هل يضعف العمل من المنزل ثقة بعضنا ببعض؟

9 دقائق
بناء الثقة مع العاملين من المنزل

ملخص: بوغت الكثير من الشركات مطلع عام 2020 بالتحول المفاجئ إلى العمل عن بُعد أو العمل الهجين. وفي حين أن الموظفين كانوا على أتم استعداد لمنح بعضهم بعضاً من حرية العمل والاختيار في بداية الجائحة، فقد شهدت الثقة المتبادلة الآن تراجعاً ملحوظاً بعد مرور ما يقرب من عام، حتى إن البعض وجدوا أنفسهم يتساءلون عما إذا كان الموظفون العاملون عن بُعد يزاولون العمل أساساً في المنزل. وغالباً ما تشهد الشركات التي تفشل في معالجة هذه الأزمة انخفاض المعنويات وارتفاع معدلات استنزاف الموظفين وتراجع الإنتاجية وتعثر الابتكار. ومن هنا وجب على القادة محاولة بناء الثقة مع العاملين من المنزل، ومعالجة القضايا الأساسية من أجل بناء نموذج مستدام للثقة المتبادلة.

قرر أحد البنوك الإقليمية عودة ما يقرب من ثلث موظفيه إلى العمل من المقرات الرسمية للبنك، وراح رئيسه يعقد اجتماعات أسبوعية عامة لجميع الموظفين عن طريق الفيديو كونفرانس. وطلب من الموظفين أن يطرحوا ما يخطر لهم من أسئلة عليه أو على غيره من كبار القادة دون الكشف عن هوياتهم. وكان السؤال الذي تردد على ألسنة الكثيرين خلال الأسابيع الستة الماضية هو: “كيف نعرف ما إذا كان الموظفون الذين لا يزالون يعملون من المنزل يزاولون العمل أساساً؟” حتى إن بعض الموظفين اقترحوا أساليب محددة للمراقبة تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة لتتبع الوقت الذي يقضيه زملاؤهم العاملون عن بُعد أمام شاشة الكمبيوتر وتعقّب أنشطتهم.

ويؤكد رئيس البنك لموظفيه كل أسبوع أن العمل يسير على ما يرام وأن مقاييس الإنتاجية (مثل عدد القروض المنجزة) تفوق التوقعات. غير أنه علَّق قائلاً: “لكنه أمر مزعج. فهم متشبثون بالأوهام التي تدور في رؤوسهم مهما حاولت إقناعهم أو حتى استخدمت الأرقام وغيرها من الأدلة القاطعة. قد تقول لو أنني أثق فيمن يعملون تحت رئاستي، لوثقوا هم في بعضهم، أليس كذلك؟ لكن لا”.

يزداد شيوع أزمة الثقة التي يواجهها هذا البنك نتيجة ضعف الثقافة المؤسسية للشركات وتراجع حسن النوايا إثر اتباع سياسة العمل عن بُعد. فقد كثرت قصص البطولات المؤسسية في بداية الجائحة، مثل الشركات التي طوّعت أجهزة الكمبيوتر المحمولة بشكل جماعي بين عشية وضحاها وأعادت استخدامها لإنجاز العمل في منازل الموظفين. وافترض الموظفون حسن نية زملائهم لفترة من الوقت، ولم يمانعوا في تقديم بعض التنازلات، مثل السماح بالتأخر من حين لآخر عن إنجاز العمل في موعده النهائي حتى يتمكن الموظفون من أداء واجباتهم إزاء التعليم المنزلي أو غيرها من المطالب المستجدة.

وقد عملنا خلال الأشهر الثمانية الماضية مع عشرات الشركات التي تواجه هذا التحدي في قطاعات متنوعة، مثل الخدمات المهنية والنفط والغاز والماليات والتأمين والرعاية الصحية والاتصالات والسيارات والتكنولوجيا، وبحثنا معاناتها تلك. ولمسنا في كل منها تغير الميول الإيجابية التي تشير إلى معنى ضمني مفاده: “لقد وضعنا أيدينا على الحل الأمثل لمشكلة العمل الافتراضي!” وتحولها إلى نوع من الاعتراف بتآكل الثقة بمؤسساتهم ومرؤوسيهم وزملائهم وعلاقاتهم. وتشير تقارير المراقبة الإلكترونية المتتابعة أيضاً إلى أن ثقة المسؤولين التنفيذيين بوضع أيديهم على الحل بدأت في التراجع. فقد أعلنت، على سبيل المثال، شركة “هابستاف” (Hubstaff) المتخصصة في توفير أدوات تتبع الوقت خلال العمل عن بُعد عن زيادة عدد عملائها في المملكة المتحدة بنسبة 4 أضعاف منذ فبراير/شباط 2020، وأعلنت شركة “سنيك” (Sneek) التي توفر تقنيات تتيح التقاط صور بكاميرا الويب للموظفين على فترات منتظمة ومشاركتها مع زملائهم، عن زيادة عدد عملائها بنسبة 5 أضعاف.

من الأهمية بمكان أن يعمل قادة الشركة على إعادة بناء علاقات تقوم على الثقة المتبادلة مع موظفيهم وفيما بينهم، والحفاظ عليها. وإذا تكاسلوا عن أداء هذه المهمة، فسوف يخاطرون بانخفاض المعنويات إلى حد أسوأ بكثير. كما تلوح في الأفق أيضاً فرص ارتفاع معدلات استنزاف الموظفين وانخفاض الإنتاجية وتعثر الابتكار عند انهيار الثقة المتبادلة.

لماذا ظهرت أزمة الثقة الآن؟

لقد جرّبت الشركات سياسات العمل من المنزل لسنوات، فما الذي استجد عليها الآن؟ أولاً: بات العمل عن بُعد أوسع انتشاراً الآن. وكانت الشركات في السابق تسمح لموظفين محددين بالعمل من المنزل، إما لأن هؤلاء الموظفين المختارين موثوق بهم للغاية أو لأن عملهم سمح للمدراء بقياس إنتاجيتهم ومحاسبتهم. أما الآن فالجميع يعملون من منازلهم، بغض النظر عن مستوى أدائهم في السابق أو منصبهم الوظيفي.

ثانياً: عندما اضطرتنا الجائحة إلى الالتزام بالحجر المنزلي في مختلف أنحاء العالم، أرغمت كل الموظفين على العمل عن بُعد، غالباً دون توافر المعدات أو التدريبات اللازمة أو الرغبة في القيام بذلك. وفي حين أن الموظفين كانوا في السابق يختارون العمل عن بُعد بمحض إرادتهم، فإن الكثيرين منهم يعانون الآن للحفاظ على تركيزهم في المنزل بسبب المسؤوليات الأسرية المتزايدة أو لأن أفراد أسرهم الآخرين يعملون من المنزل أيضاً.

ثالثاً: يؤدي الغموض المحيط بالأوضاع الاقتصادية والتخوف من عدم الاستقرار الوظيفي إلى توليد حالة من القلق العارم تحفّز بدورها شعور الموظف بأنه يخوض هذه التجربة المريرة بمفرده وتنمّي لديه شعوراً بالحذر العام من الآخرين.

رابعاً، وأخيراً: يتسبب العمل من المنزل في ظهور عدد من التحديات أمام الموظفين (مثل عدم القدرة على التعامل مع التقنيات التكنولوجية، وتغيير قواعد العمل، والتعارض بين مسؤوليات العمل والمنزل) التي تزيد من احتمالات فشلهم في الوفاء بالالتزامات المتصورة، وهو ما يؤدي بدوره إلى مزيد من تآكل الثقة. والأهم من ذلك، أن العوامل التي تضعف القدرة على الثقة لا تقتصر فقط على آثار “كوفيد-19” ولكنها ترتبط أيضاً بالاتجاهات المستمرة في طريقة تصميم عملنا ومؤسساتنا. ومن هنا وجب على القادة معالجة القضايا الأساسية من أجل بناء نموذج مستدام للثقة المتبادلة.

نقص المعلومات يقوِّض الثقة

تعتبر القدرة على التنبؤ الدعامة الأساسية للثقة. فنحن على أتم استعداد للتضحية بكل غالٍ وثمين وتعريض أنفسنا لمخاطر محتملة إذا كنا على قناعة بأن شخصاً ما لن يستغلنا أو يخيب آمالنا. بيد أن هذه القناعة لا تتحقق إلا عندما نؤمن بأننا نستطيع توقع تصرفات الآخرين وسلوكهم. وقد أجرت هايدي غاردنر أبحاثاً على أكثر من 3,000 من كبار موظفي المعرفة، وتوصلت إلى أن هناك نوعين متميزين من الثقة لا بد من توافرهما حتى يستطيع أن يعمل الموظفون معاً بفاعلية. أولاً: يجب أن يؤمنوا بأن الآخرين سينجزون المهمات الموكلة إليهم وأن عملهم سيكون عالي الجودة (الثقة في الكفاءة). ثانياً: يجب أن يؤمنوا بتوافر عنصري حسن النوايا والنزاهة لدى الآخرين (الثقة الشخصية المتبادلة). ولكي يثق الموظفون في زملائهم على هذين الصعيدين، فإنهم يحتاجون إلى إشارات واضحة وسهلة التمييز، بخصوص ما يفعلونه (التصرفات)، ولماذا يفعلونه (الدوافع)، وما إذا كانوا سيستمرون في فعله من عدمه (الموثوقية).

وقد بات الحصول على هذه المعلومات أكثر صعوبة بسبب تنامي حركة العمل عن بُعد والفرق المتغيرة ديناميكياً على مدى العقدين الماضيين. أدى ذلك إلى تضاؤل فرص التفاعل المباشر وجهاً لوجه، وهو ما يعني عجزنا عن ملاحظة أشياء دقيقة، ولكنها ذات مغزى، كحرص أحد أعضاء الفريق دوماً على إحضار ملاحظات ومخططات معدة جيداً للخروج من المحادثة بأفضل النتائج الممكنة. كما أدى أيضاً إلى تراجع فرص خوض المحادثات الجانبية المشتركة التي تعزز أواصر الألفة والثقة المتبادلة بين الأشخاص، والافتقار إلى الدلالات الموحية، مثل علب البيتزا المتبقية كدليل على سهر الزملاء طوال الليل من أجل إنجاز العمل الموكل إليهم، وهو ما يمكِّننا من فهم جهود الآخرين وإنتاجيتهم. تسهم كل هذه العوامل في صعوبة بناء الثقة في الآخرين لأننا لا نملك البيانات التي نحتاجها لمعرفة ما سيفعلونه، كما أنها تعطّل التدفق المستمر للمعلومات المعززة التي تساعدنا في الحفاظ على الثقة المشتركة المتوافرة حالياً. قد تكون العزلة المفروضة علينا بحكم العمل عن بُعد مرتبطة بتراجع مستوى الثقة لسبب آخر، وهو أننا نفسر دون وعي غياب التواصل المحسوس كعلامة على انعدام الثقة.

إذ يكثر سوء التفاهم وسوء التواصل في العمل الافتراضي. وهكذا، فإننا نواجه عاصفة هوجاء من ندرة المعلومات التي تنبني عليها الثقة المتبادلة، وندرة المعلومات اللازمة للحفاظ عليها، وكثرة مواقف “خيانة الثقة” وبالتالي هدمها بسهولة. وإذا ضاعت الثقة، باتت استعادتها مسألة غاية في الصعوبة. وهناك بضع خطوات يجب على القادة اتخاذها، وخطوات يجب عليهم تلافيها، لاستعادة الثقة في علاقاتهم البينية وعلاقاتهم مع موظفيهم.

المراقبة ليست هي الحل

كثيراً ما يتم التعامل مع تآكل الثقة بإجراء مضاد يقتضي فرض الرقابة المشددة، لكن عادة ما تأتي المراقبة بنتائج عكسية، سواء تمت من خلال التقنيات التكنولوجية (مثل تصوير النقرات على لوحة المفاتيح) أو الأساليب العملية (مثل المراجعات اليومية).

أولاً: لن تحقق المراقبة أي نتيجة إيجابية. وإذا ظن المدير أن بإمكانه أن يعرف كل ما يفعله موظفوه العاملون عن بُعد، فهو يخدع نفسه لأن أي عملية مراقبة لا تخلو دائماً وأبداً من ثغرات يسهل اختراقها. ثانياً: سيبذل الموظفون جهدهم للتحايل على التدابير وليس لتحقيق الهدف المنشود. وليس من الصعب أن يكتشفوا طريقة تمكّنهم من التحايل على التدابير نفسها، وغالباً ما يكون الجهد المبذول من جانب الموظفين للتحايل عليها أكبر من الجهد المبذول في أداء العمل. ثالثاً: المراقبة ليست غير مجدية فحسب، بل إنها في الواقع تفاقم المشكلة وتزيد الطين بلة. فقد توصل استقصاء إلى أن 49% من الموظفين الذين يخضعون للمراقبة الصارمة يقولون إنهم يشعرون بالقلق الشديد، مقارنة بنسبة 7% فقط ممن يخضعون لمستويات منخفضة من المراقبة. كما يمكن أن تؤدي المراقبة أيضاً إلى زيادة الاحتراق الوظيفي وعدم رضا الموظفين وتدهور المعنويات في الشركة.

فلا توجد وسيلة أسوأ من وضع شخص تحت المراقبة لتؤكد له انعدام ثقتك فيه.

فهم عِلْم الثقة

تفشل المراقبة في تحقيق الأهداف المرجوة منها لأنها تحاول حل الجزء الخطأ من معادلة الثقة، إذ يحاول فيها المدراء القضاء على المساحة العمياء، في حين أنه يُفضّل أن تترك هذه المساحة وشأنها، لكن مع تقليل احتمالية استغلالها (واستغلالك) من قبل الآخرين. وهذا لا يعني الثقة العمياء بحال من الأحول، بل يعني الاعتماد على عِلْم الثقة في بنائها بأقل الطرق الممكنة خطورة.

التعرف على الثقة المتبادلة والاستفادة منها

عندما نتحدث عن الثقة، فكثيراً ما ينصب تركيزنا على كيفية تطويرها لدى الآخرين، متناسين أن الثقة عملية ثنائية الاتجاه ومتبادلة، وهو ما أثبتته الأبحاث التي خلُصت إلى أنه كلما ازدادت ثقتك بشخص ما وتصرفت على هذا الأساس، ازدادت احتمالية ثقته بك في المقابل. الأهم من ذلك أن هذه العملية لا تعمل بشكل مستقل. وهذا يعني أن زيادة مستويات الثقة داخل شبكة علاقاتك يقتضي توجيه جل تركيزك إلى إثبات جدارتك بالثقة. فزيادة ثقة الآخرين بك يقلل من حالة الشك من خلال خلق بيئة أكثر استقراراً ويقيناً. وإذا نظرنا إلى المسألة من زاوية نفعية بحتة، فإن هذا الأسلوب يوفر أيضاً تأثيراً متبادلاً، بمعنى أنه كلما زادت ثقتهم بك، قلت احتمالات إقدامهم على خيانة ثقتك بهم (ولك في الآثار التدميرية المتبادلة خير مثال على هذه النقطة، فقد كانت الركيزة الأساسية للحرب الباردة بأكملها). ولا نعني بهذا أن توطن نفسك على استغلال الآخرين لحسن نواياك، بل نقصد أنه خطوة استراتيجية للقضاء على مخاطر بناء الثقة. وتذكر أن بوسعك التحكم في الإشارات التي ترسلها.

بناء سُلّم الثقة

خلُصت الأبحاث المكثفة حول التغيير (تغيير السلوك أو تغيير الثقافة، سمه ما شئت) إلى حقيقة واضحة وضوح الشمس، مفادها أن أفضل طريقة لإحداث تغيير دائم هي تلك التي تتم من خلال خطوات متكررة وصغيرة يعزز بعضها بعضاً. وبناء الثقة ليس استثناء من هذه القاعدة، فهو يتطلب الدليل والتعزيز المتواصل. ثمة طريقة أخرى لزيادة ثقة الآخرين فيك بتعريضها للاختبار العملي من خلال إيجاد فرص للعمل معاً في مهمة منخفضة المخاطر، وبالتالي تمنح نفسك الفرصة لإثبات كفاءتك ونزاهتك. اقترح عليهم، مثلاً، أن تشتركوا في تنظيم إحدى حفلات الغداء والتعلم بحيث تستطيعون استعراض قدراتكم جميعاً (وليس قدراتك أنت وحدك!). ابحث عن المواقف التي لا تتطلب استثمار الكثير من المال والتي تنخفض فيها تبعات التجربة والخطأ. وأثبت لهم في هذا السياق أنك جدير بنيل ثقتهم، ثم ابحث بمرور الوقت عن مواقف أكبر وأكثر أهمية لتعزيز الثقة التي أرسيت أسسها.

التواصل حول الوضع الراهن

ما من قائد إلا ويعرف أهمية التواصل في أوقات التغيرات المصيرية. لكن بما أننا نعيش الآن حالة من التغيير المتواصل، فيجب على القادة أيضاً أن يهتموا بالتواصل حيال الثوابت التي لا تتعرض للتغيير. ونظراً لأن الثقة تعتمد بشكل كبير على القدرة على التنبؤ، فيجب على القادة إدراك الأهمية المحورية لمساعدة الموظفين على معرفة المصادر التي يمكنهم الاعتماد عليها. وبذلك يمكنك القضاء على حالة الغموض وتعزز الشعور بالاستقرار.

افترض أنه لا يوجد أسلوب موحد لتعزيز الثقة مع كل الأشخاص في كل الأحوال

تختلف أساليب بناء الثقة والحفاظ عليها واستردادها من شخص لآخر، وهي تنقسم إلى فئتين رئيسيتين: الثقة التلقائية والثقة القائمة على الأدلة.

  • يتعامل أصحاب الثقة التلقائية مع العلاقات الجديدة بافتراض مستوى محدد من الثقة في البداية، ويبادرون إلى إبداء ثقتهم في الطرف الآخر ما لم يحدث شيء يهدم هذه الثقة. ولا يمكن اعتبار هذه الثقة عمياء، بل يمكن اعتبارها بالأحرى نوعاً من افتراض حسن النوايا. فهم يتأثرون إلى حد طفيف بأبسط إشارات بناء الثقة، وتستثير خيانة الثقة تحدياً لصورتهم الذاتية، وهو ما يؤدي بدوره إلى ردّ فعل سلبي عنيف أكثر حدة وأطول أمداً.
  • يتعامل أصحاب الثقة القائمة على الأدلة مع العلاقات الجديدة بنوع من عدم الثقة في البداية، ولا يعرضون أنفسهم للمخاطر حتى يثبت الطرف الآخر جدارته بنيل ثقتهم. وبما أن العمل عن بُعد يفتقر إلى الأدلة المميزة، فمن الصعوبة بمكان بناء الثقة في البيئات الافتراضية. وبمجرد ترسيخ دعائم الثقة (استناداً إلى الأدلة التراكمية)، فلن يَفسَد هذا الدليل أو يتلاشى أثره إلا في حال تعرضت الثقة لخيانة كبرى.

ومن هنا فإن الخطوة الأولى والمحورية تتمثل في عدم افتراض أن الآخرين يبنون الثقة بطريقتك أنت. ضع هذه الحقيقة نصب عينيك، ثم ابذل قصارى جهدك للتعرف على كلٍّ من أسلوبك الشخصي وأسلوب الطرف الآخر في بناء الثقة ولا تدخر جهداً في التأقلم معه. وإذا كنت من أصحاب الثقة التلقائية وكان الطرف الآخر أكثر اعتماداً على الأدلة، فهذا يعني أنك بحاجة إلى إبطاء توقعاتك والتركيز على تزويد هذا الشخص بالأدلة التي تثبت قدرتك على التنبؤ وجدارتك بالثقة على نحو متواصل ومتكرر. أما إذا كنت من النوع الذي يحتاج إلى دليل مسبق قبل أن يبدي ثقته بالآخرين وكان الطرف الآخر من النوع الذي يثق بالغير فور وصولهم، فمن الأهمية بمكان أن تراقب سلوكياتك التي قد تشير إلى حدوث خيانة بالنسبة لهم.

من المرجح أن يستمر العمل عن بُعد على نطاق واسع لفترة من الزمن. ويجب على قادة الشركات الذين يرغبون في الحفاظ على الروح المعنوية وتجنب النتائج السلبية، مثل ارتفاع معدلات استنزاف الموظفين، اتخاذ خطوات إيجابية لبناء (أو إعادة بناء) الثقة مع العاملين من المنزل وبين موظفيهم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .