لماذا سيكون المستقبل بين أيدي المتفائلين الحازمين

3 دقائق
المتفائلون الحازمون والمستقبل
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تنتشر حالة من عدم الارتياح في أوساط الأسواق المالية ويسيطر القلق على المجتمع. وفي الولايات المتحدة، آلت الحملة الرئاسية إلى حمى مسعورة من الإهانات الشخصية والسلوك المضطرب. وأما بالنسبة للتكنولوجيا، فقد تكون متجهة بالفعل نحو تقديم السيارات الذاتية القيادة، ونشر الطب المستوحى من علم الجينوم. لكن رغم هذا التقدم، يعتقد معظم الناس أن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ. وفي أوقات حالكة كهذه، من السهل الاستسلام للتشاؤم، حتى بالنسبة للقادة الملتزمين ببناء مستقبل أكثر ازدهاراً لمؤسساتهم. فماذا عن الأشخاص المتفائلين الحازمين والمستقبل؟

مصطلح “التفاؤل الحازم” 

يستحضرني هنا ذكر النكتة التي تقول: “وددت أن أكون متشائماً، لكن ذلك لن يجدي”. وقد انتهيت لتوي من تأليف كتاب حول شركات تعمل ضمن ظروف اعتيادية جداً (مثل بعض البنوك، والمستشفيات، وحتى مرآب السيارات)، لكنها استطاعت تحقيق مكاسب كبيرة من خلال القيام بأمور غير اعتيادية. وعندما أفكر في الصورة المرتقبة لمستقبل تلك المؤسسات، والعقلية التي توجه قادتها وتشحن أعضاءها بالطاقة، يصيبني الذهول حيال الإحساس القوي بالتفاؤل الذي يسود هناك. وهو ليس بالتفاؤل الساذج، أو الإيمان المطلق بحتمية النجاح، لكنه ما أطلق عليه الخبير في مجال القيادة والمصلح المدني جون غاردنر المصطلح الشهير “التفاؤل الحازم” (tough-minded optimism)، وهو عبارة عن مزيج من الأفكار الأصلية والقناعات العميقة والمرونة في مواجهة التغيير.

يقول غاردنر: “لا يتشكل المستقبل على أيدي أشخاص لا يؤمنون به حقاً، بل يبنيه أناسٌ ذوو همة عالية، متحمسون، ويبنيه رجال ونساء يرغبون بشدة في تحقيقَ شيء ما أو يؤمنون بشدة في شيء ما”.  وأكد أنه على الرغم من أن أفضل القادة يمتلكون كافة أصناف المهارات، ويستخدمون كل أنواع التقنيات، لكن ليس هنالك بديل عن “الروح المعنوية العالية والأداء الرفيع الذي ينتج عن التحفيز القوي”.

عندما أفكر في القادة الذين درست عنهم، أولئك الذين يحققون فوزاً ساحقاً في مجالات صعبة وشاقة، يذهلني كيف تمكنوا من تطوير إجابات مقنعة عن أربعة أسئلة تصب في عمق ما يرفع من روحهم ويعلّي من أدائهم ويحشد الآخرين لمساعدتهم على النجاح. قد يجعلك العراك مع هذه الأسئلة أكثر تفاؤلاً حيال المستقبل وأكثر حماساً لتكون حازماً في مواجهة المشككين والمتشائمين:

هل تملك تعريفاً للنجاح في عملك يجعلك تتحمل الأعباء لتحقيق فكرة خاصة، وإلهام الآخرين للوقوف معك؟

لا تبيع أكثر الشركات نجاحاً منتجات وخدمات تنافسية فحسب، بل تسعى لتحقيق أفكارٍ مهمة تشكل التوجهات المستقبلية لمجالات عملهم، أفكارٍ تعيد تشكيل التصورات الممكنة للزبائن والزملاء والمستثمرين. فمثلاً، لا ترغب معظم الشركات العظيمة التي أعرفها أن تكون مجرد الشركة الأفضل من حيث القيام بما تفعله الكثير من الشركات الأخرى بالفعل. بل أن يكونوا متفردين بما يقومون به. يمثل هذا الإحساس بالأصالة بديلاً مغرياً للوضع الراهن الكئيب.

هل تعمل أنت وزملاؤك على نحو متميز عند المنافسة؟

صحيح أن القادة والمؤسسات الأكثر نجاحاً يفكرون بأسلوب مختلف عن أي شخص آخر (انظر ما ورد أعلاه). ولكنهم يهتمون أيضاً أكثر من أي شخص آخر بالعملاء والزملاء وطريقة إدارة المؤسسة بأكملها لعملها في عالم مليء بالفرص التي يمكن استغلالها لاختصار الطريق والمساومة على القيم. من الجيد أن تكون كفؤاً ومهنياً، كما أنه من الضروري ألّا يتم نسيانك وأن تكون ذا مغزى. يخلق هذا الارتباط العاطفي بين المؤسسات وأفرادها، وبين العلامات التجارية وزبائنها طاقة إيجابية حتى في البيئات السلبية.

هل أنت ثابت في عملك بقدر ما أنت مبدع فيه؟

أن تكون متفائلاً لا يعني بالضرورة أن تكون منفتحاً كلياً على التغيير. في الحقيقة، إن أحد الأسباب التي تجعل الناس متشائمين حيال المستقبل هو أن المؤسسات التي يعملون فيها لا تستطيع التوقف عن التغيير. فهناك الكثير من الشركات التي تتخبط في الانتقال من شركة استشارية إلى أخرى، وتنتقل بأساليب إدارتها من تقليعة الإدارة الساخنة في العام الماضي إلى نموذج عمل جديد هذا العام. وأوضح خبير الإدارة جيم كولينز الأمر قائلاً: “إن ما يميز المستوى الضحل في عمل ما ليس عدم الرغبة في التغيير، بل على العكس، تأتي الضحالة من حالة التغيير المزمن”. لذلك، إذا كنت ترغب بأن تكون متفائلاً حازماً، فيجب أن تكون أولوياتك ثابتة في أوقات الرخاء والشدة.

هل تبيّنتَ كيف يمكن لتاريخ شركتك أن يساعد في تشكيل مستقبلها؟

تمكن عالم النفس جيروم برونر من وضع يده على ما يمكن أن يحدث عندما تمنحنا أفضلُ التجارب في الماضي الخبرةَ الكافية لمعرفة متطلبات الحاضر. ويناقش ذلك قائلاً: “يكمن جوهر الإبداع في معرفة كيفية استثمار ما تعرفه بالفعل، لتتجاوز ما تفكر فيه بالفعل”. وهذا السبب الذي يجعل معظم القادة المتفائلين الذين قابلتهم لا يتنصلون من الماضي. وبدلاً من ذلك، فإنهم يفسرون مجدداً ما حدث معهم في السابق ويعتبرون ذلك طريقة لتطوير رؤيتهم لما سيحدث لاحقاً. أحياناً، تكون إعادة اكتشاف الماضي سبباً أساسياً في بناء الثقة اللازمة لوضع خطة استراتيجية للمستقبل.

وفي نهاية الحديث عن الأشخاص المتفائلين الحازمين والمستقبل، فإنني لا أدّعي أبداً أن احتضان روح التفاؤل الحازم، وصياغة إجابات عن هذه الأسئلة الأربعة التي ذكرتها سابقاً، سيضمن النجاح. فحتى غاردنر نفسه، في أثناء تعاطيه مع قضية قوة التفاؤل، أحبّ أن يستشهد بنكتة قديمة أخرى، فقال: “وصل المتشائمون لما هم عليه بسبب تمويلهم للمتفائلين”. ولكن في أوقات الزعزعة المؤلمة والإنجازات المُبهجة، التي تتسم باضطرابات مستمرة ووعود لا حدود لها، لا يمكنك بناء مستقبل أفضل لمؤسستك وزملائك، إلا إذا كنت تؤمن بهذا المستقبل قبل أي شيء.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .