تقرير خاص

تبادل البيانات الصحية: أحد العوامل التي جعلت أبوظبي نموذجاً رائداً للصحة الرقمية

3 دقائق
تبادل البيانات الصحية
shutterstock.com/CeltStudio
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لو عدنا 10 أعوام إلى الوراء، لم يكُن منا من يتخيل أن تدخل إلى أحد التطبيقات على هاتفك الذكي وتحجز موعداً “افتراضياً” مع طبيبك وتلتقي به عبر إحدى أدوات الاتصال الرقمية وتحصل على الاستشارة الطبية اللازمة من دون الحاجة إلى زيارة المنشأة الصحية على الإطلاق. لكن وبالتأكيد، كنا جميعاً نؤمن بأهمية البيانات ودورها في توفير رعاية أفضل للمرضى، والوقاية من الأمراض، وتحقيق وفورات كبيرة للنظم الصحية وجعل عملياتها أكثر كفاءة.

عصر تقوده التكنولوجيا

لا شك في أن التكنولوجيا تتصدر المشهد في العديد من القطاعات وهي الفيصل بين تقدّم البلدان من عدمه، حيث أضحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية وأعمالنا. وبينما تضع الحكومات حول العالم التطور التكنولوجي والتحول التقني نصب أعينها، يدرك بعضها أن التكنولوجيا والرقمنة هي فضاء واسع لا يزال هناك ما يمكن اكتشافه وتوظيفه لخدمة البشرية، وذلك ما ينطبق على الرعاية الصحية. ويأتي هنا دور البيانات التي أصبحت تؤدي دوراً محورياً في عملية التحول الرقمي الذي يشهده العالم، وتطبيقاته في نظم الرعاية الصحية حول العالم.

تمازج ثوري

إن التمازج الذي يحدث بين التكنولوجيا وتقنياتها الثورية والرعاية الصحية هو أحد أبرز العوامل التي سرّعت وتيرة تطور نتائج الرعاية الصحية وجعلت النظم الصحية حول العالم تدرك أن هناك فرصة “سحرية” قد تغير شكل الرعاية الصحية وتجعل أهداف إطالة عمر الإنسان الطموحة واقعاً يمكن تحقيقه.

لا حدود لأثر التكنولوجيا الإيجابي على كفاءة خدمات الرعاية الصحية وجودتها، حيث تقدّم دوراً محورياً في جمع البيانات الضخمة وتحليلها وتسخيرها لأغراض اتخاذ القرار وكذلك ابتكار سُبل تعزِز توافر الخدمات وتحدّ من الضغط الذي قد تتعرض له النظم الصحية من خلال تقديم حلول للرعاية الصحية والتطبيب عن بُعد. اليوم، يعتبر تحليل البيانات علماً مستقلاً وطرائق تطبيقه للاستفادة منه غير محدودة. فمثلاً في قطاع الرعاية الصحية، يتم جمع بيانات الرعاية الصحية سواءً من السجلات الطبية للمريض أو من الإجراءات التي تقوم بها كوادر الرعاية الصحية، وتسخير هذه البيانات وتحليلها من أجل دراسة الوضع الصحي الحالي والتنبؤ بالتحديات الصحية المستقبلية وتحديد الخطوات والإجراءات اللازمة لضمان صحة المجتمع وسلامته.

تحليل البيانات بالذكاء الاصطناعي

هذا التمازج بين التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وخدمات الرعاية الصحية يعتمد بشكل كبير على البيانات، حيث تعتبر هي نقطة البداية لتشخيص أي مريض، وصولاً للطرائق المثلى للعلاج. من أنجح النماذج التي تشهدها المنطقة في مجال ربط المعلومات الصحية وتبادلها، هي منصة “ملفي” التي أطلقتها دائرة الصحة – أبوظبي كإحدى مبادراتها الاستراتيجية في عام 2019، لتكون أول منصة لتبادل المعلومات الصحية في المنطقة وجزءاً من عملية التحوّل الرقمي لنظام الرعاية الصحية بإمارة أبوظبي.

تعتبر “ملفي” منصة شاملة تضم سجلات المرضى في إمارة أبوظبي من أكثر من 2,500 منشأة رعاية صحية في الإمارة، حيث تجمع بيانات المرضى من جميع مستشفيات أبوظبي بنسبة 100% وبنسبة 98% من العيادات والمراكز و99% من الصيدليات في منصة واحدة. ويستطيع الأطباء الوصول عبر المنصة إلى أكثر من 1.6 مليار سجل طبي فريد من السجلات الموجودة في الإمارة.

إضافة إلى ذلك، تتيح “ملفي” إمكانية الوصول الآمن إلى السجلات الطبية الإلكترونية للمرضى لمقدمي الرعاية الصحية ما يمكِّنهم من اتخاذ قرارات مدروسة، استناداً على بيانات المريض المحفوظة بصورة آمنة وتوفير الوقت والمال على المريض وعلى مقدمي خدمات الرعاية الصحية عن طريق تجنب تكرار إجراء الفحوصات، وتصنف المخاطر للتنبؤ بمستوى خطر إصابة فرد ما بأمراض مزمنة معينة.

ونظراً لأهمية كل البيانات التي تخص صحة الفرد، تشمل المنصة مجموعة مهمة من بيانات المرضى مثل قائمة الأدوية وحالات الحساسية والنتائج المخبرية والإجراءات الطبية وملاحظات الخروج من المستشفى، كما أُضيفت إليها مؤخراً صور الأشعة من خلال خاصية “تبادل الصور”.

لم تتوقف أبوظبي عند هذا الحد، ولم تكتف بربط جميع المنشآت ببعضها البعض عبر المنصة، بل أطلقت مؤخراً “بوابة ملفي الصحية“، والتي توفر لأفراد المجتمع في أبوظبي وصولاً رقمياً آمناً وسلساً إلى سجلاتهم الطبية المركزية من خلال بوابة إلكترونية وتطبيق للهواتف الذكية. حيث تتيح البوابة للأفراد الاطلاع على معلوماتهم الطبية حول الزيارات التي قاموا بها للمنشآت الصحية في الإمارة والاطلاع على النتائج المخبرية وتقارير الأشعة والأدوية والحساسيات والحالات والتطعيمات ومذكرات الخروج من المستشفى الخاصة بهم. كما تم إضافة ميزة جديدة للبوابة وهي إتاحة الفرصة للمرضى للاطلاع على جدول مواعيدهم مع الأطباء.

عملية التحول الرقمية لقطاع الرعاية الصحية تعتبر واحدة من أولويات دائرة الصحة – أبوظبي، ويتمثل الهدف الأساسي لمنصة “ملفي” في دعم الدائرة في توفير رعاية صحية رفيعة المستوى وترسيخ مكانة أبوظبي كوجهة رائدة للرعاية الصحية.

لجمع هذه البيانات، والتنبؤ بالمخاطر المستقبلية، استفادت منصة “ملفي” من البيانات السريرية المجمعة لتطوير سلسلة من نماذج التنبؤ بصورة شبه آنية، باستخدام تقنيات متقدمة قائمة على تقنيات الذكاء الاصطناعي – مثل تقنية تعلم الآلة – لتحديد التوجهات ومواجهة التحديات ذات الصلة بالرعاية الصحية في جميع أنحاء الإمارة.

استناداً إلى هذه البيانات، تسهم “ملفي” في خفض تكاليف الرعاية الصحية على المريض وعلى مقدم الخدمة، والأهم من ذلك، التحرك بسرعة قد تساعد على إنقاذ حياة. كما تسهم البيانات في مساعدة شركات التأمين الصحي لتحديد أفضل السياسات وبرامج التأمين، عن طريق مراجعة البيانات والتغيرات المجتمعية وتحليلها.

لربط البيانات وتبادلها في قطاع الرعاية الصحية دور كبير في تعزيز كفاءة النظم الصحية وتنافسيتها العالمية وجودة خدماتها. أبوظبي اليوم تقدم مثالاً يمكن للعديد من بلدان المنطقة والعالم الاستفادة منه والاطلاع على نتائجه الإيجابية والواعدة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .