الموارد البشرية تتجه نحو منهجية أجايل

17 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio
لم تعد منهجية “أجايل” للعمل الإبداعي التعاوني مقتصرة على شركات التكنولوجيا، فهو اليوم يغير طريقة عمل الشركات سواء في التوظيف وتطوير المهارات أو إدارة الموارد البشرية.

يمكن القول أن الموارد البشرية على مستوى العالم باتت تدرك اليوم أهمية الانتقال إلى منهجية “أجايل” للعمل الإبداعي التعاوني. وتزداد يوماً بعد يوم الرغبة بتطبيق تلك المنهجية ولو بشكل غير مكتمل عبر ما يسمى منهجية “أجايل لايت” والتي تعني تطبيق مبادئها العامة دون أن تبني كافة الأدوات والبروتوكولات المستخدمة في عالم البرمجة. إنها حركة تبتعد عن منهجية تقوم على الأحكام والتخطيط باتجاه نموذج أبسط وأسرع يستمد زخمه من آراء المشاركين. لقد حقق هذا النموذج التشغيلي الجديد نجاحاً حقيقياً في مجال إدارة الأداء. (فقد بين مسح أجرته شركة ديلويت في سنة 2017 أن 79% من الرؤساء التنفيذيين العالميين صنفوا إدارة الأداء وفق منهجية “أجايل” بأنها ذات أولوية عالية لشركتهم.) ولكن التغيير بدأ يطال كذلك عمليات أخرى في مجال الموارد البشرية. يحدث الأمر في العديد من الشركات بصورة تدريجية، وعلى نحو طبيعي تقريباً، بتأثير من عالم تكنولوجيا المعلومات، حيث يستخدم 90% من شركات القطاع التقني ممارسات “أجايل”. وقد بدأ التحول في بنك مونتريال في كندا على سبيل المثال مع انضمام موظفي قسم التكنولوجيا إلى فرق تطوير المنتج متعددة الوظائف والتي أثمرت تركيز المصرف بشكل أكبر على على المستهلك. لقد تعلم المسؤولون عن العمليات التجارية مبادئ “أجايل” من زملائهم في قسم تقنية المعلومات الذين تعلموا بدورهم عن احتياجات العملاء من فرق العمليات التجارية. وتمثلت إحدى النتائج في أن بنك مونتريال يفكر اليوم في إدارة الأداء من خلال ذهنية فرَق العمل وليس الأفراد فحسب. وفي أماكن أخرى، كان الانتقال لاعتماد “أجايل” في الموارد البشرية أسرع وبناء على خطة مدروسة. وخير مثال على ذلك شركة جنرال إلكتريك التي ظل يُنظر إليها لسنوات على أنها التجسيد الأمثل لحسن الإدارة من خلال أنظمة الضبط والرقابة. لقد انتقلت الشركة إلى منهجية “فاست ووركس” (FastWorks) الخفيفة التي تخفف من الضوابط المالية من القمة إلى القاعدة وتحرص على تمكين الفرق من أجل إدارة المشاريع وفق الاحتياجات.

اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: مهام إدارة الموارد البشرية

لقد طال انتظار التغييرات في مجال إدارة الموارد البشرية. فبعد الحرب العالمية الثانية، عندما هيمن التصنيع على المشهد الاقتصادي، كان التخطيط في صميم الموارد البشرية: استعانت الشركات بسجناء محكومين مدى الحياة وأوكلت إليهم مهام دورية لدعم تطورها، وأعدتهم مسبقاً على مدى سنوات لتولي أدوار أكبر، وربطت زيادة أجرهم مباشرة بكل انتقال تدريجي على سلم الترقيات داخل الشركة. كانت البيروقراطية هي الأساس: لقد ارادت الشركات أن تكون ممارساتها في إدارة الكفاءات والمواهب مستندة إلى قواعد محددة ومنسجمة داخلياً بحيث تخدم بصورة موثوقة خططها الخمسية (وأحيانا لخمس عشرة سنة). كان ذلك منطقياً، وكل مجال في الشركة، من الأعمال الرئيسية إلى الوظائف الإدارية، اعتمد على التخطيط طويل المدى في تحديد الأهداف وتخصيص الميزانية والعمليات. لقد عكست الموارد البشرية ودعمت ما كانوا يفعلونه.

وبحلول تسعينات القرن الماضي، وعندما أصبح من الصعب التنبؤ بمستقبل الأعمال التجارية واحتاجت الشركات مهارات جديدة بسرعة، بدأت تلك المنهجية التقليدية بالانحناء، لكنها لم تنكسر.

شرعت الشركات تستعين بموظفين من خارج مصانعها لضمان مزيد من المرونة، عوضاً عن تطوير المهارات الداخلية والترقيات. ومنحت التعويضات “واسعة النطاق” المدراء مجالاً أوسع لمكافأة الناس مقابل النمو والإنجاز المتحقق ضمن المهام الملقاة على عاتقهم. مع ذلك، استمر العمل بالنموذج القديم في جزء كبير منه. ومثل سائر الوظائف، استمر تخطيط الموارد البشرية على المدى البعيد، واستمر تخطيط القوى العاملة وتعاقب الموظفين حتى وإن جعلت التغيرات الاقتصادية وفي قطاع الأعمال هذه الخطط غير ذات أهمية. واستمرت الزيادات السنوية للأجور رغم أنها لم تعد تحظى برضا على مستوى عالمي تقريباً.

نحن نشهد اليوم تحولاً أعمق بكثير. فلماذا نشهد مثل هذا التحول الآن؟ لأن الابتكار السريع بات ضرورة استراتيجية بالنسبة لمعظم الشركات وليس مجرد مسألة ثانوية. ولتحقيق ذلك، لجأت شركات الأعمال إلى وادي التكنولوجيا “سيليكون فالي” وإلى شركات تطوير البرمجيات تحديداً وعملت على محاكاة ممارساتها القائمة على منهجية “أجايل” في إدارة المشاريع. وهكذا باتت الطرائق الأكثر خفة والقائمة على تلبية احتياجات المستخدم تحل محل نماذج التخطيط الرأسية من  القمة إلى القاعدة. يحصل هذا لأن الطرائق الجديدة أفضل ملاءمة للتكيُّف على المدى القريب والاستجابة للتغيرات، من خلال إتاحة على سبيل المثال تنفيذ نماذج أولية سريعة،  والحصول على الآراء والتقييمات بصورة متكررة تزايدية، واتخاذ القرارات على أساس الفريق، والعمل ضمن فترات زمنية قصيرة أو “سبرنتس” (sprints) مع التركيز على إنجاز المهمة المحددة. عن ذلك تقول مديرة التحول لدى بنك مونتريال لين روجر إن “السرعة هي العملة الجديدة في قطاع الأعمال”.

ومع انتفاء المبررات التجارية للاحتفاظ بأنظمة الموارد البشرية القديمة، وتوفر دليل “أجايل” لنسخه، حصلت إدارة الموارد البشرية هي الأخرى في النهاية على عملية الإصلاح الشامل التي طال انتظارها. في هذا المقال، سنتطرق إلى بعض من التغيرات العميقة التي تجريها الشركات في ممارسات إدارة الكفاءات ونشرح التحديات التي تواجهها في تحولها إلى منهجية “أجايل” في إدارة الموارد البشرية.

أين تحدث التغيرات الأوسع؟

نظراً لأن الموارد البشرية مرتبطة بكافة أعمال وموظفي الشركة، فإن تحول الشركة لاعتماد منهجية “أجايل” قد يكون أشمل (وأصعب) من التغيرات الحاصلة في وظائف إدارية أخرى. تقوم الشركات بإعادة تصميم ممارسات إدارة الكفاءات في المجالات التالية:

تقييمات الأداء

عندما تتبنى الشركات منهجيات “أجايل” في عملياتها الرئيسية، فإنها تتخلى عن فكرة السعي للتخطيط المسبق لسنة أو أكثر حول كيف ستسير المشاريع ومتى ستنتهي. وهكذا وفي حالات عديدة كانت أول ممارسة تقليدية على صلة بالموارد البشرية يتم التخلي عنها هي المراجعة السنوية للأداء إلى جانب أهداف الموظفين التي تندرج نزولاً من أهداف وحدات الأعمال كل سنة. وعندما بدأ الأفراد يعملون على مشاريع أقصر أجلاً ولفترات زمنية مختلفة يشرف عليها قادة مختلفون في أكثر الأحيان وتنتظم حول فرق، لم يبق معنى لمفهوم تقييم الأداء الذي يحدث مرة في السنة ويأتي من مسؤول واحد. لقد أرادوا أكثر من ذلك، ومرات أكثر، ومن عدد أكبر من الناس.

أشار مسح أجرته شركة “سي إي بي” (CEB) في المراحل الأولى من التحول أن الناس حصلوا على تقييم أقل ودعم أقل عندما تخلت الشركات عن المراجعات السنوية. ولكن ذلك حصل لأن العديد من الشركات لم تعوضها بأي ترتيب آخر. لم يشعر المدراء بالحاجة الملحة إلى اعتماد نموذج تقييم جديد وحولوا اهتمامهم إلى أولويات أخرى. ولكن التخلي عن التقييمات من دون خطة لملء الفراغ كان بالطبع محكوماً بالفشل.

وبعد أن تعلمت ذاك الدرس القاسي، انتقل العديد من الشركات إلى تقييمات الأداء المتكررة التي تجري في أحيان كثيرة على أساس كل مشروع. انتشر هذا التغير إلى عدة قطاعات بما فيها شركات البيع بالتجزئة مثل “جاب” (Gap) وشركات الأدوية الكبيرة مثل “فايزر” (Pfizer) والتأمين مثل “سيغنا” (Cigna) والاستثمار مثل “أوبنهايمرفاندز” (OppenheimerFunds) والمنتجات الاستهلاكية مثل “بروكتر أند غامبل” والمحاسبة مثل الشركات الأربع الأكبر في مجال المحاسبة عالمياً. وبات الأمر أكثر شهرة لدى “جنرال إلكتريك”، عبر مختلف أقسام الشركة، ولدى “آي بي أم”. وفي الإجمال، بات التركيز على إجراء تقييم مباشر تقريباً على مدار السنة لتشجيع الفرق على العمل بخفة أكبر، وتصحيح الأخطاء في إثناء العمل، وتحسين الأداء، والتعلم من التكرار – وكلها من مبادىء “أجايل” الأساسية.

وفي طريقة العمل التي تستند إلى تلبية احتياجات المستخدم، عمل المدراء والموظفون معا على تصميم واختبار وتنقيح العمليات الجديدة. وعلى سبيل المثال، وفرت “جونسون أند جونسون” لفرقها الفرصة للمشاركة في تجربة لاختبار عملية جديدة للتقييم المتواصل باستخدام تطبيق مصمم خصيصاً لذلك يتبادل من خلاله الموظفون وزملاؤهم والمدراء الآراء بشكل مباشر.

كانت العملية الجديدة محاولة للابتعاد عن إطار “المحادثات الخمس” التي كانت تعتمدها الشركة (وتركز على تحديد الهدف، ومناقشة المسار المهني ومراجعة نصف سنوية للأداء، وتقييم نهاية السنة، ومراجعة المكافأة) باتجاه نموذج للحوار المتواصل. طُلب ممن جربوا التطبيق مشاركة تقييمهم حول كيف سارت الأمور، وما هي المشكلات التي واجهوها، وهكذا. استمرت التجربة ثلاثة أشهر. وفي البداية شارك بفعالية فقط 20% من المدراء في الفترة التجريبية. وكان من الصعب تجاوز الجمود الذي اعتادوا عليه خلال السنوات السابقة عندما كان يجري التقييم بصورة سنوية. عندها لجأت الشركة إلى التدريب لكي تشرح للمدراء ما يكون عليه التقييم الجيد واختارت “أبطال التغيير” ليكونوا قدوة ويتصرفوا بالطريقة المرجوة ضمن الفرق. وبنهاية الأشهر الثلاثة، كان قد شارك 46% من المدراء في المجموعة النموذجية في العملية، وتبادلوا 3,000 رأي تقييمي.

وتذهب أبعد من ذلك في عملية إصلاح ممارسات التقييم شركة “ريجينيرون فارماسيوتيكالز” (Regeneron Pharmaceuticals) للتكنولوجيا الحيوية التي تشهد نمواً سريعاً. وتقول ميشيل وايزمان غارسيا مسؤولة التطوير المهني إن أداء العلماء الذين يعملون على تطوير الأدوية، ومجموعة إمداد المنتج، وفريق المبيعات، والأقسام الوظيفية للشركة، لا ينبغي قياسها خلال الدورة نفسها وبالطريقة نفسها. ولاحظت أن مجموعات الموظفين هذه تحتاج إلى تقييمات متفاوتة، حتى أنها تعمل وفق جداول زمنية مختلفة.

وبالتالي، صممت الشركة أربع عمليات تقييم مختلفة، وفق احتياجات المجموعات المختلفة. يعشق العلماء الباحثون وحملة الدكتوراه على سبيل المثال القياسات ويتحمسون لقياس الكفاءات، وهكذا يلتقون مع المدراء مرتين في السنة من أجل تقييم الكفاءة والاستعراضات المرحلية. تُدرج المجموعات التي تتعامل مع المستهلكين التقييمات الصادرة من العملاء والمستهلكين ضمن تقييماتها. وعلى الرغم من أن إدارة أربع عمليات منفصلة يزيد الأمور تعقيداً، غير أنها جميعها تعزز القاعدة الجديدة في الحصول على آراء وتعليقات بصورة متواصلة. وتقول وايزمان غارسيا أن الفائدة التي تجنيها الشركة تتجاوز بكثير التكلفة التي تتحملها الموارد البشرية.

التوجيه

تستثمر الشركات التي تعتمد إدارة ممارسات الكفاءات “أجايل” بدرجة عالية من الكفاءة في صقل مهارات المدراء التوجيهية. يشارك المشرفون في شركة “سيغنا” في برنامج التدريب الذي يحمل اسم تأهيل “الموجه” وهو مصمَم للمدراء كثيري الانشغال: يُقسم التدريب إلى أشرطة فيديو أسبوعية من 90 دقيقة يشاهدها المعنيون عندما يكون لديهم الوقت لذلك. ويشارك المشرفون في حصص تعليمية تشبه “سباقات سبرنت تعليمية” في منهجية “أجايل” لإدارة المشروعات، وهي حصص سريعة وممتدة لتمكين الأفراد من التأمل فيها واختبار مهارات جديدة في أثناء أداء العمل. ويتضمن برنامج تدريب المدير لدى “سيغنا” كذلك تبادل الآراء وتقييمات العمل بين النظراء: إذ يشكل الزملاء مجموعات تعلم يتشاركون من خلالها الأفكار والتكتيكات. وهم يخوضون المحادثات التي ترغب الشركات في أن يجريها المشرفون مع مرؤوسيهم المباشرين، ولكنهم يشعرون بحرية أكبر في الحديث عن الأخطاء بين بعضهم البعض من دون الخوف من سيف “التقييم” المعلق فوق رؤوسهم.

تستعين  شركة “ديجيتال أوشن” (DigitalOcean) حديثة النشأة في نيويورك والتي تركز على “البرمجة بصفتها خدمة” (SaaS) للبنية التحتية، بموجِّه مختص بدوام كامل في الشركة لمساعدة كل المدراء على مشاركة رأي سديد مع الموظفين وبصورة أوسع، تنمية مهارات التوجيه الداخلية. وتقوم الفكرة على أنه ما إن يختبر أي فرد التوجيه السديد، فإنه يصبح هو نفسه موجهاً جيداً. لا تتوقع الشركة أن يتحول الجميع الى موجهين رائعين – فمن يفضلون في الشركة العمل التقني على التوجيه يتقدمون على مسار مهني تقني – ولكن مهارات التوجيه تُعد مركزية لضمان فرص الترقي وتولي مناصب إدارية.

وتبدو “بروكتر أند غامبل” كذلك مصممة على تحسين مهارات التوجيه لدى المدراء في إطار جهد أوسع لإعادة بناء مهارات التدريب والتطوير لدى المشرفين وتحسين دورهم في الشركة. ومن خلال تبسيط عملية استعراض الأداء، وفصل التقييم عن مناقشات التطوير المهني، والتخلص من جلسات معايرة المواهب (المساومات الاعتباطية بين المشرفين الذين يأتون في أكثر الأحيان مع نموذج تصنيف غير موضوعي وذي دوافع سياسية على صلة بتوازن القوى)، وفرت “بروكتر أند غامبل” الكثير من الوقت لتخصيصه لنمو الموظفين. ولكن تمكين المسؤولين من  الانتقال من الحكم على الموظفين إلى توجيههم في عملهم اليومي مثَّل تحديا للثقافة التقليدية الراسخة لدى الشركة. وهكذا استثمرت الشركة كثيراً في تدريب المسؤولين في مواضيع تتعلق على سبيل المثال بكيفية تحديد أولويات وأهداف الموظفين، وكيفية إعطاء الرأي والتقييم بشأن مساهماتهم، وكيفية مواءمة طموحات الموظفين المهنية مع الاحتياجات المتصلة بنشاط الشركة التجاري وخطط التعلُّم والتطوير المهني. لقد راهنت الشركة على أن بناء قدرات الموظفين والعلاقات مع المسؤولين سيحسن مشاركتهم ويساعد بالتالي الشركة في الابتكار والمضي قدماً بسرعة أكبر. وعلى الرغم من أن الحكم لم يصدر بعد بشأن التحول الثقافي عبر أقسام الشركة وفروعها، تسجل بروكتر أند غامبل تحسنا في هذه المجالات على كافة مستويات الإدارة.

الفرق

تركز الموارد البشرية التقليدية على الأفراد – على أهدافهم وأدائهم واحتياجاتهم. ولكن بما أن الكثير من الشركات بات ينظم عمله على أساس كل مشروع على حدة، باتت أنظمة الإدارة والكفاءات أكثر تركيزاً على الفريق. وهكذا تقوم المجموعات بوضع وتنفيذ ومراجعة أهدافها ومهامها وفق إطار عمل “سكرم” – على مستوى الفريق، في الحال، من أجل التكيف السريع مع المعلومات الجديدة حال ورودها. (قد يكون “سكرم” أكثر العبارات شهراً في قاموس “أجايل”. وهو يأتي من لعبة الركبي الأميركية حيث يلتحم اللاعبون معاً لبدء اللعب من جديد). وهم يتولون بأنفسهم تعقب تقدمهم والتعرف على العوائق وتقييم قيادتهم والخروج بأفكار حول كيفية تحسين الأداء.

في مثل هذا السياق، يتعين على الشركات والمؤسسات أن تتعلم كيف تتصرف إزاء الأمور التالية:

التقييم متعدد الاتجاهات. يعد تقييم النظراء أساسياً لتصحيح المسار وتنمية الموظف في بيئة تعتمد منهجية “أجايل” لأن أعضاء الفريق يعرفون أكثر من أي شخص آخر ما يسهم فيه كل فرد في الفريق. ويندر أن تجري العملية  بصورة رسمية وفي العموم توجه التعليقات إلى الموظف وليس إلى المشرف. هذا يبقي التعليقات بناءة ويؤدي إلى تفادي إحداث تأثير سلبي على الزملاء مثلما يحدث أحياناً في أماكن عمل التنافسية فيها عالية تماماً.

لكن بعض المدراء التنفيذيين يعتقدون أن آراء النظراء يجب أن تؤثر على تقييمات الأداء. وتقول ديان غيرسون مديرة الموارد البشرية في شركة “آي بي أم” أن “العلاقات بين المدراء والموظفين تتغير في سياق الشبكة أي مجموعة المشاريع التي يعمل عليها الموظفون”. ولأن بيئة منهجية “أجايل” تجعل من المستحيل عملياً “تتبع” الأداء بالمعنى القديم، يطلب المدراء في “آي بي أم” رأي الآخرين لمساعدتهم في التعرف في وقت مبكر على المشكلات وحلها. وفي ما خلا الحالات الحساسة، تتم مشاركة الرأي مع الفريق خلال الاجتماعات اليومية السريعة التي تعقد “وقوفاً” وتمريره في تطبيق. يمكن للموظفين أن يختاروا مشاركة المدراء تعليقاتهم لزملائهم أو أن لا يشاركونهم إياها. وهنا يتم إلى حد كبير احتواء السلوكيات التي ترمي إلى إيذاء الآخرين نظراً لأن التعليقات المتصلة بالزملاء والموجهة إلى المشرف تصل إلى أعضاء الفريق وتكشف بالتالي أي شخص يسعى إلى إلحاق الضرر بزملائه.

تثمن الشركات والمؤسسات التي تعتمد منهجية “أجايل” بالمثل عالياً الآراء “الصاعدة” من الموظفين إلى قادة الفريق والمشرفين. لقد اتخذت مؤسسة “ميتر كوربوريشن” (The Mitre Corporation) غير الربحية لمراكز الأبحاث خطوات لتشجيع هذه الممارسات ولكنهم وجدوا أن الأمر يتطلب جهداً مركزاً. بدأوا بمسوحات سرية دورية للموظفين ومجموعات تركيز لمعرفة المسائل التي يرغب الناس في مناقشتها مع مدرائهم. ثم لخص قسم الموارد البشرية تلك البيانات للمسؤولين ليكونوا على اطلاع في حديثهم مع مرؤوسيهم المباشرين. مع ذلك، تردد الموظفون في البدء في إبداء آرائهم بشأن مسؤوليهم – رغم أن الأمر كان بدون ذكر الاسم ولأغراض تطوير العمل فقط – لأنهم كانوا غير معتادين على التعبير عن أفكارهم بشأن ما تفعله الإدارة.

وعلمت “ميتر” أن العامل الأهم لجعل الموظفين يتحدثون بصراحة هو أن يقول المدراء علناً إنهم يريدون أن يسمعوا رأيهم وإنهم يثمِّنونه. في خلاف ذلك يبدي الناس قلقاً، وهو أمر منطقي، من أن قادتهم ليسوا منفتحين حقيقة على سماع آرائهم أو مستعدين لتطبيقها. وفي حال طلب رأي الموظفين بمدرائهم فإن عدم الأخذ بهذه الآراء؛ فإن ذلك يقوض الثقة المكتسبة بصعوبة بين الموظفين ومدرائهم. وعندما بدأت عملية إدارة الأداء الجديدة وجمع الآراء لدى “ميتر”، أكد الرئيس التنفيذي أن مراكز الابحاث بحاجة إلى تكرار الأمر وإدخال تحسينات. وسيبدأون هذه السنة اعتماد نظام معدل للآراء من القاعدة صعوداً.

ونظراً لأن الآراء تتدفق في كل الاتجاهات في داخل الفرق، تستعين شركات عديدة بالتكنولوجيا في إدارة البيانات كبيرة الحجم. تتيح التطبيقات للمشرفين والعاملين والعملاء إعطاء رأيهم مباشرة أينما كانوا. والأهم أن المسؤولين يمكنهم تحميل كل التعليقات لاحقاً، عندما يحين وقت التقييمات وفي بعض التطبيقات، يتاح للموظفين والمشرفين تسجيل نقاط حول مدى التقدم باتجاه الأهداف؛ ويساعد واحد منها على الأقل المدراء في تحليل المحادثات على منصات إدارة المشروع مثل “سلاك” (Slack) لترك تعليقات عن التعاون. وتستخدم “سيسكو” تقنية خاصة بها لجمع معلومات غير معالجة أسبوعياً أو ما تسميه “فتاتاً” من الموظفين بشأن أداء زملائهم. تتيح مثل هذه الادوات للمدراء أن يروا التباين في الأداء الفردي بمرور الوقت، حتى داخل الفرق. ولا يوفر التطبيق سجلاً رسمياً للأداء، بالطبع، ويفضل الموظفون مناقشة المشكلات وجهاً لوجه لتفادي تسجيل حديثهم على ملف يمكن تحميله. نعرف أن الشركات تقدر وتكافئ التحسينات وكذلك بالمثل الأداء الفعلي، ولكن، التكتم على المشكلات بهذه الطريقة قد لا يعود دائماً بالنفع على الموظفين.

حقوق اتخاذ القرار في الخطوط الأمامية. لقد أثر التحول الجوهري باتجاه العمل ضمن فرق على حقوق اتخاذ القرار التي تدفع بها الشركات والمؤسسات نزولاً إلى الخطوط الأمامية عبر تمكين موظفيها وتزويدهم ما يحتاجون إليه للعمل باستقلالية. ولكن هذا يعد تغيَُّراً سلوكياً كبيراً يحتاج الناس إلى الدعم لينجحوا فيه. لنعد إلى بنك مونتريال لنشرح كيف يمكن أن يجري ذلك. عندما اعتمد بنك مونتريال الفرق على أساس منهجية “أجايل” من أجل تصميم بعض خدمات العملاء الجديدة، لم يكن كبار القادة في البنك مستعدين بما فيه الكفاية للتخلي عن بعض سلطاتهم وبالمثل لم يكن من يعملون تحت إدارتهم معتادين على تولي تلك السلطات. وبالتالي وضع البنك موجِّهين لديهم خبرة بمنهجية “أجايل” في فرق العمل. بدأ هؤلاء بإشراك كل فرد بمن فيهم كبار المدراء التنفيذيين في جلسات “استعادية” (retrospectives) منتظمة للتفكر والتعليق والتقييم بعد كل مرحلة أو عملية متكررة. هذه الجلسات هي النسخة الخاصة بمنهجية “أجايل” في الاستعراض الذي يجري ما بعد العمل أو اتخاذ إجراء ما؛ والغاية منها هي الاستمرار في تحسين العمليات. وبما أن الجلسات الاستعادية حددت بسرعة النجاحات الملموسة، والاخفاقات والمسببات الأساسية، سرعان ما أقر كبار القادة في بنك مونتريال بقيمتها وهذا بدوره ساعدهم في الانضمام الى طرائق “أجايل” بشكل عام وتخفيف تشبثهم بسلطة اتخاذ القرار.

ديناميات الفريق المعقدة. في النهاية، ومع تحول دور المشرف من مجرد إدارة الأفراد قدماً باتجاه الاضطلاع بمهمة أكثر تعقيداً تتمثل في إشاعة ديناميكيات مُنتجة وصحية لدى الفريق، يحتاج الموظفون كذلك إلى المساعدة في ذلك في أكثر الأحيان. تقدم وحدة “ذكاء الفريق” (Team Intelligence) المختصة لدى سيسكو هذا النوع من الدعم كونها مكلَّفة تحديد خير الفرق أداء في الشركة وتحليل كيف تعمل ومساعدة سائر الفرق كيف تتعلم منها وتصبح شبيهة بها. تستخدم الوحدة منصة متوفرة عبر كافة أقسام الشركة باسم “مساحة الفريق” (Team Space) تتتبَّع المعلومات المتصلة بمشروعات الفرق واحتياجاتها وإنجازاتها من أجل قياس وتحسين ما تفعله الفرق داخل الوحدات وعبر كل الشركة.

المكافآت. لقد تغيرت طريقة مكافأة العاملين بالمثل. ومن الأمثلة البسيطة على التكيف مع طريقة عمل “أجايل” التي لوحظت في شركات التجزئة مثل “مايسيز” (Macy’s) استخدام المكافآت الآنية تقديراً لمساهمات الفرق أو الأفراد عند حصولها بدلاً من الاكتفاء بعلاوات آخر السنة. لقد بينت الأبحاث والممارسة العملية أن المكافآت تبلي أفضل في تحفيز الأداء عندما تُقدم في أقرب فرصة بعد السلوك المرجو. وتعزز المكافآت الآنية الآراء والتعليقات الآنية بطريقة فعالة. أما زيادات الأجور السنوية فهي أقل فعالية، لأنها تأتي متأخرة.

لقد تخلت شركة “باتاغونيا” (Patagonia) الأميركية لملابس الأنشطة والمعدات الخارجية عن زيادات الأجور السنوية للعاملين ذوي المهارة المعرفية. وبدلاً من ذلك تعدل الشركة الأجور عن كل عمل بوتيرة أكبر استناداً على الأبحاث المتصلة باتجاه معدلات السوق. ويمكن منح الزيادات كذلك عندما يتولى الموظفون مشاريع أصعب أو يحققون أداء أعلى أو أدنى بطرق أخرى. وتخصص الشركة ميزانية خاصة تذهب إلى 1% من موظفيها المتفوقين في مساهماتهم ويمكن أن يقترح المسؤولون إضافة أي مساهمة تنطبق عليها تلك المواصفات بما في ذلك المساهمات داخل الفريق.

تُسخر المكافآت كذلك من أجل تعزيز قيم “أجايل” مثل التعلم ومشاركة المعرفة. وفي عالم الشركات حديثة النشأة على سبيل المثال، تخلت شركة تأجير الملابس عبر الانترنت “رينت ذا رن واي” (Rent the Runway) عن العلاوات الفردية المنفصلة وباتت تحتسبها ضمن الأجر الأساسي. تقول جنيفر هايمان الرئيس التنفيذي للشركة إن برنامج العلاوات صار عقبة أمام التقييم الصادق للأداء بين الزملاء. توقف الموظفون عن توجيه انتقادات بناءة لأنهم يعرفون أن عواقبها يمكن أن تنعكس سلباً على دخل زملائهم. وتضيف أن النظام الجديد يحل هذه المشكلة من خلال “فك الارتباط بين الأمرين”.

أعادت شركة “ديجيتال أوشن” تصميم نظام منح المكافآت بهدف تشجيع المعاملة المنصفة للموظفين ونشر ثقافة  التعاون. وتقوم الشركة بتعديل الأجور مرتين في السنة استجابة للتغيرات الحاصلة في سوق العمل الخارجي وفي الوظائف والأداء. والأهم أن “ديجيتال أوشن” سدت فجوة التوزيع المتساوي للأجور على أساس العمل المتساوي. وهي تسعى عن سابق تصميم إلى التخلص من التنافس الداخلي بناء على إدراكها المؤلم للمشكلات التي تنطوي عليها الثقافات التي تشجع التنافسية الشديدة بين العاملين (مثلما هي الحال لدى مايكروسوفت وأمازون على سبيل المثال). ومن أجل مكافأة الجهود الفردية، تتبع الشركة أين يؤدي الأفراد دوراُ مؤثراً وأين يحتاجون لتنمية مهاراتهم وتطويرها.

وتمثل بيانات تأثير الأفراد على الشركة عاملاً أساسياً في مناقشات الأجور. ولا يُشجع الموظفون بتاتاً على التفاوض بشأن زيادة أجرهم. ولا تُقدم مكافآت مالية سوى إلى 1% من أعلى الإنجازات؛ بمعنى آخر لا تُعتمد عملية ربط الأجر بالجدارة. يستحق كل الموظفين علاوات وهذا يستند إلى أداء الشركة بدلاً من الاداء الفردي. ولتحسين دعم التعاون، تعمل “ديجيتال أوشن” على تنويع محفظة مكافآتها من أجل أن تتضمن هدايا غير مادية ذات مغزى مثل جهاز “كيندل” عليه الكتب المفضلة لدى الرئيس التنفيذي للشركة.

كيف تحفز “ديجيتال أوشن” الموظفين على تقديم خير أداء من دون تضخيم المكافآت المالية؟ يقول نائب قسم الموارد البشرية في الشركة مات هوفمن إنها تركز على بناء ثقافة ملهمة هادفة وخلاقة. ويبدو أنهم نجحوا في الأمر حتى الآن إذ أعطى آخر مسح لقياس اندماج العاملين أجرته “كالتشر أمب” (Culture Amp) ديجيتال أوشن 17 نقطة فوق المعدل في القطاع لجهة رضا الموظفين عن المكافآت.

التوظيف. مع التحسن الذي يشهده الاقتصاد منذ الأزمة المالية العالمية بات التوظيف أكثر إلحاحاً وأكثر “رشاقة”. بهدف تحقيق التوسع السريع، بادرت وحدة جنرال إلكتريك الرقمية الحديثة في سنة 2015 إلى اختبار بعض تجارب التوظيف المثيرة للاهتمام كأن يعمل على سبيل المثال فريق من مختلف الأقسام الوظيفية  معاً على كافة طلبات التعاقد. هنا يمثل “مدير الموظفين” مصالح الأقسام المعنية التي تحتاج إلى متعاقدين مناسبين وبسرعة. ويتعاقب مدراء التوظيف على إدارة الفريق في حال كانوا يقومون بالتعاقد ويشرف “السكرم ماستر” أو “مدير سكرم” على تيسير العملية وإزالة العوائق.

ومن أجل الحفاظ على زخم العملية، يركز الفريق على الوظائف الشاغرة بعد إزالة كل العوائق – إذ لا تتم مشاركة شروط  الوظيفة إذا كان النقاش لا يزال جارياً حول مواصفات المرشحين. ثم نُصنَّف الوظائف الشاغرة تبعاً للأولويات ويركز الفريق على الأهم منها إلى أن تُستكمل. ويعمل الفريق على ملء عدة وظائف في الوقت نفسه ويتشارك أعضاؤه المعلومات بشأن مرشحين قد يكونون مناسبين لشغل مناصب أخرى. ويتابع الفريق دورته الزمنية لشغل المناصب ويتابع كل المناصب الشاغرة على لوحة “كانبان” المأخوذة من عالم البرمجة للتعرف على أي معوقات ومشكلات. وتتبنى شركة “آي بي أم” اليوم نهجاً مشابهاً في التوظيف.

تعمد الشركات كذلك كثيراً على التقنية للعثور على المرشحين المناسبين للعمل وتتبعهم في بيئة عمل تعتمد منهجية “أجايل”. وتعمل جنرال إلكتريك و”آي بي أم” وسيسكو مع شركة التوريد “أسنديفاي” (Ascendify) لبناء برمجية لا تفعل غير ذلك. وتوفر شركة التوظيف في مجال تكنولوجيا المعلومات “هاكر رانك” (HackerRank) أداة إلكترونية للغرض نفسه.

التعلم والتطوير. مثل التوظيف، تعين على التعلم والتطوير أن يتغيرا مع احتياج الشركات حيازة مهارات جديدة بوتيرة أسرع. توفر معظم الشركات في الأصل مجموعة من المساقات التعليمية التي يمكن للموظفين الدخول إليها حسب الطلب. وعلى الرغم من كونها مفيدة لمن لديهم احتياجات واضحة، فإن الأمر يشبه أن تُعطى طالبة مفتاح مكتبة وأن يقال لها أن عليها أن تتخيل ما الذي يتعين عليها معرفته ومن ثم ان تتعلمه. تستخدم المنهجيات الجديدة تحليل البيانات لتحديد المهارات المطلوبة بالنسبة لوظيفة محددة من أجل التطوير ومن ثم تقترح على الموظفين كل بمفرده أي نوع من التدريب وأي وظيفة تناسبهم في المستقبل، بناء على تجربتهم وخبرتهم واهتماماتهم.

تستعين شركة “آي بي أم” بالذكاء الاصطناعي للحصول على مثل هذه النصيحة بدءاً بدراسة الملف الشخصي للموظفين الذي يتضمن المناصب السابقة والحالية والمسار المهني المتوقع والبرامج التدريبية المُنجزة. وصممت الشركة كذلك تدريباً خاصاً ببيئات عمل “أجايل”، عبر استخدام على سبيل المثال، محاكاة متحركة بُنيت حول سلسلة من “الشخصيات” الافتراضية أو الوهمية لتبيان السلوكيات المفيدة مثل المساهمة في إعطاء نقد بنَّاء.

شمل قسم التعلم والتطوير تقليدياً خطط التعاقب – وهي خير مثال على التفكير من القمة إلى القاعدة طويل الأمد والذي يتم بموجبه اختيار الأفراد قبل سنوات من أجل تولي الأدوار القيادية الأهم، وذلك عادةً أملاً في أن يكتسبوا ويطوروا قدراتهم وفق الخطة المرسومة. لكن لا تجري الرياح غالباً بما تشتهي سفن هذه الخطط، ويتبين للشركات أنه في الوقت الذي تصبح معه المناصب القيادية شاغرة، تكون احتياجاتها قد تغيرت. إن الحل الأكثر شيوعاً في هذه الحالات هو تجاهل الخطة والبدء بالبحث من جديد ولكن الشركات والمؤسسات تواصل مع ذلك في أغلب الوقت وضع خطط التعاقب بعيدة الأمد. (لدى نحو نصف الشركات الكبرى خطة لإعداد موظفين لتولي المنصب القيادي). إن شركة بيبسي هي من الشركات التي تتخذ خطوة بسيطة بعيداً عن هذا النموذج من خلال تقليص الإطار الزمني. وتوفر الشركة تحديثات ربع سنوية موجزة بشأن تطوير المرشحين المحتملين لتولي مناصب عليا في الشركة – بدلاً من التحديثات السنوية المعتادة – وتؤخر التعيينات لجعلها أقرب إلى الوقت الذي يُرجَّح أن يتولى فيه هؤلاء المرشحون أدوارهم.

تحديات لا تنتهي

لنكن واضحين، لا تسعى كل مؤسسة أو مجموعة بصورة حثيثة للحاق سريعاً بركب الابتكار والتحديث؛ فالكثير من الوظائف يجب أن تظل إلى حد كبير تُمارس بناء على قواعد محددة. (لنأخذ على سبيل المثال العمل الذي يؤديه المحاسبون ومشغلو غرفة المراقبة في محطة نووية، والأطباء الجراحون). مثل هذه الحالات، قد لا تنطبق عليها ممارسات إدارة الكفاءات “أجايل”.

وحتى عندما تكون هذه الممارسات مناسبة فهي قد تواجه مقاومة – لا سيما داخل قسم الموارد البشرية. يتطلب الأمر تغيير الكثير من العمليات لكي تتمكن الشركة أو  المؤسسة من التخلي عن نموذج “الشلال” القائم على التخطيط على مراحل من أعلى إلى أسفل (وهو إطار عمل خطي بدلاً من أن يكون مرناً أو قابلاً للتكيُّف)، وبعض هذه العمليات متشابك إلى حد كبير مع أنظمة المعلومات والألقاب الوظيفية وما إلى هنالك.

إن الانتقال باتجاه تكنولوجيا المعلومات القائمة على الحوسبة السحابية الذي يحدث بصورة مستقلة زاد في سهولة تبني أدوات تستند إلى التطبيقات. ولكن المسائل المتعلقة بإدارة الموظفين لا تزال غير قابلة للقيادة الكاملة عبر أدوات التكنولوجيا. إن الكثير من مهام الموارد البشرية مثل المنهجيات التقليدية المتصلة بالتعاقد ودمج الموظفين الجدد وبرنامج التنسيق ستصبح متقادمة، مثلها مثل الخبرات المتصلة بهذه المجالات.

في هذه الأثناء، تظهر مهام جديدة. إن مساعدة المشرفين على التخلي عن الحكم على الموظف واعتماد التوجيه بدلاً منه يمثل تحدياً كبيراً ليس لجهة حيازة المهارات المطلوبة فحسب وإنما كذلك لأنه يمس بمكانتهم وسلطتهم الرسمية. إن نقل تركيز الإدارة من الأفراد إلى الفرق قد ينطوي حتى على صعوبة أكبر لأن ديناميكيات الفريق قد تكون صندوقاً أسود لمن لا يزالون يكابدون لفهم كيف يوجهون الأفراد. والسؤال الكبير هو هل يمكن للشركات مساعدة المدراء على استيعاب كل هذه الأمور وفهم القيمة التي تنطوي عليها.

ستتطلب وظيفة الموارد البشرية كذلك إعادة صقل المهارات. ستحتاج إلى حيازة خبرة أكبر في مجال دعم تكنولوجيا المعلومات – خصوصاً أمام الكم الكبير من بيانات الأداء التي ستوفرها التطبيقات الجديدة – وفهم أعمق لكيفية عمل الفرق والإشراف الإداري العملي. لم تشهد وظيفة الموارد البشرية تغييراً في العقود الماضية بالقدر نفسه تقريباً الذي شهدته إدارة العمليات المباشرة (الخطوط التشغيلية) التي تدعمها الموارد البشرية. ولكن الضغط يتزايد اليوم ويأتي من مستوى التشغيل وهذا يجعل التشبث بممارسات إدارة المواهب القديمة أصعب بكثير.

ما يمكن أن تتعلمه الموارد البشرية من قطاع التكنولوجيا

يتقدم رواد “أجايل” في عالم التكنولوجيا بسنوات عن الجميع في تبني المنهجية على نطاق واسع. من يمكن أن يكون إذن أكثر تأهيلاً منهم لإعطاء النصح والتوجيه للمدراء وقادة الموارد البشرية الذي يكابدون من أجل تطبيق ممارسات إدارة الكفاءات “أجايل” في شركاتهم؟ حدد آلاف من مطوري البرمجيات في عدة بلدان وقطاعات في مسح أجري قبل فترة قريبة العقبات الكأداء التي تقف في طريق تطبيق المنهجية على نطاق واسع والطرق التي اتبعوها لتجاوزها.

 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .