إن كنت ترغب في التقدم من دون أن يبدي مديرك أي اهتمام بتطويرك المهني فستشعر بالإحباط وخيبة الأمل لا شك، أعلم ذلك من واقع تجربتي. في بداية مسيرتي المهنية مررت بمرحلة شعرت فيها أني غير مرئية وأن فرصي في التقدم معدومة، وفي صيف أحد الأعوام ألغي اجتماع المراجعة السنوية لأدائي قبل موعده بوقت قصير مرة تلو المرة على مدى فترة طويلة إلى أن استسلمت بصمت وتوقفت عن تذكير مديري بتحديد موعد جديد.

لم يلاحظ أحد أني لم أخضع إلى مراجعة الأداء ذلك العام، وحينئذ قلت لنفسي: “لا يكترث أحد للأمر، فلمَ إذاً أستمر في طلب اجتماع المراجعة؟” تجاوزت عن الأمر ذلك العام، لكن سرعان ما أدركت أني كنت مخطئة، فحين سمحت بالتجاوز عن تقدير عملي وضعت حداً لقدرتي على النمو واكتساب القدرات، تعلمت درساً مهماً ولم أسمح بتكرار الخطأ مرة ثانية.

إن كنت تشعر أن عملك أدنى من قدراتك وأنك لا تحظى بالتقدير الكافي، فتذكر أن حياتك المهنية ملكاً لك وحدك، وأنت من تحددها وتسيّرها، ومن الضروري أن تدرك قيمة نفسك حتى وإن لم تشعر بأن الآخرين يدركونها.

ومن خلال عملي في التدريب المهني، تعلمت أنه على الرغم من ضرورة أن يسعى المدراء لتطوير موظفيهم مهنياً فهم لا يؤدون هذا الدور دائماً. فيما يلي 4 استراتيجيات من كتابي “استعدي وأصرّي وغيّري مسارك” (Prep, Push, Pivot) تساعدك على الاستثمار في قدراتك والتقدم من دون دعم مديرك.

ركّز على الأمور التي يمكنك السيطرة عليها

عقليتك والخطوات التي تتخذها هي مفتاح نجاحك ومحور تقدمك، لا ما يفعله مديرك (أو ما لا يفعله)، والطريقة التي تختارها للاستجابة لموقف ما والخطوات التي تتخذها تالياً هي الأهم.

إن كان مديرك غير مهتم بك، فستكون أمام خيارَين: إما أن تتراجع وتنسحب كما فعلت أنا من قبل حين سمحت بعدم إجراء اجتماع تقييم الأداء السنوي، وإما أن تصرّ على التقدم وتعثر على طرائق لإظهار نفسك.

يقوم الخيار الثاني على فكرة أن مديرك سيتغير مرات ومرات، ولكن حياتك المهنية تلازمك طوال حياتك، لذا لا تسمح لسلوك شخص آخر بأن يعرقل أهدافك، ولا تسمح لأحد بأن يحدد مشاعرك تجاه العمل.

تبنَّ عقلية إيجابية، وهذا الخيار استباقي يمكنك اعتماده بغض النظر عن ظروفك. اعمل لأجل مديرك بجد دوماً واسعَ للتفوق على توقعاته واحرص على أن تبقى قنوات التواصل معه مفتوحة وكن عضواً إيجابياً ومتفاعلاً في الفريق. واحرص في الوقت نفسه على التركيز بشدة على أهدافك المهنية وخطواتك التالية.

حدد التزاماتك المهنية الخاصة

سيتيح لك تحديد مجموعة التزاماتك المهنية الخاصة اتباع نهج مدروس ومؤثر لتحديد أهدافك وخطواتك المهنية التالية،

ولأجل ذلك يجب أن تفكر فيما ستفعله على مدى العام المقبل بأكمله. اسأل نفسك:

  • ما العمل الذي أريد أداءه بصورة متزايدة؟
  • ما العمل الذي أريد أن أُعرف بإتقاني له؟
  • ما المهارات التي أريد اكتسابها؟
  • ما العمل الجديد الذي أريد أن أبدأه ولم أجربه من قبل؟
  • ما المجالات التي يجب أن أتميز فيها؟

ثم انظر إلى أجوبتك وعيّن إجراءً لكل منها، وحدد الإجراء الذي ستنفذه أولاً. استخدم أجوبتك كي ترسم خريطة مهنية تتوافق مع أهدافك وتمنحك القدرة على التحكم بمسارك المهني.

وسع منظورك

العمل لدى مدير متفاعل يلتزم دعم أهدافك المهنية هو تجربة مذهلة، إذا أتيحت لك فاستمتع بها واقطع على نفسك عهد الوفاء بالعطاء من خلال مناصرة شخص آخر مستقبلاً.

حتى وإن حالفك الحظ بمدير داعم، فالمتغيرات الكثيرة الناجمة عن طبيعة بيئة الأعمال المتقلبة تمنعك من الاعتماد عليه في تطورك المهني مهما كان دعمه لك قوياً. وإذا شعرت بالضياع فسيفيدك توسيع منظورك.

يؤثر عدد كبير من الأطراف المعنية في طريقة عملك، لذا احرص على إنشاء قائمة تضم أسماء الأشخاص الذين يؤثرون في مسارك المهني إلى جانب مديرك، قد تشمل هذه القائمة أقرانك ومرؤوسيك إن وُجدوا وكبار القادة، وفكر في الطرائق التي تساعدك على بناء العلاقات معهم باستمرار.

سيؤدي إنشاء هذه القائمة واتخاذ خطوات إيجابية بناءً عليها إلى تذكيرك بأن حياتك المهنية لا تبدأ ولا تنتهي بعلاقة واحدة، ويمكن أن تشمل الخطوات التي يمكنك اتخاذها سؤال أحدهم عن طريقة تعلم مهارة ترغب في اكتسابها أو البحث عن فرص للتطوع في مبادرات توسع معارفك. تذكر أنه حتى إن لم يكن مديرك المباشر مهتماً بتطورك المهني فستجد أشخاصاً آخرين يمكنهم مساعدتك على النمو، لذلك احرص على تحديد أهدافك باستمرار واستكشف الخيارات والأفكار والفرص والمحادثات والعلاقات التي تساعدك على وضع الأسس التي ستبني عليها خطواتك التالية.

ابنِ العلاقات المهنية التي ستساعدك على النمو

بعد أن وضعت قائمة “الأشخاص المهمين”، فكر فيمن تفتقر إليهم شبكة علاقاتك، أهم من يجب عليك التفكير بهم هم الموجهون والراعون.

هل لديك موجه حالياً؟ إن كان جوابك هو “لا”، فاحرص على العثور على أكثر من شخص يؤدي هذا الدور. هل ترى في الشركة شخصاً يمكن أن يكون راعياً لك؟ إن لم يكن مديرك قادراً على تأدية هذا الدور ففكر فيمن يمكن أن يناصرك.

قيّم قائمة الأشخاص المهمين في حياتك المهنية وضع إشارة عند أسماء كبار القادة، واحرص على اقتناص الفرص للتواصل معهم وخوض نقاشات تركز فيها على الأمور المهنية، ووضح أهدافك واطلب آراءهم. إن خشيت أن يعتبر تواصلك معهم تحايلاً على مديرك فابدأ بأسلوب إيجابي؛ في مرحلة الاستعداد فكر في إحدى النتائج المهمة التي حققها مديرك، وحين تتواصل مع كبار القادة الآخرين نوّه بإنجاز مديرك وعبّر عن حماسك لتطوير مسارك المهني، كما يمكنك إعلام مديرك أنك تبحث بجد عن موجه واسأله عن رغبته في معرفة ما تتوصل إليه.

عندما تفكر في الموجهين المحتملين لا تنس مدراءك وزملاءك السابقين، إن كنت قد عملت فيما سبق مع شخص اهتمّ بتطورك المهني فابق على تواصل معه. إلى جانب أنه بإمكانك الاستفادة من الفرص التي تتيحها الجمعيات المهنية للتعلم من كبار القادة في قطاعك والتعرف إليهم.

ليس مريحاً ألا تكون على وفاق مع مديرك، ولكنه ليس نهاية العالم، فحياتك المهنية هي الاستثمار الأثمن والأهم من الناحية الشخصية، لذا من الضروري في الأوقات العصيبة أن تجدد الاستثمار في قدراتك من خلال العمل الاستباقي.

تبنَّ عقلية إيجابية واستمر بمراجعة التزاماتك المهنية كل 3 أشهر كي تقيّم تقدمك في أهدافك وإنجازاتك والرؤى التي تكتسبها في عملك. واصل بناء شبكة معارفك ووسع منظورك، واحرص على أن تتعامل مع الآخرين على نحو هادف وأن تخوض معهم نقاشات تركز على النواحي المهنية. إن كنت أفضل مناصر لنفسك فسرعان ما ستتذكر هذه الفترة وتدرك أنها كانت حافزاً لتقدمك.

لا تسمح للمدير اللامبالي بأن يعرقل طموحك أو قيمك المهنية أو أهدافك، واحرص على أن تتوافق الخطوات التي تتخذها مع طموحاتك. إن كنت تعلم أنك قادر على التطور فالتزم رفع أهدافك، لأنك لن تجد أحداً يستثمر في حياتك المهنية من البداية حتى النهاية، ولذلك يجب أن تستثمر أنت فيها باستمرار.