سد الفجوة بين الممولين والشركات متوسطة الحجم

8 دقائق
الممولون والشركات متوسطة الحجم
shutterstock.com/Sergey Nivens
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: هناك 350 ألف شركة متوسطة في الولايات المتحدة، ولكنها تعاني أشد المعاناة لاستقطاب رؤوس الأموال، سواء أرادت الاستدانة أو الاستثمار في حقوق الملكية أو الاستحواذ أو التخارج. إذ تلاقي صعوبات جمة في جذب اهتمام البنوك والمصارف الاستثمارية، وغيرها من مؤسسات الخدمات المالية، والأدهى من ذلك أنها تضطر في الغالب إلى دفع رسوم ضخمة مقارنة بالشركات الكبيرة إذا قُدّر لها الوصول إلى أي من الجهات الممولة. فكيف يمكن، إذاً، للشركات المتوسطة والجهات الممولة العديدة التي تمتلك موارد مالية ضخمة التغلب على هذه الفوضى العارمة في المعاملات الرأسمالية المشهودة حالياً؟ يستطيع الممولون والشركات متوسطة الحجم تحسين سرعة المعاملات الرأسمالية الناجحة في سوق الشركات المتوسطة وتكمن كلمة السر في ذلك من خلال استخدام أدوات جديدة تتيح التبادل الآمن للمعلومات بحيث تستطيع الأطراف المعنية على كلا طرفي المعادلة: 1) التعرف على بعضها، 2) مراعاة السرعة والسرية في جمع المعلومات المهمة وتنظيمها وتبادلها.

 

لا تواجه الشركات الكبيرة مشكلة تُذكَر في المعاملات الرأسمالية، فهي على اتصال دائم بهذا العالم المحدود نسبياً والمعروف للجميع من البنوك وشركات الأسهم الخاصة والشركات متعددة الأنشطة وغيرها من المؤسسات الاستثمارية، وما دامت الشركة غير معرضة للإعسار المالي، فإنها تستطيع التواصل مع أي من هذه المؤسسات في أي وقت وعرض صفقاتها على جهات التمويل، سواء بطلب ضخ رؤوس أموال جديدة أو الحصول على قروض أو عرض الشركة للبيع مباشرة. علاوة على ذلك، فإن مجالس إدارة الشركات الكبيرة تضم عدداً من كبار المدراء الماليين المتمرسين الذين يملكون اتصالات واسعة بنخبة من أبرز مستشاري بيوت الخبرة الذين يمكن شراؤهم بالمال. فالجميع يريدون قطعة من الصفقات الكبيرة.

من ناحية أخرى، فإن أبناء العمومة من الشركات المتوسطة ليست محظوظة إلى هذا الحد. فهناك 350 ألف شركة متوسطة في الولايات المتحد تسهم بأكثر من 33% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة،  ولكنها ظلت تعاني على مر السنين أشد المعاناة في التعامل مع أسواق رأس المال. وكثير ما قوبلت طلبات الشركات متوسطة الحجم بالتجاهل، سواء كانت تريد الاستدانة أو الاستثمار في حقوق الملكية أو الاستحواذ أو التخارج. إذ تلاقي صعوبات جمة لجذب اهتمام البنوك والمصارف الاستثمارية، وغيرها من مؤسسات الخدمات المالية، والأدهى من ذلك أنها تضطر في الغالب إلى دفع رسوم ضخمة مقارنة بالشركات الكبيرة إذا قُدّر لها الوصول إلى أي من الجهات الممولة. وإذا كان الإنترنت قد سهَّل على الفرد اعتماد حصوله على قرض عقاري خلال 15 دقيقة أو أقل، فلماذا تلاقي الشركات المتوسطة كل هذه الصعوبات في الاستفادة من الإمكانات نفسها؟

تهميش الشركات متوسطة الحجم وإلزامها بدفع رسوم مبالغ فيها

تحفل السوق بالكثير من الشركات المتوسطة التي تبحث عن رؤوس الأموال وترغب في عقد الصفقات، فلماذا يُحجِم الممولون وصنّاع الصفقات عن التعامل معها؟ مبدئياً، لا تعاني السوق نقصاً في رأس المال المتاح. فقد أشارت التقديرات أواخر عام 2020 إلى توافر تمويلات بقيمة 750 مليار دولار تقريباً من رعاة الاستثمار في الشركات المتوسطة، في صورة الكثير من الأوراق المالية القابلة للتسييل والمخصصة للقروض وشراء حقوق الملكية وعمليات الاستحواذ، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 1.7 تريليون دولار عام 2021. لكن لم يتم إنفاق سوى ما يقرب من 200 مليار دولار على عمليات الاندماج والاستحواذ في سوق الشركات المتوسطة عام 2020، وعدم المساس بالمبلغ المتبقي والذي يصل إلى حوالي 500 مليار دولار. وقد أشارت مقالة نُشرت مؤخراً في صحيفة “وول ستريت جورنال” إلى أن البنوك الكبرى في الولايات المتحدة كانت تتوافر لديها سيولة نقدية هائلة وتبحث عن زيادة فرص الإقراض. ومن ثم فإن السوق لا تعاني نقصاً في الأموال المتاحة لدعم القروض والصفقات والاستثمارات.

وعلى الجانب الآخر من المعادلة، فهناك مئات الآلاف من الشركات المتوسطة التي تتمنى الحصول على القروض والاستثمارات الجديدة في حقوق الملكية وعمليات الاستحواذ والتخارج. لكن علاقات معظم الشركات المتوسطة بقطاع الخدمات المصرفية تتصف بالجمود في أغلب الأحوال، على عكس الشركات الكبرى. إذ تشير سجلات المعاملات إلى أنها تختار جهة الإقراض وتظل متمسكة بها، غالباً بسبب الجمود المؤسسي وبدافع الخوف أيضاً. وأدى افتقارها إلى آليات مالية متطورة وانشغالها بالمتطلبات التشغيلية والخوف من “إفشاء أسرارها” في حال تعاملها مع بنوك محلية أخرى إلى خلق جو مشوب بالخوف من عجزها عن إيجاد بدائل جيدة لجهات الإقراض التي تتعامل معها منذ فترات طويلة من الزمن.

وقد تحققت هذه المخاوف عام 2020 إثر تفشي جائحة كورونا، حيث اضطر الكثير من الشركات إلى إغلاق أبوابها بالكامل، بينما اضطرت شركات أخرى فجأة إلى البحث عن مصادر بديلة للسيولة النقدية. ولجأ الكثير من الشركات بطبيعة الحال إلى قروض برنامج حماية أجور العمل وقروض الأزمات الناجمة عن الكوارث الاقتصادية المدعومة من الحكومة. ولك أن تتخيل أن “إدارة الشركات الصغيرة” (SBA) الأميركية أفادت أن الجولة الأخيرة وحدها من قروض برنامج حماية أجور العمل شهدت تلقي طلبات بالحصول على 2.2 مليون قرض بإجمالي 156 مليار دولار، اعتباراً من 28 فبراير/شباط. والأهم من ذلك أن كل هذه القروض تمت من خلال عملية الإقراض الإلكتروني عبر الإنترنت.

أدت هذه البرامج الحكومية إلى تعرُّف الكثير من المقترضين على مقرضين جدد مدعومين من “إدارة الشركات الصغيرة” لم يسبق لهم أن عملوا معهم من قبل. ويعتبر هذا أحد مظاهر الصحوة التدريجية التي يمكن للشركات المتوسطة استغلالها للتخلص من حالة “التهميش” التي تعانيها منذ زمن. وقد أفاد مركز “ديلويت سنتر فور فايننشال سيرفسز” (Deloitte Center for Financial Services) للخدمات المالية أن 20% من الشركات المتوسطة كانت على أهبة الاستعداد للتعامل مع مقرضين جدد قبل تفشي جائحة “كوفيد-19” بفترة طويلة. وعلى الرغم من أن الجائحة أدت إلى نشوء الكثير من العلاقات المصرفية الجديدة في سوق الشركات المتوسطة، فقد أسفرت هذه العلاقات أيضاً عن تفاقم شعور الكثير من الشركات بأنها تدفع “رسوماً مبالغاً فيها”. ويرجع ذلك بنسبة كبيرة إلى مراجعة معظم البنوك لعلاقاتها مع الشركات المتوسطة عام 2020 في ضوء تداعيات جائحة كورونا. ولم يكن من المستغرب أن تؤدي هذه المراجعات إلى فرض شروط أكثر صرامة للإقراض (من حيث رفع معدلات الفائدة وخفض مبالغ القروض) وتشديد الإجراءات (بفرض قيود مشددة على مبيعات الأصول ومتطلبات إعداد التقارير المالية واستخدام السيولة المالية والديون المستحقة، وما إلى ذلك).

وبالإضافة إلى وجود خيارات اقتراض محدودة مقارنة بالشركات الكبرى، فإن الشركات المتوسطة غالباً ما تدفع معدلات فائدة أكبر على قروضها. إذ لا يكتفي الكثير من جهات الإقراض بطلب ضمانات شخصية من مالكي الشركات فحسب، بل يفرضون أيضاً معدلات فائدة أعلى. (إذا كنت تمتلك شركة، فلك أن تقارن بين معدلات الفائدة المفروضة على بطاقة الائتمان الشخصية ومعدلات الفائدة المفروضة على بطاقة الشركة). وهناك عامل آخر وهو أن الكثير من الشركات المتوسطة تضطر إلى الاستعانة بخدمات وسيط للقروض التجارية بحثاً عن أفضل الشروط والأحكام. ويحصل هؤلاء الوسطاء على عمولة بنسبة 1% أو 2% من مبلغ القرض بمجرد اعتماده. ويتم تحميل المقترض هذه الرسوم في معظم الحالات.

والآن لنلقِ نظرة على عمليات الاستحواذ والمبيعات في سوق الشركات المتوسطة. إذ يجري بيع نحو 10,000 شركة متوسطة سنوياً. ومن المتوقع أن ينمو هذا الرقم مع تقاعد مواليد جيل الطفرة من الشركات المملوكة للعائلات. ووفقاً لدراسة أجراها “المركز الوطني لسوق الشركات المتوسطة” ( National Center for the Middle Market)، فإن نحو 70% من أصحاب الشركات يفكرون في بيع شركاتهم في أي وقت، ويتوقع 50% منهم الاستحواذ على شركة أخرى. ويقول مسؤولو الشركات المتوسطة إن العثور على المشتري المناسب لشركاتهم أو انتهاز أفضل فرصة متاحة للاستحواذ على شركة أخرى هو أحد أصعب جوانب عمليات الاندماج والاستحواذ. ولكنهم يُحجمون عن طلب المساعدة في هذه العملية. إذ يحبّذ كل من المشترين والبائعين للشركات الاعتماد بصورة أساسية على المسؤولين التنفيذيين الداخليين وكبار المدراء عند البحث عن شركات يشترونها أو يبيعون لها شركتهم. وقد لجأ حوالي ثلث المشترين خلال عملية البحث إلى استشارة إحدى شركات المحاماة الخارجية، وتشاور أقل من ثلثهم مع المستشارين أو المصرفيين الاستثماريين. أما البائعون فكانوا أقل إقبالاً على الاستعانة بمستشارين خارجيين خلال عملية البحث عن المشتري المناسب. إذ يستعين 1 فقط من كل 5 بائعين بمصرفي استثماري.

ولكن لماذا؟ لا يرجع السبب في ذلك إلى امتلاك أصحاب هذه الشركات للخبرات التي تؤهلهم للاستغناء عن تلقي المساعدة من طرف خارجي. إذ لا يملك سوى نصف البائعين فقط سابقة خبرة في بيع الشركات. ومن جهة أخرى، فإن 10% فقط من المشترين يملكون سابقة خبرة في عمليات الاستحواذ. لذا ليس من المستغرب أن يكون ثلثا الشركات المتوسطة غير راضيين عن نتائج تجاربهما في عمليات الاندماج والاستحواذ. فلماذا لا تسعى الشركات المتوسطة في ظل هذه المعطيات إلى الحصول على مساعدة مهنية من منظومة الصيرفة الاستثمارية التي تستعين بها شقيقاتها الكبرى؟

أولاً: لأن معظم المصرفيين لا يهتمون بهذه الصفقات الصغيرة في الأساس. وإذا حدث وقبلوا العمل مع الشركات المتوسطة، فإنهم يطلبون تقاضي رسوم مرتفعة للغاية في نظر عملائهم. إذ يطلب المصرفيون رسوماً تتراوح من 5% إلى 10% من سعر البيع في حال نجاح الصفقة، بالإضافة إلى أتعابهم الشهرية. ويطلب المصرفيون النسبة ذاتها من الرسوم عند زيادة رأسمال حقوق الملكية للشركات المتوسطة. وبالنسبة لصاحب عمل يحاول “التخارج” من شركة بقيمة 50 مليون دولار، فقد تصل هذه الرسوم إلى 5 ملايين دولار أو أكثر يقتطعها من ثمرة جهوده التي أفناها لسنين طوال في بناء شركته. علاوة على ذلك، يُنظر إلى المصرفيين على أنهم “سماسرة عقارات مهندمون”، على حد وصف أحد أصحاب الشركات الذي أضاف: “كل ما يريدون فعله هو بيع شركتي بأي ثمن والانتقال إلى الصفقة التالية”. وهكذا يُبدي أصحاب الشركات اعتراضهم على الضغوط التي يمارسها عليهم المستشارون الخارجيون للإسراع بإتمام الصفقة، ويتخوفون من تسرب المعلومات السرية لشركاتهم، ولا يريدون فقدان السيطرة على العملية برمتها. ومن هنا يصل معظم البائعين والمستحوذين إلى مرحلة تنعدم فيها الثقة في القرار السليم خلال عملية البيع أو الاستحواذ.

فليس من المستغرب إذاً أن يتصف السجل التاريخي لنجاح صفقات المعاملات الرأسمالية في سوق الشركات المتوسطة بالقتامة، حيث يتم إنجاز صفقة واحدة فقط من بين كل 10 صفقات.

ما يجب أن يحدث

كيف يمكن للشركات المتوسطة والجهات الممولة العديدة التي تمتلك موارد مالية ضخمة التغلب على هذه الفوضى العارمة في المعاملات الرأسمالية المشهودة حالياً؟ عليها أولاً استخدام التكنولوجيا المتاحة وأي تكنولوجيا قد تظهر في المستقبل للتعرف على بعضها. وقد أثبت استخدام تقنيات التطبيقات الإلكترونية ضمن برنامج حماية أجور العمل أن المسؤولين التنفيذيين في الشركات قادرون على التكيف مع إجراء الصفقات إلكترونياً. ولك أن تتأمل التقنية المالية في القطاع الاستهلاكي: حيث تستخدم الغالبية العظمى من الأميركيين في سن العمل التطبيقات الإلكترونية لتقاضي أجورهم ودفع الفواتير والتقدم بطلبات الحصول على القروض وتبادل المعلومات عبر الإنترنت. تكمن كلمة السر في تحسين سرعة المعاملات الرأسمالية الناجحة في سوق الشركات المتوسطة، وذلك من خلال استخدام أدوات جديدة تتيح التبادل الآمن للمعلومات بحيث تستطيع الأطراف المعنية على كلا طرفي المعادلة: 1) التعرف على بعضها، 2) مراعاة السرعة والسرية في جمع المعلومات المهمة وتنظيمها وتبادلها.

ولحسن الحظ، فإن السوق تُظهر مؤشرات تدل على التحرك في هذا الاتجاه، وإن كان ذلك متأخراً بعض الشيء. فقد أدت الاضطرابات الدراماتيكية إثر تفشي الجائحة إلى دفع الكثير من الشركات إلى البحث عن القروض، واضطرار بعضها إلى البحث بكثافة عن مشترين، فيما راح البعض الآخر يبحث عن انتهاز الفرصة والاستحواذ على الشركات المتعثرة، وازداد عدد الشركات التي أخذت تقارن بين التكاليف البديلة لرأس المال من أجل تعزيز النمو في مرحلة ما بعد الجائحة. ويقف قادة الشركات المتوسطة على أهبة الاستعداد للتحول إلى التكنولوجيا الرقمية في هذه المنظومة، حيث أفاد 49% منهم أنهم استخدموا طرقاً جديدة للاستفادة من التقنيات التكنولوجية خلال الجائحة.

وبالإضافة إلى برامج “إدارة الشركات الصغيرة”، فقد استحدث الكثير من الشركات الابتكارية أدوات جديدة للمعاملات الرأسمالية في سوق الشركات المتوسطة، ومنها:

سيتضح بمرور الوقت أثر هذه التطبيقات وغيرها من التقنيات التكنولوجية على قطاعات رؤوس الأموال في سوق الشركات المتوسطة، لأن هذه الشركات ستظل موجودة بأعداد كبيرة في كل الأحوال، وسيتواصل تأثيرها الهائل على الاقتصاد الأميركي، لكن لا بد أيضاً من العناية بإصلاح أوجه القصور في السوق والحاجة إلى الترشيد. وقد حان الوقت لأن يُقبِل المبتكرون بكل همة على مواكبة التقنية المالية في الأسواق الاستهلاكية وتمكين المسؤولين التنفيذيين في الشركات المتوسطة المتأهبين للتجاوب مع المتغيرات. وبمقدور فرق الإدارة استخدام التطبيقات الإلكترونية للمعاملات الرأسمالية، سواء كانت هذه الفرق تعمل في شركات تبحث عن رؤوس الأموال أو تعمل في مؤسسات تمويلية. فمن المتوقع أن ينتعش الاقتصاد الأميركي في السنوات المقبلة، وسيتم تعزيزه بأدوات حديثة وخبرات جديدة من شأنها أن تقلل فوضى رأس المال، وتبسّط آليات الاقتراض وحقوق الملكية والتخارج وعمليات الاستحواذ في سوق الشركات المتوسطة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .