وعلى مدى السنوات الخمسين الماضية، تم تمثيل الشراء وفق تسلسل هرمي من التأثيرات، حيث تنتقل الحالة من الوعي، إلى الاهتمام، إلى الرغبة، إلى القيام بعملية الشراء. وتمثل الصيغة السابقة -والمعروفة اختصاراً باسم آيدا (AIDA)– وتعديلاتها أساس نشاطات اجتذاب العملاء في معظم الشركات، وبشكل غير مقصود في أغلب الأحيان. إنها عملية تنطلق بمنظور معاكس (من الداخل إلى الخارج) تفترض أن المشتري يتحرك بصورة خطية عبر مراحل متتابعة وفق نموذج “مخروط” أو “قُمع”.

ولكن الأبحاث تشير إلى واقع مختلف تماماً. فالمشترون يتحركون ضمن مسارات متوازية من الأنشطة لاتخاذ قرار الشراء. ولنطلق على هذه المسارات اسم الاستكشاف، والتقييم، والتفاعل، والتجربة.

ولنأخذ عملية شراء سيارة كمثال توضيحي. يقضي مشترو السيارة الأميركيون 13 ساعة على الإنترنت تقريباً في البحث عن طرازات السيارات قبل الشراء، و3.5 ساعات فقط في وكالات بيع السيارات. ومع ذلك فإن أكثر من 90% من عمليات شراء السيارات تجري في الوكالات. ولكن، وبما أن الراغبين بشراء السيارات أصبحوا قادرين على الاطلاع على الأسعار وتقييمات المنتجات وغيرها من المعلومات على الإنترنت، فقد بدأ سلوكهم بالتغير. فأكثر من 40% سيغادرون الوكالة إذا كان اختبار القيادة ضرورياً للحصول على قائمة أسعار السيارات. كما أن 40% تقريباً لن يتعاملوا مع وكيل لا ينشر أسعار السيارات على موقع الويب الخاص به، وتنطبق نفس النسبة على الذين سيغادرون الوكالة إذا كانت الأسعار غير معروضة على السيارات.

لقد أدت مصادر المعلومات إلى تغيير توقعات المستهلكين. وحتى بوجود أفضل النوايا، فإن الكثير من الممارسات التقليدية يؤدي، دون قصد، إلى التقليل من رضا العملاء. إضافة إلى ذلك، يستخدم المشترون أدوات الإنترنت بشكل عام لاستكمال حوارات المبيعات، لا كبديل عنها، وهم يستخدمون هذه الأدوات بشكل تمييزي.

إن تكوين تصور جيد حول مكان العملاء، وكيفية تعاملهم مع توجهات السوق، وكيفية التفاعل معهم في إطار توجه محدد، أصبح أمراً جوهرياً في بناء تجربة مستهلك جيدة، وهو أمر يؤدي إلى نتائج مهمة. تحتاج الشركات إلى إحداث نقلة في تفكيرها، من بين أشياء أخرى، للانتقال من التفكير بسلسلة القيمة إلى سلسلة التجربة. تتمحور سلسلة القيمة حول نقل المنتجات من مرحلة الإنتاج إلى مرحلة الاستهلاك. أما سلسلة التجربة فتبدأ مع العميل، وتتراصف مع نقاط التفاعل الموجودة في رحلة الشراء المتعددة القنوات. وهذا يتجاوز “تسويق التجربة” حيث تركز العلامات التجارية على قدرة منتجاتها على جعل حياة العميل أكثر سهولة أو أكثر إنتاجية. تتمحور سلسلة التجربة حول الرحلة التي تبدأ من تحديد الحاجة مروراً بالتقييم، وانتهاءً بالشراء ونشاطات ما بعد البيع.

الشراء عملية مؤلفة من مسارات متوازية

من المرجح أن يتفاعل المشترون مع العلامات التجارية عبر النشاطات التالية (بصورة غير متزامنة والوقت نفسه في أغلب الأحيان) بدلاً من مقاربة آيدا التقليدية:

الاستكشاف: يحدد المشتري حاجة أو فرصة معينة، ويبدأ بالبحث عن طريقة للتعامل معها، ويحدث هذا عادة عبر التفاعل مع البائعين المحتملين والبحث عن المعلومات على الإنترنت. ويمكن أن تظهر الحاجة بسبب دوافع داخلية (مثل عطل في النظام، أو اهتراء بعض القطع في سيارة أو آلة أخرى، أو فشل في إحدى العمليات، أو ظهور مبادرة جديدة، أو غير ذلك). وتتضمن الدوافع الخارجية الأسباب القانونية، والتكنولوجيات أو الأسواق الجديدة، وربما تعزيز الدعاية والمبيعات.

التقييم: يدرس المشترون الخيارات المتاحة بعناية مع تحديد الحاجة أو الفرصة، وذلك عبر تركيبة من عمليات البحث، والتفاعلات مع الأقران، مع مشاركة محتملة لممثلي المبيعات من البائعين المحتملين. ولا يتمحور هذا النشاط بشكل أساسي حول تحديد المنتج أو الخدمة التي سيتم شراؤها بالتحديد، بل حول تحديد أفضل مقاربة أو مسار (مثل التصنيع الذاتي مقابل الشراء، أو الامتلاك مقابل الاستئجار، وغير ذلك). ويقوم المشترون بمقارنة الخيارات المتعددة، وتحديد نوع الحل، وتصفية الخيارات إلى قائمة مختصرة.

التفاعل: يجري المشترون عمليات تواصل إضافية مع مزودي الخدمة للحصول على المساعدة في تحقيق التقدم نحو اتخاذ قرار بالشراء. ووفقاً للسوق وفئة المنتج، قد يتضمن هذا تنزيل شكل من المحتوى التسويقي عن الإنترنت، أو إرسال طلب عرض رسمي في الأسواق الخاصة بالتعامل بين الشركات، أو إجراء المقارنات بين البائعين المتنافسين. لقد أدت مواقع الويب والمدونات وبوتات الدردشة ووسائل التواصل الاجتماعي، من بين آثارها المتعددة، إلى جعل مؤسسة البائع أكثر وضوحاً بالنسبة للمشترين، والذين يتفاعلون الآن مع مجموعات متعددة، ويتوقعون من الشركة أن تنظم هذه التفاعلات بشكل هادف.

التجربة: يتم اتخاذ قرار رسمي بالشراء، ويستعمل المشترون المنتج، ويطورون تصوراتهم الخاصة بشأن قيمته. ومع زيادة اندماج الخدمات والبرمجيات في المنتجات، فإن نسبة أكبر من هذه القيمة تؤول إلى ما يطلق عليه مختصو التسويق اسم “القيمة التجريبية”، والتي لا تصبح واضحة إلا بعد الاستخدام الفعلي بعد البيع.

دور البيانات والتكنولوجيا

تعني التغيرات في عملية الشراء زيادة أهمية البيانات. وتستطيع التكنولوجيا تقديم المساعدة، خاصة في المجالات التالية:

أنظمة إدارة المحتوى

لقد قامت الشركات بتوظيف أشخاص في منصب رئيس قسم المحتوى لتأسيس المدونات، وإطلاق حملات البريد الإلكتروني، وكتابة المستندات التعريفية بالمنتجات والخدمات، وغيرها من المواد المصممة لاجتذاب الباحثين إلى موقع ويب معين، وتنزيل المعلومات عنه. وتمثل هذه الممارسة اعترافاً باحتمال انطلاق مراحل الاستكشاف والتقييم في تجربة المستهلك بسبب المحتوى المتعلق بمشكلة أو فرصة معينة. ولكن، تشير التقديرات إلى أن نسبة 70% من هذا المحتوى لا تدخل حيز الاستخدام على الإطلاق، بسبب الصعوبات في الوصول إليها وتنظيم المواد، كما أن معظم العملاء المتوقعين الذين يتم اجتذابهم بهذه الطريقة يختفون ضمن ما يطلق عليه البعض اسم “الثقب الأسود للعملاء المتوقعين“. إن ما يبدأ بشكل جيد يحمل احتمالاً أكبر في تحقيق نتيجة إيجابية، ولكن المرحلة الأولية في تفاعلات العملاء حساسة للغاية في معظم الشركات.

ويمكن لتكنولوجيات تمكين المبيعات أن تساعد على حل هذه المشكلة. فأدوات إدارة المحتوى من هايسبوت (Highspot) وشوباد (Showpad) وغيرها من الشركات تقوم بتنظيم المحتوى وتحديثه، وتوفير الوقت وغيره من تكاليف المعاملات الأخرى بالنسبة لموظفي المبيعات، وتمكين تخصيص المحتوى لشرائح مختلفة. يقوم الكثير من هذه الأدوات أيضاً بتوليد تقارير حول كيفية تفاعل موظفي المبيعات مع المحتوى، وتشير إلى نوعية المواد الترويجية المستخدمة، وتكرار استخدامها، وحتى طول الفترة الزمنية التي يقضيها مندوب المبيعات مع المحتوى، وهي بيانات يمكن أن تطلق دورة تحسين متواصلة في عمليات إنتاج المحتوى ونشره. من ناحية أخرى، يستطيع العاملون الذين يتفاعلون مع العملاء بصورة مباشرة استخدام هذه الأدوات لتقديم المحتوى الذي يستخدمه العملاء ومتابعته، والحصول على معلومات مهمة لمتابعة وثيقة الصلة بعملية البيع وآنية، وجميعها نشاطات جوهرية في تجربة المستهلك.

برمجيات إدارة القنوات

أصبح الشراء عملية تتضمن عدة نقاط اتصال بين العملاء وقناة التوزيع. ولهذا، فإن بناء تجربة عميل جذابة ومقنعة عادةً ما يعني العمل مع الشركاء قبل البيع وبعده. يجب أن تجعل التفاعل مع شركتك أكثر سهولة بالنسبة للشركاء. فإذا كنت تبيع عبر قنوات وسيطة، على سبيل المثال، فإن قلة التفاعلات السلبية وسهولة التواصل توازيان العمولات من حيث الأهمية في جذب اهتمام الوسطاء والتزامهم بمنتجاتك. وفي أغلب الأحيان، تقوم الشركات بشحن المنتجات إلى الشركاء، ولكن دون تزويدهم بالمواد اللازمة لتحقيق عمليات بيع فعالة. ولهذا، ترتفع تكلفة البيع، وتنخفض نسبة الإمكانيات المتاحة لتحقيق مبيعات جيدة، وتتعرض تجربة المستهلك إلى الاختلال.

وهذا يعني ضرورة تأسيس مواقع للشركاء لتوفير الأبحاث، ودراسات الحالات، والعروض التجريبية على الإنترنت، وبيانات تسجيل الصفقات، وغيرها من المواد، حيث أصبحت هذه المواقع أقل تكلفة وأوسع انتشاراً. تسمح برمجيات تسويق القنوات للشركاء بالاستفادة من محتواك، ورسائلك، وبناء المعرفة الخاصة بتوليد الطلب في جهود التعامل مع العملاء وتلبية الطلبات لمنتجاتك. وعلى سبيل المثال، فإن خدمة بث الموسيقى باندورا (Pandora) تبيع الوسائط الإعلامية على محطاتها إلى المعلنين المحليين، والشركات الصغيرة، والشركات الكبيرة. وينتشر مندوبو المبيعات لهذه الخدمة، الذين يزيد عددهم على 500، في 35 مدينة في الولايات المتحدة، ويعملون مع مجموعة متنوعة من شركاء قنوات التوزيع عندما يتوجهون بالبيع إلى شركات ووكالات متنوعة. إن تجربة العملاء، التي تمتد من البحث مروراً بإنجاز عملية الشراء وصولاً إلى إصدار الفواتير وخدمات ما بعد البيع، عملية تحتوي على عدة وظائف، إضافة إلى تسليم العديد من المهام إلى مجموعات القنوات والمبيعات المختلفة. وتؤدي هذه الطريقة في معظم الشركات إلى سلوكيات انعزالية، إضافة إلى ارتباك العملاء. ولكن، وفي خدمة باندورا، فإن التكنولوجيا الداعمة تساعد مندوبي المبيعات على تقديم العروض أو إدارة الحملات للعملاء بالاشتراك مع شركاء قنوات التوزيع. يتم التقاط معلومات العملاء المحتملين من قبل النظام كمحتوى تم تحديثه نتيجة التسويق، والتفاعلات بين المبيعات وقنوات التوزيع، إضافة إلى معلومات دفعات عمولات القنوات والفواتير.

إضافة إلى ذلك، يتم إنشاء الطلبات في مجال الإعلام على نحو خاص ليتم تنفيذها في أوقات محددة على محطات محددة في المستقبل. ولا يتم استكمال عملية الفوترة (وعمولة المبيعات) إلا عند عرض الإعلان. يؤدي نظام باندورا إلى زيادة ثقة المشتري والقناة، ويتيح الوقت للتركيز على العميل بدلاً من التحقق من استكمال خدمة العميل ودفعات الحوافر بشكل دقيق.

قياس وتناسق التجربة

تتطلب عملية التحسين الحصول على ملاحظات يمكن استخدامها لتعزيز الاتساق بين الأطراف المختلفة ونقاط التفاعل المسؤولة عن التجربة. ولكن طرائق الاستقصاء واستطلاع الرأي التقليدية للحصول على الملاحظات حول رضا العميل محدودة، وغالباً ما تكون مضلِّلَة في عالم الشراء المتعدد القنوات. تتسبب استطلاعات الرأي بتوليد بيانات حول المواقف والتفضيلات، وليس السلوكيات، وهناك فرق كبير بين ما يقوله الناس وما يفعلونه. ففي استطلاع للرأي شمل أكثر من 1,000 شركة من مجالات مختلفة، على سبيل المثال، قال المشاركون إن أهم معايير الشراء هي السعر وميزات المنتج. ولكن التحليل اللاحق كشف أن الخدمات وتجربة البيع كانت أكثر أهمية من حيث التأثير الفعلي على سلوك الشراء. وتنطبق النتيجة نفسها على التفاعلات على الإنترنت.

يمكن للتكنولوجيا أن تساعد في تقديم ملاحظات أكثر دقة وسرعة. وتُعد المنصات من شركات مثل كوالتريكس (Qualtrics) وميداليا (Medallia) وإنمومينت (inMoment) وغيرها وسائل أسرع لجمع الملاحظات بدلاً من الطرائق التقليدية. وتقدم شركات أخرى تكنولوجيات تقوم بجمع البيانات من عدة مصادر للتواصل، مثل البريد الإلكتروني والتسويق الداخلي وتنزيلات المحتوى وغيرها، للمساعدة على تحديد التفاعلات والعائد على الاستثمار لكل مصدر. وتسمح الأدوات من شركات مثل سينتا (Centah) بتتبع العملاء المتوقعين بدءاً من مرحلة الاهتمام الأولي وصولاً إلى التسليم، كما تؤمن غيت ريف (GetRev) عملية تتبع مماثلة مع استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي التنبؤية لتحسين عملية توقع العملاء. وتقدم شركة إينرفيو (InnerView) أداة إنفرونت (InFront)، التي تعتبر مهمة بشكل خاص للشركات التي تبيع عن طريق الوسطاء. ويساعد نظام “نقاط انتقال العلامة التجارية” الخاص بها على تقييم توافق تجربة العلامة التجارية المطلوبة مع تجربة شركاء التوزيع، حيث تقوم المواقع مع الأفراد بدور سلبي أو إيجابي في تمثيل العلامة التجارية، إضافة إلى بيانات متواصلة لتتبع تأثير أي تغييرات.

وتمثل النقاشات المتواصلة مع العملاء مصدراً آخر –وإن كان مهملاً في أغلب الأحيان- للإحصاءات لتحسين التجربة، وهو ما يسميه البعض “ذكاء المحادثات”. وتقوم بعض الشركات، مثل كول ماينر (CallMiner) وكوروس (Chorus) ونايس (NICE) وتوك ماب (TalkMap) وغيرها بتطبيق أدوات لمعالجة اللغات الطبيعية في الزمن الحقيقي لالتقاط وتحليل تسجيلات الاتصالات، ونصوص الدردشة، وتوثيق المنتجات من مراكز الاتصالات، وحوارات المبيعات، ومجمعات دعم المستهلكين. وتساعد هذه التكنولوجيات في البقاء على اطلاع دائم على أحدث العوامل الأساسية المحددة لتجربة العملاء، كما أن تسجيلات البيانات الخاصة بالشركات –وهو أمر على القدر نفسه من الأهمية- تمثل تجسيداً لما يطلقون عليه اسم “صوت العميل”، بدلاً من صوت المهندسين أو مصممي شعارات العلامات التجارية. وبسبب تزايد قوانين الخصوصية، وتزايد القيود المفروضة على بيانات العملاء من قبل شركة آبل (Apple) وغيرها، فإن هذه المدخلات ستصبح أكثر أهمية من ذي قبل.

وتساعد أدوات القياس هذه على تحديد الأسباب الجوهرية للرضا أو عدم الرضا: فهل تتعلق الاستجابة بالمنتج، أم بمستويات الخدمة، أم بمشاكل القنوات مثل مواقع الوكالات أو متاجر التجزئة، أم بموقع الويب، أم بتركيبة ما من هذه العناصر جميعاً؟ إن محاولة القيام بهذا الأمر دون وجود تكنولوجيا داعمة تمثل عائقاً لا مبرر له.

دور القيادة في تجربة العملاء

لا شك في أهمية البيانات والتكنولوجيا، ولكن هذين العنصرين وحدهما لا يكفيان للتعامل مع مسألة إدارية مثل تجربة العملاء. فتفسير البيانات وتحديد نتائجها هو مهمة قيادية. ويعمل القادة الفعالون على مساعدة الناس في شركاتهم على التعامل مع التغييرات، وبالتالي زيادة مساهماتهم وإنتاجيتهم. ولتحقيق هذا، يجب على القادة استكمال الرؤية أو الهدف بهيكلية تنظيمية جيدة في مجالات مثل الأولويات والأشخاص والعمليات.

الأولويات

إن تحديد الأولويات بشكل صحيح للعناصر الذين يتعاملون مع العملاء مباشرة مسألة شديدة الارتباط بأداء الشركة. حيث تتمحور الأولويات حول الخيارات التنافسية التي تتخذها الشركة. وبعض الخيارات صريحة، ويمكن وضعها في خطة، أو التعبير عنها باستخدام مؤشرات الأداء. ولكن الكثير من الخيارات التي تؤثر على تجربة العملاء متضمنة في القرارات اليومية حول توزيع الموارد. وعلى سبيل المثال، تتضمن أي ميزانية عدة خيارات حول توزيع الموارد القيّمة على مختلف الأشخاص والجهات. ولكن، أين تكمن تجربة العملاء في أولويات ميزانية الشركة؟ يتضمن أي نموذج مبيعات عدة خيارات؛ فالمال والزمن المخصصان لخدمة الحساب A هما موردان غير متاحين للحسابين B وC، وهكذا دواليك.

وتقع على عاتق القيادة مسألة تحديد الأولويات وتوضيحها للجميع. وبالتالي، فإن الغموض في الخيارات أو إساءة التعبير عنها لا يمكن أن يؤدي إلى اختبار صحيح لتغيرات ظروف السوق. وفيما يتحدث الجميع بعبارات مجردة، مثل “نحن ملتزمون بعملائنا!”، يعبر السلوك اليومي عن مغالطة التكلفة الغارقة؛ أي إهدار الأموال في غير مكانها. إذا بقيت الأولويات ضمنية في حدس القائد، حتى لو كان موهوباً، فإن التوافق المطلوب لبناء تجربة عملاء جيدة سيبقى محدوداً بقدرة هذا القائد على الوصول إلى كافة أنحاء الشركة، وسيبقى ضعيفاً بصورة مماثلة للحلقة الأضعف في المؤسسة.

ودون وضوح في الأولويات، سيختار الناس مؤشرات عشوائية حول الاستراتيجية، ومع مرور الوقت، ستصبح الشركة بارعة في الكثير من الأمور المختلفة المتعلقة بتجربة العملاء، ولكنها لن تكون فائقة البراعة في أي شيء محدد. إن خلاصة الأفضلية التنافسية تكمن في تحقيق البراعة الفائقة في الأشياء التي يقدّرها العملاء، والتي يجد الآخرون صعوبة في محاكاتها.

الأفراد

تؤدي التكنولوجيات إلى إحداث تحول على مستوى العالم في طبيعة العمل، ولهذا، فإن المجموعات التي تتعامل بصورة مباشرة مع العملاء، وهي بطبيعة الحال أكثر تعاملاً معهم، مثل المبيعات والخدمات، ليست استثناء لهذه القاعدة. وقد تضمّن أحد الأبحاث دراسة لأكثر من 95 مليون إعلان توظيف عبر الإنترنت في الولايات المتحدة، وقام هذا البحث بوضع تصنيف “وظائف أساسية” للعروض التي تتضمن رواتب تتراوح بين 10,000 دولار ومليون دولار سنوياً. وضمن هذه الفئة، شهدت وظائف “مندوبي المبيعات” نمواً سنوياً في الرواتب بنسبة 10% على الأقل، وكذلك وظائف “مندوب خدمة عملاء”. وبصورة مماثلة، وضمن المهارات الأكثر طلباً خلال فترة هذه الدراسة، شهدت فئة “ممارسات المبيعات العامة” نمواً سنوياً بنسبة 9%، وفئة “مبيعات عامة” بنسبة 8%، و”خدمة عملاء عامة” بنسبة 11%، وتمثل بمجموعها المهارات الأكثر طلباً حتى الآن ضمن عروض العمل. ودون إيلاء العناية الكافية بهذه الوظائف الأساسية التي تتضمن تفاعلاً مباشراً مع العملاء، فإن الحديث عن إدارة الكفاءات والإدارة و”مستقبل العمل” يبقى كلاماً فارغاً.

يحدد كبار القادة في المؤسسة الظروف الأساسية لتطوير الكفاءات في المؤسسة. وحتى تحافظ الكفاءات على أهميتها، يجب على الشركات أن تطلق مبادرات التوظيف والتدريب بصورة مرتبطة بتجربة العملاء المطلوبة. وعلى سبيل المثال، وكما شرحنا أعلاه، غالباً ما يعني البيع الآن العمل مع شركاء القنوات في رحلات شراء متعددة القنوات. ولكن، عندما يكون للمندوبين قناة بالإضافة إلى مهام البيع، فإن المساهم الإفرادي يجب أن يتحول أيضاً إلى مدير؛ أي شخص ينجز المهام بالاعتماد على الآخرين. ونادراً ما يتم تعليم هذه المهارات في معظم برامج التدريب على المبيعات. كم تظهر هذه المشاكل في مراجعات العمل في شركتك؟

العملية

إن تجربة العميل الجيدة عبارة عن مجموعة من العمليات، وليست مجرد خطاب حول العمل الجماعي. وتتطلب، في الحد الأدنى، الحصول على معلومات متواصلة حول العميل، وعند التنفيذ، تتطلب إجراء عمليات إدارة فعالة للأداء. ولنأخذ التسعير كمثال: فالحساب الفعلي للسعر يتطلب تحقيق ربط بين السعر، والقيمة، وتجربة العميل، وسلوكيات المجموعات التي تتعامل مع العملاء بصورة مباشرة. هل تؤمّن خطة تعويض المبيعات لديك حوافز للسلوكيات المطلوبة لتحقيق البيع؟ وهل لديك البيانات المطلوبة لربط السعر مع عوامل تحفيز تجربة العميل؟ وما هو تواتر نقاش كبار القادة حول مغزى البيانات لتحديد القيمة عبر رحلات العملاء؟ في معظم الشركات، تتم متابعة النتائج الربعية بدقة. ولكن المعلومات المطلوبة لدراسة أحد محفزات تجربة العميل الأساسية والنتائج المتعلقة بالإيرادات النهائية –أي كيفية صياغة الموظفين الذين يتعاملون مع العميل مباشرة للقيمة وتقديمهم لها- ناقصة في أغلب الأحيان. أما الأسوأ من هذا، فإن نظام الحوافز ينعكس سلباً على التجربة المطلوبة. وإذا لم يتمكن فريق القيادة من تحقيق هذه الارتباطات المهمة، فيمكن أن ينتهي به المطاف بالمطالبة بتنفيذ أفضل عندما تكون الشركة بحاجة فعلية إلى استراتيجية أكثر توافقاً مع السوق، أو تغيير الاتجاه الاستراتيجي، مع التسبب بالكثير من الخسائر والزعزعة، عندما يكون من المطلوب التركيز على هذه الأساسيات في البيع.

لا يستطيع القادة أن يتركوا هذه العملية للصدفة. ويعتبر إشرافهم على هذه العملية على القدر نفسه من أهمية إشرافهم على عملية إعداد الموازنة الرأسمالية. إن المجموعات القيادية التي لا تحافظ على مشاركتها في كيفية تأثير عمليات الشراء على تجربة العملاء ستلاقي، في نهاية المطاف، مصير الشركات التي كان “التركيز على العملاء” فيها مجرد شعار دائم، دون أي ارتباط بواقع المؤسسة.