كيف تبني الشركات الرائدة القوة العاملة التي تحتاجها لتبقى في الطليعة؟

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تتبنى معظم الشركات أسساً استراتيجية محددة لتبني عليها خطط التعامل مع القوى العاملة، إلا أنها سيتعين عليها تغيير هذه الأسس، نظراً للابتكارات التقنية. إذ أدى كل من التحول الرقمي، والإنترنت الصناعي، والتحليلات المتقدمة، والذكاء الاصطناعي، والروبوتات، وتعلم الآلة، وعدد كبير من الابتكارات الأخرى إلى تغيير طبيعة العمل بشكل أساسي. فعلى سبيل المثال، قد لا يلغي تعلم الآلة العديد من الوظائف في مجملها. لكنه سيؤثر على الطريقة التي تُنفَذ بها العديد من الوظائف، بمعنى أنه سيتطلب مهارات جديدة، ويجعل العديد من المهارات الحالية أقل قيمة. ويتوقع المنتدى الاقتصادي العالمي أنه “بحلول عام 2020، سيتألف أكثر من ثلث المهارات الأساسية المطلوبة في معظم المهن من مهارات لا تعتبر مهمة وحاسمة بالنسبة للوظائف حالياً”.

وبالإضافة إلى المهارات المطلوبة لأداء وظائف محددة، ستحدد التقنية أيضاً الوظائف الأكثر أهمية في السنوات القادمة. كما ستؤدي هذه الابتكارات الجديدة إلى تغيير أسس المنافسة في العديد من الأسواق، بل وتغيير الميزة التنافسية لمعظم الشركات. كما ستتغير أدوار العمل المهمة – أي الوظائف التي تعد أساسية لتمييز الشركة عن منافسيها وتنفيذ استراتيجيتها بنجاح. وسيضطر ذلك الشركات إلى إعادة التفكير في المواهب التي ستكون بحاجة إليها للقيام بأدوار العمل المهمة هذه في المستقبل.

ولنأخذ قطاع التأمين كمثال على ذلك. ففي السنوات الماضية، كانت القدرة على تسعير المخاطر على نحو أفضل من المنافسين مصدراً مهماً للميزة التنافسية بين شركات التأمين. وعلى أساسه، عملت مجموعات كبيرة من خبراء التأمين دون كلل سعياً لتقدير تكلفة التأمين في بعض المخاطر، أو “مجموعات المخاطر” (وهو مصطلح يصف مجموعة المخاطر المشابهة التي يقوم عليها التأمين). ولكن في المستقبل، من المفترض أن تقوم الآلات بتنفيذ معظم هذا العمل. وحينها، ستحتاج شركات التأمين إلى عدد أقل من خبراء التأمين هؤلاء، وعدد أكبر من علماء البيانات – وهم الأفراد الذين لديهم القدرة على استخراج البيانات لتصميم عروض التأمين خصيصاً لقطاعات سوق محددة أو حتى للأفراد. ورغم أنه من الممكن إعادة تأهيل بعض خبراء التأمين ليقوموا بدور علماء البيانات، لكن ستحتاج الأغلبية العظمى من هذه الأدوار إلى امتلاك مواهب جديدة كلياً.

وفي الواقع، كانت استجابة معظم الشركات بطيئة تجاه ذلك التغيير. وربما يعود هذا جزئياً إلى سببين، الأول أن الشعور بتأثير التقنية ومتطلباتها الجديدة سيظهر بمرور الوقت وليس بين عشية وضحاها. مما يخلق الوهم بوجود متسع من الوقت لدى الشركات للتعامل مع الأمر. والثاني، أنه مع وجود الابتكار التكنولوجي، سيكون هناك دائماً درجة عالية من عدم اليقين فيما يتعلق بنوع المواهب والمهارات التي ستحتاج إليها الشركة في المستقبل. مما يُصعب على القادة فكرة التخطيط للمستقبل ووضع الرهانات في وقت مبكر.

لكن رغم كل ذلك، فإن بناء القوى العاملة التي ستحقق الفوز غداً يبدأ اليوم. لذلك، تجد الشركات ذات الأداء الأفضل تتخذ بالفعل خطوات لجذب مواهب جديدة وزيادة تقدمهم على المنافسين. وفيما يلي ثلاثة دروس يجب أن تتعلمها كل مؤسسة مما تفعله هذه الشركات الرائدة:

1- حدد المهارات والقدرات اللازمة للفوز في المستقبل، بناءً على استراتيجية شركتك

عندما درست شركة باين آند كومباني (Bain & Company)، وهي شركة لتقديم الاستشارات الإدارية، ممارسات إدارة المواهب لأكثر من 300 شركة كبرى في جميع أنحاء العالم، اكتشفنا أن المؤسسات الأكثر إنتاجية والأفضل أداءً تجمع مواهبها المرموقة في عدد قليل من أدوار العمل المهمة. ويضمن هذا النموذج “الذي يتعمد عدم المساواة” توظيف المواهب النادرة القادرة على إحداث الفرق في أدوار يظهر فيها تأثيرهم بأكبر قدر ممكن.

ولكن، بطبيعة الحال، فإن الأدوار التي تحددها معظم الشركات باعتبارها أدوار العمل المهمة ستحتاج إلى التغيير مع تطور التقنية. وتتيح التحليلات المتقدمة وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي وغيرها من الابتكارات للشركات إمكانية التنافس بطرق جديدة ومختلفة للغاية. لذلك، يتعيّن على الشركات، وفقاً لذلك، وضع استراتيجيات جديدة، تتوافق مع أدوار العمل المهمة الجديدة.

ولنأخذ، ما فعلته شركة جون ديري (Jon Deere)، المتخصصة في تصنيع المعدات الزراعية، مثالاً على ذلك. إذ تركز الشركة دائماً على تزويد المزارعين بالأدوات التي يحتاجونها لإطعام سكان العالم الذين يتزايد عددهم باستمرار. لكن المصادر الجديدة للمحاصيل والطقس وغيرها من البيانات خلقت فرصاً جديدة لزيادة إنتاجية المزرعة. وعليه، حوّلت مجموعة الحلول الذكية التابعة لشركة “جون ديري” البيانات الآنية التي جمعتها من آلاف العملاء لدى الشركة، إلى خدمات تمكنها البيانات الكبيرة. ونظراً لأن الاستراتيجية الخاصة بشركة “ديري” قد تغيرت، فقد تغيرت كذلك أدوار العمل المهمة فيها، إذ تحولت من الدور التصنيعي التقليدي إلى أداء التحليلات والخدمات. وهكذا، سيصبح جذب العمال ذوي المهارات في التحليلات المتقدمة ذا أهمية متزايدة بالنسبة للشركة (وكذلك التقنية والعمليات اللازمة لترجمة هذه المهارات إلى مصادر حقيقية للميزة). وفي المقابل، ستصبح مهارات الهندسة الصناعية وإدارة المنشأة الصناعية أقل أهمية لتعزيز نمو الشركة على المدى الطويل.

2- قيّم المهارات والإمكانيات الحالية للقوى العاملة لديك بموضوعية لتحديد الثغرات

بمجرد أن تفهم الأدوار التي ستكون أكثر أهمية لتحقيق الفوز في مؤسستك، وتدرك ما هي المهارات والإمكانيات المطلوبة لتأدية هذه الأدوار بشكل احترافي، سيكون من الأهمية أن تدرس المهارات والإمكانيات الحالية لقوة العمل لديك. فكم عدد الموظفين المؤهلين لديك ليصبحوا محترفين في أدوار العمل المهمة في الغد؟ وهل تمتلك شركتك ما يكفي من المواهب المرموقة لتحقيق الفوز؟ وهذا بالضبط ما تقوم به أفضل الشركات، إذ تفحص المهارات والإمكانيات الحالية لقوى العمل لديها بعناية من أجل تحديد أي فجوات قد يواجهونها لاحقاً.

ولنأخذ هنا شركة جنرال إلكتريك (General Electirc) مثالاً. إذ كان لديها تفكيراً استشراقياً، وعلى وجه التحديد، فيما يتعلق بالمهارات الجديدة التي ستحتاج إليها لتحقق النجاح على المدى الطويل. ولقد أثّر احتضان الشركة للإنترنت الصناعي على العديد من أعمالها الأساسية بشكل كبير. فعلى سبيل المثال، تقوم المستشعرات في محركات القاطرة والطائرات النفاثة بإنشاء بيانات يمكن استخدامها للتنبؤ بتدهور الأجزاء – مما يوفر على عملاء شركة “جنرال إلكتريك” مليارات الدولارات التي ستنفق على الصيانة وساعات العمل المفقودة. ويتطلب استخدام هذه البيانات، بدوره، مهارات وقدرات جديدة. وفي عام 2012، عندما أدخل جيف إيملت الإنترنت الصناعي في أول دفعة من منتجات “جنرال إلكتريك”، كان لدى الشركة 50,000 مهندس في قوتها العاملة آنذاك – معظمهم من مهندسي الطيران والكهرباء وغيرهم من المهندسين التقليديين. وكان لدى الشركة عدد قليل جداً من مهندسي البرمجيات. ومع ذلك، فإن مهارات هندسة البرمجيات هي مفتاح المستقبل بالنسبة للشركة. وهكذا، من خلال إدراك هذه الفجوة الحرجة في وقت مبكر، تمكنت “جنرال إلكتريك” من تطوير استراتيجيات لسد هذه الفجوة على نحو منهجي، مع مرور الوقت.

3- قم بتطوير واكتساب المواهب التي تحتاج إليها لسد أي فجوات، بدءاً من اليوم

علق أحد العملاء مؤخراً: “إن تجميع القوى العاملة الموهوبة يشبه إلى حد كبير الإعداد لإطلاق معرض فني كبير: فإن لم يكن لديك لوحات جاهزة للعرض بدءاً من اليوم، سيكون من الصعب للغاية أن تفتتح معرضاً ضخماً بعد فترة من الزمن”. وتعمل أفضل الشركات بجد لمطابقة استراتيجيات التوظيف وتطوير المواهب لديها مع احتياجات القوى العاملة المستقبلية.

فعلى سبيل المثال، في شركة فورد موتور (Ford Motor)، أصبح بناء قدرات هندسة البرمجيات ذات المستوى العالمي ضرورة استراتيجية. وذلك لأن صانعي السيارات باتوا يواجهون تهديدات تنافسية جديدة أمثال “جوجل” و”أوبر” و”تيسلا” (Tesla) وعشرات الشركات الناشئة. علاوةً على ظهور منظومة بيئية جديدة للتمويل والتأمين والطاقة والإعلام وخدمات الصيانة، والتي برزت على أساس اقتصاد التطبيقات القائمة على البيانات. واستجابةً لذلك، أنشأت فورد وحدة عمل جديدة تماماً، وأطلقت عليها اسم “وسائل النقل الذكية لدى فورد” (Ford Smart Mobility) – حيث يكمن معظم مهندسي البرامج العاملين في الشركة.

ولأن بناء البرامج ذات المستوى العالمي ليس من الكفاءات الأساسية لمعظم شركات صناعة السيارات، قامت وحدة “وسائل النقل الذكية لدى فورد” شراكة مع مايكروسوفت وبيفوتال Pivotal (وهي شركة محفظة في ديل تكنولوجيز Dell Technologies) لاستقدام مهارات رقمية جديدة للشركة. وقد حددت “فورد” موقع وحدة وسائل النقل الذكية الخاصة بها في بالو ألتو، كاليفورنيا – على بعد دقائق فقط من جامعة ستانفورد – من أجل الوصول بشكل أفضل إلى مواهب هندسة البرمجيات. تعتبر هذه الخطوات (وغيرها) جزءاً من خطة الشركة “لإضافة إمكانيات هندسة برمجية حديثة جديدة بسرعة”.

لأن الموهبة التي تحدث فرقاً هي المورد الأكثر ندرة في الشركة. فتعمل التقنيات الجديدة المبتكرة على تغيير طبيعة العمل، فضلاً عن المهارات والقدرات اللازمة للفوز في المستقبل. وبالنظر إلى الوقت الذي يستغرقه جذب المواهب المرموقة وتطويرها، فمن الأهمية بمكان أن تبدأ الشركات في بناء القوى العاملة التي ستحتاج إليها. ليس هناك وقت أفضل للبدء من اليوم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .