ما الذي يجعلنا أكثر قدرة على الصمود؟

5 دقائق
القدرة على الصمود
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: ما هي القدرة على الصمود؟ وكيف يمكن لكل منا تنميتها في حياته؟ أجرى معهد أيه دي بي للأبحاث دراستين ميدانيتين. حددت الأولى مصادر القدرة على الصمود، وأفضل الأسئلة لقياسها، ووفرت وصفات محددة لزيادة قدرتك وقدرة مَن تقودهم على الصمود. وقامت الدراسة الثانية، وهي دراسة عالمية حول قدرة الأفراد في مختلف أنحاء العالم على الصمود، بقياس جوانب القدرة على الصمود في 25 ألفاً من العاملين في 25 دولة مختلفة. وتم التوصل إلى نتيجتين رئيسيتين: 1) القدرة على الصمود هي حالة ذهنية استجابية تنشأ عن التعرض لمعاناة. 2) كلما جعل القادة التهديدات ملموسة بشكل أكبر، زادت قدرة الموظفين على الصمود. ما يعنيه ذلك بالنسبة إلى القادة: لا تحاولوا تلطيف الوضع بإخفاء الحقائق. أخبروا الموظفين بالحقيقة بشأن التهديدات وسوف يستجيبون لها بصمود.

 

قبل أحد عشر عاماً، أظهر تشخيص حالة زميلتي سالي أنها مصابة بمرض التصلب الجانبي الضموري (ALS)، وهو مرض تنكسي يسبب تلفاً في العصبونات الحركية ما يجعلك بالتدريج غير قادر على الحركة وتناول الطعام والكلام، وفي النهاية على التنفس. وكانت قد بلغت للتو الأربعين من عمرها ولديها طفلان ومتزوجة من رجل خلوق، وكان لديها الكثير لتتطلع إليه بالنسبة إليهم جميعاً. ثم عانت هذه المعاناة الرهيبة التي وصفها زوجها بأنها “كحادث سيارة يحدث ببطء شديد”، ولا يمكنني إخراج هذه الصورة من رأسي. فهناك حطام وانكسار وألم حتمي، ولا يمكن لأي شخص أن يفعل شيئاً حيال ذلك إلا النظر في عجز. قالت لي سالي في ذلك الوقت: “أعتقد أنني أتلاشى. ماذا سأفعل عندما لم يعد يراني أحد؟”.

اليوم، وعلى عكس كل التوقعات، لا تزال سالي على قيد الحياة. نعم، لم تعد قادرة على الحركة أو الكلام أو الأكل أو التنفس بمفردها، لكنها لم تختفِ. وبمساعدة آلة متكلمة تعمل عن طريق العين، تعيش حياتها نشيطة وحنونة وحكيمة كما كانت دائماً. تستطيع سالي أن تنقل بنظرة واحدة معانٍ أكثر مما يستطيع معظمنا نقلها في حديث لمدة 20 دقيقة. سألتها: “كيف تفعلين ذلك؟ كيف تحافظين على قوتك من أجل زوجك وأطفالك؟”.

أجابت: “هناك أشياء كثيرة لا أستطيع القيام بها يا ماركوس. ولكن لماذا أزعج نفسي بالبحث عنها؟ بدلاً من ذلك، أقضي كل وقتي في التركيز على تلك الأشياء القليلة التي يمكنني القيام بها؛ إذ لا يزال بإمكاني أن أحب زوجي وأطفالي. وما زلت على قيد الحياة”.

إنها حاضرة بقوة. وفي هذه الأيام هناك الكثير لنتعلمه جميعاً من الأشخاص أمثال سالي حول القدرة على الصمود. لأكثر من عقد من الزمان كانت تلتزم بالحجر المنزلي والتباعد الاجتماعي حتى لا تصاب بالعدوى، وغير قادرة على الخروج والتحرك، ومع ذلك احتفظت بحيويتها وعزيمتها. أتمنى أن نتمكن جميعاً من الاستفادة من مثل هذا المخزون من القوة والصبر، وأن نكون مؤثرين بينما نواجه التحديات العصيبة في الحياة وأن ننهض من جديد أقوى مما كنا عليه قبل الأزمات. ما الذي ساعد سالي على أن تكون كذلك؟ هل ما ساعدها على الصمود هو جزء من تركيبتها الجينية ببساطة، أم أنه كان شيئاً فعلته عمداً؟ ما هو هذا الشيء الذي يسمى القدرة على الصمود، وكيف يمكن لكل منا تنميتها في حياته؟

للإجابة عن هذه الأسئلة، أجرى فريقي في معهد أيه دي بي للأبحاث (ADP Research Institute) دراستين ميدانيتين. ركزت الأولى على تحديد مصادر القدرة على الصمود، وأفضل الأسئلة لقياسها، وتقديم وصفات محددة لزيادة قدرتك على الصمود وأيضاً قدرة هؤلاء الذين تقودهم وتهتم لأمرهم. يمكنك الاطلاع على المجموعة الكاملة من النتائج هنا.

وكانت الدراسة الثانية دراسة عالمية بشأن قدرة الأفراد في مختلف أنحاء العالم على الصمود. طرحنا على 25 ألف عامل بالغ في 25 دولة 10 أسئلة رئيسية حول القدرة على الصمود. في كل دولة اخترنا أولاً عيّنة مقسمة إلى طبقات لتعكس التركيبة الديموغرافية لقوة العمل في هذه الدولة، وفي يوليو/تموز عام 2020 طرحنا هذه الأسئلة العشرة لتحديد النسبة المئوية للعاملين الذين يتمتعون بقدرة عالية على الصمود في كل دولة.

كانت أطروحتي هي أن تلك البلدان التي تصدت بشكل أكثر فعالية لجائحة “كوفيد-19″، وفقاً لعدد الوفيات والإصابات لكل مليون شخص، ستكون لديها قوة العمل الأكثر قدرة على الصمود. وتوقعت أن تُظهر دول مثل تايوان وسنغافورة وكوريا الجنوبية مستويات عالية للغاية من القدرة على الصمود، بينما ستكون مستويات القدرة على الصمود أقل نسبياً في دول مثل البرازيل والهند والولايات المتحدة. يعيش في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، 4% فقط من سكان العالم، ومع ذلك فإن بها أكثر من 20% من حالات الإصابة بكوفيد في العالم. وبالتأكيد سيؤثر هذا العدد الضخم من الحالات سلباً في مستويات القدرة على الصمود.

ولكنني كنت مخطئاً، وأطروحتي لم تكن صحيحة. فقد ظهر نمط مختلف تماماً؛ نمط لم يكشف فقط عن كيفية بناء قدرتك على الصمود، لكنه أوضح أيضاً السبب وراء أن العديد من كبار قادتنا يسلكون المسار الخطأ في أثناء محاولاتهم الرامية إلى زيادة القدرة على الصمود لدى من يقودونهم.

النتائج التي توصلنا إليها

في البداية، لنستبعد بعض العوامل التي قد تتساءل عن تأثيرها.

لا ترتبط مستويات القدرة على الصمود بالنوع الاجتماعي؛ فالرجال والنساء في جميع أنحاء العالم لديهم المستويات نفسها تقريباً من القدرة على الصمود. ولا يبدو أيضاً أن العمر عامل مهم.

 

علاوة على ذلك، لم تكن هناك روابط قوية بين القدرة على الصمود والأصل العِرقي أو الجنسية.

بدلاً من ذلك، وجدنا أن هناك عاملين أساسيين محركين للقدرة على الصمود، وإذا اجتمعا معاً سيشكلان وصفة مثيرة للاهتمام ومخالفة للتوقعات:

1. القدرة على الصمود هي حالة ذهنية استجابية تنشأ عن التعرض لمعاناة
في دراستنا، سألنا الأشخاص عما إذا كانوا هم أو أحد أفراد أسرتهم أو أحد أعضاء فريقهم أو أحد الأشخاص في دائرتهم الأوسع، أصيبوا بكوفيد. وقد تَبين أن الأشخاص الذين ردوا بالإيجاب على كل سؤال من هذه الأسئلة كانوا أكثر عرضة بمقدار 3.9 مرات لأن يكونوا أكثر قدرة على الصمود.

لم يكن مدى فعالية أو عدم فعالية بلدك في التصدي للجائحة مهماً، لأن ما رفع مستوى قدرتك على الصمود هو أمر مرتبط بدرجة قربك من الإصابة بالعدوى: فكلما كنت أكثر عرضة للإصابة، زادت مستويات القدرة على الصمود لديك.

يشير هذا بقوة إلى أننا نكتشف قدرتنا على الصمود فقط عندما نضطر إلى مواجهة معاناة حتمية. وعندما نواجه هذا الواقع، ونرى كيفية تصدينا له، حينها نجد أساساً لبناء قدرتنا على الصمود. فالحقيقة دائماً ما تكون أقل رعباً مما تخيلنا، ورؤية المرض على حقيقته تساعدك على معرفة ما أنت قادر عليه، ما يعزز قدرتك على الصمود.

2. كلما كان التهديد ملموساً، ازدادت قدرتنا على الصمود

سألنا الأشخاص في الاستبيان الذي أجريناه عما إذا كانت قد طرأت أي تغييرات على ظروف عملهم نتيجة لكوفيد، مثل الالتزام بالحجر المنزلي وتغيير ساعات العمل وتسريح العاملين بشكل مؤقت أو نهائي وزيادة استخدام التكنولوجيات، وما إلى ذلك. وقدمنا لهم قائمة تضم 11 تغييراً محتملاً.

أفاد 96% من الأشخاص حول العالم أنهم شهدوا واحداً على الأقل من هذه التغييرات. وهذا ليس مفاجئاً. لكن ما كان مثيراً للدهشة هو أن بعض الأشخاص شهدوا أكثر من 5 من هذه التغييرات. ولم يكن هؤلاء الذين شهدوا هذه التغييرات أكثر اقتناعاً بأنها ستكون دائمة فحسب، وإنما كانوا أيضاً أكثر عرضة بمقدار 13 مرة لأن يكونوا أكثر قدرة على الصمود. بمعنى آخر، إذا أُجبرت على قبول تغييرات كبيرة في عملك، فستزداد قدرتك على الصمود. في الواقع، كلما زاد عدد التغييرات التي عليك تقبلها، كنت أكثر قدرة على الصمود.

اجمع بين النتيجة الأولى والثانية، وستدرك أننا لا نؤدي وظائفنا بشكل جيد عندما يطمس كبار قادتنا الحقائق. فنحن لا نريدهم أن يلطفوا الأمور لنشعر بشعور أفضل، لأن هذا لن يحدث. إذ إن التقليل من شأن الحقائق القاسية أو المخيفة، أو التظاهر بعدم وجودها، يُعد أكثر رعباً وإضراراً بحالتنا النفسية، لأننا بذلك نترك لخيالنا العنان، ومَن يدري أي نوع من الأفكار السلبية يمكننا استحضارها آنذاك.

بدلاً من تهوين الواقع، أخبرونا به مباشرة. لا تضغطوا علينا لنعود إلى حالتنا الطبيعية محاولين التخفيف من خوفنا وقلقنا، بل صِفوا لنا بالتفصيل ماهية التهديد في الواقع. وأظهِروا لنا عن قرب وبشكل شخصي التغييرات الفعلية التي سيتعين علينا إدخالها على حياتنا، وأخبرونا بالحقيقة بشأن الكيفية التي تم بها تصميم هذه التغييرات لحمايتنا. وأوضِحوا لنا عملياً كيف سيكون “الوضع الطبيعي الجديد” ولماذا سيكون كذلك، ثم ثقوا بنا لنكتشف كيفية العيش بسعادة وصحة في ظله.

لا يمنحنا العديد من قادتنا الثقة الكافية. أخبرنا عالم النفس فيكتور فرانكل في ثلاثينيات القرن الماضي أن استجابتنا للمعاناة الحتمية هي أحد المصادر الأساسية في حياتنا التي نستمد منها الشعور بالمعنى والهدف والكفاءة الذاتية. لا يجب إخفاء المعاناة والمصاعب عنّا مطلقاً، بل يجب إظهارها لنا بصراحة ووضوح، وسنكشف لأنفسنا ولكم عن أكبر مواطن قوتنا.

سبقت أكبر مخاوف سالي أسوأ أعراض مرض التصلب الجانبي الضموري. وما أرعبها كان الانتظار يوماً بعد يوم. وبمجرد ظهور الأعراض، كان الوضع لا يزال سيئاً وصعباً للغاية، ولكن على الأقل كان بإمكانها معرفة مدى قوة الأعراض وفهم ما ستشعر به فعلياً، وتمكنت من البدء في اكتشاف كيفية العيش بقوة وامتنان وصمود.

يشير بحثنا إلى أن الأمر نفسه ينطبق عليك وعليّ. المجهول هو ما يخيفنا. لذا، أظهِروا لنا الحقيقة بشأن التهديدات التي تواجهنا، ونحن سنكتشف المصادر الحقيقية لقوتنا.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .