لماذا تتيح إستونيا الفرصة أمام رواد الأعمال ليصبحوا “مقيمين إلكترونيين”؟

3 دقائق
المقيمين الإلكترونيين في إستونيا
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ترتكب العديد من الحكومات خطأً شائعاً يتمثل في افتراض أن الاقتصاد “الأكثر رقمية” يكافئ النمو الاقتصادي. ولكن الرقمنة لا تعني بالضرورة تحقيق النمو. فماذا عن المقيمين الإلكترونيين في إستونيا؟

على سبيل المثال، في مقال لهارفارد بزنس ريفيو بعنوان “حيث يتحرك الاقتصاد الرقمي بأقصى سرعة”»، طُرحت سنغافورة على أنها الدولة التي سجلت أسرع معدل للتطور الرقمي في الماضي، وأكبر انحدار لمسار الرقمنة المستقبلية. ولكن وحالما أدركت الحكومة في سنغافورة وببطء أن العلاقات الترابطية لا تعني وجود العلاقة السببية، والرقمنة لا تعني النمو، هبط معدل نمو الاقتصاد السنغافوري من 6.2% في عام 2011 إلى 2.9% في 2014.

اهتمام الحكومات بالتكنولوجيا الرقمية

ركزت العديد من الحكومات على كل من رفع فاعليتها من خلال التكنولوجيا الرقمية (مثل تسهيل تجديد جوازات السفر عبر بوابات الإنترنت) وجعل بلدانها أكثر جاذبية لشركات التكنولوجيا الرقمية (من خلال خفض تكلفة ممارسة الأعمال التجارية داخل حدودها). وكما تَبَيَّن لنا من بعض الأمثلة عن سنغافورة وبلدان الأخرى، فإن هذه الخطوات ليست كافية.

فإذا أدرك القطاع العام إمكانيات التكنولوجيا الرقمية في تحويل الماليات العامة وتحفيز النمو الاقتصادي الوطني، سيتعين على الحكومات أن تتخطى إجراءات تبسيط الخدمات وتقليص الروتين على رواد الأعمال.

لذلك دعونا نلقي نظرة على الدروس المستفادة من القطاع الخاص. كما يلاحظ دارسو الزعزعة، أن التكنولوجيا الجديدة بحد ذاتها لا تمثل الزعزعة على الإطلاق. ولكنها تعد شرطاً لتهيئة الظروف المواتية لتحقيق الزعزعة، حتى يمكننا القول أنها شرط ضروري، وليس كافياً. فلكي تقدم التكنولوجيا الرقمية الجديدة الابتكار المزعزع، يجب عليها التأثير على مجالين:

المسار الجديد للسوق

لقد استثمر جميع المبتكرين المزعزعين في مجال الأعمال التجارية في قناة التسويق، حيث لا وجود للشركات الرائدة. فعلى سبيل المثال، تمكنت شركة “ديل” من البيع إلى المستهلك مباشرة عبر هذه القناة التسويقية، على غرار شركة “سيلز فورس” (Salesforce)، و “سكايب” و”إيباي” (eBay).

نموذج عمل جديد

غالباً ما يغير المبتكرون المزعزعون هيكلية الإيرادات، كطريقة استئجار سيارة أو التخطيط لرحلة مثلاً. لذلك نجد أنه من الصعب على متخذي القرار الذين لديهم استثمارات قائمة وعميقة في نموذج الأعمال الحالي أن يفعلوا الشيء ذاته. وهذا ما يفسر نجاح الصحف المجانية، وشركة “زيبكار” (Zipcar)، وموقع “تريب أدفايزر” (TripAdvisor)، وشركة “ليندنغ كلوب” (Lending Club).

إذن كيف سيتم تطبيق هذه الصورة في القطاع العام؟

يمكننا الاستعانة بمثال عن إستونيا. تلك الدولة الأوروبية الصغيرة التي مكنت رواد الأعمال من أن يصبحوا “مقيمين إلكترونيين“، حيث يمكن لأي شخص في العالم يرغب في الاستثمار من خارج إستونيا أن يحصل على “إقامة” في هذا البلد، دون أن يضطر للعيش فيه. وعلى الرغم من أن المقيمين الإلكترونيين لا يتمتعون بالحقوق الكاملة كمواطنين (فهم على سبيل المثال، لا يشاركون بالانتخابات)، إلا أن الحكومة ستمنحك، مقابل اشتراك ثابت، هوية رقمية تعطيك الحقوق الكاملة لممارسة الأعمال التجارية في إستونيا ومعظم الدول الأوروبية، وذلك تبعاً لمجال الصناعة الذي ترغب فيه. ما سيتيح الفرصة أمام الحكومة الإستونية لتوطيد ريادة الأعمال في اقتصادها إضافة إلى تحقيق الإيرادات من خلال اشتراكات البطاقة الإلكترونية. وعلاوة على ذلك فعلى صعيد الماليات العامة، لن يُلزم المقيمون الإلكترونيون البلاد بالنفقات التي يقتضيها المواطنون العاديون، لأنهم لا يعيشون فعلياً في إستونيا (هم يدفعون الضرائب فقط).

لاحظ كيف أن هذه المبادرة لا تتعلق باستخدام الرقمنة لرفع كفاءة وسرعةعملية ريادة الأعمال، والتي تعد أحد المقاييس الرئيسية لقياس مستوى البلدان في جميع أنحاء العالم، وإنما تتعلق بكيفية تسخير النموذج الجديد (في هذه الحالة، النموذج الجديد للمواطنة) في جني صافي النمو الجديد.

وكما هو الحال مع الزعزعة في القطاع الخاص، يقدم برنامج الإقامة الإلكترونية في إستونيا السعر المنخفض مقابل تقليل الميزات وذلك بالتزامن مع إنشاء مسار جديد للسوق. وبهذه الطريقة، فتحت إستونيا الباب ودون سابق إنذار أمام كادر جديد بالكامل من مؤسسي الشركات الناشئة وأتاحت لهم فرصة العمل في أوروبا مقابل تحمل جزء يسير من تكلفة المعيشة في تلك البلاد،

حيث صرح مارك أندرسن، المستثمر البارز في قطاع رأس المال المغامر (الجريء)، ذات مرة أن البرمجيات تلتهم العالم. لم يكن مخطئاً في ذلك، ولكن الأمر أكثر تعقيداً. فالتكنولوجيا لا تمثل سوى جزء واحد من الصورة الكاملة. ومهما كانت درجة ابتكار التكنولوجيا الجديدة، لن تكون مربحة بصورة تلقائية. ولتتمكن من تحقيق قيمة اقتصادية حقيقية، ستحتاج التكنولوجيا الرقمية إلى قناة جديدة للتسويق كما يجب أن تتيح إمكانية خلق نموذج عمل جديد.

وفي نهاية الحديث عن المقيمين الإلكترونيين في إستونيا، بمجرد أن تدرك الحكومات أن الرقمنة لا تعني النمو التلقائي ولكن يمكن أن تكون عاملاً مهماً في تحقيقه، ستتمكن من استخدام مبادئ الزعزعة في خلق صافي النمو الجديد.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .