الميزة الفريدة في التمويل الجماعي ليست الأموال، بل المجتمع

4 دقائق
الميزة الفريدة في التمويل الجماعي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

حقق التمويل الجماعي (Crowdfunding) نمواً هائلاً، إذ تخطت الأموال التي جُمعت من خلال التمويل الجماعي في الولايات المتحدة في عام 2015 فقط مبلغ 2 مليار دولار من حصيلة بيع حقوق الملكية والمكافآت. (يشرح هذا الفيديو أنواع التمويل الجماعي المختلفة) إلا أن التمويل الجماعي أكثر من مجرد وسيلة لجمع الأموال، فما هي الميزة الفريدة في التمويل الجماعي؟

أهمية التمويل الجماعي

بتوصيل المبتكرين ورواد الأعمال بالعملاء والممولين مباشرةً، تتحول السوق المبهمة الخاضعة لسيطرة قلة من رجال الأعمال في مراحل التمويل الأولية وتصبح أكثر ديمقراطية وانفتاحاً. وبدلاً من الاعتماد على مستثمري رأس المال المغامر وخبراء التسويق لمحاولة جلب الطلب على الابتكارات الجديدة، يمكن للمبتكرين الوصول إلى العملاء والمجتمعات مباشرةً لتحسين الأفكار وقياس مدى الاهتمام بها. إذ يعمل التمويل الجماعي كمنصة لتوصيل المبتكرين بمن يحتاجون إلى الابتكار، وبذلك يعيد تشكيل الأفكار التي تنتقل إلى السوق.

على سبيل المثال، تعدّ تقنية الواقع الافتراضي الأكثر شيوعاً هذه الأيام، إلا أن الممولين التقليديين تجاهلوها إلى حدٍ كبير بعد خيبة آمالهم في هذه التقنية في التسعينيات. (شاهد جزءاً من فيلم “رجل جزازة العشب” (Lawnmower Man)، إذا أردت أن تصدم في إصدار التسعينيات من تقنية الواقع الافتراضي). في عام 2012، ذكر بالمر لاكي عضو “مجلس الرسالة المجتمعية لتقنية الواقع الافتراضي” أنه أراد أن يطلق مشروعاً مبدئياً للتمويل الجماعي لعمل نظارات واقع افتراضي جديدة كان يفكر فيها، ثم ظهرت شركة “أوكولوس ريفت” (Oculus Rift) لأجهزة وتقنيات الواقع الافتراضي. طلب مساعدةً من أعضاء مجتمعه لدعم الحملة (التي قال عنها إنه “لن يربح منها فلساً”)، ولكن لمساعدته في تطوير الشعارات وعمل عروض المبيعات وتحسين التقنية. وبناءً على هذا الأساس، حققت الحملة المبدئية التي أطلقت بعد ذلك بشهرين نجاحاً هائلاً، إذ جمعت ملايين، وفجأة لم تعد تقنية الواقع الافتراضي صيحةً منسيةً من فترة التسعينيات، وصارت مجالاً تقنياً شائعاً. ولم يتوقف النجاح عند حد شراء “فيسبوك” لـ “أوكولوس” مقابل ملياري دولار، بل شهد مجال الواقع الافتراضي نمواً هائلاً مع شركات “مايكروسوفت” و”سوني” و”سامسونج”، وغيرها من الشركات التي أعلنت عن منتجات رائدة.

لم يكن هذا ليحدث قط دون التمويل الجماعي.

تشير دراساتي الاستقصائية للممولين الجماعيين الناجحين إلى أن التمويل الجماعي يعمل على التحقق من صحة الطلب وبناء مجتمعات لتقديم الدعم. في حالة “أوكولوس”، لعب التمويل الجماعي دور المنصة التي سمحت لمجتمع “لاكي” من الهواة المتحمسين لتقنية الواقع الافتراضي، بتقديم الدعم مباشرةً لواحد منهم، ما جعل من “أوكولوس” واقعاً دون الحاجة إلى المرور من خلال حراس البوابات التقليديين. وفي مجموعة من المشاريع البحثية، حاولت أنا والمؤلفون المشاركون معي فهم شكل هذا العالم الأكثر ديمقراطية في جمع التمويل، وما يعنيه استخدام قوة المنصات لتحويل التمويل المبدئي للأفكار.

كانت إحدى نتائج جمع الأموال عبر المنصة هي إنشاء اتصال مباشر بين منشئ المشروع والممول، بإذ ينتهي المجتمع مالك المشروع غالباً إلى الشعور بملكية المشاريع التي يدعمها. وتكون هذه الملكية في معظم الأوقات إيجابية إلى حدٍ كبير، إذ يمكنها أن تؤدي إلى إنشاء مجتمعات لمنتجات مجانية (مثل التطبيقات التي تستخدم تقنية جديدة ممولة جماعياً) إلى جانب تقديم الدعم الترويجي.

أيضاً، تغرس جهود الدعم المجتمعي حساً بالالتزام لدى منشئي المشروع. ونتيجة لذلك، يَنْدُر فشل التمويل الجماعي بشكل ملحوظ، رغم وجود تداعيات محدودة تنشأ عن عدم إنجاز منشئي المشروع أهدافهم. فنجد أن حوالي 9% فقط من المشاريع لا تحقق منجزاتها، ويبذل منشئو المشروعات جهوداً استثنائية، كالإنفاق من أموالهم الخاصة، للوفاء بوعودهم للداعمين. ففي الحالات التي تُمنح فيها الأموال كاستثمار غير شخصي، تظل تكلفة الفشل كبيرة، لكنها لا تكون فردية بنسبة كبيرة. فيكون بإمكان المؤسس الذي فشلت شركته الناشئة الأولى لعوامل خارج عن سيطرته، الحصول على تمويل من مستثمري رأس المال المغامر في المستقبل، إلا أن منشئ المشروع الذي يفشل في الوفاء بمنجزاته أمام داعميه سيجد على الأرجح جمهوراً أقل تسامحاً.

ويتجاوز النشاط بين منشئي المشاريع والداعمين حدود الالتزام المجرد، فحقيقة وجود الكثيرين من الداعمين (ما يفوق 9 ملايين في التمويلات المبدئية فقط) تعني أن منصات التمويل الجماعي يمكنها إنشاء المزيد من أنواع الربط بين منشئي المشاريع والداعمين، مما يزيد من تنوع الأفكار المُمَوَّلة. وتعتمد معظم الأنواع التقليدية لجمع التمويل على شبكات شخصية وقواعد بديهية لتقييم جودة المؤسس. ونظراً للتحيزات (اللاإرادية غالباً) في هذه المناهج المتبعة، يميل جمع التمويلات إلى تفضيل أفراد بعينهم، كالذكور الخريجين من بعض الجامعات المرموقة. أما النساء -على سبيل المثال- فاحتمال تمويلهن أقل من الرجال بكثير، حتى إن أقل من 8% من الشركات المدعومة من مستثمري رأس المال المغامر شاركت إناث في تأسيسها.

الفروقات الأساسية بين الرجال والنساء

إن أداء النساء يفوق الرجال في مجال التمويل الجماعي، إذ يشير بحثي الذي أجريته مع جايسون غرينبيرغ (Jason Greenberg)، من جامعة “نيويورك”، أنه عند تساوي الظروف يكون احتمال جمع النساء للأموال ونجاحهن في الحملات المبدئية أكثر بنسبة 13% من الرجال. كما وجدنا أن هذا النجاح يأتي من دعم النساء الأخريات، خاصةً عندما يكون مشروع الإناث في مجال تحت سيطرة الذكور، مثل مجالات التكنولوجيا وألعاب الفيديو. ولأن التمويل الجماعي يعمل بمفهوم المنصة، يمكن أن يكون لدى الداعمين أي سبب من الأسباب التي تدعو لدعم المشاريع، بما في ذلك الرغبة في مساعدة مجتمع أو دعم قضية.

رغم تنوع الداعمين، يشير بحث أجريته مع رامانا ناندا، من كلية “هارفارد للأعمال”، أن لديهم خبرة في صناعة القرارات تكافئ مستوى الخبراء على الأقل. وقد طغى التمويل الجماعي على حضور “الوقف الوطني للفنون” (National Endowment of the Arts) كمصدر لتمويل الفنون، وهو ما يدعو بعض النقاد للقلق من تفضيل الجمهور للأعمال متدنية الثقافة على حساب الأعمال الجادة (ما يعني تقديم مزيد من الاستعراضات الغنائية وقليل من الأعمال التجريبية). وقد درسنا أنا ورامانا معاً ما إذا كان الجمهور والخبراء يتفقون أو يختلفون حول ما يجب تمويله، وذلك بطرح أسئلة على نُقاد محترفين لتقييم المشاريع المبدئية. وجدنا أن الجمهور والخبراء يتفقون بدرجة كبيرة، وعندما يختلفون يكون الجمهور أكثر ميلاً للمخاطرة في المشاريع مقارنة بالخبراء. كما أن المشاريع التي دعمها الجمهور (لا الخبراء) حققت في النهاية رقماً من النجاحات التجارية الحاسمة أعلى مما حققته المشاريع التي وافق عليها الخبراء. وهذا يشير إلى أن تخصيص الموارد القائم على المنصة بإمكانه تكملة عملية صناعة القرار الأكثر تقليدية التي على الخبراء اتخاذها.

وفي نهاية الحديث عن الميزة الفريدة في التمويل الجماعي، غالباً ما يصاحب المنصات الموجهة نحو المستهلك اقتصاد “العروض” الذي يربط العملاء بالموردين على أساس عقود قصيرة المدى. إلا أن التمويل الجماعي يشير إلى أن المنصات بإمكانها لعب دور أساسي في استمرار الأعمال والابتكارات المهمة. كما ينشأ عن الانتقال من العمليات المرتكزة على الخبراء إلى المنهج القائم على المنصة زيادة في التنوع ونتائج عالية الجودة، كما يؤدي إلى نتائج ناجحة بشكل عام.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .