المبالغة في توخي الأمان هي أخطر مما تعتقد

4 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ثمة أسباب كثيرة ومتنوعة تدفع العديد من المؤسسات الكبيرة إلى البطء في إدخال التغييرات التي يتفق الجميع على ضرورة إدخالها. فهناك من يقول “هوامش أرباحنا الحالية جيدة جداً، رغم أن منافسينا الجدد يقضمون المزيد من حصتنا السوقية” أو “منتجاتنا الحالية لا تزال تتمتع بالشعبية، رغم أن هناك جيلاً جديداً من المنتجات يحظى باهتمام متزايد” أو “نظام التوزيع الذي نعمل به حالياً لا يستطيع الوصول إلى الزبائن الذين يجب أن نصل إليهم لبناء خط إنتاج جديد”.

بعبارة أخرى، نجد بأن معظم القادة والمؤسسات ينجحون في تحديد المخاطر المرتبطة بتجريب خطوة جديدة جريئة أو بمحاولة اقتحام اتجاه جديد. وهم يبرعون في الإجابة عن السؤال التالي: ما هي السلبيات والعوائق المتعلقة بطرح منتج جديد أو استهداف سوق جديدة؟ لكنهم أقل براعة في التقدير الصادق للمخاطر المترتبة على مراوحة الشركة في مكانها وعدم تحريك أي ساكن، أي في الإجابة عن السؤال التالي: ما هو الأسوأ الذي يمكن أن يحصل إذا استمرينا في فعل ما نفعله لفترة أطول؟

إن الواجب الأول للقيادة، بالمعنى الحقيقي تماماً للكلمة، هو تحديد التكاليف المترتبة على التراخي والشعور بالرضا عن الذات ومواجهة هذه التكاليف. يتعين على القائد الحقيقي إقناع زملائه في كل مستوى من المستويات بأن هناك مخاطر حقيقية ستنجم عن عدم المجازفة، وأن الشيء الوحيد الذي يجب أن يخافوه هو الخوف من التغيير.

فإذا كان باستطاعتكم التغلب على ذلك الخوف، فإن ما يمكن أن يحصل سيكون مدهشاً بحق. تطرح ورقة من تأليف برادلي جونسون، مدير تحليل البيانات لدى “أدفرتايزينغ أيدج”، رأياً مقنعاً مفاده أن الأوقات العصيبة والمفعمة بالغموض وعدم اليقين هي أنسب الأوقات بالنسبة للمؤسسات لكي تتميز عن البقية، طالما أن قادتها مستعدون لعدم المراوحة في مكانهم. وقد أجرى جونسون مراجعة لنقطة الحضيض خلال 3 فترات أساسية في التاريخ الأميركي الحديث هي: فترة الكساد العظيم (بين أغسطس/آب 1929 ومارس/آذار 1933)، وفترة التضخم العظيم المصحوب بركود اقتصادي بين 1973 و1975، وفترة الركود التي صاحبت حكم كارتر/ ريغان بين 1980 و1982، وبحسب رأيه، فإن الجانب الملفت للغاية في فترات الصدمات الاقتصادية الثلاث هذه هي أن المشاكل التي ولدتها هذه الصدمات كانت مصدر إلهام لعدد من الاستجابات الخلاقة التي قادت إلى إعادة تغيير شكل الأسواق لعقود لاحقة من الزمن.

أحد الأمثلة الجديرة بالذكر من فترة الكساد العظيم هو اضطرار شركة “جنرال موتورز” (General Motors)، إلى البحث عن طريقة للحفاظ على علامتها التجارية الراقية “البويك” في اقتصاد آخذ بالغرق. فماذا كان الحل؟ إقناع المستهلكين بشراء سيارة “بويك” مستعملة عوضاً عن شراء سيارة جديدة أرخص – وهي طريقة سمحت لوكلاء الشركة الذين كانوا يكابدون للبقاء قادرين على الاستمرار في العمل ووقف تقدم العلامات التجارية المنافسة. وقد كانت هذه فكرة جريئة في ذلك الوقت، حيث غيّرت من الحسابات الاقتصادية لوكلاء الشركة كما غيّرت من أولوياتهم التسويقية. (يا حبذا لو أن قادة شركة “جنرال موتورز” في العصر الحديث كانوا قادرين على إبداء هذا القدر من الإبداع في خضم الأزمة).

وفي مقال رائع في صحيفة “نيويورك تايمز”، لجأ جيمس سورويكي، حاله حال برادلي جونسون، إلى تقديم عرض تاريخي متسلسل للتحركات الاستراتيجية الجريئة التي قادت إلى تغيير مواقع بعض الشركات وأعادت تعريف شكل بعض الصناعات خلال فترات الاضطراب الاقتصادي. وقد قارن سورويكي ردود الأفعال التي أبدتها كل من شركتي “بوست” (Post) و”كيلوغ” (Kellogg)، وهما شركتان عملاقتان معنيتان بصناعة الحبوب المعبأة في علب، خلال فترة الكساد العظيم وكيف تجاوبتا مع هذه الأزمة. فشركة “بوست” حسبما كتب “قامت بالشيء المتوقع” من خلال “تقليل المصاريف وخفض حجم الإعلانات”. أما “كيلوغ”، من جهة أخرى، فقد “ضاعفت موازنتها الإعلانية، وانتقلت بقوة إلى عالم الإعلانات الإذاعية، ودفعت بقوة بمنتجها الجديد المصنوع من رقائق الأرز المقرمشة (Rice Krispies)”. ونتيجة لذلك، حققت “كيلوغ” قفزة كبيرة على حساب منافستها وأصبحت – ولا تزال – الجهة المهيمنة على هذا القطاع.

لذلك يتساءل سورويكي هنا عن سبب “مسارعة الشركات إلى إدخال التخفيضات عندما تقع الواقعة وتحل المصائب”، على الرغم من وجود كمّ هائل من البراهين والأدلة على أن هناك فرصة لتحقيق التقدم وكسب المزيد خلال فترات الاضطرابات الاقتصادية. واحدة من الإجابات التي يتوقعها جيمس بوصفها قد تعطي تفسيراً للأمر هو مفهوم طرحه أستاذان جامعيان قبل 25 عاماً تقريباً للتمييز بين المخاطر. ففي مقالة علمية منشورة في “المجلة الأكاديمية للتسويق” (Academic Journal of Marketing)، يقول بيتر ديكسون وجوزيف غيغليرانو، بأن المدراء التنفيذيين ورواد الأعمال يواجهون نوعين مختلفين تماماً من المخاطر. النوع الأول هو أن تبادر مؤسستهم إلى اتخاذ خطوة جريئة قد تُمنى بالفشل – وهو خطر يسمّيه الباحثان “إغراق القارب”. والنوع الثاني هو أن تفشل مؤسستهم في اتخاذ خطوة جريئة كانت ستنجح – وهو خطر يسميه الباحثان “فوات القارب”.

بطبيعة الحال، يشعر معظم المدراء التنفيذيين بالقلق من إغراق القارب أكثر من قلقهم من فوات القارب، وهذا هو السبب الذي يجعل عدداً كبيراً جداً من المؤسسات، حتى في أوقات الازدهار، تتخذ جانب الحيطة والحذر بشكل كبير وتلجأ إلى سياسة محافظة للغاية. ولكن بالنسبة لي شخصياً، فإن الفرصة الذهبية للمدراء التنفيذيين ورواد الأعمال هي في إدراك قوة “هز القارب وتحريكه وسط العواصف إلى بر الأمان”، من خلال البحث عن الأفكار الكبيرة والصغيرة، سواء داخل المؤسسة أو خارجها، والتي يمكن أن تساعد المؤسسة في تغيير مسارها والانطلاق من جديد. ففي حقبة تشهد اختلالاً في الأوضاع الاقتصادية وتطورات تكنولوجية تزعزع كل اليقينيات القائمة، لا يمكنك أن تنجز أشياء عظيمة إذا كنت راضياً ومقتنعاً بأنك لن تدخل أي تغيير كبير على الطريقة التي أعتدت على إنجاز الأمور بها في الماضي. فتكاليف التراخي والرضا عن الذات لم تكن يوماً أكبر ممّا هي عليه اليوم.

أنا لا أقصد هنا التقليل من المخاطر والضغوطات والنكسات المحتملة التي تعتبر جزءاً ضرورياً من إحداث تغيير حقيقي. ولكن هل هناك أي شك بأن هناك عدداً كبيراً جداً من المؤسسات الراسخة التي تُعتبر أنجح في طمأنة نفسها بخصوص الفضائل التي تحصل عليها من البقاء في حالة سكون، بالمقارنة مع الاحتفاء بالمكاسب التي يمكن أن تحققها فيما لو تميزت عن غيرها؟ وكما يقول مايكل أنجيلو: “الخطر الأعظم بالنسبة لمعظمنا نحن معشر البشر لا يكمن في أن نحدد لأنفسنا أهدافاً طموحة جداً، وأن نخفق في تحقيقها، وإنما في أن نرسم لأنفسنا أهدافاً بسيطة جداً ونكون قادرين على تحقيقها”

لقد حان وقت السعي وراء أهداف أكثر طموحاً. فالاكتفاء بقواعد اللعب الآمن، هو أخطر مما تعتقد.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .