تقرير خاص

“المرونة المؤسسية” ركيزة أساسية لتحقيق تطلعات سكان المنطقة وتلبية متطلباتهم

5 دقائق
المرونة المؤسسية
shutterstock.com/metamorworks
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

حددت الحكومات في الشرق الأوسط رؤى طموحة للارتقاء بجودة حياة المواطنين والسكان، وفي الوقت نفسه، لدى مواطني ومقيمي دول المنطقة توقعات عالية فيما يتعلق بمعايير جودة الحياة والفرص والخدمات التي يتطلعون للحصول عليها من المؤسسات والجهات الحكومية. ولكي تتمكن المؤسسات الحكومية من تحقيق رؤى القيادة العليا من جهة ومتطلبات المواطنين والمقيمين من جهة أخرى، يجب عليها اعتماد طرائق مبتكرة للعمل تركز على تحقيق النتائج الصحيحة على النحو المطلوب في فترة زمنية قصيرة.

وهنا، تبرز أهمية “المرونة المؤسسية” كمحفز حيوي لتطوير الأداء. فالمرونة هي طريقة جديدة للعمل، تمكّن المؤسسة من تعزيز ذكائها والتركيز على تحسين خدماتها المقدمة للجمهور. وتسهم “المرونة” في تعزيز قدرة المؤسسات على إضافة المزيد من القيمة، وتقديم نتائج أفضل، وتسريع الوقت المطلوب لتسويق منتجاتها وخدماتها، فضلاً عن تعزيز مكانتها وجاذبيتها للمواهب.

وأوضح مدير مفوّض وشريك في مجموعة بوسطن كونسلتينغ جروب، الدكتور أندرياس كلار: “في نموذج العمل الذي يتمتع بالمرونة، تعمل الفرق الصغيرة متعددة التخصصات من وظائف الأعمال وتكنولوجيا المعلومات والموارد البشرية والتسويق معاً وفق أطر عمل سريعة ومتكررة ومحددة زمنياً. وتستخدم هذه الفرق منهجيات مرنة مثل منهجية سكرم (Scrum) لتنظيم دورات عملها نحو تحقيق أهداف سريعة ومركزة، وزيادة منتجات الحد الأدنى (MVP). ولكي تنجح المؤسسة في تحقيق المرونة المطلوبة في نموذج عملها؛ يجب أن ترتكز على استراتيجية وثقافة تنظيمية، إضافة إلى أهمية التوافق القوي بين أهداف المؤسسة ومهام الفرق. كما يتعيّن عليها تمكين الفرق من اتخاذ القرارات وتحقيق النتائج. ويتطلب النجاح أيضاً التحول من العقلية القيادية التقليدية “فرض الأوامر والتحكم” إلى عقلية “القيادة الخادمة”، التي يركز فيها قادة المؤسسة على النمو وتعزيز جودة حياة موظفيهم وفرقهم”.

وتتحقق المرونة المطلوبة عندما تُطبق المؤسسات مفاهيم مرنة تتخطى المشاريع المعزولة، وترتكز على مبدأ المرونة على مستوى المؤسسة كقاعدةٍ لتحقيق أهداف استراتيجيتها والارتقاء بجودة خدماتها. وقد نشأ هذا المفهوم من الابتكار المتسارع في هندسة البرمجيات الذي تميزت به بداية الألفية.

وبدوره قال مدير مفوّض وشريك في مجموعة بوسطن كونسلتينغ جروب، بودو فون هولسن: “تعود جذور مفهوم “المرونة” إلى منهجيات هندسة البرمجيات التي ظهرت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وشهدت اعتماداً واسع النطاق من جانب شركات التكنولوجيا الرائدة مثل آبل، وآي بي إم، وسبوتيفاي، ونتفليكس. ودعمت بوسطن كونسلتينغ جروب المؤسسات الكبيرة في أوروبا والولايات المتحدة – مثل شركات الأدوية والبنوك وشركات التأمين – لتحويل نماذج عملياتها بما يُعرف بـ “نماذج الشلال” (waterfall models) التقليدية المتسلسلة لتصبح مؤسسات ذات نماذج عمليات مرنة بنجاحات كبيرة. ويجب أن تكون المرونة المؤسسية مصممة دائماً وفقاً لتحديات المؤسسة وأهدافها لتحقيق نتائج مثالية”.

ومن المهم ملاحظة أن المرونة المؤسسية ليست غاية في حد ذاتها وإنما وسيلة لتحقيق غاية أو مجموعة من الغايات. وتتطلب مجموعةً واضحة من الطموحات الاستراتيجية المترجمة إلى أهداف واضحة، مدعومةً بالمواهب والكفاءات اللازمة.

ويتزايد الاهتمام بالمرونة المؤسسية في المؤسسات العامة في أوروبا، والولايات المتحدة وأستراليا. وقد أجرت بوسطن كونسلتينغ جروب مؤخراً استبيانات ومقابلات مع مدراء ورؤساء تنفيذيين في 23 مؤسسة عامة عالمية وفيدرالية وحكومية في ألمانيا والسويد وسويسرا والمملكة المتحدة وأستراليا والولايات المتحدة. وكشفت الدراسة عن توجهات ملحوظة نحو تعزيز مفاهيم “المرونة المؤسسية” في المؤسسات العامة.

  • تستخدم تسع من كل عشر مؤسسات منهجيات مرنة، ويُطبق نصفها تقريباً هذه المنهجيات منذ أكثر من عامين.
  • تُعد تقنية المعلومات وصنع السياسات وتقديم الخدمات من المجالات الشائعة لتطبيق المرونة.
  • نحو 40% من المؤسسات لديها قسم واحد على الأقل، ويتراوح حجمه ما بين 100 إلى عدة آلاف من الموظفين، معتمدين على نموذج العمليات المرن كطريقة أساسية للعمل. ومع ذلك، فقد وسّع عددٌ قليل منها منهجيات المرونة على مستوى المؤسسة.
  • المؤسسات التي طبقت منهجيات مرنة تقدم خدماتها بصورة أسرع بنسبة تصل إلى 50% وتحسّن معدلات رضا المواطنين بنسبة تصل إلى 25%.

تبني المرونة المؤسسية في القطاعات العامة

وعلى صعيد منطقة الشرق الأوسط، يأتي تبني منهجيات المرونة المؤسسية” في وقت مناسب، إذ إن هناك وعياً متزايداً بأن المؤسسات العامة في الشرق الأوسط تعمل في عالم يزداد تعقيداً، في ظل حاجتها إلى الاستجابة على نحو سريع للتحولات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، بينما تعمل في الوقت نفسه على مواكبة المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية المحلية وتلبية الاحتياجات المتجددة للمواطنين. ويشهد العالم حالياً تحولات بوتيرة أسرع بكثير من ذي قبل، لدرجة لا يمكن لمنهجيات ونماذج العمل التقليدية مواكبتها. وتشكل المرونة ضرورة حيوية بالنسبة للحكومات لمواجهة هذه التغييرات وتقديم خدمات أفضل لسكانها.

وقال مدير في بوسطن كونسلتينغ جروب، رغيد محفوظ: “تشهد المؤسسات العامة في الشرق الأوسط، مثل الهيئات التنظيمية وأنظمة الرعاية الصحية، تطوّراً كبيراً في مجالات تركيزها الأساسية، إذ تعمل هذه المؤسسات والجهات ضمن منظومات متغيرة ومعقدة. ومن المتوقع من هذه المؤسسات أن تستجيب بسرعة وتعمل على تطوير أدائها وقدراتها سريعاً لدعم الرؤى الوطنية الطموحة. وعلى الرغم من ذلك، يتم إهدار الوقت والموارد والجهود نتيجة نماذج العمل المتفككة وغير المترابطة، إلى جانب الإفراط في التركيز على التخطيط بدلاً من التنفيذ. إضافة إلى ذلك، تفتقر المؤسسات العامة في المنطقة إلى المواهب نتيجة المنافسة الشديدة في سوق العمل”.

وتوفر المرونة المؤسسية للمؤسسات العامة الإقليمية طريقة للتغلب على هذه التحديات:

  • تمكّن نماذج العمليات المرنة القدرة على التكيف السريع مع التحولات وتطوير منتجات وميزات وخدمات أفضل – بداية من السياسات الجديدة وصولاً إلى المنصات والخدمات.
  • تعزز المرونة التنفيذ السريع للاستراتيجيات وتخطّي قيود التخطيط الطويل لدفع الأولويات والإنتاجية والأداء.
  • تسهم المرونة في إلغاء حالة التفكك وعدم الترابط في المؤسسات وتعزّز التعاون بين مختلف الأقسام بتزويد الفرق بأعضاء متعددي الوظائف لتحقيق نتائج واضحة.
  • تفتح المرونة المجال أمام الجيل القادم من نماذج العمل، ما يجعل المؤسسات العامة أكثر قدرةً على جذب المواهب المتميزة والاحتفاظ بها في ظل التوجهات الرقمية.

ومع ذلك، فإن تنفيذ منهجيات المرونة المؤسسية لا يخلو من التحديات، إذ إن الجمود التنظيمي يخلق طبقات من الإجراءات والبيروقراطية في العمليات. وقد تجد الأقسام والإدارات التقليدية، أو تلك التي تركز على الإشراف والرقابة، صعوبةً في الاستجابة السريعة أو التخلي عن قدراتها. إضافة إلى ذلك، تميل المؤسسات العامة إلى اتباع سياسات صارمة في إعداد الموازنات والمشتريات، وجميعها أمور لا تدعم مفاهيم المرونة (على سبيل المثال، تصعّب عملية تخصيص الميزانيات السنوية مواكبة التوجهات أو التحولات السريعة التي تتطلبها منهجيات المرونة، ويمكن أيضاً أن يخضع المشروع أو عمليات المشتريات لإجراءات طويلة ومعقدة مع مستويات متعددة من الإشراف والموافقة). ويمكن لهذه العوامل مجتمعةً أن تجعل اعتماد مفاهيم المرونة المؤسسية في المؤسسات العامة أكثر تحدياً مقارنة بالمؤسسات الخاصة.

وأقرَّ مدير مفوّض وشريك في مجموعة بوسطن كونسلتينغ جروب، الدكتور جايكومار باتيل، ببعض هذه المخاوف، قائلاً: “لقد أظهرت عملياتنا في المنطقة في كثير من الأحيان الحاجة إلى التخلص من العمليات طويلة الأمد وقيود العمل. ويمكن أن تشكل إجراءات البيروقراطية في إدارة المشاريع، والسياسات المتشددة في إقرار الميزانيات وإجراء المشتريات، وهيكليات الموظفين الصارمة والثقافة غير المثالية لقياس الأداء، عائقاً في طريق تطبيق المرونة المؤسسية على النحو المطلوب”.

ومع ذلك، يعتقد الدكتور باتيل أن هذه العقبات ليست مستعصية على الحل. ويوضح : “يمكن معالجة هذه التحديات. وتعمل بوسطن كونسلتينغ جروب حالياً مع مؤسسات الرعاية الصحية في المملكة العربية السعودية والمنطقة لمعالجة هذه العوائق وتحفيز التحرك نحو تعزيز مستويات الأداء بالاستعانة بإطار عملنا الشامل للمرونة المؤسسية”.

ويحتاج عالمنا الذي يشهد تغيرات بوتيرة متسارعة جنباً إلى جنب مع الرؤى الوطنية الطموحة وبعيدة المدى التي حددتها الحكومات إلى مؤسسات يمكنها التأقلم والتكيف والنجاح في مواجهة حالات عدم اليقين والجداول الزمنية المحددة. وتُعد المرونة المؤسسية – بمبادئها المتمثلة في تمكين الفرق متعددة الوظائف والقيادة الخدمية – السبيل الأمثل للمؤسسات الحكومية للمضي قدماً في تقديم خدمات أفضل وأسرع وأكثر فعالية من حيث التكلفة للمواطنين والمقيمين.

نبذة عن شركة بوسطن كونسلتينغ جروب

تتعاون شركة بوسطن كونسلتينغ جروب مع مجموعة واسعة من الشركاء في مختلف قطاعات الأعمال والمجالات الاجتماعية والاقتصادية لمساعدتهم في تحديد التحديات وإيجاد حلول لها واغتنام أفضل الفرص المتاحة لهم، وتعتبر رائدة على مستوى العالم منذ تأسيسها في عام 1963، وتعمل الشركة اليوم بصورة وثيقة مع عملائها لتبني نهج تحوّلي يهدف إلى إفادة جميع الأطراف المعنية؛ وذلك من خلال تمكين المؤسسات من تحقيق النمو وتبني مزايا تنافسية مستدامة وإحداث أثر اجتماعي إيجابي وملموس.
وتتميز فرقها العالمية المتخصصة والمتنوعة بخبرات عريقة ورؤى ثاقبة على مستوى مختلف القطاعات والمجالات لإحداث التحول اللازم، وتقدم حلولاً متقدمة في مجالات الاستشارات الإدارية الرائدة والتكنولوجيا والتصميم إلى جانب المشاريع المؤسسية والرقمية. وتتميز الشركة بنموذج عملها التعاوني الذي يغطي جميع المستويات والمتطلبات التي يحتاجها العملاء، ويتم تعزيز هذا النموذج بالسعي المستمر لدعم العملاء على الازدهار والنمو وتمكينهم من جعل العالم مكاناً أفضل للعيش ومزاولة الأعمال.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .