تقرير خاص

من الذي يمارس الإدارة في المؤسسة الرشيقة التي تتبع منهج أجايل؟ وماذا يفعل بالضبط؟

6 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يتزايد انتشار ثقافة مكان العمل الرشيق شيئاً فشيئاً. ففي أحد استطلاعات الرأي التي أجرتها شركة “ماكنزي آند كومباني” والتي شملت أكثر من 2,500 موظف من مختلف أحجام الشركات والتخصصات والمجالات والمناطق والمناصب، أشار 37% من المشاركين إلى أن مؤسساتهم تنفذ التحولات الرشيقة على مستوى الشركة، وقال 4% إنّ شركاتهم نفذت مثل هذه التحولات بشكل كامل. يسير هذا التحول بدافع أن الفرق الصغيرة متعددة التخصصات في المؤسسات الرشيقة تستطيع التجاوب بسرعة وسلاسة مع الفرص السوقية وطلبات الزبائن التي تتغير باستمرار. وفي الحقيقة، أفاد أكثر من 80% من المشاركين في الوحدات الرشيقة أن مستوى الأداء الكلي شهد ارتفاعاً متوسطاً أو كبيراً منذ بدأت عمليات التحول.

ما الذي يفعله المدراء في المؤسسات الرشيقة؟

تتمتع هذه الفرق الصغيرة التي غالباً ما يطلق عليها اسم “مجموعات” بقدر كبير من الاستقلالية، وعادة ما تضم ما بين ثمانية إلى عشرة أفراد يتحملون المسؤولية الكاملة عن نتائج معينة ويتخذون قراراتهم الخاصة التي تتعلق بكيفية تحقيق أهدافهم. يثير هذا سؤالاً واضحاً ومبهماً في الوقت نفسه أمام الموظفين الذين عملوا في الشركات التقليدية ذات التسلسل الهرمي: من الذي يمارس الإدارة في المؤسسة الرشيقة؟ وما الذي يفعله المدير الرشيق بالضبط؟

الحقائق الأساسية

تصبح الإجابات واضحة عندما تدرك أن الشركة الرشيقة النموذجية تستخدم نظام مصفوفة ديناميكياً يحوي نوعين من التسلسل الإداري: تسلسل القدرات وتسلسل إيجاد القيمة. ينتمي معظم الموظفين تقريباً إلى التسلسل الإداري الوظيفي الذي يعتبر موطنهم الرئيس على المدى البعيد في الشركة والتسلسل الإداري لإيجاد القيمة وهو الذي يضع الأهداف والاحتياجات التجارية التي يضطلعون بها في المجموعات.

بلغة الإدارة الرشيقة، غالباً ما يطلق على التسلسلات الإدارية بأسلوب القدرات “فروع”. وهي تتشابه في بعض النواحي مع أعمال المؤسسات التقليدية (ربما يكون لديك مثلاً فرع “مطوري الشبكة” أو فرع “الأبحاث”). يتحمل كل فرع مسؤولية بناء قدرة معينة: من توظيف أصحاب المواهب أو إقالة الموظفين أو تطويرهم أو توجيههم طوال مسيرتهم المهنية وتقييمهم وترقيتهم وإنشاء أدوات وأساليب وطرق عمل قياسية. ويجب أن توزع الفروع أيضاً أصحاب المواهب لديها على المجموعات المناسبة اعتماداً على خبراتهم وكفاءاتهم. وفي الحقيقة تعتبر الفروع مسؤولة عن “كيفية” عمل الشركة. وعلى الرغم من ذلك، حالما يعمل صاحب الموهبة في فريق رشيق، لا يبلغه الفرع بما يجب عليه فعله ولا يضع له الأولويات ولا يكلفه بأي مهام ولا يشرف على أعماله اليومية.

كثيراً ما توصف التسلسلات الإدارية بأسلوب إيجاد القيمة بأنها “قبائل”. تركز تلك التسلسلات على جني المال وتقديم القيمة للزبائن (ربما يكون لديك قبيلة “خدمات الرهن العقاري” أو قبيلة “المنتجات الجوالة”). والقبائل أشبه بوحدات العمل أو خطوط الإنتاج في المؤسسات التقليدية. “تستأجر” القبائل معظم مواردها من الفروع. وإذا كانت الفروع مسؤولة عن “الكيفية”، فإن القبائل مسؤولة عن “الماهية”. فتضع القبائل الأولويات والأهداف وتعطي أوامر التحرك للموارد الوظيفية الموزعة عليها.

أدوار الإدارة

في هذا العالم، أصبح عمل المدير التقليدي في المستوى الأوسط يتضمن ثلاثة أدوار مختلفة: قائد الفرع وقائد القبيلة وقائد المجموعة. هيا بنا نفحص مسؤوليات كل دور والتحديات التي تثيرها أمام المدراء التقليديين الذين يتطلعون إلى أن يصبحوا مدراء رشيقين يتبعون منهج أجايل.

قائد الفرع

كل تسلسل إداري وظيفي لديه قائد. يجب أن يبني هذا القائد القدرات المناسبة ويزود الموظفين بالمهارات والأدوات والأساليب اللازمة لتحقيق التميز الوظيفي وضمان توزيعهم على فرص إيجاد القيمة – أحياناً في الأدوار الطويلة المدى التي تدعم الشركة وغالباً في المجموعات الصغيرة المستقلة. يجب أن يقوم قائد الفرع بتقييم موظفيه وترقيتهم وتدريبهم وتنمية مهاراتهم ولكن من دون الإشراف المباشر التقليدي. لا يشترك قادة الفروع في الأعمال اليومية للفرق، ولا يراجعون أعمال الموظفين في فروعهم، ولا يعتمدونها، ولا يتبعون أسلوب الإدارة الجزئية، ولا يقومون بالإشراف اليومي. بدلاً من ذلك، تقدّم الملاحظات المنتظمة من قادة القبائل وأفراد الفريق والزملاء الآخرين معلومات تفيد تقييماتهم ونوعية التدريب الذي يجب أن يقدموه. ولا يقدم هؤلاء القادة إشرافاً مباشراً؛ لذلك يمكن أن يتسع نطاق تحكمهم بشكل كبير، حقيقة تستطيع إزالة عدة طبقات من الإدارة. في الواقع غالباً ما يحصلون على وقت كاف للتعامل مع “العمل الحقيقي” المرتبط بالفرص التجارية أيضاً.

إنّ أصعب التحديات التي تواجه القادة الجدد للفروع تتمثل في التخلي عن التركيز اليومي وتحويل الاهتمام نحو بناء القدرات المناسبة والمساعدة على تسكين أصحاب المواهب في الأدوار المناسبة وفرص إيجاد القيمة. وقد اعتاد المدراء التقليديون الإشراف الوثيق على موظفيهم، ولكن لو تخلوا عن ذلك لوجدوا أنفسهم في وظائف تتطلب المزيد من مواهبهم القيادية والإبداعية. إنهم لن يستطيعوا الانضمام إلى المجموعات في بعض الأحيان فحسب؛ بل سيتمكنون من تعظيم دورهم القيادي بطرق مثيرة للاهتمام. على سبيل المثال لو كانت الشركة تعيد تهيئة المجموعات باستمرار، وتعيد توزيع أصحاب المواهب على أدوار أو فرق مختلفة، فربما يحتفظ مدير الفرع بسجل للأعمال الوظيفية “الخفيفة” التي يستطيع موظفوه الموهوبون مساعدته فيها في الفترات الفاصلة بين عمليات توزيعهم.

قائد القبيلة

يستعير قادة إيجاد القيمة هؤلاء معظم مواردهم من الفروع أو يستأجرونها منها؛ لذلك لم يعودوا يتحملون عبء بناء قدراتهم الوظيفية. بدلاً من ذلك يعمل قائد القبيلة كمدير عام حقيقي، أو كرئيس تنفيذي صغير يركز على إيجاد القيمة والنمو وخدمة المتعاملين؛ لذلك يجب على هؤلاء القادة وضع الاستراتيجيات والأساليب التكتيكية المناسبة لتحقيق النتائج التجارية المرجوة وتحديد نوعية احتياجات العمل التي تجب تلبيتها ومقدار ما يجب استثماره في أي مجال وكيفية ترتيب الفرص من حيث الأولويات. إنهم يعملون مع قادة الفروع على وضع الموظفين المناسبين في المجموعات المناسبة.

يقوم قادة القبيلة، مثل قادة الفروع، بالإدارة قليلاً والقيادة كثيراً. إنهم يتحملون المسؤولية عن الربح والخسارة؛ لذلك يجب عليهم وضع رؤية استراتيجية لمشروعهم والمتعاملين معهم، يجب عليهم وضع رؤية شاملة للقدرات الأساسية للمؤسسة بشكل عام (حتى يستطيعوا الحصول على الموارد التي يحتاجون إليها من الفروع) ورؤية متكاملة للشركة ككل وكيفية توافق ما يفعلونه مع العمل بشكل عام. سوف يطور الناجحون المزيد من مهارات المدير العام وعقلية التفكير في المشروع ككل، ما يمكنهم من التغلب على المجموعات التي تميل إلى العمل منعزلة عن الآخرين وييسر التعاون المشترك بين الإدارات ويمكن ملاك المنتج من تقديم الإرشادات اليومية حول الأهداف والأولويات والمهام.

وتتمثل التحديات الأكثر صعوبة التي تواجه المدراء التقليديين الذين يتعاملون مع قادة القبائل في التخلي عن الحاجة إلى “امتلاك” جميع الموظفين الذين يعملون لصالحهم بالإضافة إلى تحويل الانتباه من أسلوب الإدارة الجزئية المبالغة في الاهتمام بكل تفاصيل الأعمال اليومية إلى وضع الاستراتيجيات والأهداف والأولويات المناسبة واتخاذ القرارات التجارية الملائمة. يجب أن يعالج قادة القبائل اعتمادهم على الفروع في الحصول على المواهب. ويجب أن يقاوموا الدافع إلى تكوين مواردهم الخاصة والوظائف البديلة لكي لا يفتقروا مطلقاً إلى ما يحتاجون إليه عندما يحتاجون إليه. تدمر هذه التحايلات مصفوفة الرشاقة التي تعتمد على التوترات الصحية والصراعات البناءة من أجل تقديم القدرات المناسبة إلى الفرص المناسبة في الأوقات المناسبة.

قائد المجموعة

يخدم قادة الفرق أو قادة “المجموعات” هدفاً مهماً في مصفوفة الرشاقة. إنهم لا يمارسون الرئاسة على الموظفين في فرقهم، بل يساعدون على تخطيط العمل وتحقيق الانسجام في تنفيذه، ويسعون إلى بناء فريق متماسك. كما أنهم يقدمون الإلهام والتدريب والملاحظات لأفراد الفريق، ويرفعون التقارير إلى قادة القبائل حول التقدم المحرز، ويقدمون معلومات حول تنمية الموظفين وأدائهم إلى قادة الفروع ذات الصلة. انظر إلى قادة المجموعات على أنهم أفراد مساهمون استطاعوا تنمية مهارات القيادة أو على الأقل يبدون الاهتمام بتعلم هذه المهارات. قد يكون دور قائد المجموعة أقل أو أكثر رسمية، وقد يتغير مع مرور الوقت اعتماداً على ما يعمل عليه الفريق. ومرة أخرى؛ يتمثل التحدي أمام أي شخص من شركة تقليدية في القيادة من دون إبداء الكثير من التحكم، ولكن قد تكون المكاسب كبيرة. فسوف يتحول بعض قادة المجموعات إلى قادة قبائل؛ بينا سيستمر آخرون كأفراد مساهمين يتمتعون بمهارة إضافية؛ ألا وهي: القيادة الرشيقة.

شيء قديم وآخر جديد

ليست فكرة الفرق المستقلة فكرة جديدة؛ فهي موجودة منذ عقود. على سبيل المثال في حركة الجودة التي ترسخت في مجال التصنيع والتطوير المستمر منذ 50 عاماً، كانت دوائر الجودة وأنظمة العمل عالية الأداء كثيراً ما تعتمد على فريق مستقل يتمتع بالإدارة الذاتية مع قائد غير رسمي للفريق لم يكن رئيساً من الناحية العملية. وفي الآونة الحديثة أكدت شركات مثل دبليو إل غور (WL Gore) (في علوم المادة) وهاير (Haier) (الشركة الصينية لتصنيع الأجهزة) على أهمية تمكين الفرق الصغيرة، وإن كانوا لا يستخدمون المصطلحات التي نربطها بمنهجية الرشاقة أو تركيز تلك الفرق على تطوير البرامج التي حققت فيها منهجية الرشاقة بعض أبرز نتائجها.

في الوقت الحالي ترتكز المؤسسات الرشيقة على هذه الأفكار (للمزيد عن التحول قيد التنفيذ، انظر “ثورة الرشاقة” بالأسفل). لقد أصبح قائد المجموعة الآن جزءاً من مصفوفة الرشاقة التي يقدم فيها قادة إيجاد القيمة أو القبيلة التوجيهات المستمرة ويضعون الأولويات التي ترتبط بمواضع وجود القيمة؛ بينما يركز قادة القدرات أو الفروع على ضمان الخبرة الوظيفية الكبيرة والأدوات والكفاءات الجماعية واقتصاديات الوفرة والمهارات. فإذا استطاع هؤلاء القادة أن يصبحوا مدراء فعالين وغير متطفلين، فسوف تستمتع الشركة الرشيقة بأفضل النتائج في كلا العالمين: مزايا الحجم التي عادة ما تتحقق في المؤسسات الكبيرة بالإضافة إلى مزايا السرعة التي ترتبط في الغالب بالشركات الناشئة الريادية الصغيرة.

ثورة الرشاقة

لا بدّ من النظر إلى المؤسسة ككائن حي وليس كآلة، وهو ما يمثل صلب الاتجاه المتنامي نحو إنشاء شركات أكثر رشاقة. كيف يبدو هذا؟ في جهد تعاوني ضم مجموعة من “رواد” الرشاقة، أوضح 50 خبيراً في ماكنزي من مجال الرقمنة والعمليات والتسويق والممارسات المؤسسية طبيعة هذه التغييرات – كل من التحول الجذري الشامل بالإضافة إلى التحولات الخمسة الأساسية التي يجب على المؤسسات “التقليدية” تشجيعها في عقلية موظفيها. فيما يلي رسم تخطيطي، ويمكنك العثور على التقرير الكامل “العلامات التجارية الخمس للمؤسسات الرشيقة” (The five trademarks of agile organizations) على الموقع الإلكتروني: (McKinsey.com).

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .