كيف يمكن للأطباء المساعدة في منع العنف؟

6 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

نشرت مؤسسة السلاح الوطنية قبل ما يقرب من سنة واحدة بالضبط تغريدة على منصة تويتر مفادها أن على “الأطباء المختالين بأنفسهم والذين يناصرون قوانين منع حيازة الأسلحة الاهتمام بشؤون عملهم فقط”. واستجاب الآلاف من الأطباء وغيرهم من المتخصصين في قطاع الرعاية الصحية بالصور والقصص المصوّرة التي أكدت أن الوقاية من إصابات الأسلحة النارية وعلاجها “يقع ضمن نطاق تخصص الأطباء”. وفي الأسبوع التالي للتغريدة، حصد الوسم الذي حمل اسم “#هذا_تخصصنا” “#ThisIsOurLane” مشاركة واسعة، وجمعت رسالة مفتوحة نُشرت رداً على مؤسسة السلاح الوطنية من قبل الأطباء وزملائهم في “المؤسسة الأميركية للحد من إصابات الأسلحة النارية في الطب” (AFFIRM Research) أكثر من 40,000 توقيع، ووجد القادة الأطباء في الحركة أنفسهم يقودون منصة غير متوقعة للدعوة إلى التغيير، بما في ذلك اثنان منا. ومنذ انتشار هذا الوسم، تسارعت أعمالنا لإعادة صياغة النقاش حول الوقاية من إصابات الأسلحة النارية، ولكن لا يزال أمامنا طريق طويل.

وسنبدأ بنبذة مختصرة: ما هي هذه التغريدة، ما هو مصدرها، ولماذا اجتذبت رد فعل قوي من قبل مجتمع الرعاية الصحية؟

منذ عام 1996، حظر “تعديل ديكي” على مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة استخدام الأموال “لمناصرة الرقابة على الأسلحة أو الترويج لها”، وأصبح التمويل الفيدرالي الكلي لبحوث الوقاية من إصابات الأسلحة النارية شبه معدوم. وبالتزامن مع نقص التمويل من مراكز مكافحة الأمراض واتقائها أو المعاهد الوطنية للصحة، اختفى نهج الصحة العامة الرامي إلى الوقاية من إصابات الأسلحة النارية. والتزمت معظم الجمعيات الطبية الصمت حول هذه القضية، وتوقفت المشاريع الجديدة تقريباً، وأحجم جيل من الأطباء والباحثين الشباب الواعدين عن متابعة قضية الوقاية من إصابات الأسلحة النارية.

وتُمثّل حادثة إطلاق النار في مدرسة “ساندي هوك” (Sandy Hook) في عام 2012 نقطة تحول بالنسبة إلى العديد من ممارسي الطب والصحة العامة ومؤسساتها الذين ضاعفوا جهودهم لإشراك مجتمع الرعاية الصحية الأوسع نطاقاً في المطالبة بتبني نهج الصحة العامة الرامي إلى الوقاية من إصابات الأسلحة النارية. وكما ساعدت النهج المستندة إلى البحوث في مجال السلامة في السيارات على خفض معدل الوفيات السنوية الناجمة عن حوادث المرور في الولايات المتحدة بأكثر من النصف منذ عام 1980، فمن المنطقي أن تكون البحوث التي تتقصى أسباب الإصابة بالأسلحة النارية والوقاية منها استراتيجية رئيسة في الجهود المبذولة للحد من إصابات الأسلحة والموت.

وكجزء من هذا العمل، حدّثت الكلية الأميركية للأطباء التي تُعتبر من أكبر مؤسسات الأطباء في البلاد بيان موقفها عبر تحديد توصياتها المستندة إلى الأدلة للوقاية من إصابات الأسلحة النارية. وكان البيان هو ما حرّض مؤسسة السلاح الوطنية على نشر تلك التغريدة. وبعد نشر مؤسسة السلاح الوطنية هذه التغريدة، كان الأطباء والممرضين والطاقم الطبي العاملين على إعادة تفعيل نهج الصحة العامة على استعداد.

فقد سئمنا بالفعل من تقديم الرعاية إلى الضحايا ومن التصريحات التي تفيد باستحالة توقف توجههم إلى مراكزنا. وسئمنا بالفعل من رؤية مجتمعاتنا واقعة في دوامة لا تنتهي من العنف. وسئمنا من رؤية زملائنا وهم يتعرضون للأذى والقتل، سواء كان ذلك عن طريق الانتحار أو العنف المنزلي أو باعتبارهم أوائل المستجيبين لحوادث العنف. وسئمنا من الآثار العاطفية جراء هذا الوباء. وذكّرتنا هذه التغريدة بمدى أهمية تجاربنا. وتمثلّت استجابتنا الجماعية في نشر الخطب ومقالات الرأي الحماسية، وبذل جهود موحدة لجمع التبرعات تكريماً لمرضانا وزملائنا.

قد يبدو أن هذه الحركة نشأت من العدم بالنسبة إلى الغرباء، لكن الوسم الذي حمل عبارة “هذا_تخصصنا” كان في الواقع مجرد حافز لحركة كانت تجري بالفعل على قدم وساق. وبالنظر إلى الطاقة الجديدة التي أثارها الوسم العام الماضي، نمت العديد من هذه الجهود في القوة والنفوذ. وعقدت كلية الجراحين الأميركية قمة متعددة التخصصات تضم أكثر من 40 مؤسسة طبية ومؤسسات الصحة العامة، أكدت فيها التزامها المشترك بنهج الصحة العامة. وفي الغياب الواضح للتمويل الفدرالي الكبير، ازداد التمويل الخاص ببحوث الإصابة بالأسلحة النارية بنسبة أكثر من 300%، فضلاً عن البحوث التعاونية الوطنية حول العنف المسلح، وتعاون مؤسستي “كايزر برماننت”(Kaiser Permanente) و”المؤسسة الأميركية للحد من إصابات الأسلحة النارية في الطب” لخلق العشرات من المشاريع الجديدة التي لم تكن ممكنة في الماضي. كما تسارعت وتيرة تعليم الأطباء وإعداد المبادئ التوجيهية، حيث أطلقت “الجمعية الطبية الأميركية” برنامجاً مجانياً على الإنترنت، وطورت جامعة كاليفورنيا في ديفيس مبادرة حملت عنوان “هذا ما يمكنك فعله”، وأطلقت “مبادرة السلامة من الأسلحة النارية بين الأطفال والشباب” (FACTS) الممولة من المعاهد الوطنية للصحة، وجامعة “جونز هوبكنز” (Johns Hopkins) عدة مناهج عبر الإنترنت. كما اتخذت أنظمة المستشفيات والولايات أيضاً بعض الإجراءات، فقد مولت ولاية نيو جيرسي مجموعة بحوث رئيسة، والتزم حكام ولايات متعددة، بمن فيهم الدكتور راني في ولاية رود آيلاند بإجراء البحوث التعاونية، ومن المقرر أن تمول ولاية كاليفورنيا منهجاً تعليمياً طبياً على مستوى الولاية بقيادة الدكتور غارين وينتموت الذي يدير برنامج بحوث منع العنف في مركز جامعة كاليفورنيا الطبي في ديفيس، وموّلت ولاية واشنطن ستيت، برنامجاً بحثياً جديداً مقره جامعة واشنطن-هاربورفيو. كما خُصص في العام الماضي ما يقرب من 15 مليون دولار دعماً لهذه المبادرة.

وإلى جانب زيادة المشاركة التي أثارها الوسم، نشهد تطوراً جديداً مهماً، فقد حازت هذه الجهود الطبية في النهاية ترحيباً خارج المجتمع الطبي. ومن خلال الالتزام بالوفاء تجاه نهج الصحة العامة، يساهم هذا العمل في إشراك جميع المتضررين من هذا الوباء، بمن فيهم أصحاب الأسلحة وشباب الأقليات والناجين من العنف المنزلي ومدراء المدارس. ومن هذه الأمثلة على المبادرات الجديدة خريطة اتحاد السلامة من العنف المسلح في كولورادو عبر الإنترنت التي توضح الأماكن التي يمكن فيها للأشخاص تخزين الأسلحة بشكل قانوني خارج المنزل إذا كان أي من القاطنين معرض لخطر الإصابة، إضافة إلى تعاون “المؤسسة الأميركية للحد من إصابات الأسلحة النارية في الطب” مع المدربين المتخصصين في استخدام الأسلحة النارية. واكتسبت الجهود الأخرى بعض القوة، مثل “التحالف الصحي للتدخل في العنف” ( Health Alliance for Violence Intervention). وتتعاون هذه البرامج التي غالباً ما تُقام في المستشفيات مع المجتمعات المحلية لتقليل عوامل الخطر التي تحرك دورة العنف التي تؤثر بدورها على شباب المدينة. كما جرى اعتماد برنامج كلية الجراحين الأميركية بعنوان “أوقفوا النزيف” من أجل السيطرة على النزيف خارج المستشفى وقُدّم إلى أكثر من مليون شخص في جميع أنحاء البلاد.

أخيراً، تتعاون حركة الحد من إصابات الأسلحة النارية بشكل متزايد مع قادة الشركات والعسكريين لتقليل المخاطر. ومن البديهي أن تقاوم هذه المجموعات المبادرات التي تبدو حزبية أو سياسية، إلا أنها بدأت من خلال نهج الأحزاب السياسية التحويلية التي حُددت أعلاه في إدراك قدرتها على معالجة قضية الوقاية من إصابات الأسلحة النارية مع احترام ثقافة المجتمع على حد سواء. ولا تُعتبر هذه الحركة، التي تشمل وسم “هذا_تخصصنا”، حركة ديمقراطية أو جمهوريّة، كما أنها ليست حركة ضد قانون التسلح، وإنما ضد الإصابات الناجمة عن الأسلحة النارية. ويمتلك العديد من الأطباء المعنيين أسلحة في الواقع، لكن التركيز ينصب على وقف إطلاق النار قبل حدوثه وعلى إنقاذ الأرواح.

وعلى الرغم من أننا نشيد بالممولين من القطاع الخاص والمتبرعين الفرديين على اتخاذهم عدة إجراءات، إلا أننا نحتاج إلى استثمار أكبر بكثير للتصدي لهذا الوباء. وقد قادت الحكومة الفيدرالية بالفعل إجراءات الاستجابة للصحة العامة، بما في ذلك إنشاء مراكز مكافحة الأمراض واتقائها والمعاهد الوطنية للصحة. وفي حين أن المعاهد الوطنية للصحة تمول اليوم بحوث الأسلحة النارية (على الرغم من عدم وجود أموال أو برامج مخصصة)، إلا أن مراكز مكافحة الأمراض واتقائها لم تحرك ساكناً حتى الآن. ورفض مجلس الشيوخ مؤخراً تضمين طلب مجلس النواب للحصول على تمويل بقيمة 50 مليون دولار لتمويل بحوث الوقاية من الإصابات بالأسلحة النارية ضمن فاتورة المخصصات المرصودة للصحة.

وفي غضون ذلك، بصفتنا قادة في هذه الحركة، سنعمل نحن ومؤسساتنا بشكل تعاوني مع مجموعات خاصة لتحفيز الاستجابة اللازمة. ويمكننا استخلاص عدة أوجه تشابه بين عملنا والاستجابة المبكرة لفيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز، إذ قبل أن تخصص المعاهد الوطنية للصحة أموالاً للبحث في أساليب الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز وعلاجه، تولّت مجموعات خاصة مثل مؤسسة “راين وايت” (Ryan White) ومؤسسة “روك هدسون” (Rock Hudson) توفير التمويل. وتتبع مجموعات الرعاية الصحية اليوم النهج نفسه بدعمها المبادرات الخاصة في حين نقوم نحن بدفع الحكومة إلى التحرك.

ونحن لسنا بهذه السذاجة لنعتقد أن حلّ هذا الوباء بسيط، بل يوجد الكثير من العمل الذي يجب القيام به. إلا أننا لن نتمكّن من تحقيق المزيد من التقدم دون الالتزام المستمر بتنفيذ ما نعرفه بالفعل وتقصّي ما نجهله. وتشمل الخطوات المهمة التالية عمل أنظمة الرعاية الصحية مع الأفراد الذي يمتلكون خبرة في الوقاية من إصابات الأسلحة النارية بغية تعليم مقدمي الرعاية الصحية أفضل الممارسات، ومواصلة الضغط على الحكومة الفدرالية لتوفير التمويل، ومواصلة العمل عن كثب مع المجتمعات المتضررة لوقف تكرر حوادث إطلاق النار وتأثيرها. كما تتضمن هذه الخطوات العمل مع الشركات الصحية الإلكترونية، وقطاعات التكنولوجيا والتأمين، ومجتمع الأعمال الأكبر لجمع البيانات وتحليلها. ويستحق مرضانا ومجتمعاتنا نهجاً أفضل من اتباع نهج عشوائي للوباء، بل نحن بحاجة إلى حلول تستند إلى البيانات.

وما تعلّمناه خلال العام الماضي هو أن قوة “المعطف الأبيض” هي من يشجع العلم الجيد والتمويل الكافي واتباع نهج شامل ومستدام للصحة العامة للوقاية من إصابات الأسلحة النارية. ونحن متحمسون بشأن التسارع الذي حققه المجتمع الطبي خلال العام الماضي، لكننا نحتاج إلى دعم المجتمع الخاص والحكومة لضمان عدم يأسنا قبل تحقيق ما نصبو إليه.

انقر هنا لمشاهدة محاضرة الدكتور راني التي ألقاها في تيد إكس بعنوان: “كيف يمكن لنهج الصحة العامة أن يحل عنف السلاح”، وهنا لمشاهدة محاضرة الدكتور بيتز التي ألقاها في تيد إكس بعنوان “كيف نناقش قضايا الأسلحة والانتحار؟”.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .