بناء الفِرق عالية الأداء يبدأ بغرس ثقافة القيم المشتركة

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: في السوق التي تشهد زعزعة اليوم، تحتاج كل مؤسسة إلى جذب المواهب ذات المهارات ووجهات النظر المتنوعة وتنمية قدراتها والاحتفاظ بها. فالفرق بين النجاح والفشل لن يكمن في صياغة التوصيفات الوظيفية وحزم التعويضات، بل في القدرة على إبراز هدف أسمى. وهذا يبدأ بشعور واضح بالرسالة والقيم المشتركة. يجب على المدراء التعريف بالرسالة المشتركة لمؤسساتهم بوضوح والسعي إلى بناء ثقافة القيم المشتركة القوية وتوظيف الأشخاص الذين سيتوقون لاستغلال مواهبهم في خدمتها. ففن القيادة لم يعد مقتصراً على تخطيط العمل وتوجيهه، بل أصبح يتضمن إلهام الموظفين وإشعال حماسهم.

سيواجه المدراء تحديات غير مسبوقة على مدار العقد المقبل. وليس من المستغرب أن يختار العديد من القادة التركيز على الجوانب الاستراتيجية للتغيير. ولكن ما يُعد على القدر نفسه من الأهمية هو قيادة تحول قائم على المهارات، ما يمكن أن يبني فِرقاً متنوعة بما يكفي لتكون نشيطة ومبتكِرة، مع الحفاظ على شموليتها وترابطها بما يكفي لتكون فعالة. ولكن من الأسهل قول ذلك عن فعله.

تُظهر بحوث أُجريت على مدار عقود أنه على الرغم من أن الفِرق المتنوعة غالباً ما تكون عالية الأداء، فإنها تواجه أيضاً عقبات ومقاومة. والمدراء الذين يحاولون إعادة تشكيل قوتهم العاملة دون الاعتراف أولاً بالتحديات الناجمة عن الاختلافات يخاطرون بالتورط في صراعات وضغائن، ما يمكن أن يقوض فعالية قوة العمل.

ما وجدناه من خلال عملنا في تقديم المشورة لبعض الشركات الأعلى أداءً في العالم حول كيفية تسريع وتيرة التحول ودفع عجلة النمو هو أن القادة الناجحين يسعون جاهدين لتحديد قيم مشتركة وإجراء التغييرات انطلاقاً من أساس مشترك. وهذا يعني أن المدراء لا يحتاجون إلى تقييم المهارات الفنية فقط، ولكنهم يحتاجون أيضاً إلى التعريف بالرسالة المشتركة لمؤسستهم بوضوح وتوظيف الأشخاص الذين سيتوقون لاستغلال مواهبهم في خدمتها.

كيف تبني فريقاً رائعاً؟

في عام 1997، أعلنت شركة “ماكنزي” (McKinsey) عن وجود “تنافس حاد لاستقطاب المواهب” ونصحت عملائها بالتركيز على توظيف الأشخاص “الأفضل والأذكى” والاحتفاظ بهم. واقترحت أن تقدم الشركات “عروض قيمة مقنعة للموظف”، والاستثمار في الموظفين ذوي الأداء العالي، وتطوير مهارات الموظفين متوسطي الأداء والتحرك بسرعة للتخلص من الموظفين ضعيفي الأداء.

ولكن سرعان ما أصبح واضحاً أن هذا النهج فشل في تحقيق النتائج المتوقعة بسبب العواقب غير المقصودة التي نتجت عن الحوافز الضارة. في الواقع، هناك أدلة كثيرة على أن هذا النهج أسهم في الثقافة المدمرة لشركة “إنرون” (Enron) وانهيارها في نهاية المطاف، لأن التركيز على الأداء الفردي بدلاً من أداء الفريق شجع الموظفين على إحباط زملائهم. إذاً فالدرس المستفاد هو أن الفِرق هي التي تحقق نتائج وليس الأفراد، خاصة في الأعمال عالية القيمة مثل العمل الإبداعي والتحليل المعقد والبحث العلمي.

لحسن الحظ، هناك عدد وفير من البحوث حول كيفية عمل الفِرق على أفضل نحو، وما الذي يجعلها تعمل بأكبر قدر من الكفاءة وتحقق أقصى إنتاجية ممكنة. وفي إحدى الدراسات واسعة النطاق، كشف العلماء في “معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا” (إم آي تي) وجامعة “كارنيغي ميلون” (Carnegie Mellon) أن الفِرق عالية الأداء تتكون من أشخاص لديهم درجة عالية من الحساسية الاجتماعية، ويتناوبون عند التحدث، مع وجود العنصر النسائي ضمن الفريق.

قد تكون أهم سمة تميز أي فريق هي مساهمة أعضائه بمجموعة متنوعة من المواهب والخبرات ووجهات النظر، ما يزيد من عدد الفرص التي يمكن للفريق استكشافها ويؤدي إلى إيجاد حلول أكثر ذكاءً وابتكاراً. ولكن بناء فريق متنوع يعمل أعضاؤه بشكل جيد معاً يمثل تحدياً يتطلب جهداً حقيقياً للتغلب عليه، ولا ينبغي للقادة الاستهانة به.

مفارقة التنوع

غالباً ما يُنظر إلى التنوع على أنه يتعارض مع الأداء؛ أي أنه شيء سوف يلتفت إليه القادة بمجرد أن يحققوا أرقامهم ربع السنوية، على الرغم من أن هناك أدلة دامغة على أن التنوع يحسن الأداء.

أظهرت إحدى الدراسات أن الفِرق المتنوعة تحل المشكلات بشكل أفضل من الفِرق المتجانسة المكونة من أفراد لديهم قدرة عالية على حل المشكلات بموضوعية. وأظهرت دراسة أخرى استخدمت أسلوب محاكاة السوق أن التنوع أدى إلى انكماش فقاعات الأسعار. كما أظهر تقرير أجرته شركة “ماكنزي” وشمل 366 شركة عامة في مجموعة متنوعة من البلدان والقطاعات أن أداء الفِرق الأكثر تنوعاً من حيث العِرق والنوع الاجتماعي كان أفضل بكثير من غيرها، والقائمة تطول.

فوائد التنوع واضحة، وكذلك التحديات الناجمة عنه. فنحن بفطرتنا نتصرف بعدائية تجاه الأشخاص “المختلفين” عنا. وفي دراسة أجريت على بالغين تم توزيعهم عشوائياً على مجموعتين: “الفهود” و”النمور”، تَبين من خلال دراسة التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي وجود عداء للأعضاء من خارج المجموعة. وأسفرت دراسة أجريت على أطفال بعمر 5 سنوات وأطفال رضّع عن نتائج مماثلة. ما يعني أنه لا يمكن تجنب العصبية القَبَلية، إلى حد ما.

إذا لم يتم التعامل مع هذه التوترات، فإنها يمكن أن تقوض الأداء. عندما قام باحثون في “كلية كيلوغ للإدارة” (Kellogg School of Management) بجامعة نورث وسترن و”كلية الدراسات العليا للأعمال” (Graduate School of Business) بجامعة ستانفورد بتجميع مجموعات من طلاب الجامعة معاً لحل لغز جريمة قتل، كانت المجموعات المترابطة أكثر قدرة على التوصل إلى توافق في الآراء والشعور بالثقة حيال الحل الذي توصلت إليه من المجموعات المتنوعة، لكنها كانت أيضاً أكثر عرضة للخطأ.

ينبغي للقادة محاولة تحقيق المستحيل وبناء فِرق متنوعة بما يكفي لتكون مبتكِرة، ولكنها أيضاً متماسكة ومترابطة بما يكفي ليعمل أعضاؤها معاً بسلاسة. وقد أظهر عملنا مع المؤسسات عالية الأداء أن أفضل طريقة لفعل ذلك هي بناء ثقافة القيم المشتركة القوية.

إيجاد رسالة مشتركة وقيم مشتركة

لا يكون الرابط بين القيم والأداء واضحاً على الدوام. لكن ضع في اعتبارك أن الثقافة والقيم تمثل الكيفية التي تفي بها المؤسسة برسالتها، وقد أصبح من الواضح أن القيم عنصر بالغ الأهمية لتحقيق الهدف الاستراتيجي. على سبيل المثال، كان التزام ستيف جوبز طوال فترة عمله بدمج التصميم مع التكنولوجيا بمثابة قيمة جذبت العملاء والمواهب على حدٍ سواء. وفي الآونة الأخيرة، كان تيم كوك يعزز قيمة الخصوصية بالطريقة نفسها.

وبالمثل، الإشارة إلى حدوث تحول في القيم يمكن أن تساعد في جذب مجالات خبرة جديدة. كان هذا هو الحال إلى حد كبير في مجتمع الذكاء الاصطناعي، الذي افتخر على مدى عقود بقيمه القائمة على الجدارة. ومع ذلك، عندما أصبح واضحاً أن القطاع يواجه تحديات أخلاقية خطيرة، وقد ساعد أخذه هذه المخاوف على محمل الجد في جذب مؤسسات مثل “الاتحاد الأميركي للحريات المدنية” (ACLU) ومعهد “تشاتام هاوس” (Chatham House) للتعاون مع مؤسسة “بارتنرشب أون أيه آي” (Partnership on AI).

يجب أن يفهم القادة أن الالتزام بالقيم دائماً ما يصاحبه تكاليف وقيود. لأكثر من قرن قدمت إحدى الشركات التي عملنا معها منتجات عالية الجودة واكتسبت سمعة طيبة لالتزامها بالأخلاقيات وتميزها. وبسبب الزعزعة التكنولوجية، احتاجت الشركة إلى توظيف أشخاص يتمتعون بمهارات وأنماط تفكير أكثر تنوعاً.

كان التحدي الذي واجهته ذا شقين. الأول، احتاج القادة إلى إجراء مناقشة صريحة حول حاجتهم إلى العمل بشكل مختلف. والشق الثاني هو أنهم كانوا بحاجة إلى أن يثبتوا لمَن هم خارج الشركة أن التغيير كان حقيقياً. وقد تطلبت إدارة التحول التزاماً مستداماً ممن هم في القمة لتحقيق النتائج المرجوة.

ثقافة الأداء العالي رحلة وليست وجهة

تمثل القيم الكيفية التي تفي بها المؤسسة برسالتها. ولتحقيق أي هدف مهم، يجب الاستفادة من القدرات، وتكمن بعض القدرات بالغة الأهمية في المهارات التي تمتلكها المواهب بالمؤسسة. وفي حين أن المهارات تمكّن المؤسسة من تحقيق رسالتها، إلا أنها منفصلة عنها. ولذلك فإن للقيم أهمية محورية.

هناك اختلاف جوهري بين توظيف الأشخاص للقيام بما تريد وتوظيف الأشخاص الذين يريدون ما تريده بالفعل. بمرور الوقت قد تنخفض قيمة أي مهارة معينة. ومن ناحية أخرى، يمكن للأشخاص الذين يشاركونك رسالتك وقيمك اكتساب المهارات اللازمة لتحقيق أهدافك المشتركة.

ما وجدناه من خلال عملنا في المساعدة على تطوير المؤسسات عالية الأداء هو أن كل استراتيجية تتطلب قدرات محددة وهذه القدرات تقترن بالأشخاص. وهؤلاء الأشخاص لديهم احتياجات وهفوات وعيوب وأحلام. لم يعد فن القيادة مقتصراً على تخطيط العمل وتوجيهه، بل أصبح يتضمن إلهام الموظفين وإشعال حماسهم.

في السوق التي تشهد زعزعة اليوم، تحتاج كل مؤسسة إلى جذب المواهب ذات المهارات ووجهات النظر المتنوعة وتنمية قدراتها والاحتفاظ بها. فالفرق بين النجاح والفشل لن يكمن في صياغة التوصيفات الوظيفية وحزم التعويضات، بل في القدرة على إبراز هدف أسمى. وهذا يبدأ في بناء ثقافة القيم المشتركة القوية وبشعور واضح بالرسالة والقيم المشتركة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .