3 استراتيجيات لمساعدة الموظفين على الازدهار في “الوضع الطبيعي” الجديد

7 دقائق
ازدهار الموظفين
إيلبوسكا/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: لا يزال الغموض يلف الوضع الطبيعي الجديد في مكان العمل، ومن السهل على الشركات العودة إلى أعمالها الروتينية وعاداتها القديمة. أجرى المؤلفان أبحاثاً مكثفة حول العقود النفسية والصفقات الفردية والقيادة، وبناءً عليها يقترحان 3 استراتيجيات ينبغي للمدراء تطبيقها الآن من أجل المساعدة على ازدهار الموظفين الذين يملكون القدرة على التعلم ويتمتعون بالحيوية في العمل ويشعرون بأنهم قادرون على التأثير. عن طريق إعادة ضبط التوقعات وإعادة تأسيس الالتزامات وإعادة بناء القدرات ستقوي أهمّ أصول شركتك لمواجهة الحدث المتطرف المفاجئ التالي حينما يقع.

 

مع استمرار الشركات في تحسس طريقها نحو عالم ما بعد الجائحة والتخطيط للوضع الطبيعي الجديد، يتعامل المدراء وقادة الشركات مع عدد من القرارات الفورية والقريبة الأجل. ولا تزال الأسئلة المهمة مطروحة؛ كيف يمكنني تحفيز موظفيّ مع تحقيق التوازن بين العمل من المنزل وسياسات العودة الآمنة إلى العمل؟ هل من طريقة لدفع الموظفين للإبداع وتوليد أفكار مبتكرة لمساعدة مدرائهم ومؤسستهم على التعامل مع واقع مكان العمل المجهول؟ إذا كنت تفكر في أسئلة من هذا النوع، فما تتساءل عنه تحديداً هو: كيف أساعد موظفيّ على الازدهار؟

ازدهار الموظفين هو حالة نفسية يشعرون فيها أنهم قادرون على التكيف والتطور وحتى تحويل أنفسهم أيضاً، وقد توصل الباحثون إلى أن الموظفين المزدهرين مشغوفون بعملهم وعازمون على الاستمرار بالحضور إلى العمل والمشاركة فيه. هذه السمات أساسية على اعتبارها وسيلة وقاية من التوتر وانعدام اليقين إلى جانب أنها سلاح سري محتمل للاستجابة لأوقات الغموض والنجاح فيها.

يتفق معظم المدراء على أن جائحة “كوفيد-19” هي حدث متطرف احتمالات وقوعه ضئيلة ولكن تبعاته خطِرة. عندما بدأت الجائحة لم يكن لدى أحد منا أي مرجع واضح لمقارنة الوضع به، بل كان علينا التعامل مع وظائفنا من دون أي دليل. والآن، مع خروجنا إلى واقع ما بعد الجائحة نرى أمراً مؤكداً واحداً، وهو أن اعتبار الجائحة حدثاً يقع مرة واحدة ولن يتكرر ليس إلا إهدار لفرصة تعلم طرق النجاح في الأحداث المتطرفة التالية التي ستقع حتماً (على أمل ألا تقع على شكل جائحة عالمية).

على عكس الاعتقاد الشائع، لا يركز موظفوك على طريقة تطور الأزمة بل على طريقة استجابة مؤسستك لها، ولذلك من الضروري أن تنتبه لطريقة فهمهم لما تفعله وما لا تفعله. من خلال أبحاثنا حول العقود النفسية والصفقات الفردية والقيادة، تمكنا من تحديد 3 استراتيجيات مؤسسية ينبغي لك تنفيذها من أجل مساعدة موظفيك على الازدهار تتمثل في إعادة ضبط التوقعات وإعادة تأسيس الالتزامات وإعادة بناء القدرات. قبل أن تتمكن من تنفيذ هذه الاستراتيجيات الثلاث، يجب أن تستوعب طريقة فهم الموظف أولاً.

أهمية الفهم

الفهم هو العملية النفسية التي يقوم بها الفرد لبناء المعنى حين يتفاعل مع بيئته ومع الآخرين، وننخرط جميعنا في عملية الفهم عندما نصف معنى تجاربنا. إن معظم التجارب، ومنها تجاربنا في العمل، روتينية وبالتالي تتطلب القليل من الفهم أو لا تتطلب الفهم على الإطلاق، ولكن الأحداث المتطرفة مثل الجائحة تتحدى عمليتي التفسير والاستجابة السهلتين.

ولأن الفرد يحاول فهم معنى الأشياء مع وضع نفسه محوراً مركزياً، يبذل موظفوك طاقة وجهداً كبيرين في فهم مكان العمل في فترة ما بعد الجائحة ويتساءلون عن أثره عليهم. يمثل هذا الأمر فرصة فريدة لك ولمؤسستك لاحتضان موظفيك الذين هم أهم مواردك عن طريق ضمان أن يشعروا بأنك تقدّرهم وتهتم بهم. هذا هو جوهر الاستراتيجيات الثلاث، وهو ما سيحرر الموظفين ليتمكنوا من البحث عن الفرص الجديدة والابتكارية بطرق متميزة وغير متوقعة، ما سيتيح لهم الازدهار في الوضع الطبيعي الجديد.

إعادة ضبط التوقعات

كانت الاستجابة المؤسسية الشائعة لـ “كوفيد-19” التي أدت إلى تدابير تخفيض التكاليف وتسريح الموظفين بمثابة رسالة سلبية لموظفيك الذين دخلوا على الأرجح في دورة هزيمة الذات المتمثلة في القلق والإهمال والانفصال عن العمل وانخفاض الإنتاجية والدوران الوظيفي. توصل بحثنا إلى أن الموظفين الذين يتمتعون بميزات علائقية كالولاء والالتزام المؤسسي (بعبارة أخرى، الأفراد الأعلى قيمة في مؤسستك) هم عرضة بصورة خاصة لهذه الاستجابة السلبية.

ومن أجل إعادة ضبط التوقعات، يجب أن تثبت أن مؤسستك ترحب بالإبداع والابتكار في علاقة العمل بينك وبين موظفيك، لكن الأمر ليس متعلقاً بعلاقتك القائمة على العقود معهم، بل بفهمهم للدعم الذي تقدمه أنت ومؤسستك لهم وكفاءتك كمديرهم.

ومع انتهاء الجائحة، تتطلب إعادة ضبط التوقعات اتباع نهج مدروس ومشاركة موظفيك الفعلية. في بحثنا حول ترتيبات العمل الفردية المخصصة التي يتم التفاوض عليها بنجاح، أي ما يشار إليه باسم “الصفقات الفردية” (idiosyncratic deals – i-deals)، لاحظنا نتائج إيجابية للموظفين والمؤسسات على حد سواء. تمنح هذه الصفقات الفردية الموظفين القدرة على تكييف ترتيبات العمل كي تتناسب أكثر مع احتياجاتهم وقيمهم وتفضيلاتهم الشخصية، وتعود عليك بالفائدة عن طريق تعزيز الإنتاجية وتخفيض التغيب عن العمل.

تتنوع هذه الترتيبات المخصصة بطبيعتها وحجمها؛ قد يرغب بعض الموظفين في مرونة جداول العمل التي تتمثل في اختلاف أوقات بدء عملهم وانتهائه عن أوقات زملائهم، أو إتاحة خيار العمل خارج أوقات العمل الرسمية مثلاً، في حين قد يكون لدى البعض الآخر تفضيلات فردية مخصصة فيما يتعلق بالموقع الذي يعملون منه، وقد يطلب البعض تصميم أدوارهم على نحو يتيح لهم مواكبة التطورات ومواجهة تحديات جديدة (خذ مثلاً موظفاً في التسويق المطبوع يرغب في الانتقال إلى التسويق الرقمي).

يمكن أن تكون ترتيبات العمل الفردية المخصصة صعبة من الناحية اللوجستية، لكن بحثنا توصل إلى أمر مفاجئ؛ قد يكون للترتيبات الفردية المخصصة وإن كانت ضئيلة الحجم أثراً إيجابياً ملحوظاً على الرضا المهني وفهم الدعم المؤسسي مماثلاً لأثر الترتيبات ذات الحجم الأكبر.

هناك عاملان أساسيان للنجاح، الأول هو العزم على استكشاف الأفكار الإبداعية والانخراط فيها إذ إنها ستولد على الأرجح فوائد مهمة وغير متوقعة. خذ مثلاً موظفاً صاعداً يشعر بالاستياء لتأخر ترقيته نتيجة لفترة التعافي من الجائحة؛ على اعتبارك مديراً مدركاً لطموحاته المهنية من الممكن أن تتفاوض معه على ترتيب يقضي بأن يخضع لبرنامج تدريب تنفيذي ليطور مهاراته أكثر ويستعد بالتالي للترقية التي طال انتظارها حين تصبح الشركة في وضع أفضل. إن إعادة ضبط التوقعات باستخدام هذا النوع من التفكير ستعود بالفائدة على كلا الطرفين؛ تطوير المهارات والتقدم المهني بالنسبة للموظف والاحتفاظ بالموظف الذي يتمتع بالدافعية والمهارات بالنسبة للشركة.

أما العامل الثاني في النجاح فهو استخدام الأسلوب المناسب في النقاش مع الموظفين. تستدعي محادثات التفاوض على توقعات العمل أسلوباً تبادلياً يتسم بالشفافية، لذلك احرص على أن تتحدث عن احتياجاتك صراحة كي يعرف الموظف المخاوف المؤسسية، كإمكانية استمرار الشركة، مع الإقرار باحتياجات الموظف والعمل على تلبيتها. وبذلك سيفهم الموظفون أنك مستعد لدعمهم كي يكونوا بدورهم أفراداً منتجين في المؤسسة.

عموماً، ستؤدي إعادة ضبط التوقعات باستخدام نهج فردي مخصص بدلاً من النهج الشامل الموحد إلى تحسين جذري في مؤسستك لأنك تستثمر في قوة عاملة ماهرة وملتزمة.

إعادة تأسيس الالتزام

تنطوي إعادة تأسيس الالتزام على تقديم تفسيرات صريحة لسبب اتخاذ قراراتك والطريقة التي اتبعتها في صناعتها على اعتبارك ممثلاً عن مؤسستك، في غياب هذه التفسيرات يخبرنا تفكير الموظفين أنهم سيملؤون الفراغات بتفسيراتهم الخاصة التي لا تصب في صالح المؤسسة غالباً.

ومع حدث متطرف كالجائحة ينخرط الموظف في عملية مقارنة اجتماعية نفسية بين وضعه ووضع أفراد آخرين حقيقيين أو خياليين، يؤدي هذا النوع من المقارنات غالباً إلى اعتقاد الموظف أنه لا يتلقى معاملة منصفة، ما يولد لديه صورة سلبية عن المؤسسة. ستساعد إعادة تأسيس الالتزام في منع هذه الأحكام السلبية، وهي تتطلب منك الإعلان رسمياً عن الطريقة التي اتبعتها في إدارة الأزمة، ما يتيح لك بناء ثقة ذات مصداقية لدى موظفيك بالمؤسسة وبأنفسهم.

يمكن إعادة تأسيس الالتزام باتباع 3 طرق:

  1. التفسير المهدئ، وهو يتضمن عرضاً صريحاً لسبب ما فعلته وما لم تفعله (مثلاً، اتباع القواعد الصحية المفروضة محلياً).
  2. نهج التسويغ، وهو يضفي الصبغة الشرعية على ما تفعله عن طريق إرجاعه إلى مصدر يتمتع بالسلطة (مثلاً، توجيهات مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها وغيرها من الأبحاث التي استندت إليها فيما تفعله).
  3. نهج إعادة التأطير، الذي يستدعي التركيز على النتائج الأسوأ التي كان من الممكن الوصول إليها في ظروف أخرى (مثلاً، ممارسات الحجر المشددة في مكان العمل في بعض أجزاء العالم).

تتطلب إعادة تأسيس الالتزام التعامل بشفافية، عبّر أحد المشاركين في أبحاثنا عن ذلك في قوله: “احرص على مشاركة الجميع عن طريق دفع القادة في مختلف المستويات للتحدث عن التحديات التي واجهوها على الصعيد الشخصي والمهني”. يقول هذا السلوك التنظيمي رسالة مفادها: “نحن جميعنا مشتركون في هذا الأمر” كما أنه يعزز قيم التعاطف والاهتمام كي تشكل علامات إرشادية للموظفين بدلاً من الظروف العشوائية، وهذا يؤدي إلى جعل الوضع طبيعياً كي يتمكن الموظفون من النظر إلى ما وراء حالة الغموض والازدهار وزيادة إنتاجيتهم.

إعادة بناء القدرات

تساعد إعادة بناء القدرات على معالجة المعتقدات بشأن قدرة شركتك على اتخاذ إجراءات فعّالة، وهي تنطوي على توجيه الاهتمام المنهجي إلى ما يقدم أفضل فائدة للمؤسسة وما يجب التخلي عنه. مثلاً، في أبحاثنا، كانت مالكة إحدى الشركات الاستشارية تسمي استراتيجية بناء القدرات لديها “كن ليناً لتنمو”، وهي تتمثل في الابتعاد عن العلاقات والاتفاقات التي فقدت صلاحيتها والاستثمار على نحو مدروس في الأنظمة والتكنولوجيا التي تعزز الشفافية والنمو. يمكن استثمار الأموال التي تم تحريرها من العلاقات والعقود غير المنتجة في أنظمة تحلّ محلّ البنية التحتية القديمة لمعلومات الإدارة والتراتبية الإدارية، عندئذ سيتمكن الموظفون من الحصول على معلومات أفضل وزيادة إنتاجيتهم، إذ لن يضطروا بعد الآن لبذل وقتهم وجهدهم على التعامل المحبط مع أعباء التوثيق ونظم التواصل.

كما تعني إعادة بناء القدرات الاستثمار في مهارات الموظفين التي تمنحهم الطاقة وتعود بالفائدة على المؤسسة. مثلاً، في إحدى منشآت التعليم العالي التي تقدم خدماتها للطلاب أصحاب الأصول اللاتينية، تعطى دروس اللغة الإسبانية المجانية لجميع أفراد المؤسسة، والآن يشعر جميع الموظفين من هيئة تدريسية وإداريين وموظفين وغيرهم أنهم قادرون على تقديم الخدمات للطلاب وذويهم على نحو أفضل لأنهم أصبحوا يتقنون لغتهم، الأمر الذي يبدي احترامهم ومراعاتهم لثقافة هذه الأسر.

تتمثل استراتيجية أخرى لبناء القدرات في دعم الموظفين ليبنوا شبكات العلاقات المهنية، فهي ستتيح لهم اكتشاف ممارسات العمل الفعالة عن طريق مجموعات التبادل التجاري ومؤسسات القطاعات المحددة. ناقش أحد المشاركين في أبحاثنا أن الجائحة شكلت فرصة ذهبية للتشارك مع شركات جديدة تتمتع بحضور قوي في القطاع، ما أتاح تبادل الأفكار والمهارات. مثلاً، يمكن لشركة ملتزمة بالعدالة الاجتماعية دعوة متحدثين وطنيين بارزين في مجالات التنوع والمساواة والشمول الاجتماعي لإلقاء عرض تقديمي على نطاق الشركة مع جلسات متابعة جانبية حول طرق تطبيق بعض المفاهيم على الشركة.

كما تقدم شبكات المعارف الشخصية الدعم والتقييم لأهداف التطوير، مثلاً، يمكن أن يدعم مدير موظفاً لحضور مؤتمر حول الاستدامة ويدعم موظفاً آخر لحضور اجتماع يركز على منع هجمات برامج الفدية الخبيثة.

يمكن لهذه الشبكات مجتمعة ممارسة دور حيوي في بناء قدرات الموظفين عن طريق حصولهم على الدعم والتقييم والرؤى والموارد والمعلومات التي ستعود بالفائدة على الشركة، وهذا يعزز استجابات الشركة الإبداعية والابتكارية. يساعد الاستثمار في إحساس الموظف بكفاءته الذاتية على الوقاية من إحساسه باليأس وضرورة اتخاذ موقف دفاعي نتيجة للأحداث المتطرفة، وذلك عن طريق السماح له بتحديد طريقته في التدخل والتأثير وبالتالي تحديد طريقته في التصرف بفعالية.

لا يزال الغموض يلف الوضع الطبيعي الجديد في مكان العمل، ومن السهل على الشركات العودة إلى أعمالها الروتينية وعاداتها القديمة. واستراتيجياتنا الثلاثة هي فرص مدروسة ينبغي لك اغتنامها الآن من أجل المساعدة على ازدهار الموظفين الذين يملكون القدرة على التعلم ويتمتعون بالحيوية في العمل ويشعرون بأنهم قادرون على التأثير. عن طريق إعادة ضبط التوقعات وإعادة تأسيس الالتزامات وإعادة بناء القدرات ستقوي أهمّ أصول شركتك لمواجهة الحدث المتطرف المفاجئ التالي حينما يقع.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .