لا تدع المنصات تحول شركتك إلى سلعة

13 دقيقة
المنصات الرقمية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio
تَعلّم توظيف المنصات الرقمية لصالح علامتك التجارية.

سهّلت المنصات الرقمية الكبيرة متعددة الجوانب مثل “أمازون” و”علي بابا” ومتجر “آب ستور” الخاص بشركة “آبل” على البائعين الوصول إلى زبائن جدد، ولكن من جهة أخرى قد ينطوي إجراء الأعمال على هذه المنصات على مخاطر وتكاليف كبيرة، وهذا ما كشفته آلاف الشركات الكبيرة والصغيرة.

وما يجذب البائعين إلى تلك المنصات في الواقع هو المنافسة الشديدة والمحتدمة على الأسعار فيها. في المقابل، تستغل المنصات أحياناً تبعية البائعين بطرق مباشرة وغير مباشرة، فتزيد الرسوم، وتغير خوارزميات توصياتها لوضع مزيد من التركيز على الأسعار، وتطلب من البائعين نشر الإعلانات إذا كانوا يريدون الظهور في نتائج البحث، وتتنافس مع البائعين من خلال تقليد منتجاتهم، وتفرض قيوداً على الأسعار التي يطلبها البائعون خارج نطاق المنصات، وتغير قوانينها وتصميماتها بطرق تضعف علاقات البائعين مع الزبائن.

وتواجه مجموعة واسعة من الشركات تلك المشكلات، لا سيّما البائعون في منصتي “علي بابا” و”أمازون”؛ ومطورو تطبيقات نظام “آي أو إس” من شركة “آبل” ونظام “آندويد” من شركة جوجل؛ والمطاعم في منصات “دورداش” (DoorDash) و”غرب هاب” (Grubhub) و”أوبر إيتس” (Uber Eats)؛ والفنادق على موقعي “إكسبيديا” (Expedia) و”بوكينغ دوت كوم” (Booking.com)؛ والشركات الصغيرة على منصة “وي تشات” (WeChat) التابعة لشركة “تينسنت” (Tencent)؛ ووسائل الإعلام على منصات “فيسبوك” و”جوجل” و”تويتر”. وتجري سلطات مكافحة الاحتكار والجهات التنظيمية في جميع أنحاء العالم تحقيقات واسعة مع بعض أكبر مشغلي المنصات الرقمية متعددة الجوانب، بما فيها منصات “أمازون” و”آبل” و”فيسبوك” و”جوجل”، بحثاً عن انتهاكات محتملة لقوتهم السوقية.

لكن هذه المعركة لم تنتهِ بالهزيمة، بل يمكن للبائعين استخدام عدد من الاستراتيجيات والأساليب لتجنب التعرض للاستغلال والتسليع. وجمعنا تلك التدابير في 4 فئات.

فكرة المقالة باختصار

المشكلة

يواجه بائعو المنتجات والخدمات والمحتوى على المنصات الرقمية الكبيرة متعددة الجوانب منافسة قوية في الأسعار، ويحصلون على هوامش أرباح منخفضة، ويفقدون السيطرة على علاقاتهم مع الزبائن.

السبب الجذري

مع انتقال المزيد والمزيد من الأعمال التجارية إلى الإنترنت، تزايد اعتماد البائعين على المنصات للوصول إلى أعداد كبيرة من الزبائن.

الحل

يمكن للبائعين استخدام العديد من الاستراتيجيات للاستفادة من المنصات وتقليل مخاطر التسليع في الوقت نفسه. على سبيل المثال، يمكنهم تطوير قنوات مباشرة والاستثمار فيها في أثناء استخدام المنصات كصالات عرض لجذب زبائن جدد. ويمكنهم إما التخصص في تلك المنصات، أي تقديم عروض متخصصة للغاية، أو التوسع فيها، أي تقديم العديد من العروض المختلفة باستخدام خبرتهم في التعامل مع الميزات التي توفرها المنصات. كما يمكنهم شن حملات علاقات عامة وحملات ضغط للاستفادة من الرقابة التنظيمية المتزايدة على المنصات.

طوّر قناتك المباشرة واستثمر فيها!

يجب على البائعين الحد من اعتمادهم على المنصات الرقمية متعددة الجوانب حتى إذا كان من المستحيل تجنب العمل عليها؛ وينطوي الحل الأمثل على الاستثمار في قنواتهم الخاصة، مثل مواقع الويب والتطبيقات الخاصة بعلاماتهم التجارية للوصول إلى الزبائن وتقديم الخدمات لهم بشكل مباشر. وقد أصبح تطوير واجهات متاجر فاعلة عبر الإنترنت عملية سهلة وميسورة التكلفة بالفعل، وذلك نظراً للانتشار الواسع لحلول توفير الأعمال التجارية الجاهزة مثل “شوبيفاي” (Shopify) و”بيغ كوميرس” (BigCommerce) و”ماغينتو” (Magento) و”وو كوميرس” (WooCommerce) و”ميل تشيمب” (Mailchimp) و”سكوير” (Square) و”آبي باي” (Appy Pie) و”ويكس” (Wix). ويتمثل الاختلاف الرئيس بين الاعتماد على موردي أدوات البرمجيات والاعتماد على المنصات الرقمية متعددة الجوانب في أن موردي أدوات البرمجيات لا يملكون أي سلطة على علاقات العلامات التجارية مع زبائنها. على سبيل المثال، توفر منصة “شوبيفاي” جميع الأدوات الرقمية والبنية التحتية التي تحتاج العلامة التجارية إليها لبيع منتجاتها عبر الإنترنت، ودون أن يدرك المستهلكون عادة أن متجر العلامة التجارية قائم على المنصة. ويعود سبب تفضيل التجار عبر الإنترنت منصة “شوبيفاي” (تمتلك أكثر من مليون منهم كزبائن) إلى أنها ليست سوقاً يربطهم بالمستهلكين وهي بالتالي لا تحول شركاتهم إلى سلع، على عكس منصة “أمازون”. وكما قال مؤسس شركة “شوبيفاي” ورئيسها التنفيذي توبياس لوتكه: “تحاول شركة “أمازون” بناء إمبراطورية، بينما تحاول منصة “شوبيفاي” تسليح المتمردين”.

وظهرت حلول الأعمال التجارية الجاهزة (Business-in-a-box) المماثلة في قطاعات سوقية أخرى، وتحاول المنصات الرقمية متعددة الجوانب بناء إمبراطورياتها في تلك القطاعات. تأمّل قطاع المطاعم. تتيح منصات “دورداش” و”غرب هاب” و”أوبر إيتس” للمستهلكين إمكانية وضع طلبيات خارجية وترتيب مواعيد التسليم، لكن نظراً لتزايد اعتماد المطاعم عليها في السنوات الـ 5 الماضية، أصبحت تتقاضى اليوم عمولة تتراوح من 20% إلى 35%. ووفقاً لبعض التقارير، تشارك تلك المنصات أيضاً في ممارسات مشبوهة (على سبيل المثال، هناك مزاعم بأن منصة “غراب هاب” أنشأت عدداً من مواقع الظل التي تدفع المستهلكين إلى الاعتقاد أنهم يطلبون من المطاعم بشكل مباشر). وتمثّل تلك الممارسات تناقضاً صارخاً مع ممارسات شركتي “تشاو ناو” (ChowNow) و”أولو” (Olo)، وهما شركتان ناشئتان ذات نمو سريع وتوفران تكنولوجيا الواجهات الخلفية التي تتيح للمطاعم البيع بشكل مباشر عبر الإنترنت. تدفع المطاعم رسوم اشتراك للشركتين لتشغيل مواقعها الإلكترونية وتطبيقاتها على الأجهزة المحمولة وللحصول على خدمات أخرى مرتبطة بالطلبيات والدفع وبرامج ولاء الزبائن المخصصة والتسويق؛ ويمارس كل مطعم السيطرة الكاملة على علاقات الزبائن وقنوات التسليم والمبيعات المختارة.

من جهة أخرى، ينطوي الجانب السلبي لحلول الأعمال التجارية الجاهزة على ضرورة أن يبتكر البائعون طرقاً مختلفة لجذب الزبائن إلى مواقعهم. ويمكن لمقدمي الحلول المساعدة في ذلك إلى حد ما من خلال عقد الشراكات. على سبيل المثال، عقدت منصة “شوبيفاي” شراكة مع منصة “فيسبوك” في شهر مايو/أيار عام 2020 للسماح لتجارها بإنشاء واجهات متاجر على منصتي “فيسبوك” و”إنستغرام”. كما دخلت في شراكة مع شركة “وول مارت” (Walmart) في شهر يونيو/ حزيران للسماح لتجارها بأن يصبحوا بائعي طرف ثالث بسهولة في سوق التجارة الإلكترونية في “وول مارت”. بمعنى آخر، تُتيح “الاستضافة المتعددة” أو الإعلان في منصات رقمية متعددة الجوانب للبائعين الحد من اعتمادهم على منصة واحدة، أي أن بإمكانهم الانسحاب من المنصات التي تفرض عليهم شروطاً غير مواتية. وقد يؤدي التهديد بالانسحاب من الشراكة أحياناً إلى إبقاء تلك المنصات تحت السيطرة، لا سيّما إذا كان التهديد يأتي من بائع مهم من الناحية الاستراتيجية. (إفصاح: قام أحدنا، وهو جوليان، بتقديم استشارات لصالح شركة “فيسبوك”، وينشر موقع “هارفارد بزنس ريفيو” محتوى على تلك المنصة).

جرى في السنوات الأخيرة تطبيق نهج “شوبيفاي لدعم الشركات” (“Shopify for X) في العديد من القطاعات، وتساعد مجموعة متنوعة من الشركات اليوم في دعم البائعين المستقلين. على سبيل المثال، تتيح منصة “دامبلينغ” (Dumpling) للأشخاص إعداد شركات تسوق شخصي حتى يتمكنوا من تقليل اعتمادهم على المنصات الرقمية متعددة الجوانب، مثل شركة “إنستاكارت” (Instacart) أو تجنبها. وتوفر شركة “لايت” (Lyte) التكنولوجيا والأدوات لمنظمي الأحداث والفعاليات وتتيح لهم إمكانية التحكم في عمليات إصدار التذاكر، وهو ما يجنّبهم التعامل مع شركتي “ستاب هاب” (StubHub) و”تيكت ماستر” (Ticketmaster). ويتيح موقع “نييرست” (NearSt) لمتاجر التجزئة التقليدية في المملكة المتحدة جعل قائمة الموجودات في مخازنها قابلة للبحث على منصة “جوجل” دون الحاجة إلى الإعلان على منصة “أمازون”. (إفصاح: كلانا مستثمر في شركة “نييرست”).

يجب على البائعين الحد من اعتمادهم على المنصات حتى إذا كان من المستحيل تجنب العمل عليها؛ وينطوي الحل الأمثل على الاستثمار في قنواتهم الخاصة للوصول إلى الزبائن وتقديم الخدمات لهم بشكل مباشر.

استخدم المنصات الرقمية متعددة الجوانب كصالات عرض

إن عدد البائعين الذين يستقلون عن المنصات الرقمية متعددة الجوانب قليل جداً مقارنة بالعدد الهائل من المشترين الذين تجتذبهم المنصات. ولتحقيق أقصى استفادة من حلول الأعمال التجارية الجاهزة، يمكن للبائعين استخدام تلك المنصات كمنافذ للحصول على زبائن جدد، إذ سيمنحهم ذلك النهج مزيداً من السيطرة على علاقاتهم مع الزبائن، بما في ذلك بيانات الزبائن، وهو ما يمكّنهم من تصميم عروضهم بشكل أفضل وتحقيق التميّز. بشكل عام، يمكن للبائعين استخدام المنصات الرقمية بصفتها صالات للعرض،

ويتمثل أحد أساليب القيام بذلك في تقديم الصفقات وتوجيه الزبائن الذين يضعون الطلبيات عبر المنصات الرقمية إلى قنوات البائعين. على سبيل المثال ، يمكن للمطاعم وضع القسائم في الأكياس التي تتولى منصات توصيل الطعام إيصالها، وتوجيه الزبائن إلى مواقعها الإلكترونية ومنحهم تخفيضات على أول طلبية مباشرة.

يجب على البائعين أيضاً التفكير في تقليل عروضهم على المنصات الرقمية من خلال تقديم مجموعة متنوعة من المنتجات والخدمات ومكافآت الولاء في قنواتهم المباشرة. ويتّبع بعض البائعين ذلك النهج بالفعل في منصة “أمازون”، حيث يستخدمون المنصة للحصول على أول طلبية (ربما لمنتج يُباع بخسارة)، ويلجؤون عند شحن الطلبية إلى تقديم قسيمة هدفها جذب المستهلك إلى قنواتهم لتكرار الطلبيات، وعرض منتجات أخرى واشتراكات.

وتنطوي الطريقة الفاعلة لحث المستهلكين على التحول إلى قنوات مباشرة على فرض أسعار أقل، لكن تمنع بعض عقود المنصات الرقمية متعددة الجوانب البائعين من اتباع ذلك النهج بالفعل. على سبيل المثال، تحظر شركتا “بوكينغ دوت كوم” و”إكسبيديا” على مواقع الفنادق نشر أسعار غرف أقل من الأسعار المعروضة عليها. وانطوت استجابة العديد من سلاسل الفنادق على منح الزبائن مكافآت ولاء وامتيازات إضافية، مثل القدرة على اختيار غرف محددة أو الدخول إلى مرافق متميزة عندما يحجزون عبر مواقعها الخاصة.

تخلق الرقابة التنظيمية على المنصات الكبيرة فرصاً للبائعين لحشد الدعم العام لقضاياهم والرد على الممارسات التي تجعل شركاتهم سلعاً.

قدّم منتجات متخصصة أو وسّع قائمة منتجاتك

تجبر ممارسة الأعمال التجارية على المنصات الرقمية متعددة الجوانب البائعين على اختيار إحدى وسيلتين لبناء ميزة تنافسية والصمود أمام تهديد التسليع، حيث يمكنهم التخصص من خلال تقديم منتجات أو خدمات محددة للغاية والاستفادة من وفورات الحجم التي تقدمها المنصات، أو التوسع من خلال تقديم العديد من المنتجات أو الخدمات المختلفة والاستفادة من وفورات النطاق.

تخصص. يُعد التخصص في منتج أو خدمة ما استراتيجية جيدة بشكل عام لتحقيق ميزة تنافسية، كما أنه مهم جداً للبائعين العاملين على المنصات الرقمية متعددة الجوانب. عادةً ما تسهل المنصات على المستهلكين مقارنة العديد من العروض وإيجاد منتجهم المثالي، كما أنها تزيد من إمكانية الوصول إلى البائع بتخطّيها الحواجز الجغرافية وجمعها قواعد مستخدمين كبيرة جداً. وتلك الصفات مجتمعة تعني أن حصول البائعين الذين يروجون لأعمالهم على تلك المنصات على ألقاب مثل المورد الأعلى جودة أو الأقل تكلفة في فئة المنتج أو الخدمة المحددة ينطوي على قيمة كبيرة بالنسبة لهم.

قد يخلق التخصص الدقيق في منتج ما على المنصات الرقمية دورة ذاتية التعزيز، أي كلما زاد توافق المنتج مع ما يبحث عنه المستهلكون، زادت تقييماته، وهو ما يزيد من فرص أن تجذب خوارزميات المنصة الزبائن المستهدفين إلى البائع، وكلما اشترى الناس من المنتج وأضافوا تقييماتهم عليه، تتعزز قيمته وميزاته. وبالتالي، يمكن للبائعين الذين يقدمون منتجات متخصصة للغاية بناء ميزة تنافسية مستدامة بمرور الوقت.

لنتأمّل مثال شركة “آنكر” (Anker)، وهي شركة صينية متخصصة في ملحقات أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة، مثل أجهزة الشحن وبنوك الطاقة (باور بانك). تبلغ القيمة السوقية للشركة حوالي 73 مليار دولار، وهي أحد أنجح بائعي الطرف الثالث على منصة “أمازون”. أفاد مؤسس الشركة ستيفن يانغ قائلاً: “تعد تقييمات المنتجات في منصة “أمازون” أهم مدخل في عملية تطوير منتجاتنا الجديدة”. عرضت الشركة منتجاتها في الماضي على منصة “أمازون” فقط، لكنها تبيع منتجاتها اليوم عبر العديد من القنوات، بما في ذلك متاجر التجزئة التقليدية التابعة لشركات “بيست باي” و”تارغت” و”وول مارت”.

وتشمل الأمثلة في سياقات أخرى مقدمي المحتوى المتميزين والمتخصصين على منصة “يوتيوب” (مثل “فايف مينت كرافتس” (5-Minute Crafts) و “ديود بيرفكت” (Dude Perfect) و “مستر بيست” (MrBeast)) وعلى منصة “فيسبوك”، مثل “بورد باندا” (Bored Panda) وعلى “إنستغرام”، مثل “9 جي أيه جي” (9GAG). وكلما زاد عدد المشاهدات والإعجابات التي يحصلون عليها، زادت عائداتهم التي يمكنهم استخدامها للاستثمار في إنتاج محتوى أكثر وأفضل، وهو ما يقود إلى جمهور أكبر.

توسّع. من جهة أخرى، يمكن للبائعين تعزيز خبرتهم حول ميزات المنصات الرقمية متعددة الجوانب واستخدام تلك الميزات على مجموعة من المنتجات والخدمات المختلفة للاستفادة من وفورات النطاق. طور بعض بائعي الطرف الثالث في سوق “أمازون” عمليات فاعلة للغاية للإعلان عن المنتجات وتسويقها وبيعها، وهو ما أتاح لهم إعادة بيع المنتجات من التجار الأصغر الذين يفتقرون إلى الخبرة المماثلة.

وتُعد شركة “ثرازيو” (Thrasio) أحد أنجح المتبنين لتلك الاستراتيجية، وهي بائع طرف ثالث على موقع “أمازون”. تأسست الشركة في شهر يوليو/ تموز عام 2018، وحققت مكانة يونيكورن (قيمة سوقية تبلغ مليار دولار أو أكثر) في عامين فقط، وهو رقم قياسي. وفعلت ذلك من خلال الاستحواذ على بائعي الطرف الثالث في منصة “أمازون” (أكثر من 40 بائعاً آنذاك، و 50 بائعاً آخر بحلول نهاية عام 2020) والاستفادة من خبراتها التشغيلية والتسويقية والبحثية لتنمية مبيعاتها. وتأتي وفورات النطاق التي تستغلها من مشاركة أفضل الممارسات حول كيفية البيع ونوع المنتجات التي يجب بيعها من حيث التسعير والإعلان وتصميم المنتجات والإعلانات لأكثر من 10,000 منتج تقدمه (من مزيلات رائحة الحيوانات الأليفة إلى الجوارب وأدوات المطبخ) ومن البيع المتقاطع (cross-selling) لتلك المنتجات. كما أنها تستفيد من وفورات الحجم في الشحن والإنفاق الإعلاني عند عرض منتجاتها على منصة “أمازون”. تشتمل الشركات الأخرى التي تتبنى ما يدعى باستراتيجية الدمج على منصة “أمازون” على شركات “بووستد كوميرس” (Boosted Commerce) و”هاي داي” (Heyday) و”بيرتش” (Perch)، حيث جمعت كل تلك الشركات تمويلاً كبيراً لمشاريعها.

كما تبنّت شركة “ويف دوت تي في” (Wave.tv) تلك الاستراتيجية أيضاً، وهي شركة ناشئة سريعة النمو تنشر محتوى رياضياً بعيداً عن الخط العام على منصات وسائل التواصل الاجتماعي متعددة الجوانب، بما فيها “إنستغرام” و”فيسبوك” و”سناب شات” و”تيك توك” و”يوتيوب”. تستحوذ شركة “ويف دوت تي في” على المحتوى أو ترخصه من العديد من المصادر وتستفيد من التكنولوجيا وتحليلات البيانات لإعادة تقديمه باسم أكثر من 15 علامة تجارية، بما فيها “بينش موب” (BenchMob) و”هاي ميكرز” (Haymakers) و”باكتس” (Buckets)، وهو ما يزيد من وصول المحتوى إلى المستهلكين على العديد من المنصات التي تبث محتواها عليها.

وعلى الرغم من أن استراتيجية التوسع تتضمن بشكل مثالي تجميع عدد كبير من المنتجات أو الخدمات، يمكن للبائعين الصغار إلى متوسطي الحجم التفكير فيها، حيث يمكنهم تطوير العمليات التي تستفيد من ميزات المنصات لخلق وفورات النطاق لعدد قليل فقط من المنتجات. ويُعد ذلك النهج خياراً جيداً إذا كان أداء البائعين الحاليين لتلك المنتجات ضعيفاً.

اختر الاستراتيجية الأمثل. تُعتبر استراتيجية التخصص أفضل للبائعين “المحليين” الصغار، أي أولئك الذين بدؤوا أعمالهم على أحد المنصات الرقمية متعددة الجوانب بالفعل. في الواقع، تتمثّل أهم الطرق التي تخلق فيها المنصات قيمة في توليد فرص غير مسبوقة لتحقيق النجاح للمنتجات أو الخدمات التي تندرج ضمن مجالات تسويق محددة.

وقد يكون التخصص هو الخيار الأفضل للبائعين (الصغار أو الكبار) الذين يمثّلون شركات راسخة بالفعل خارج نطاق تلك المنصات٠ فنظراً لامتلاكهم عروضاً ناجحة بالفعل، يمكنهم مواءمة تلك العروض بسهولة مع المنصات بدلاً من تعزيز خبرتهم حول الميزات التي تتيح لهم ممارسة عمليات البيع الأفقي، وهو مجال لا يتمتع فيه البائعون “غير المحليين” بميزة نسبية. ومع ذلك، يجب أن يدركوا أن النجاح في المنصات الرقمية قد يتطلب منهم تقديم منتجات متخصصة أكثر من المنتجات التي يعرضونها في شركاتهم.

من جهة أخرى، يعدّ التوسع خطوة طبيعية للجهات الفاعلة المحلية على المنصات الرقمية الذين نجحوا في تقديم عروض متخصصة ولكن لم يعد لديهم مجالاً للنمو في هذه السوق المتخصصة، حيث يمكنهم الاستفادة من الخبرة العميقة المكتسبة في أثناء بيع تلك العروض على المنصات الرقمية للتوسع أفقياً إلى منتجات أو خدمات أخرى. ويُعد التوسع أيضاً النهج المفضل لدى البائعين، مثل شركة “ثرازيو”، الذين تبنّوا ذلك النهج للاستفادة من وفورات النطاق المتاحة في كبرى المنصات الرقمية متعددة الجوانب.

قد تحدد القيود الخارجية في بعض الأحيان ما يمكن تحقيقه عند تقديم خدمات أو منتجات متخصصة، وينطبق ذلك على المضيفين على منصة “إير بي إن بي” (Airbnb) (الذين يواجهون قيوداً على الإشغال المادي لوحداتهم) والمطاعم على منصتي “دورداش” و”غراب هاب” (لأنها تفرض قيوداً على الموظفين والأوقات). ولا يعني ذلك أنه يجب على جميع مضيفي “إير بي إن بي” أن يسارعوا إلى الاستحواذ على مزيد من الشقق أو أن تبدأ جميع المطاعم في تشغيل ما يسمى بالمطابخ السحابية (مرافق مشتركة مُحسّنة لتوصيل الطعام)، لكن بالنظر إلى امتلاك أولئك البائعين موارد محدودة وابتكارهم مجالات تسويق محددة بالفعل، سيكون من الأفضل لهم مضاعفة ما يجعلهم متميّزين.

يوجد احتمال مثير للاهتمام يتمثل في قلب بعض البائعين موازين اللعبة في المنصات وتسليعها جزئياً.

أطلق حملات العلاقات العامة ومارس الضغط

يخلق التدقيق والنقد المكثف الذي تواجهه المنصات الرقمية الكبيرة متعددة الجوانب من قبل الجهات التنظيمية والباحثين ووسائل الإعلام فرصاً للبائعين الكبار والصغار لحشد الدعم العام لقضاياهم ورفض الممارسات التي تهدف إلى تسليع شركاتهم.

ويمكن للبائعين توظيف العديد من الأساليب لتحقيق تلك الغاية، بما في ذلك إجراء مفاوضات جدية، ومشاركة القضايا في وسائل التواصل الاجتماعي، وتقديم الشكاوى إلى سلطات مكافحة الاحتكار أو المحاكم، والانضمام إلى المشاركين الآخرين للتصدي لممارسات تلك المنصات. على سبيل المثال، استفادت شركة “إبيك غيمز” (Epic Games)، مطورة لعبة “فورتنايت” (Fortnite) ذات الشعبية الكبيرة، من كل تلك الأساليب في نزاعها المستمر مع شركة “آبل”. يدور الخلاف بشكل أساسي حول شروط شركة “آبل” التي تنص على أن تجري مدفوعات مشتريات الأصناف الرقمية في الألعاب التي تعمل بنظام “آي أو إس” من خلال متجر “آب ستور” حتى تتمكن من تحصيل عمولة بنسبة 30%. طالبت شركة “إيبك” بتخفيض الرسوم، ونشرت محاكاة ساخرة لإعلان شركة “آبل” الشهير عام 1984 الذي كان أيضاً محاكاة لرواية جورج أورويل البائسة والذي قدمت فيه شركة “آبل” جهاز الكمبيوتر الشخصي “ماكينتوش” لأول مرة، وتمثّل الهدف من تلك المحاكاة الساخرة في جذب الدعم لقضيتها. كما رفعت دعوى لمكافحة الاحتكار، وأنشأت مع منصتي “سبوتيفاي” (Spotify) و”ماتش غروب” (Match Group) ومطوري نظامي “آندرويد” و”آي أو إس” الآخرين حركة “التحالف من أجل عدالة التطبيقات” (Coalition for App Fairness) للضغط على الجهات التنظيمية. أسفرت تلك الجهود عن جعل شركة “آبل” تتساهل مع بعض السياسات، على سبيل المثال، من خلال تبسيط عملية الموافقة على تحديثات التطبيقات. وأعلنت في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 أيضاً أنها ستخفض عمولتها لمطوري التطبيقات إلى النصف بإيرادات سنوية تقل عن مليون دولار.

تأمّل أيضاً مثال المطاعم في نيودلهي التي شنّت في شهر أغسطس/آب عام 2019 حملة عامة منسقة ضد منصات توصيل الطعام الرقمية الكبيرة التي يعتمدون عليها، ألا وهي “زوماتو” (Zomato) و”سويغي” (Swiggy) و”أوبر إيتس”. هدف الاحتجاج الذي انتشر على منصة “تويتر” تحت وسم “#تسجيل_الخروج” (#Logout) إلى إجبار المنصات على تقليل التخفيضات الكبيرة المقدمة للمستهلكين والتي تتحمل المطاعم تكلفتها. وأجبر الضغط الرئيس التنفيذي لشركة “زوماتو” على الاعتذار علناً والاستجابة لبعض المطالب.

قد يكون من المفيد للبائعين في المستقبل معرفة ممارسات المنصات التي قد تثير مخاوف الجهات التنظيمية وجهات مكافحة الاحتكار، إذ قد توجههم تلك المعرفة إلى إدراك أنواع الشكاوى التي سيُكتب لها النجاح. وتتمثل أسهل الأهداف اليوم في القيود المفروضة على ما يمكن للبائعين فعله خارج المنصات التي يشتركون فيها، مثل المتطلبات التي ذكرناها سابقاً، مثل تلك التي استخدمتها شركة “آبل” لمنع مطوري البرمجيات من تجاوز متجر “آب ستور”، والشروط الحصرية التي تمنع البائعين من العمل على منصات أخرى. على سبيل المثال، لا تزال شركة “علي بابا” تخضع للتحقيق في الصين بسبب شروطها الحصرية، كما مُنعت شركة “غراب” (Grab) من فرض أي شروط على السائقين في سنغافورة. وتشتمل الأهداف الواعدة الأخرى على القيود التعاقدية التي ذكرناها، ما يطلق عليه شروط تكافؤ الأسعار وبند معاملة الدولة الأولى بالرعاية، التي يجري استخدامها على نطاق واسع في حجز الفنادق وغيرها من منصات مقارنة الأسعار الرقمية لمنع البائعين من وضع أسعار أقل في القنوات المتنافسة. جرى رفع بعض تلك القيود في أوروبا استجابة لضغوط الجهات التنظيمية، وألغت “أمازون” بشكل سري بند الدولة الأولى بالرعاية من العقود المبرمة مع بائعي الطرف الثالث في الولايات المتحدة في عام 2019 (كما فعلت في أوروبا قبل 6 سنوات).

ويمكن للبائعين أيضاً مقاومة المنافسة غير العادلة من المنصات الرقمية متعددة الجوانب. على سبيل المثال، استخدمت بعض المنصات بيانات تتمتع بحقوق ملكية حصلت عليها من قبل بائعي الطرف الثالث لإطلاق منتجات منافسة (اتُهمت كل من “أمازون” و”آبل” بالقيام بذلك)، في حين تبنّت منصات أخرى نهج “تفضيل الذات”، أي أنها تميّز عروضها في خوارزميات البحث والتصنيف مقارنة بعروض بائعي الطرف الثالث (وهي التهم التي وُجّهت إلى “أمازون” و”جوجل”).

ويوفر قانون الأسواق الرقمية الحديث في أوروبا مزيداً من التوجيه بشأن ممارسات المنصات التي قد تثير مخاوف تنظيمية، مثل الممارسات التي تُعنى بالبائعين، والممارسات التي ذُكرت للتو والتي ينطوي الهدف منها على منع البائعين من الترويج لعروضهم للمستخدمين الذين حصلوا عليهم من المنصات، وجعل المستخدمين يشترون الخدمات المرتبطة بعروض تلك المنصات الأساسية وتقييد قدرة البائعين على الوصول إلى البيانات التي تتولد على المنصات ونقلها.

لكن يمكن للبائعين من جميع الأحجام تطوير أعمال قوية على تلك المنصات بثقة كبيرة، وذلك لأن الأدوات والتكنولوجيا الجديدة تمكّنهم من تملّك زمام السيطرة، ولأن القوانين الجديدة تقلل من خطر استغلالهم من قبل المنصات الرقمية الكبيرة. وسنرى المزيد من البائعين يستفيدون من المنصات الرقمية متعددة الجوانب لتحقيق نجاح مالي واسع النطاق، كما فعلت شركات “آنكر” و”ثرازيو” و”أمازون”. ويوجد احتمال مثير للاهتمام يتمثل في قلب بعض البائعين موازين اللعبة في المنصات وتسليعها جزئياً. على سبيل المثال، قد تؤدي المعركة القانونية بين شركتي “إبيك” و”آبل” إلى فقدان شركة “آبل” قدرتها على حجب متاجر التطبيقات وأنظمة الدفع المنافسة من أجهزة “آيفون”. وإذا حدث ذلك، فمن شبه المؤكد أن يقدم مطورو البرمجيات متاجر تطبيقات جديدة متخصصة؛ وليس من الصعب تخيل وجود متجر “إيبك” للألعاب أو متجر “سبوتيفاي” للموسيقى. بشكل عام، نتوقع ظهور بائعين جدد يطورون أنواعاً جديدة من المنصات تتفوق على منصات “آي أو إس” و”آندرويد”، وما سيقود المنصات الرقمية الكبيرة في المستقبل هم البائعون على تلك المنصات بالفعل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .