورة هنا مقتبسة من كتابنا “آلات التنبؤ: العناصر البسيطة لاقتصادات الذكاء الاصطناعي” (Prediction Machines: The Simple Economics of Artificial Intelligence) صدر عن “هارفارد بزنس سكول برس”، في أبريل/نيسان 2018.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .