“حين تأخذنا الأرقام بعيداً عن الحقائق”

11 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعرضتُ ذات مرة للطرد من شقة كنت قد استأجرتها بسبب بشرتي السمراء، فقد عثرت على إحدى الشقق الرائعة المطلة على ضفاف بحيرة جنيف من خلال أحد الوكلاء، ولم أقابل المالك وجهاً لوجه قبل توقيع عقد الإيجار. وبمجرد أن انتقلت مع أسرتي إلى هذه الشقة ورأت صاحبة المنزل لون بشرتي، طلبت منا المغادرة، وأخبرتني بأنها لو كانت تعرف منذ البداية أنني سمراء البشرة لما كانت أجَّرت لي الشقة أبداً.

وعلى الرغم من الشعور الفظيع الذي آلمني حينها أشد الألم، فإن صراحتها كانت مفيدة بالنسبة لي، كان ذلك يعني أنني غير مضطرة إلى التفتيش في الحقائق بحثاً عن أي سبب آخر منطقي لرفضها المفاجئ سوى موقفها العنصري.

ثمة العديد من الأشخاص الذين يتعرضون للحرمان من فرص الإسكان، والقروض البنكية، والوظائف، والترقيات، وغيرها الكثير بسبب عِرقهم، ولكن نادراً ما يتم إخبارهم- كما حدث معي- بأنّ هذا هو السبب، وخصوصاً في أماكن العمل. والسبب الأول في ذلك أن مثل هذا التمييز مخالف للقانون، إضافة إلى أنّ المسؤولين التنفيذيين يميلون إلى التفكير- ولديهم رغبة شديدة في الاعتقاد- بأنهم يديرون عملية تعيين الموظفين وترقيتهم بنزاهة، وهم لا يفعلون ذلك في الحقيقة. (تُظهر الأبحاث أن الأفراد الذين يرون أنفسهم موضوعيين غالباً ما يقعون في الانحياز اللاإرادي)، كما يُظهر البحث الذي أجرته لورين ريفيرا، الأستاذة في “كلية كيلوغ”، أنه رغم عدم إشارة المدراء أو حتى عدم اعتبارهم العرق عاملاً في عملية صنع قراراتهم عادةً، فإنهم يستخدمون معايير تقييم غامضة لاستبعاد الموظفين الذين لا يشبهونهم، حيث يرون الموظفين الذين ينحدرون من مجموعات عرقية وإثنية مهمشة “غير ملائمين ثقافياً” أو “غير مؤهلين” للمناصب رفيعة المستوى مقارنةً بغيرهم من الموظفين ذوي البشرة البيضاء. كما أنهم يُستبعدون من السباق لأنّ أسلوبهم في التواصل غير ملائم بطريقة أو بأخرى. وهكذا يُتركون وحدهم مع شكوك لا نهاية لها بأن هويتهم هي المشكلة الحقيقية، ولا سيما عندما يأتي تحيز صنّاع القرار مغلفاً بالنيات الحسنة.

أعمل في مجال يتسم بالتنوع، وأحمل بشرتي السمراء طوال حياتي، ولهذا أعرف أن الموظفين الممثلين تمثيلاً ناقصاً في مكان العمل يتوقون إلى أمرين: الأول هو أن يشعروا أنه لا يُنظَر إليهم كمجانين بسبب شكوكهم أحياناً في أن هناك علاقة بين المعاملة السيئة والتحيز السلبي نحوهم، والثاني هو أن يتلقوا الدعم المؤسسي.

أما الحاجة الأولى فالسبيل إلى تلبيتها واضح، فعندما نصادف زملاء أو أصدقاء قد تعرضوا للمعاملة السيئة ويعتقدون بأن هويتهم قد تكون هي السبب، ينبغي لنا الإقرار بأن من الإنصاف أن يساورهم الشك بشأن هذا الأمر، ولا مجال لحسن الظن هنا، إذ تظهر الأبحاث مدى انتشار مثل هذا النوع من التحيز.

يميل المسؤولون التنفيذيون إلى الاعتقاد بأنهم يديرون عملية تعيين الموظفين وترقيتهم بنزاهة، في حين أنهم لا يفعلون ذلك حقيقةً.

ولكن كيف السبيل إلى تلبية الحاجة الثانية المتعلقة بالدعم؟ تتجه المؤسسات- في محاولة لإيجاد طرق سليمة قابلة للتطبيق التدريجي من أجل مواجهة التحيز والقضاء عليه وتعزيز التنوع- إلى تحليل بيانات الأشخاص، وهو مجال جديد نسبياً في عمليات العمل التجاري وإدارة المواهب، ويتم فيه تبني الممارسات المستندة إلى البيانات بدلاً من القرارات الشخصيّة المستندة إلى الحدس، إذ إن ما تستهدفه تحليلات الموظفين هو أن تكون “قائمة على الأدلة”. وبالنسبة إلى بعض قضايا الموارد البشرية، مثل التوصل إلى عدد مقابلات العمل اللازمة لتقييم المرشح، أو معرفة مدى تأثير تنقلات الموظفين في رضاهم الوظيفي، فإنها تقوم على الأدلة بالفعل. أدت هذه النتائج المهمة إحصائياً إلى حدوث تغييرات كبيرة نسبياً في المؤسسات، ومن المؤسف أنّ الشركات التي تحاول تطبيق التحليلات المحوسبة على التحديات والمصاعب التي تواجهها المجموعات الممثلة تمثيلاً ناقصاً في العمل، غالباً ما تشتكي من أن مجموعة البيانات ذات الصلة لا تتضمن عدداً كافياً من الموظفين لتقديم رؤى ثاقبة يمكن أن يُعوَّل عليها، إذ إن حجم العينة وعددها ضئيل للغاية، وكأن لسان حالهم يقول لهم: “لو كان هناك المزيد منكم، لكان بإمكاننا أن نخبركم لماذا لا يوجد إلّا هذا العدد الضئيل منكم”.

ومع ذلك، يمكن للشركات الوصول إلى بيانات أكثر مما تظن، فبإضافة رقم صغير يمكنها أن تغامر بالخروج والنظر إلى السياق الأكبر الذي تعمل فيه، ولكنّ حجم البيانات وحده لن يمنح القادة الرؤية التي يحتاجون إليها من أجل زيادة التنوع في مؤسساتهم، إذ لا بد لهم أيضاً من إلقاء نظرة فاحصة على موظفي المجموعات الممثلة تمثيلاً ناقصاً، أولئك الذين يصعب أن ترصد التحليلات المحوسبة وجودهم.

إضافة الأرقام

تؤدي المؤسسات البحثية غير الربحية عملاً مهماً بتسليط الضوء على مدى أشكال التحيز خلال عمليات التوظيف والترقية في مختلف الصناعات والقطاعات، فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسة أجرتها مؤسسة “أسيند فاونديشن” (Ascend Foundation) أنه في عام 2013 كانت فرصة الرجال والنساء من ذوي البشرة البيضاء في خمس شركات كبرى في وادي السيليكون في أن يصبحوا مسؤولين تنفيذيين أكبر من فرصة نظرائهم الآسيويين بنسبة 154%. وعلى الرغم من أن كلاً من العرق والنوع كانا يمثلان عائقاً غير مرئي أمام الآسيويين، فإن تأثير العرق كان في حدود 3-4 أضعاف تأثير النوع.

واستغرق الأمر عامين آخرين من البحث والتحليل- باستخدام بيانات مئات الآلاف من الموظفين التي استُمدت من تجميع “لجنة تكافؤ فرص العمل الأميركية” لجميع شركات التكنولوجيا في منطقة خليج سان فرانسيسكو، وكذلك من تقارير فردية لـ 13 شركة تكنولوجية أميركية- قبل أن تحدد مؤسسة “أسيند” مدى تأثير التحيز في فرص الموظفين ذوي البشرة السمراء وذوي الأصول اللاتينية، فقد توصلت مرة أخرى إلى أن التأثير السلبي للعرق بين هذه المجموعات بصفة عامة كان أكبر من تأثير الجنس في التقدم من المستوى المهني إلى المستوى التنفيذي، كانت فرص النساء ذوات البشرة البيضاء في منطقة خليج سان فرانسيسكو أقل من فرص الرجال ذوي البشرة البيضاء، ولكنّ فرصتهن كانت أكبر بكثير من جميع الآسيويين وذوي الأصول اللاتينية وذوي البشرة السمراء. أما النساء من الأقليات فقد واجهن أصعب العقبات على الإطلاق في سبيل الوصول إلى المناصب التنفيذية. كما كانت النساء ذوات البشرة السمراء وذوات الأصول اللاتينية يواجهن تحدياً خطيراً يتمثل في كل من تدني أعدادهن في المستوى المهني وانخفاض فرصهن في الارتقاء من المستوى المهني إلى المستوى التنفيذي. وكذلك النساء الآسيويات اللواتي يتمتعن بتمثيل أكبر على المستوى المهني مقارنة بالأقليات الأخرى، فقد كانت لديهن أقل الفرص في الارتقاء من المستوى المهني إلى المستوى التنفيذي. كما توصل تحليل البيانات الوطنية إلى نتائج مماثلة.

إن تحليل بيانات الصناعة أو القطاع فيما يخص المجموعات الممثلة تمثيلاً ناقصاً، وفحص أنماط التوظيف والترقيات، وغيرها من القرارات المتعلقة بالكفاءات والمواهب، يمكّننا من إدارة المشكلات والمخاطر في مؤسساتنا بشكل أفضل. وربما تلقي شركات التكنولوجيا نظرة على تقرير مؤسسة “أسيند” وتقول: “مهلاً، دعونا نفكر بشأن ما يحدث مع أصحاب الكفاءات والمواهب عند الجهات المنافسة لنا، فهناك احتمال كبير لأن يحدث ذلك هنا أيضاً”، وعندها ربما تضيف فرق الموارد البشرية الخاصة بتلك الشركات مستوى جديداً من المسار الوظيفي للنساء ذوات البشرة غير البيضاء، مثلاً، أو تضع برامج تدريبية لإدارة الفرق التي تتسم بالتنوع.

وهناك نهج آخر يعتمد على استخلاص الدروس من تحليلات الشركات الأخرى، فقد ننظر على سبيل المثال إلى شركة “ريد فينتشرز” (Red Ventures)، وهي شركة وسائط رقمية مقرها مدينة شارلوت الأميركية. وتُعد “ريد فينتشرز” شركة تتسم بالتنوع من خلال اتخاذها العديد من الإجراءات (إذ إن رئيسها التنفيذي لاتيني، ونحو 40% من موظفيها من ذوي البشرة غير البيضاء)، ولكنّ هذا لا يعني أنها لا تعاني المشكلات، فعندما التقيت بكبار مسؤوليها التنفيذيين أخبروني بأنهم أجروا مؤخراً تحليلاً لعمليات مراجعات الأداء في الشركة، ووجدوا أن الصور النمطية المترسخة داخل الشركة كان لها أثر سلبي على التقييمات الذاتية للموظفين ذوي البشرة السمراء واللاتينيين. ففي المتوسط صنَّف أفراد من هاتين المجموعتين أداءهم بأنه أقل بنسبة 30% من أداء مدرائهم، (بينما صنَّف الذكور ذوو البشرة البيضاء أداءهم بأنه أعلى بنسبة 10% من أداء مدرائهم). كما كشفت الدراسة عن وجود علاقة ترابطية متبادلة بين العزلة العرقية والتصور السلبي للذات، فعلى سبيل المثال، صنَّف الموظفون ذوو البشرة غير البيضاء الذين يعملون في قسم الهندسة أداءهم بصفة عامة بأنه أقل ممن يعملون في قسم المبيعات، حيث كان يوجد المزيد من ذوي البشرة السمراء واللاتينيين. وكانت هذه الأنماط ثابتة ومتسقة في جميع المستويات من صغار الموظفين إلى كبارهم.

واستجابةً لذلك عمل قسم الموارد البشرية في “ريد فينتشرز” على تدريب الموظفين على كيفية إجراء التقييم الذاتي، الأمر الذي مثّل بداية في سد الفجوة عند الموظفين ذوي البشرة السمراء واللاتينيين (الذين صنفوا أداءهم مؤخراً بأنه أقل بنسبة 22% من أداء مدرائهم). وأوضحت هالي كورنيتا، نائب رئيس الشركة لرأس المال البشري، أن التدريب “ركز على أهمية إجراء التقييمات الذاتية الكمية والنوعية بصراحة وبطريقة توضح الكيفية التي ينظر بها الموظفون شخصياً إلى أدائهم من خلال محاورنا الرئيسية الخمسة، بدلاً من الكيفية التي ينظرون بها إلى أدائهم بأعين زملائهم ومدرائهم”، وأضافت قائلة: “ثم ضربنا لهم بعض الأمثلة الملموسة عما يبدو ’استثنائياً وغير عادي‘، في مقابل ’ما هو ثابت‘ وكذلك مقابل ’ما يحتاج إلى التحسين‘ في هذه المحاور لإزالة بعض الذاتية، ولمساعدة الموظفين الذين يمثلون الأقلية- والموظفين جميعاً- على إجراء التقييم بمزيد من الثقة والتحكم”.

على المستوى الفردي

بمجرد أن نتوسع في الأمر من خلال إضافة الأرقام، يمكننا التعمق في فحص الحالات الفردية، وهذا أمر مهم للغاية، إذ إن الخوارزميات والإحصاءات لا تعكس ما قد يشعر به الموظف عندما يكون هو صاحب البشرة السمراء الوحيد، أو صاحب الأصول اللاتينية الوحيد في فريقه، ولا تعكس كذلك أثر التهميش على الموظفين كأفراد وعلى المجموعة عموماً. ولذلك ينبغي لنا التحدث بصراحة مع الموظفين، كلّاً على حدة، كي يخبرونا بتجاربهم مع التحيز، ونشاركهم قصصنا لنبني معهم جسور الثقة، ونجعل الأمر قابلاً للنقاش دون خوف، فأهمية ما نكتشفه خلال هذه المحادثات تضاهي أهمية ما يظهر في البيانات التي يتم جمعها.

حاول أحد الزملاء في هذا المجال، وقد عمل كرائد في التنوع في إحدى شركات التكنولوجيا، تحليل هذا الأمر لي قائلاً: “عندما نُجري استقصاءات للموظفين يقول اللاتينيون دائماً إنهم سعداء، ولكنني لاتيني، وأعلم أننا في الغالب لا نريد إثارة المتاعب، وقول الحقيقة محفوف بالمخاطر، لذا فإننا سنقول ما ترغبين في سماعه، وحتى لو أجلستِنا في مجموعة مركزة. كما أنني أعلم أن هذه الأرقام الإجمالية التي تمّ تجميعها- حيث يوجد ما يكفي منا لنكون رقماً كبيراً- لا تعكس مدى التباين في مجتمعنا، فالشخص ذو البشرة البيضاء الذي نشأ في أميركا اللاتينية وفي عائلة من الطبقة المتوسطة أو العليا يكون سعيداً ومرتاحاً للغاية، أما الشخص ذو البشرة الداكنة الذي نشأ في عائلة من الطبقة العاملة في أميركا فلا يشعر على الأرجح بإحساس الانتماء نفسه. وسأبذل المزيد من الوقت والجهد في محاولة وضع حلول لأولئك الذين أعلم أنهم في وضع مجحف، سواء أخبرتني البيانات بأن هناك مشكلة مع اللاتينيين أم لا”.

يتكرر هذا الأمر كثيراً، فقد تحدثتُ إلى 10 متخصصين في التنوع والموارد البشرية في شركات يتراوح عدد العاملين فيها ما بين 60 إلى 300,000 موظف، وجميع أولئك المتخصصين يعملون في برامج أو يُجرون تدخلات من أجل الموظفين الذين لا يُصنفون بوصفهم رقماً “كبيراً” في البيانات الضخمة، ويعتمدون إلى حد ما على حدسهم عندما يكتشفون أثر التهميش. ربما يبدو هذا الأمر متناقضاً مع مهمة تحليل بيانات الأشخاص التي تعمل على استبعاد المنظور الشخصي والشعور الحدسي من معادلة المواهب تماماً، ولكن، كي نكتشف تأثيرات التحيز على مؤسساتنا، ونتعرف على العوامل التي تزيد الأمر تعقيداً داخل المجموعات، مثل الطبقة واللون بين اللاتينيين وغيرهم، لا بد لنا من جمع البيانات النوعية وتحليلها أيضاً، وربما يساعدنا الحدس على التوصل إليها، فقد وصف المتخصصون في التنوع والموارد البشرية استعانتهم بـ “حسهم العنكبوتي” أو معرفتهم بأن هناك “شيئاً ما في الماء”(بمعنى أنّ هناك شيئاً مميّزاً أو غير طبيعي)، وإدراكهم بأن التحيز ربما يكون عاملاً، على الرغم من أن تحليلات الموظفين لا تثبت دائماً أسباباً ولا تتوقع نتائج. لذلك فإن إجراء المحادثات مع الموظفين من خلال مجموعات نقاشية مركَّزة أحياناً، في حال كانت الموارد متاحة، والمشاركون يشعرون بالأمان ولا يخشون عواقب صراحتهم، سيمكنهم هذا النقاش من التحقق من صحة ما يخبرهم به حدسهم، معتمدين في ذلك غالباً على تجاربهم مع التحيز. وقد قال لي أحد الزملاء: “إن الجمع بين البيانات الكمية والنوعية هو الاختيار الأمثل، ولكن لن تخبرنا البيانات في النهاية شيئاً لا نعرفه- نحن ذوي البشرة السمراء- حق المعرفة. أقول ذلك من واقع تجربتي كرجل أميركي من أصول أفريقية عمل لمدة 16 عاماً في أدوار لم تكن لها علاقة بتحسين التنوع، لذا لا بد من تحكيم العقل والقلب في عمل كهذا”.

دعوة لاتخاذ إجراء

إن اقتراح تحليل بيانات الأشخاص اقتراح سديد، فإذا كنت ترغب في أن تعين موظفين وتديرهم بنزاهة فإن القرارات القائمة على الحدس لا تكفي، ومع ذلك لا بد لنا من وضع نهج جديد يناسب مجموعات البيانات الصغيرة من أجل الموظفين المهمشين والممثلين تمثيلاً ناقصاً.

وفيما يلي توصياتي:

أولاً: يجب على المحللين التشكيك في الأرقام الدنيا المعتادة والمتعارف عليها كأرقام موثوق بها، ودفع أنفسهم للنظر إلى ما وراء البيانات الموثقة الثابتة، وليس عليهم أن يثبتوا أن الفارق في تقييمات الأداء بين الموظفين ذوي البشرة السمراء والموظفين ذوي البشرة البيضاء “مهم من الناحية الإحصائية” لمساعدة المدراء على فهم تأثير التحيز في مراجعات الأداء، وإننا نعلم بالفعل من خلال أبحاث العلوم الاجتماعية الواسعة والمتعمقة أن التحيز منتشر في أماكن العمل ويؤثر في هذه التقييمات، لذا يمكننا أن نجمع بين هذه الأفكار وما نسمعه ونراه على أرض الواقع ثم نبدأ ببساطة التعامل مع الأمر وكأن التحيز موجود في شركاتنا، وربما نضطر إلى إضفاء قيمة أعلى على الخبرات التي يتشارك فيها خمسة أو عشرة موظفين، أو النظر بمزيد من العناية في البيانات الوصفية، مثل أعداد المجموعات الممثلة تمثيلاً ناقصاً ومتوسط درجات الرضا الوظيفي التي انخفضت بسبب العرق أو الجنس، وذلك من أجل دراسة أثر التحيز على مستوى أكثر دقة وتفصيلاً.

وعلاوة على ذلك، ينبغي للمحللين أن يوفروا باستمرار فسحة ثقة، أي التوجيه بشأن مدى ثقة المدراء في البيانات إذا كانت أرقامها أقل من أن تُثبت أهميتها الإحصائية، فعندما يحصل المدراء على المعلومات يُجرون على الأرجح تغييرات في ممارسات التعيين والإدارة الخاصة بهم، حتى لو كانوا يعتقدون- كما هو شأن معظمهم- بأنهم يتعاملون مع الموظفين بنزاهة وإنصاف. ولنفترض، على سبيل المثال، أن شركة “ريد فينتشرز” بدأت جمع بيانات عن التقييم الذاتي، وأنّ المحللين كانوا حينها واثقين بنسبة 75% بأن الموظفين ذوي البشرة السمراء والموظفين اللاتينيين ينتقصون من قدر أنفسهم، فبإمكان المحللين عندها أن ينصحوا المدراء بالاطلاع على تقارير أداء مرؤوسيهم من الأقليات بشكل مباشر، وفحص النتائج المترتبة على أدائهم خلال هذه الفترة، وتحديد ما إذا كانت التقييمات الذاتية تعكس إسهاماتهم على وجه الحقيقة أم لا. إنها طريقة بسيطة للغاية، ولكنها تحتاج إلى التعاون، ومن شأنها أن تساعدك على التعامل مع التحيز الضمني أو القوالب النمطية التي كنتَ تعلم يقيناً بوجودها إلى حد ما عند تعيين كل موظف.

ثانياً: تحتاج الشركات كذلك إلى أن تكون أكثر اتساقاً وشمولية في تحليلها النوعي، إذ يجري العديد منها بالفعل مقابلات وظيفية ومجموعات مركزة من أجل اكتساب فهم أعمق حول تحديات الموظفين الممثلين تمثيلاً ناقصاً، إلى حدّ أن بعضها يُجري تحليلاً نصياً لمراجعات الأداء المكتوبة، وملاحظات مقابلات انتهاء الخدمة، ومذكرات التوظيف، للبحث عن أية مفردات أو صيغ تشير إلى التحيز أو القوالب النمطية السلبية، ولكن ينبغي لنا الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك، فنحن في حاجة إلى إيجاد طريقة قابلة للتطبيق تمكننا من وضع تقييمات أداء تتسم بمزيد من الموضوعية، ومعالجة هذه التقييمات حسب التحيزات الداخلية لكل من الموظفين والمدراء، وتحديد الكيفية التي تؤثر بها هذه التحيزات في التقييمات.

لا تعكس الإحصاءات ما قد يشعر به الموظف عندما يكون صاحب البشرة السمراء الوحيد في فريقه.

تبدأ هذه الرحلة بتوعية جميع الموظفين بالأثر الحقيقي للتحيز والقوالب النمطية السلبية. ونحن في شركة “فيسبوك” نقدم برامج تدريبية متنوعة، مع التأكيد على اكتشاف التحيز ومواجهته، ونواصل تعزيز الرسائل الرئيسية بعد التدريب، لأننا نعلم أن ترسيخ هذا الأمر يستغرق وقتاً طويلاً. كما أننا نصدر رسائل تذكيرية عند المراحل الحرجة لتشكيل عمليات صنع القرار والسلوك، فعلى سبيل المثال في أداة تقييم الأداء الخاصة بنا، ندرج دوافع الموظفين للتحقق من اختيار الكلمات عند كتابة المراجعات والتقييمات الذاتية، فنذكرهم مثلاً بأن المصطلحات التي من قبيل “الملاءمة الثقافية” قد تسمح للتحيز بالتسلل إلى الشركة، وأنه ينبغي لهم تجنب وصف النساء بأنهن “متسلّطات” إذا لم يصفوا الرجال الذين بدر منهم السلوكيات نفسها بهذا الوصف. ولا تتوفر لدينا حتى الآن بيانات كافية بشأن مدى تأثير اللغة المستخدمة. إنها مداخلة جديدة، ولكننا سندرس هذه الأنماط مع مرور الوقت.

قد يكون من الواجب- قبل كلّ شيء- على أقسام الموارد البشرية والتحليلات المحوسبة أن تقدّر كلّاً من الخبرة النوعية والكمية على حدّ سواء، وأن تمزج بين هذين النهجين قدر الإمكان، فنحن في شركة “فيسبوك” ننشئ فرقاً متعددة التخصصات تضم متخصصين في كلٍّ من هذين النوعين، إذ لا توجد طريقة بحث واحدة من شأنها اكتشاف جميع المستويات المعقدة من التحيز التي يحملها كلّ شخص إلى مكان العمل. ولذلك فإننا نعد جميع أساليب البحث محاولةً لحل المشكلة نفسها من زاويا مختلفة. ونتعامل في بعض الأحيان مع التحديات من منظور كمي أولاً كي نكشف “ماهية المشكلة” قبل البحث عن الخبراء النوعيين من أجل التعمق في “سبب المشكلة” “وكيفية حلها”، فعلى سبيل المثال: إذا أظهرت الأرقام أن بعض الفرق كانت تفقد أو تجذب موظفي الأقليات بمعدلات أعلى من غيرها (“الماهية”)، فقد نعمل على إجراء مقابلات وظيفية، وعقد مجموعات مركزة، وتحليل نصوص استطلاعات الشركة حتى نضع أيدينا على “السبب”، ونستخلص من ذلك الدروس كي تستفيد بها القطاعات الأخرى في الشركة. وفي سيناريوهات أخرى قد نعكس ترتيب تلك الخطوات، فعلى سبيل المثال: إذا سمعنا مراراً وتكراراً من أعضاء إحدى المجموعات الاجتماعية أنهم لم يروا زملاءهم يحصلون على التقييم نفسه الذي حصل عليه موظفو المجموعات الأخرى، فبإمكاننا عندها التحقق مما إذا كانت اتجاهات الأرقام تؤكد هذه الملاحظات، أو إجراء التحليلات الإحصائية لمعرفة الظروف والملابسات التنظيمية التي ارتبطت باحتمال حصول الموظفين على تقييم أعلى أو أقل في المؤسسة.

كما تساعدنا الفرق متعددة الوظائف على جني ثمار التنوع المعرفي، وقد يكون العمل التعاوني مرهقاً للجميع، إذ يشكل تحدياً لافتراضات أعضاء الفريق وتحيزاتهم، وهو ما يجعل عملية الوصول إلى “أسباب” أية مشكلة و”طرق حلها”- من التوظيف إلى الاندماج إلى الأداء- عملية شاقة للغاية. لكننا نعتقد أن هذا النهج يمكننا من اغتنام أفضل فرصة ممكنة لإجراء التحسينات في جميع قطاعات الشركة، وفيما نحلل نتائج استقصاء النبض في “فيسبوك” الذي يُقدم إلى الموظفين مرتين في السنة، ونراجع مدخلات دورة موجز الأداء، سنواصل البحث عن أية إشارات إلى وجود أية مشكلة، كما نبحث عن إشارات التقدم.

خاتمة

قد لا تكون أدلة التمييز أو النتائج غير العادلة يقينية أو واضحة في مكان العمل، كما كانت واضحة بالنسبة لي عندما طُردت من شقتي، ولكن بإمكاننا زيادة يقيننا، ومن الضروري أن نفعل ذلك، فالموظفون الذين لا يمثَّلون في شركاتنا بشكل كافٍ لا يجوز اعتبارهم مجانين لمجرد أنهم يشكّون في أن ما يواجهونه نابع من التحيز ضدهم، وهم يستطيعون الحصول على الدعم المؤسسي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .