التوازن الدقيق في إنجاح استراتيجية المنظومة البيئية المتكاملة

5 دقائق
إنجاح استراتيجية المنظومة البيئية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أصبحت الأنظمة البيئية المتكاملة للأعمال شائعة للغاية. في مقالتي الجديدة في هارفارد بزنس ريفيو حول إنجاح استراتيجية المنظومة البيئية بطريقة صحيحة، أقول أنه كي نتمكن من البدء في صياغة استراتيجية المنظومة البيئية للأعمال، يجب على القادة التعامل مع أسئلة رئيسية تتضمن ما يلي: كيف يمكنك مساعدة الشركات الأخرى في إنشاء القيمة؟ ما الدور الذي يجب عليك ممارسته، أهو المنظم أم الشريك أم المشارك؟ كيف يمكن لمؤسستك التكيّف؟ إلا أن الإجابة عن هذه الأسئلة لن توصلك إلا إلى البداية فحسب، ولكي تنفذ استراتيجية المنظومة البيئية يجب عليك أن تفهم الطريقة التي تؤدي إلى نجاح المنظومة، وهذا يعني على وجه الخصوص أن تقدم عرض قيمة سلس بالإضافة إلى العمل بجد من أجل التوصل إلى ترتيبات الشراكة الجذابة وضمان تحقيق القيمة. تبدو هاتان القوتان متعاكستان ظاهرياً، إلا أنهما مترابطتان وتشكلان عنصري “ين” و”يانغ” المكونين لنجاح المنظومة البيئية للأعمال.

إنجاح استراتيجية المنظومة البيئية

تضم جميع الأنظمة البيئية الناجحة عنصر “يانغ” قوي، وهو عرض قيمة يعتمد على عدة خدمات للعميل تتكامل بسلاسة. خذ مثلاً شركة “تينسنت” والتي تمكنت منصتها “وي تشات” من جسر الفجوة بين حياة الصينيين المشتركين بخدمات الهاتف النقال ونشاطاتهم، بدءاً بالتواصل الاجتماعي وصولاً إلى عمليات الدفع. وفي أوروبا، بنت تينسنت منصة “وي تشات غو” (WeChatGo)، التي تقدم شريحة هاتف نقال مسبقة الدفع توفر على الزبائن الصينيين رسوم تجوال البيانات المكلفة، ولكنها أيضاً تقدم منصة تصل السياح الصينيين بالمتاجر والمتاحف والوجهات السياحية المحلية، وتقدم لهم تخفيضات ضمن التطبيق وتقدم لهم تجربة سلسة وبديهية.

اقرأ أيضاً: الأنشطة الجانبية الاستراتيجية

وهناك مثل آخر في تطبيق “بلو لينك” (BlueLink) التابع لشركة هيونداي، الذي يسمح لأصحاب سيارات هيونداي إدارة سياراتهم عن طريق هواتفهم النقالة. ويمكن لأصحاب سيارات هيونداي من خلال منظومة “بلو لينك” الحصول على خدمات مثل غسيل السيارة أو إيصال البقالة إلى صندوقها وهي واقفة في المرآب.

ثم هناك شركة التأمين ذات القيمة الأعلى على مستوى العالم، “بينغ آن” (PingAn)، إذ تعتمد قوتها اليوم على انتقالها إلى قطاع الرعاية الصحية عن طريق شركة “غود دكتور” (Good Doctor)، التي يعتمد عليها 300 مليون صيني لمساعدتهم في التعامل مع الرعاية الصحية المقدمة لهم. وفي أوروبا، هناك شركة أصغر تدعى “بابيلون هيلث” (Babylon Health)، وهي أيضاً تؤمن الحصول على خدمات الرعاية الصحية بسهولة، عن طريق دمج أدوات التشخيص القائمة على الذكاء الاصطناعي والربط مع مزودي الرعاية الصحية والخدمات الصيدلانية.

وفي جميع هذه الحالات، تقوم المنظومة البيئية للأعمال، وهي عبارة عن مجموعات شركات يربطها منظّم (دون أن يملكها غالباً)، بتقديم حلول جديدة متكاملة ومركزة على الزبون. فهي ليست مجرد حزمة عروض تفرض على الزبون، وإنما تتعلق بما يحتاج المستهلك إليه فعلاً، ولا تتعلق بغرور الشركة.

يكمن دعم هذه البساطة بالنسبة للزبون في تحدّ أقل وضوحاً ولكنه يشكل أهمية بالغة للتخطيط الاستراتيجي الدقيق، وهو عنصر “ين” في المنظومة البيئية. ويشير ذلك إلى بناء شبكة معقدة محسوبة استراتيجياً من العلاقات التي تؤدي إلى نجاح المنظومة البيئية. عندما أنشأت تينسنت منصة “وي تشات غو” في أوروبا، تعاقدت مع شركة “كيه بي إن” (KPN) الألمانية، وهي مشغل خدمة اتصالات، كي تحصل على شرائح أوربية ذات فترات بث مسبقة الدفع يمكن لتينسنت إرسالها للسائحين الصينيين قبل أن يصعدوا إلى الطائرة. ثم بنت تينسنت منصة كاملة حول شركة “كيه بي إن” وعقدت الصفقات مع المتاجر الأوربية والوجهات السياحية كي تجعل عروضها ذات قيمة حقيقية بالنسبة للسائحين الصينيين ولمن يرغبون بتقديم الخدمات لهم على حد سواء.

اقرأ أيضاً: استراتيجيتك للأجهزة المحمولة لا يجب أن تقتصر على الهواتف فحسب

وفي هذه الأثناء، تتمتع شركة “بينغ آن” بمجموعة معقدة من العلاقات مع مزودي المستشفيات، فهي تملك بعضاً منهم فقط، وتتواسط لوضع ترتيبات تعاونية مع البقية وتشاركهم العائدات وتنشئ لهم نماذج تعاون موحدة. وعلى نحو مماثل، لا يعتمد نجاح “بابيلون هيلث” في أوروبا على تجربة المستخدم البديهية فقط، بل على العلاقات الاستراتيجية أيضاً.

وتتطلب شبكة العلاقات هذه قطاعات وبلدان وأساليب انخراط متداخلة، وهي تلزم منظم المنظومة البيئية بمشاركة العائدات، وعادة ما تبدأ ضئيلة أو حتى سلبية في الوقت الذي تتنافس فيه المنظومة البيئية على الزبائن، ومن ثم يحصل على القسم الأكبر من الأرباح مع نموها. يعتمد نجاح المنظومة البيئية للأعمال عادة على عدة ترتيبات، وهي اتفاقات حصص العائدات والمشاريع المشتركة ومشاركة الأقلية أو الأكثرية وعمليات الاندماج والاستحواذ. كما يتطلب الأمر تركيزاً أقوى على مؤشرات الأداء الرئيسية الداخلية في المؤسسات التي تدخل في المنظومة البيئية للأعمال، من أجل ضمان تحقيق المواءمة الاستراتيجية.

وبالطبع، لا يمكن للشركات بناء منظومة بيئية تعود بالنفع على الزبائن وتتوافق مع الشركاء فحسب، بل يجب أن يستمد المنظم بعض القيمة، عاجلاً أم آجلاً. تولد بعض الأنظمة البيئية الأموال النقدية، في حين تعتمد أنظمة أخرى على بناء نجاح مستقبلي عن طريق زيادة التصاق الزبائن وتسهيل النمو أو زيادة حماسة الزبائن. ولكن في جميع الأحوال، يجب على جميع الأنظمة البيئية إنشاء قيمة ملموسة أكثر للمنظم، وهذا مطلب قد يغيبه النسيان في عالم يتدفق فيه التمويل بحرية وتنشئ الأوراق المالية القابلة للتسويق (أو ما يشار إليه بالمسحوق الجاف) لدى شركات الأسهم الخاصة منافسة بالنسبة للفرص القابلة للاستثمار، وحيث تشكل المنصات السمة المميزة لليوم.

خذ مثلاً مشروع مساحة العمل المشترك “وي وورك” (WeWork). فقد اندفع في موجة من الإثارة والحماس مقدماً عروضاً مبهرة للمستأجرين (يانغ) وجاذباً الشركاء لتقديم الخدمات المجتمعية والدعم والخدمات المكملة. ولكن تكمن مشكلة كبيرة في عدم وضوح استراتيجية المنظومة البيئية ونموذج العمل (ين). وعلى الرغم من أن مشروع وي وورك قادر على تحقيق النمو، إلا أن قدرته على تحفيز تدفق المال الإيجابي الذي يمضي قدماً لا زالت غير مؤكدة. ولكن للأسف، لا تكفي حماسة الزبائن ومشاركة الخدمات المكملة.

اقرأ أيضاً: الاستراتيجية الرقمية الجيدة تخلق سحباً جاذبياً

ويظهر هذا الخلل فجأة لأننا نستمد الدروس الخاطئة بشأن ما يجعل المنظومة البيئية تنجح. ويمكن لقليل من المنصات غير النمطية مثل جوجل أو فيسبوك فرض تقييد قوي بهذا الشكل، وما أن تحقق المنظومة البيئية الكتلة الحرجة يمكن للمنظم حكمها كما يشاء، فيفرض الرسوم التي يشاء ويحول الأنظمة البيئية إلى مشاريع مدرة للأموال. بعبارة أخرى، يكفي عرض القيمة الجذاب للزبون (يانغ) لتأمين حماسة المشاركين والقوة التي تتحكم بالزبائن النهائيين. إذن، فالمكون “يانغ” في هذه الحالات القليلة يؤمن المكون “ين” ويحفز نجاح الشركة.

إلا أن معظم الأنظمة البيئية لا تعمل على هذا النحو. وهذا ما تكتشفه شركة أوبر من معاناتها، مع النمو الذي يولد الخسائر والمسار الذي لا تبدو له نهاية واضحة. فالركاب متقلبون بدرجة كبيرة، وهم غير مقيدين، والسائقون أيضاً غير مقيدين ويمكنهم العمل لحساب عدة شركات. ولهذا السبب، تسعى شركة أوبر لمحاكاة شركة “غراب” (Grab) والتوسع والانتقال نحو توصيل الطعام ونقله وما يتعلق بأسلوب الحياة. وبذلك تحاول تحسين عرض القيمة لديها (يانغ) عن طريق تقديم قيمة أكبر للزبائن والتحول إلى تطبيق شامل. ولكنها تحاول أيضاً إعادة بناء استراتيجية منظومتها البيئية وأساليب الحصول على القيمة (ين)، آملة أن تتمكن من تقوية تقييد الزبون وتحسين أرباحها عن طريق التوسع. وهذه الخطوة جريئة في ظل عدم اتضاح الرؤية بعد.

ومع نضوج عالم الأنظمة البيئية، سنشهد قصص نجاح مثيرة للدهشة حول موضوع إنجاح استراتيجية المنظومة البيئية وقصص فشل مذهلة حول ذلك. وستوضح هذه القصص حاجتنا إلى عرض قيمة الزبون مع القدرة على العمل مع الشركاء وإضافة القيمة للمنظم في آن. ووفقاً للفلسفة الطاوية، يجب أن يتوافق الاثنان بعضهما مع بعض وأن يكمل بعضهما بعضاً وأن يتطورا معاً بتناغم. لقد آن أوان اتباع فلسفة جديدة لصنع الاستراتيجيات، وهي: تعني استراتيجية المنظومة البيئية الناجحة صياغة العنصر “ين” الذي يتوافق مع العنصر “يانغ” لديك.

هذه المقالة جزء من سلسلة متصلة بالنسخة الحادية عشر من منتدى بيتر دراكر الدولي.

اقرأ أيضاً: الاستراتيجية العظيمة تبدأ برئيس تنفيذي موجود في الخطوط الأمامية

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .