مشاعرك عالية الحدّة قد تكون وراء استنفاد طاقتك

4 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لماذا نجد أنفسنا مرهقين دائماً في نهاية يوم العمل؟ لماذا نصل إلى بيوتنا منهكين تماماً، وبالكاد نمتلك من الطاقة ما يكفينا لتحضير العشاء قبل أن نهوي إلى الفراش ليلاً؟

عادة، عندما نفكر في التعب، فإننا نرجع الأمر إلى أسباب بدنية، مثل قلة النوم، أو ممارسة الرياضة بكثافة، أو العمل المُتعِب لأيام طويلة. إضافة إلى ذلك، أشار إليوت بيركمان، أستاذ علم النفس في “جامعة ولاية أوريغون” في مقابلة، أنه في عصرنا هذا تقِلُّ الوظائف التي تتطلب جهداً بدنياً، إلا أن العوامل النفسية هي ما يضنينا فعلاً.

في الواقع، إن الجهد البدني الذي نبذله في وظائفنا لا يبرر التعب الذي يصيبنا عندما نصل إلى المنزل. صحيح أن الارهاق البدني قد يُتعِبُك إذا كنت عامل بناء، أو مزارعاً يكدح في حقله، أو طبيباً متمرناً يغطي نوبات ليلية ونهارية، لكن عدا عن ذلك، ووفق بيركمان، فإن تعبك في الغالب نفسي. “هل يصير جسدك مُنهكاً لدرجة أنك لا تستطيع فعل أي شيء مطلقاً؟”، يسأل بيركمان. “في الواقع، إن الوصول إلى هذه النقطة من الإرهاق الجسدي الكامل يستغرق وقتاً طويلاً”.

نعم، إن أحد الأسباب الرئيسية وراء استنفادنا عقلياً هو العواطف الشديدة الحدة.

يميز علماء النفس بين بُعدين من العواطف هما: عواطف إيجابية/سلبية وعواطف عالية الحدة/منخفضة الحدة. أي بعبارة أخرى، هل هي عاطفة إيجابية (مثل الابتهاج أو الهدوء) أم سلبية (مثل الغضب أو الحزن)؟ وهل هي عاطفة عالية الحدة (مثل الابتهاج أو الغضب) أم ذات حدة منخفضة (مثل الهدوء أو الحزن)؟


هارفارد-بزنس-ريفيو-المشاعر-العالية-الحدة


 

من السهل ملاحظة تأثير المشاعر السلبية العالية الحِدّة علينا، فهي لا تسبب لنا الإحباط والغضب فحسب، بل ترهقنا من بداية النهار حتى نهايته أيضاً. في الواقع، يعتمد الكثير منا على عامل الضغط النفسي لإنجاز الأمور. فنحن نزوّد أنفسنا بالأدرينالين والكافيين ثم نجعل جداولنا الزمنية مكتظة ولا ننجز مشاريعنا حتى اللحظة الأخيرة، مقتنعين بحاجتنا إلى نسبة معينة من الإجهاد حتى نكون منتجين.

لكن المشاعر الإيجابية ذات الحدة العالية قد تكون مُرهقة أيضاً. تظهر الأبحاث أن الأشخاص -وخاصة الغربيين والأميركيين على وجه الخصوص- يعتمدون كثيراً على المشاعر الإيجابية العالية الحدة. أجرت هذا البحث جين تساي من “جامعة ستانفورد”، وقد أجريتُ عدة دراسات معها، وتبين أنه عندما يُسأل الأميركيون عن المشاعر التي يريدون الشعور بها في وضع مثالي، فهم يفضلون المشاعر الإيجابية العالية الحدة مثل الابتهاج والغبطة على المشاعر الإيجابية المنخفضة الحدة مثل الاسترخاء أو الرضا. وبعبارة أخرى، فإن السعادة لدى الأميركيين مرتبطة بالحدة العالية. أما في ثقافات شرق آسيا، فيفضلون المشاعر الإيجابية المنخفضة الحدة، مثل الهدوء والسكينة.

عندما أجريت هذه الدراسة مع جين لمعرفة سبب تقدير الأميركيين للمشاعر الإيجابية العالية الحدة، وجدنا أنهم يؤمنون بحاجتهم إلى العواطف العالية الحدة للنجاح – وخاصة في أدوار القيادة أو التأثير على الآخرين. وفي دراسة أجريناها، على سبيل المثال، وجدنا أن الناس أظهروا حاجة إلى المشاعر الإيجابية العالية الحدة، مثل الإثارة، عندما كانوا في مراكز تتطلب القيادة أو التأثير على شخص آخر. بطبيعة الحال، تنعكس هذا الحدة على اللغة التي نستخدمها لمناقشة أهدافنا: نشعر بالحماسة الشديدة، يُلهبنا الحماس، تتملكنا الطاقة لإذهال الناس وتنفيذ المشاريع على أكمل وجه، أو إنتاج كميات هائلة من العروض مثل الماكينات -هذه التعبيرات تعكس إلى أن نكون في وضعية الهجوم الحاد. كن شديد الحيوية، حقق أكثر من المتوقع، ابذل جهداً دؤوباً.

لكن المشكلة هي أن ضريبة العواطف العالية الحدة تُدفع على المستوى الفيزيولوجي. ذلك لأن “الإثارة الفيزيولوجية”، كما يسميها علماء النفس، تشمل كل أنواع الإثارة، حتى تلك المتعلقة بالمتعة منها. وهي تفعِّل جهازنا العصبي السمبتاوي، المسؤول عن جعلنا في وضعية تُعرف باستجابة “الكرّ أو الفرّ”. تحرك المشاعر الإيجابية العالية الحدة نفس الإثارة الفيزيولوجية مثل العواطف السلبية ذات الحدة العالية، مثل القلق أو الغضب. ما يؤدي إلى زيادة معدل ضربات القلب وتنشيط الغدد العَرقية لدينا، فنجفل بسهولة. ذلك لأن الإثارة تنشّط استجابة أجسامنا للإجهاد، ويمكن أن تستنزف أيضاً نظامنا إذا استمرت لفترات طويلة – فالإجهاد المزمن يهدد جهاز المناعة لدينا والذاكرة، وكذلك سعة انتباهنا. يمكننا القول إذاً، إن المشاعر ذات الحدة العالية -سواء كانت سلبية مثل القلق أو إيجابية مثل الإثارة- تفرض علينا ضرائب جسدية.

للمستوى العقلي نصيبٌ من الضريبة أيضاً. مِن الصعب التركيز على أمر ما عندما نكون مُثارين جسدياً أو نشعر بزيادة في نشاطنا. وقد أظهرت أبحاث التصوير الدماغي أننا عندما نشعر بالعواطف القوية، يتم تنشيط “اللوزة” (الأميغدالا)، وهي كتلة من المادة الرمادية داخل المخ متعلقة باختبارنا للمشاعر- وهذه المنطقة نفسها تضيء عندما نكون في حالة استجابة “الكر أو الفر”. كما أننا بحاجة إلى جهد وإلى استخدام استراتيجيات تنظيم العاطفة من جزء مختلف من الدماغ، في قشرة الفص الجبهي، لتهدئة أنفسنا بما يكفي لإنهاء أعمالنا. يتطلب تنظيم العاطفة هذا في حد ذاته جهداً إضافياً.

إذاً ما هي النتيجة؟ العواطف العالية الحدة تتعبنا بسهولة. سواء أكانت تملؤنا بطاقة ممزوجة بالقلق أم بالإثارة، فنحن بذلك نستنزف أنفسنا من أهم الموارد، وهي الطاقة.

بالطبع، يمكن أن تكون الإثارة عاطفة إيجابية والشعور بها بالتأكيد أفضل بكثير من الشعور بالإجهاد. ولكن مثلها مثل ارتفاع مستوى السكر الذي يمنحك شعوراً جيداً لبعض الوقت، إلا أنه يرسل جسمك إلى مستوى فيزيولوجي مرتفع يمكن أن يؤدي إلى انهيار مفاجئ. وبالمثل، من المؤكد أنك ستشعر بالتعب في وقت أقل مما لو بقيت في حالة هدوء.

هذا لا يعني أنك لا ينبغي أن تشعر بالتوتر أو الإثارة بعد الآن – وكذلك لا يجب أن تفقد حماسك لعملك. إلا أنني أقترح عليك تخصيص المزيد من الوقت للأنشطة هادئة في حياتك، وتعلم كيفية الاستفادة من الجانب الآخر من الجهاز العصبي – الجانب الباراسمبتاوي حيث “استجابة الراحة والهضم” المُعاكسة لاستجابة “الكر أو الفر”. إن “الجهاز الباراسمبتاوي” يساعدك على استعادة صحتك وعافيتك وهنائك، مما يجعلك شخصاً أكثر مرونة وقدرة على تخطي الصعاب على المدى البعيد. وبذلك سوف توفر طاقتك لوقت لاحق، حين تكون في أمس الحاجة إليها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .