$User->is_logged_in:  bool(false)
$User->user_info:  NULL
$User->check_post:  object(stdClass)#7070 (18) {
  ["is_valid"]=>
  int(1)
  ["global_remaining_posts_to_view"]=>
  int(0)
  ["remaining_posts_to_view"]=>
  int(0)
  ["number_all_post"]=>
  int(0)
  ["number_post_read"]=>
  int(0)
  ["is_from_gifts_balance"]=>
  int(0)
  ["gifts_articles_balance"]=>
  int(0)
  ["all_gifts_articles_balance"]=>
  int(0)
  ["gifts_read_articles"]=>
  int(0)
  ["exceeded_daily_limit"]=>
  int(0)
  ["is_watched_before"]=>
  int(0)
  ["sso_id"]=>
  int(6717)
  ["user_agent"]=>
  string(9) "claudebot"
  ["user_ip"]=>
  string(12) "3.91.249.156"
  ["user_header"]=>
  object(stdClass)#7077 (44) {
    ["SERVER_SOFTWARE"]=>
    string(22) "Apache/2.4.57 (Debian)"
    ["REQUEST_URI"]=>
    string(107) "/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%88%D9%84%D9%85%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B9%D8%B5%D8%B1-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8/"
    ["REDIRECT_HTTP_AUTHORIZATION"]=>
    NULL
    ["REDIRECT_STATUS"]=>
    string(3) "200"
    ["HTTP_AUTHORIZATION"]=>
    NULL
    ["HTTP_HOST"]=>
    string(13) "hbrarabic.com"
    ["HTTP_ACCEPT_ENCODING"]=>
    string(8) "gzip, br"
    ["HTTP_X_FORWARDED_FOR"]=>
    string(12) "3.91.249.156"
    ["HTTP_CF_RAY"]=>
    string(20) "86bfc143b85f07e3-FRA"
    ["HTTP_X_FORWARDED_PROTO"]=>
    string(5) "https"
    ["HTTP_CF_VISITOR"]=>
    string(22) "{\"scheme\":\"https\"}"
    ["HTTP_ACCEPT"]=>
    string(3) "*/*"
    ["HTTP_USER_AGENT"]=>
    string(9) "claudebot"
    ["HTTP_CF_CONNECTING_IP"]=>
    string(12) "3.91.249.156"
    ["HTTP_CDN_LOOP"]=>
    string(10) "cloudflare"
    ["HTTP_CF_IPCOUNTRY"]=>
    string(2) "US"
    ["HTTP_X_FORWARDED_HOST"]=>
    string(13) "hbrarabic.com"
    ["HTTP_X_FORWARDED_SERVER"]=>
    string(13) "hbrarabic.com"
    ["HTTP_CONNECTION"]=>
    string(10) "Keep-Alive"
    ["PATH"]=>
    string(60) "/usr/local/sbin:/usr/local/bin:/usr/sbin:/usr/bin:/sbin:/bin"
    ["SERVER_SIGNATURE"]=>
    string(73) "
Apache/2.4.57 (Debian) Server at hbrarabic.com Port 80
" ["SERVER_NAME"]=> string(13) "hbrarabic.com" ["SERVER_ADDR"]=> string(10) "172.21.0.5" ["SERVER_PORT"]=> string(2) "80" ["REMOTE_ADDR"]=> string(14) "162.158.87.184" ["DOCUMENT_ROOT"]=> string(13) "/var/www/html" ["REQUEST_SCHEME"]=> string(4) "http" ["CONTEXT_PREFIX"]=> NULL ["CONTEXT_DOCUMENT_ROOT"]=> string(13) "/var/www/html" ["SERVER_ADMIN"]=> string(19) "webmaster@localhost" ["SCRIPT_FILENAME"]=> string(23) "/var/www/html/index.php" ["REMOTE_PORT"]=> string(5) "33786" ["REDIRECT_URL"]=> string(39) "/العولمة-في-عصر-ترامب/" ["GATEWAY_INTERFACE"]=> string(7) "CGI/1.1" ["SERVER_PROTOCOL"]=> string(8) "HTTP/1.1" ["REQUEST_METHOD"]=> string(3) "GET" ["QUERY_STRING"]=> NULL ["SCRIPT_NAME"]=> string(10) "/index.php" ["PHP_SELF"]=> string(10) "/index.php" ["REQUEST_TIME_FLOAT"]=> float(1711714207.39592) ["REQUEST_TIME"]=> int(1711714207) ["argv"]=> array(0) { } ["argc"]=> int(0) ["HTTPS"]=> string(2) "on" } ["content_user_category"]=> string(16) "paid_subscribers" ["content_cookies"]=> object(stdClass)#7078 (3) { ["status"]=> int(0) ["sso"]=> object(stdClass)#7079 (2) { ["content_id"]=> int(6717) ["client_id"]=> string(36) "e2b36148-fa88-11eb-8499-0242ac120007" } ["count_read"]=> NULL } ["is_agent_bot"]=> int(1) }
$User->gift_id:  NULL

العولمة في عصر ترامب

19 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio
يهرع قادة الأعمال من أجل التكيف مع عالم ما كان يَتخيل وجوده منذ عام واحد فقط سوى قلة من الناس. إذ انهارت أسطورة العالم الذي كان يوصف بأنه «بلا حدود». فقد تغيرت نظرة كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى الأسواق المفتوحة التقليدية، أما الصين فهي تضع نفسها في موقف أكبر مدافع عن العولمة. وأذهل تصويت بريكست (Brexit)، (انسحاب المملكة المتحدة المحتمل من الاتحاد الأوروبي) في يونيو/ حزيران 2016، ثم تحولت التغطية الإخبارية عن العولمة في الولايات المتحدة إلى تغطية سلبية على نحو متزايد مع تقدم حملة الانتخابات الرئاسية.

وبعد مرور أسبوع على تنصيب دونالد ترامب، ومع التصاعد الكبير للمخاوف من اندلاع حرب تجارية، نشرت مجلة ذي إيكونومست موضوع غلاف بعنوان “تراجع الشركة العالمية” (The Retreat of the Global Company)، والتي صرحت فيها بأن “أكبر فكرة في عالم الأعمال خلال العقود الثلاثة المنصرمة تتعرض لخطر كبير “وأن مميزات حجم الاقتصاد و… التكامل قد عفى عليها الزمن”. وتحدث جيف إيملت (Jeffrey Immelt)، رئيس شركة جنرال إلكتريك ورئيسها التنفيذي، عن “التحول الجريء” من العولمة إلى التوطين.

ولكن هل يعد التراجع الجماعي عن العولمة المنهج الصحيح فعلاً بالنسبة للشركات في تلك الأوقات المتذبذبة؟ أم ينبغي عليها التركيز على المحلية، دون اللجوء لحزم أمتعتها والعودة إلى الوطن، بمعني الإنتاج والابتكار في المكان نفسه الذي تبيع فيه بوصفه الاستراتيجية المفضلة لديها؟ كلا، طبقاً للبحث الذي أجريته. تذكَّر أنّ قادة الأعمال قبل فترة وجيزة لا تتجاوز عقداً مضى كانوا يعتقدون بأنّ العالم سيصبح “مسطحاً” والشركات العالمية، التي تحررت من قيود حدود الدول، ستسيطر عما قريب على الاقتصاد العالمي. في حين ثبت خطأ تلك المزاعم المبالغ فيها. والصيحات التي تنادي في الوقت الحالي بتراجع شامل عن العولمة في مواجهة الضغوط الحمائية هي أيضاً ردة فعل مبالغ فيها، ولكن في الاتجاه المعاكس. وبينما تحولت بعض مشاعر البهجة تجاه العولمة إلى تشاؤم، وبخاصة في الولايات المتحدة، لم تتعرض العولمة بعد إلى انتكاسة خطيرة. وحتى لو حدث ذلك، فسيكون من الخطأ الحديث عن نهاية العولمة: إذ لا ينبغي الخلط بين زر “الإرجاع” على جهاز التسجيل وبين زر “الإغلاق”.

بالطبع، سيعيق التراجع الشامل أو الاعتماد المفرط على المحلية قدرة الشركات في خلق القيمة عبر الحدود والمسافات باستخدام مصفوفة استراتيجيات العولمة الواسعة التي ما زالت ذات فعالية، كما ستظل تعمل بصورة جيدة في المستقبل. وفي المقابل يدعونا الاضطراب الراهن إلى إعادة صياغة أدق لاستراتيجيات الشركات المتعددة الجنسيات، ولهياكل المؤسسات، ولمناهج المشاركة المجتمعية. وسأتناول في هذا المقال بعض المفاهيم الخاطئة عما تغير، وما لم يتغير بالنسبة للعولمة، وسأقدم كذلك إرشادات لمساعدة القادة في أن يقرروا أين وكيف ينافسون، علاوة على فحص دور الشركات المتعددة الجنسيات في عالم يتسم بالتعقيد.

مسار العولمة

بدأت الشكوك حول مصير العولمة تطفو على السطح أثناء الأزمة المالية خلال العامين 2008-2009. ولكن مع تحسن أوضاع الاقتصاد الكلي، أفسح التشاؤم الطريق لمزيج ضبابي من وجهات النظر. على سبيل المثال، نشرت صحيفة واشنطن بوست عام 2015 في غضون ثلاثة أسابيع فقط مقالين أحدهما لروبرت صامويلسون (Robert J. Samuelson) بعنوان “العولمة تنطلق بسرعة فائقة” (Globalization at Warp Speed) والآخر بقلم هيئة التحرير بعنوان “نهاية العولمة” (The End of Globalization).

من الضروري تفحّص البيانات في مواجهة مثل هذا الغموض. ولمعرفة ما يطرأ على العولمة من تطورات، أقوم أنا وستيفن ألتمان (Steven Altman) بتجميع مؤشر الاتصال العالمي لشركة دي آتش إل (DHL) كل عامين، والذي يتتبع تدفقات التجارة ورأس المال والمعلومات والأفراد على المستوى الدولي (انظر الرسم التوضيحي المعنون “العولمة لم تنتكس”). وفي أثناء الأزمة المالية، تأثر بشدة عنصرا المؤشر اللذان يتمتعان بأكبر أهمية بالنسبة للشركات ألا وهما تجارة البضائع والاستثمار الخارجي المباشر، غير أنهما لم يعانيا من أي تدهور منذ ذلك الحين. وفي عام 2015، شهدت التجارة تراجعاً كبيراً، غير أنّ ذلك كان مرجعه إلى التأثر بالأسعار بشكل كلي تقريباً، حيث جاء نتيجة هبوط أسعار السلع مع ارتفاع سعر الدولار الأميركي. وتشير البيانات المحدَّثة إلى وجود انخفاض كبير في مؤشرات الاستثمار الخارجي المباشر، ويعود ذلك جزئياً إلى اتخاذ الولايات المتحدة إجراءات صارمة ضد التهرب الضريبي. كما لم تتوافر بعد البيانات الكاملة لعام 2016، لكن أخذ عامل تدفق الأفراد والمعلومات في الحسبان سيعزز على الأرجح من النتيجة القائلة بأنّ العولمة ظلت بلا تغير، بل وربما توسعت.

لكن لهجة النقاش العام في الولايات المتحدة، وغيرها من الاقتصادات المتقدمة، هي التي تدنَّت بشدة. إذ يُظهر تحليل لعدد المرات التي ورد فيها مصطلح “العولمة” ضمن العديد من الصحف الكبرى مثل: وول ستريت جورنال ونيويورك تايمز وواشنطن بوست في الولايات المتحدة والغارديان وفايننشال تايمز في المملكة المتحدة مشاعرَ كراهية ملحوظة، مع انخفاض حاد في مرات ذكر المصطلح في عام 2016.

وفي السياق ذاته، نجد أنّ التفاوت بين البيانات، التي تتراوح ما بين المختلطة إلى الإيجابية، والخاصة بالتدفقات الدولية والتحول السلبي الكبير في الحديث عن العولمة، ربما تدفق بشكل يدعو إلى السخرية، من ميل المدراء التنفيذيين وحتى ذوي الخبرة إلى المبالغة بدرجة كبيرة في تقدير كثافة التدفقات الدولية مقارنة بالنشاط المحلي. وبمعنى آخر، هم يعتقدون أنّ العالم أكثر عولمة مما هو عليه في الواقع. (انظر الرسم التوضيحي المعنون “فجوة العولمة الوهمية”).

وثمة تكاليف باهظة للمفاهيم المبالغ فيها عن عمق العولمة. ويُقصد بذلك كمُّ النشاط الدولي مقارنة بنظيره المحلي. ففي الأبحاث التي أجريتها كان لدى المشاركين ممن يبالغون في مستوى العولمة ميل أكبر لتصديق المقولات الخاطئة عن استراتيجية العمل الدولي والسياسة العامة. فعندما يعتقد العاملون بمجال الأعمال أنّ العالم أكثر عولمة مما هو عليه، فإنهم يستهينون عادة بالحاجة إلى فهم الاختلافات عبر الدول والاستجابة لها عند العمل بالخارج. وفي مجال السياسة العامة، يميل القادة إلى بخس المكاسب المحتملة من تحقيق المزيد من العولمة، والمبالغة في تبعاتها الضارة على المجتمع.

إلى جانب ذلك، تشير الأبحاث إلى أنّ الناس يستهينون كذلك بانتشار العولمة، أي بمدى انتشار النشاط الدولي على مستوى العالم بدلاً من تركزه في نطاق ضيق. وفي استبيان أُجري عام 2007 على قراء مجلة هارفارد بزنس ريفيو، وافق 62% من المشاركين فيه على مقولة توماس فريدمان (Thomas Friedman) في كتابه الذي بعنوان “العالم مسطح” (The World is Flat) والذي حقق أفضل نسبة مبيعات التي تقول: “حتى إنّ الشركات صارت تعمل من خلال ملعب عالمي متصل بشبكة الإنترنت يسمح بالتعاون في مجال البحث والعمل في الوقت نفسه، بغض النظر عن الموقع الجغرافي والمسافة أو حتى اللغة، كما سيكون عليه الحال في القريب العاجل”. لكن البيانات تُظهر أنّ النشاط الدولي الفعلي مستمر في التباطؤ بصورة شديدة نتيجة لكل تلك العوامل.

ولمجابهة هذه “العولمة الوهمية”، أُقدم قانونان يحكمان على التوالي عمق العولمة واتساعها:

  • قانون شبه العولمة: تقل كثافة النشاط التجاري الدولي، على الرغم من أهميته، بكثير عن النشاط المحلي.
  • قانون المسافة: تنقص التعاملات الدولية نتيجة للتباعد بين الأبعاد الثقافية والإدارية والجغرافية، وغالباً الاقتصادية.

تلك المبادئ التي تحدثتُ عنها في كتابي الذي بعنوان “قوانين العولمة” (The Laws of Globalization)، يمكن أن تكون مفيدة للغاية في وضع الاستراتيجية، وذلك عندما يتم الاعتماد عليها عند التطبيق في المستقبل. فهل ستواصل الصمود بالنظر لطوفان مشاعر الحماية، وربما حتى أمام وقوع حرب تجارية؟ في وقت ما زالت سياسات إدارة ترامب، وغيرها من الحكومات، غير واضحة، تتمثل أفضل طريقة لإخضاع تلك المبادئ لاختبار الجهد في النظر بآخر مرة نشبت فيها حرب تجارية، وذلك في ثلاثينيات القرن الماضي، والتي أدت إلى أكبر انتكاسة للعولمة في التاريخ. يبرز هنا درسان يرتبطان بقانوني العولمة.

الدرس الأول: هو أنّ التجارة لم ينضب مَعينها كلياً على الرغم من تراجعها الحاد في ثلاثينيات القرن الماضي. فقد كان الانهيار الذي بدأ عام 1929 مروعاً، ومع بداية عام 1933 انخفضت التدفقات التجارية بمعدل الثلثين. وبالرغم من ذلك، عكس انخفاض القيمة انخفاضاً في الأسعار أكثر منه في الكميات، والتي انخفضت بنسبة تقل عن 30%. وحتى في أعقاب الانهيار، ظلت أحجام التجارة أكبر بكثير من أن يتجاهلها واضعو استراتيجيات الأعمال.

في حين يتمثل الدرس الثاني: بأنه ظلت المسافة بمختلف أنواعها تُضعِف النشاط التجاري الدولي. على سبيل المثال، بالكاد تزحزحت العلاقة ما بين التدفقات التجارية والمسافة الجغرافية في الفترة من 1928 إلى 1935. ولقد ظلت الآثار الإيجابية من أجل اللغة المشتركة والعلاقات الاستعمارية على قوتها: فاستمرت الدول التي تمتلك مثل تلك العلاقات في تحقيق تبادل تجاري فيما بينها يقدر بخمسة أضعاف مثيله بين الدول التي لا تمتلك مثل تلك العلاقات، ثم يتساوى كل ما عدا ذلك. وتمثلت النتيجة الخالصة بأنّ الشركاء التجاريين الذين كانت الدول (أو مجموعات الدول) تجري معهم معظم تعاملاتها التجارية قبل الانهيار ظلوا دون تغيّر بدرجة كبيرة فيما بعد.

وبالعودة إلى الوقت الحاضر، إذا لم تتوقف التجارة العالمية تماماً في ثلاثينيات القرن الماضي، فمن الآمن بشكل معقول قولنا بأنها لن تفعل ذلك في عشرينيات القرن الحالي. وفي الواقع، إنّ تحليل ما يمكن أن تكون عليه الحرب التجارية في عهد ترامب يشير إلى حدوث تدهور أقل في التجارة مما حدث في ثلاثينيات القرن الماضي. حيث تقدِّر مؤسسة موديز أناليتكس (Moody’s Analytics) أنه في حال إذا فرضت الولايات المتحدة تعريفات جمركية على الصين والمكسيك ثم ردت هاتين الدولتين بالمثل، فإن هذا التصرف، إلى جانب عوامل أُخرى، سيقلص صادرات الولايات المتحدة بمقدار 85 مليار دولار في عام 2019، وهو لا يمثل سوى 4% من إجمالي صادرات الولايات المتحدة في عام 2015. وبطبيعة الحال، فإنّ حرباً تجارية واسعة سيكون لها تأثير أكبر، ولكن من غير المحتمل أن تكون التبعات وخيمة بالدرجة نفسها التي كانت عليها في ثلاثينيات القرن الماضي.

وبالمثل، إذا كان نطاق التجارة لم يتغير كثيراً على الرغم من التراجعات الحادة التي شهدتها خلال فترة الكساد الكبير، فمن المرجح ألا يتغير كثيراً في حالة اندلاع حرب تجارية في الوقت الحالي. ومن الجدير بالذكر أنه مع وجود عدد أكبر من الدول المستقلة في الوقت الراهن، إضافة لوجود قدر أكبر من سلاسل الإمداد المقسمة رأسياً، فإنّ الآثار المتوقعة للمسافة الجغرافية على تجارة البضائع هي في واقع الأمر أكبر بكثير مما كانت عليه في ثلاثينيات القرن العشرين.

أين تنافس

إذا كان من غير المرجح أن تتلاشى التعاملات عبر الحدود في مجملها، فما هو المنطق وراء انسحاب كل واحدة من الشركات المتعددة الجنسيات على حدة؟. يشير مقال مجلة ذي إيكونومست، الذي نشرته مؤخراً عن تراجع الشراكات العالمية، والذي أثار كماً كبيراً من الجدل، إلى مشكلات الأداء التي تعرضت لها تلك الشراكات. لكن التدهور الذي حدث على مدار الأعوام الثلاثة أو الأربعة الماضية حدث في بيئة تميزت بانهيار أسعار السلع وانخفاض الطلب على الخدمات المتصلة بالعولمة، وإلى التحولات في أسعار الصرف بالنسبة للشركات الأميركية، وهي عوامل لعبت أدواراً كبيرة في وضع أرقام أداء تلك الشركات. وأما التدهور الطويل الأمد على مدار العقد الماضي فقد تزامن مع فترة تباطأت فيها العولمة فعلاً.

والقول بأنً مشكلات الأداء الضعيف على مدار تلك الفترة ينبغي أن تجبرنا على إعادة النظر في عولمة الشركات سيكون بمثابة القول بأنه ينبغي على سنغافورة، وهي البلد الأكثر اتصالاً بعمق في العالم وفقاً لمؤشر الاتصال العالمي لشركة “دي آتش إل”، أن تتراجع عن العولمة بسبب مشكلات النمو التي عانت منها منذ الأزمة المالية. لقد استبعد أحدث تقرير صدر عن اللجنة الرسمية الخاصة بالاقتصاد المستقبلي في سنغافورة هذا المفهوم قائلاً: “إن العولمة من خلال تدفقات التجارة ورأس المال والمعرفة ما زالت هي المستقبل، بقدر ما يهم سنغافورة. وحتى في الدول التي تعتمد على الصادرات بصورة أقل بكثير من سنغافورة، فإنّ التراجع الشامل عن العولمة ستكون له نتائج عكسية”.

وحتى عندما تكون الظروف الاقتصادية مواتية والعولمة تتقدم بخطى سريعة، كما كان عليه الحال منذ عدة عقود مضت، تواجه الشركات متعددة الجنسيات مشكلات في الأداء. حيث يشير مقالي المعنون “الاستراتيجية المنسية” (The Forgotten Strategy)، الذي نشرته هارفارد بزنس ريفيو في عام 2003، إلى أنّ الشركات المدرجة في قائمة مجلة فورتشن لأفضل 500 شركة عالمية سجلت بصورة مستمرة في الفترة ما بين عامي 1999 و2001 متوسط عائدات أقل من مبيعاتها في فروعها الدولية، مقارنة بفروعها المحلية. وبالنظر للصعوبات التي ينطوي عليها قانون المسافة، نجد أنّ العولمة كانت دائماً خياراً لا أمراً محتوماً. ومن الواضح أنّ بعض الشركات والصناعات تبنت ذلك الخيار بصورة مبالغ فيها، وبخاصة في السنوات التي سبقت الأزمة المالية.

إضافة إلى هذا، نجد أنّ ما يفتقر إليه معظم النقاش السائد حالياً هو مفهوم الاحتمالية: وهو منهج يقوم على تقييم كل حالة على حدة، حيث يتم تقييم التحرك المرتبط بالعولمة على أساس ما له وما عليه، بدلاً من إخضاعه لإلزام كاسح يقول: “إما بالمضي قدماً في العولمة أو العودة إلى الوطن”. وبالرغم من ذلك، تحتاج العديد من الشركات المتعددة الجنسيات لأن تنتبه باستمرار للمكان الذي تنافس فيه، أو بعبارة أُخرى، أن تحسن اختيار السوق. كما أن عليها كذلك مقاومة الفكرة التي تقول بأنّ الشركة العالمية الحقيقية يجب أن تنافس في جميع الأسواق الرئيسة. إذ وافق 64% من المشاركين في استبيان أجرته هارفارد بزنس ريفيو في عام 2007 على تلك المقولة (غير) الشائعة، غير أن تحليلاً للبيانات المالية الداخلية لـ16 شركة متعددة الجنسيات، خلال تلك الفترة، أوضح أنّ ثماني شركات منها لديها وحدات جغرافية كبيرة دمرت القيمة بعد حساب تكاليف تمويلها. على سبيل المثال، تُعتبر شركة تويوتا على ما يبدو هي المنافس الوحيد في صناعة السيارات المعولمة بدرجة كبيرة، والتي تمكنت من الاستحواذ على نصيب كبير من السوق في اليابان وأميركا الشمالية وأوروبا وفي أسواق ناشئة رئيسة مع استمرار ربحيتها العالية في الوقت ذاته. وعلى نقيض ذلك، فإنّ معظم شركات صناعة السيارات سوف تستفيد بدرجة أكبر من مثال جنرال موتورز التي تخلصت من فرع عملياتها الأوروبية الذي يكبدها الخسائر، وهو شركة أوبل، في مارس/ آذار 2017.

كما تُعتبر البيانات الحديثة حول أكثر 100 شركة لديها أكبر قدر من الأصول خارج بلدانها الأم، فبينما تميل تلك الشركات للعمل في عشرات الدول، نجد أنّ أسواقها الأربعة الرئيسة بما في ذلك سوقها الوطني يمثل 60% من عائداتها، وربما نسبة كبيرة من أرباحها أيضاً. كما أنّ نسبة تقل عن 10% من الشركات المدرجة في قائمة مجلة فورتشن 500، وهي كبرى الشركات في العالم بحسب العائد، إذ تربح 20% على الأقل من عائدها في كل واحدة من المناطق “الثلاث” المتمثلة في أميركا الشمالية وأوروبا وآسيا المحيط الهادي.

ومن المهم عند تقرير أي الأسواق التي يتم التركيز عليها ملاحظة أنّ قانون المسافة ينطبق على الاستثمار الأجنبي المباشر وعلى التجارة أيضاً. فعلى الرغم من أنّ الاستثمار الأجنبي المباشر أقل حساسية للمسافة الجغرافية من التجارة، فإنني أقدر أنّ وجود لغة مشتركة أمر له تأثير يشبه في قوته الصلة التي تربط ما بين المستعمر والمستعمرة، وأنّ الاستثمار الخارجي المباشر سيكون أكثر حساسية تجاه التفاوتات في نصيب الفرد من الدخل.

وعليه، فعندما تدرس الشركات في الوقت الحالي خياراتها، ينبغي عليها البحث عن الفرص ضمن الأماكن التي يمكن خلالها إيجاد تشابهات ثقافية وإدارية سياسية وجغرافية واقتصادية. إذ يكون لذلك وقع أكبر عندما نتذكر أنّ العلاقات بين الدول كان لها دور أهمّ خلال ثلاثينيات القرن العشرين. ومع تغيّر البيئة السياسية، على قادة الشركات المراقبة عن كثب كيف تقوم بلدانهم الأصلية بإعادة ترتيب علاقاتها الدولية، وينخرطوا في دبلوماسية شركاتهم.

تذكَّر كذلك أنّ البقاء داخل حدود الوطن يعد أمراً اختيارياً. وبما أنّ 0,1% فقط من شركات العالم هي شركات متعددة الجنسيات، فإنّ تلك النسبة تقلص من تأثيرها الكلي بشدة، على الرغم من أنّ تعدد الجنسيات يصب بدرجة كبيرة في مصلحة الشركات الكبرى. (تولِّد الفروع الدولية لتلك الشركات 10% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، كما أنّ الشركات المتعددة الجنسيات ذاتها تستحوذ على أكثر من 50% من التجارة العالمية)، وبالنسبة للشركات الموجودة في الاقتصادات الناشئة الكبيرة، فإنّ التركيز على الأسواق المحلية، حيث يستمتعون بميزة اللعب على أرضهم إضافة إلى النمو السريع، يمكن أن يكون عرضاً مغرياً بصورة خاصة.

ويمكن للتجارة بالطبع أن تقوم دون اللجوء إلى تعدد جنسيات الشركات، وهذا هو ما يقول البعض بأنه سيمثل الموجة السائدة في المستقبل، إذ تشير مجلة ذي إيكونومست إلى “فئة متزايدة من الشركات الصغيرة التي تستخدم التجارة الإلكترونية في البيع والشراء على المستوى العالمي”. لكن التجارة الإلكترونية ما زالت غير متعددة الجنسيات بصورة كبيرة مقارنة بالتجارة التقليدية المباشرة. وفي ضوء التغيرات التي تختمر في البيئة السياسية، فإنّ ذلك يبدو على نحو خاص وقتاً غير مناسب للتفكير في أنّ المرء يستطيع التحول للعولمة بمجرد إنشاء موقع إلكتروني أو الانضمام لمنصة إلكترونية على الإنترنت.

كيف تنافِس

إذا توصلت إلى أنّ شركتك ينبغي عليها مواصلة ممارسة نشاطها في عدد من الأسواق، فما يزال عليك تقرير إذا كنت ستغير نوع أو خليط الاستراتيجيات التي تستخدمها استجابة للضغوط الحمائية. ومن منظور أعلى، هناك ثلاثة عناصر لاستراتيجيات العولمة، كما وصفتها في كتابي المعنون “إعادة تحديد الاستراتيجية العالمية” (Redefining Global Strategy)، الذي نشر في عام 2007.

تستخدم الشركات التكيف عندما ترغب في التأقلم مع الاختلافات بين البلدان كي تصبح مستجيبة للأوضاع المحلية. حيث تستخدم التجميع لتحقيق وفورات الحجم والنطاق، والتي تمتد عبر الحدود الوطنية. كما تستخدم استراتيجيات المراجحة لاستغلال اختلافات مثل التكاليف المنخفضة للأيدي العاملة في بلد ما أو الحوافز الضريبية الأفضل في بلد آخر.

وتختلف الطريقة التي ينبغي على الشركات أن تستخدم بها تلك الاستراتيجيات الثلاث إلى حد ما في عالم تُطبَّق فيه الحماية، ولكن ربما بدرجة أقل مما قد تعتقد. لنأخذ استراتيجية التكيف على سبيل المثال. ليس جيفري إيمل الوحيد الذي يتحدث عن “التحول الجريء” لشركته بعيداً عن التجميع وأهمية “التوطين” في البيئة الراهنة. إذ ينبغي على الشركات البحث عن فرص لزيادة فعالية جهودها الرامية للتكيف، حيث إنّ زيادة القدرة على الاستجابة للاختلافات يمكن أن يقلل من آثار الحماية.

تتمثل أوضح السبل، التي تمكِّن الشركة من التكيف، في تنويع المنتجات والسياسات والتموضع في السوق، وغير ذلك، وكله من أجل ملائمة الأسواق المحلية. وبالرغم من ذلك، فإنّ كل تغيير يزيد من التكاليف والتعقيد. ومن ثم، ينطوي التكيف الذكي في العادة على الحد من عدد التغييرات، إضافة إلى التوصل لطرق من شأنها تحسين الفعالية والكفاءة لأي تغييرات يتم إدخالها. على سبيل المثال، يمكن للشركة أن تصمم منصات مشتركة يتم تقديم البدائل المحلية من خلالها. وبإمكانها أيضاً أن تحوِّل بعض تكاليف التكيف إلى تكاليف خارجية من خلال منح حقوق الامتياز للغير، أو المشاريع المشتركة، أو غير ذلك من أنواع الشراكات.

ولكن بينما يكون تطبيق المزيد من التكيف منطقياً، لا ينبغي على الشركات المتعددة الجنسيات أن تقدمه على ما سواه بصورة تلقائية، فالقيام بذلك سيقلص فقط مصادرها الخاصة بالميزة التنافسية المتعلقة بالمنافسين المحليين. وعادة ما تُبرر الشركات العالمية وبخاصة من الاقتصادات المتقدمة استراتيجياتها العالمية في المقام الأول على أساس التجميع. وفي أكثر الحالات التقليدية، تقوم بالاستثمار في التقنيات غير الملموسة أو الأصول التسويقية، والتي يمكن أن تنشرها بالتدريج عبر الحدود الوطنية. وفي العادة، يجب أن تكون تلك الميزات ضخمة للغاية كي تتغلب على ميزة اللعب على أرضهم، والتي يتمتع بها المنافسون المحليون. أما بالنسبة للشركات المتعددة الجنسيات، التي قامت ببناء أعمال مزدهرة ومربحة في أسواق أجنبية، فإنّ المنطق الاقتصادي للتجميع لن يتبخر حتى لو زادت بعض البلدان من تكلفة العمل داخل حدودها. ومن ناحية أُخرى، فقد تحتاج الشركات التي لديها عمليات في أسواق لم تحقق فيها سوى نجاح ثانوي إلى تطبيق سياسة الانكماش.

ما هي خياراتك بالنسبة للعولمة؟

يساعد التكيف مع التطورات الدولية من العائدات وحصة الشركة من السوق، ويتم هذا التكيف عبر تفصيل المنتجات والخدمات لتلائم الأذواق والاحتياجات المحلية.

كما يحقق التجميع وفورات الحجم من خلال توسيع العمليات إلى أسواق إقليمية أو عالمية، في حين تستغل المراجحة الاختلافات بين الأسواق الوطنية والإقليمية فيما يتعلق بتكلفة الأيدي العاملة وأنظمة الضرائب، وغيرها من العوامل.

بالتحول إلى المراجحة، نجد أنّ آفاق فرص الشركات المتعددة الجنسيات الرأسية في تحقيق العولمة من جانب العرض بدلاً من جانب الطلب ضاقت إلى حد ما خلال السنوات الأخيرة، لكنها ما فتئت كبيرة. وحتى مع تنامي الازدهار في الاقتصادات الناشئة، فإنّ نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في الولايات المتحدة ما زال يمثل سبعة أضعاف مثيله في الصين، ويزيد بمقدار 33 ضعفاً عن مثيله في الهند. كما أنّ الاختلافات في النظم الضريبية بين الدول لن تختفي هي الأخرى، وستواصل توفير الفرص للمراجحة. فوفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الدولية، تغيرت بالكاد الفروق بين رسوم ضرائب الشركات بين الدول منذ عام 2007، كما أنّ التقدم في مجال الحد من الملاذات الضريبية كان بطيئاً. علاوة على ذلك، فإنّ الاختلافات بين الدول بالنسبة للأمان والصحة والمعايير البيئية ما زالت قائمة أيضاً، على الرغم من أنّ استغلال تلك الاختلافات يثير مشكلات أخلاقية.

عادة ما تشق الشركات المتعددة الجنسيات، القادمة من الأسواق الناشئة، طريقها انطلاقاً من الميزات المتأصلة في المراجحة، وذلك عبر المنافسة خارجياً على أساس التكلفة المنخفضة في أوطانها. وما زالت تلك الاستراتيجية بمثابة القاطرة التي تدفع نمو وربحية صناعة خدمات تقنية المعلومات الهندية في الخارج، والتي كانت الملهم لكتاب فريدمان “العالم مسطح”، ما أثار موجة من الاهتمام باستراتيجيات المراجحة. وبعد أن مضى عقد من الزمان، لم تزل رواتب المبرمجين في الهند تمثل جزءاً ضئيلاً من مثيلاتها في الولايات المتحدة، كما يظل تقليص النفقات السبب الأول وراء اختيار الشركات للتعهيد. لقد تجاوز الموردون، الذين تتمركز أعمالهم في الهند، منافسيهم الغربيين بصورة كبيرة من حيث النمو والربحية، وحتى شهر يونيو/ حزيران 2016 حاز أكبر أربعة موردين تتمركز أعمالهم في الهند على قيم سوقية تزيد بنسبة 50% مقارنة بأكبر أربعة منافسين غربيين لهم.

ومع تباري الشركات من الدول المتقدمة والنامية على الزعامة الدولية، يجب على كل منها تغطية نقاط ضعفها التقليدية. ويتمثل ذلك بالنسبة للشركات الموجودة بالفعل في السوق بالمراجحة؛ وبالنسبة للقادمين الجدد يتمثل ذلك في التجميع. على سبيل المثال، إنّ شركات خدمات تقنية المعلومات من الدول المتقدمة الموجودة في السوق، مثل أكسنتشر (Accenture) وآي بي إم، وسعت من قوتها العاملة في الهند، في حين تحاول الشركات الهندية تعزيز علاماتها التجارية وقدراتها التقنية.

بالعودة إلى جنرال إلكتريك، نجد أنّ تحول إيملت نحو التوطين ينطوي بالفعل على تحسن في استراتيجية الشركة الخاصة بالتكيف. لكن جنرال إلكتريك على غرار معظم الشركات المتعددة الجنسيات لا يمكنها التخلي عن استراتيجية التجميع والمراجحة. ذلك أنّ مميزات جنرال إلكتريك التي تقوم على التجميع هي التي تدعم قدرتها على المنافسة في 170 دولة. حيث تُثمر آلية الأبحاث والتطوير بها، والتي تقدر قيمتها بـ 5,5 مليار دولار، عن ابتكارات تقنية تفوق ما عداها، وتفتح علامتها التجارية التي تقدر قيمتها بـ 34 مليار دولار الأبواب في كل مكان، كما أنّ برامجها الشهيرة للتدريب على الإدارة تجذب وتقطف ثمار المواهب، علاوة على مجالها الذي يشمل المنتجات والخدمات والمناطق الجغرافية، كل ذلك يسهم في قدرات التجميع عبر الحدود لدى جنرال إلكتريك. ورغم أنّ ملاحظة إيملت قللت بذكاء من شأن المراجحة الخاصة بالرواتب إذ وصفها قائلاً: “ما قامت به جنرال إلكتريك في ثمانينيات القرن العشرين”، مقارنة بتركيزها في الوقت الراهن على بيع المزيد في الخارج، فإن المراجحة صارت متأصلة بشكل كاف في الشركة على مدار العقود الأربعة الماضية، ولذلك فإنّها على الأرجح لن تختفي، وستظل جزءاً من استراتيجيتها الخاصة بالعولمة. ومن وجهة نظري، يمكن فهم استراتيجية جنرال إلكتريك الخاصة بالعولمة على أنّها استراتيجية تحتفظ بقوة مركزية نابعة من التجميع، مع التخفيف من تركيز الشركة سابقاً على المراجحة، وأن تصبح لديها قدرة أكبر على التكيف.

المشاركة مع المجتمع

علاوة على تحديد موضع التنافس وكيفيته، أصبحت الأسئلة المتعلقة بكيفية المشاركة مع المجتمع من الأمور التي تحظى بأهمية متزايدة على جدول أعمال قادة الأعمال. وبخلاف الصناعات التي تخضع لدرجة كبيرة من التنظيم الحكومي، فإنّ الشركات من الناحية التاريخية كانت تنظر إلى التفاعل مع الحكومات ووسائل الإعلام والجمهور على أنه أمر يُنظر فيه لاحقاً عند وضع الاستراتيجية. أما في الوقت الراهن، وكما يوضح مارتن ريفز (Martin Reeves)، من “بوسطن كونسلتينغ جروب”، “إنّ الشركات ترى في كثير من الحالات آثاراً للعوامل المتصلة بالسياسة والاقتصاد الكلي أكبر من الآثار الناجمة عن الاعتبارات التنافسية”. ويقول ريفز: ” تشمل تلك العوامل حركات سعر الصرف الناجمة عن احتمال انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وتقلبات أسعار الأسهم نتيجة للإعلان عن السياسات، وتكلفة تغيير خطط الاستثمار في ضوء التغييرات المتوقعة على السياسة التجارية. وأُضيف إلى تلك القائمة ارتفاع مكانة المؤسسات غير الحكومية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وزيادة المشاعر المعادية للعولمة.

وتتقيد استجابة الشركات لتلك التطورات نتيجة لعدد من العوامل. حيث إنّ ردة الفعل المعادية للعولمة هي أيضاً في جزء منها معاداة للشركات الكبرى. فالسمعة العامة للشركات تبدو في أقل مستوى لها على الإطلاق. وفي استبيان أُجري مؤخراً، استطلع مركز بيو للأبحاث (Pew Research Center) آراء المشاركين في الولايات المتحدة حول مقدار مساهمة العاملين ضمن 10 مهن في رفاه المجتمع. جاء المدراء التنفيذيون في المركز قبل الأخير، متقدمين فقط على المحامين. وصرح 24% فقط من المشاركين باعتقادهم أنّ قادة الشركات أسهموا “كثيراً”. كما أشار مقياس إيدلمان للثقة لعام 2017 إلى أنّ مصداقية المدير التنفيذي هي في أدنى مستوى لها على الإطلاق. كما أنّ قرارات الشركات المتعلقة بكيفية استخدام رصيد السمعة الذي تمتلكه بالفعل تتعقد نتيجة للتوتر بين المواطنين والحكومة في دولة ما. على سبيل المثال، واجه ترافيس كالانيك، المدير التنفيذي لشركة أوبر، مشكلات مع وجهة نظر الجمهور عندما انضم إلى مجلس ترامب الاستشاري للأعمال، وكذلك من خلال الشكوك المثارة حول كيفية تطور البيئة الأعم.

إن الإكثار من الحديث عن الموضوعات الاجتماعية، في مثل هذا السياق يُطلب في الغالب من قادة الشركات لكنه لا يُعد دواء لكل العلل. وبينما يصعب تقديم توجيهات بسيطة حول كيفية التعامل مع تلك التعقيدات، فإنّ قانون شبه العولمة يوفر بالفعل حكمة واحدة وأمراً ملزماً واحداً. أولاً، الأمر الملزم: من غير المرجح أن يكون التوافق مع كل ما ترغبه الحكومات في كل مكان تعمل به الشركة كاستراتيجية مستدامة. ثانياً، تحتاج الشركات المتعددة الجنسيات لصياغة جداول أعمال حكومية ومجتمعية تكون متوطنة ومترابطة فيما بينها عبر الدول. ثالثاً، تحتم الضغوط المعادية للعولمة على الشركات المتعددة الجنسيات تقديم المزيد من المنافع المحلية والإعلان عنها في الدول التي تعمل بها. كما يجب أن تتخطى تلك الجهود وليس مجرد الامتثال، وذلك بأن تضم إسهامات في شكل وظائف وتقنيات وغيرها من الأشكال.

يقدم قانون شبه العولمة رؤية متبصرة مهمةً أيضاً: إذ تتطلب معالجة معظم مشكلاتنا الراهنة ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، المشاعر المعادية للعولمة تغيير سياساتنا الداخلية وليس غلق الحدود. وعلى سبيل المثال، تتمثل واحدة من أهم الشكاوى ضد العولمة في وقتنا الراهن بالإحساس بأنها أسهمت في زيادة عدم المساواة في الدخل، وبأنّ فئة كبيرة من السكان في الاقتصادات المتقدمة تخلّفوا عن الركب. لقد ازداد التفاوت في الولايات المتحدة مؤخراً ليصل لمستويات لم تشهدها منذ عشرينيات القرن الماضي، وسجلت دول أُخرى، وبخاصة المتقدمة منها، زيادات قريبة منها، إن لم تكن مماثلة لها. وفي الوقت نفسه، تقترب أرباح الشركات من أعلى مستوياتها التاريخية.

بالرغم من ذلك، نرى التصور الشائع بأنّ العولمة مسؤولة بصورة رئيسة عن تلك المشكلة، ما يُعتبر تصور غير منطقي من الناحية العملية. إذ تشير غالبية الأبحاث إلى أنّ التقدم التقني وتدهور أوضاع اتحادات العمال (في الولايات المتحدة) أسهما بدرجة أكبر في عدم المساواة مقارنة بالعولمة. ويأتي الدليل على ذلك من خلال أمثلة من الواقع: إذا كانت هولندا استطاعت الحفاظ على توزيع معقول للدخل بدرجة أكبر، على الرغم من أنّ نسبة التجارة لإجمالي الناتج المحلي لديها أكبر من مثيلتها في الولايات المتحدة بستة أضعاف، فقد يبدو غريباً أن نلوم العولمة على وجود مستوى أعلى من عدم المساواة في اقتصاد الولايات المتحدة. وحتى لو كان لدى المرء ميل لتوجيه أصابع الاتهام إلى العولمة، فمن الواضح أن الحمائية هي حل باهظ التكلفة بشكل أكبر بكثير من تكاليف شبكات الأمان الحكومية، مثل زيادة الحد الأدنى للأجور وتغيير سياسة الضرائب وبرامج التدريب الوظيفي، وما شابه ذلك. كما أنه الشركات الكبرى لا تحبذ عادة مثل تلك السياسات، وعليه فإنّ الدعوة إليها على لسان الشركات تُعد تصريحاً قوياً منها. علاوة على ذلك، فإنّ إغلاق الحدود لا يسهم بشيء في تحضير البلاد للتعامل مع المخاطر المتصلة بالأتمتة التي تسيطر على النقاش الدائر حول مستقبل العمل.

يقدم بحثي في الكتاب الذي نشرته عام 2011 بعنوان “عالم 3,0: الرخاء العالمي وكيفية تحقيقه” (World 3.0: Global Prosperity and How to achieve It)، تقييماً عميقاً لمختلف الأضرار التي تُنسب إلى العولمة. (لقد توقعتُ حدوث ردة الفعل العنيفة في الوقت الراهن قبل حدوثها بعدة سنوات). وبعض تلك الأمور، مثل اختلال التوازن الدولي في التجارة والاستثمار، هي بالفعل مخاطر حقيقية وكبيرة. ولكن اتضح أنّ غالبية المخاطر الأُخرى مبالغ فيها مقارنة بالمستويات الفعلية للتكامل الدولي. وعلى سبيل المثال، يُعتبر إسهام النقل الجوي الدولي في انبعاثات غاز الدفيئة المرتبطة بالطاقة لا يزيد عن عُشر ما قدَّره المسافرون على الخطوط الجوية البريطانية في أحد الاستبيانات. إنّ معالجة مصادر أكبر للانبعاثات، كالمنازل والسيارات، يعد أكثر فعالية بكثير في التعامل مع الاحتباس الحراري. ويشير بحثي إلى أنّ الانفتاح الدولي ينبغي مصاحبته سياسات محلية مستهدَفة عند معالجة تلك الآثار الجانبية الفعلية للعولمة.

ويُعتبر هذا المنظور عكس تفضيل الرئيس ترامب الواضح لإزالة القيود التشريعية على المستوى المحلي والتدخل الدولي، وهو ما يوصلني إلى النقطة الأخيرة، ويبدو ذلك تحيزاً من الناحية السياسية، لكنه متأصل في الفكرة الشائعة القائلة بأنه ينبغي أنّ يكون هناك تواز بين الاستراتيجيتين السوقية وغير السوقية للشركة. فإذا كانت شركتك عالمية، أو ستكون كذلك في نهاية المطاف، فليس جيداً أنّ تؤيد بشكل نشط سياسات تضع العوائق أمام تدفق التجارة ورأس المال، وتقلل من قدرة الأفراد على الانتقال، وتجرِّم فكرة إمكانية الشركات المساهمة في رفاه الأفراد في أكثر من بلد، حتى وإن كان كل ما تهتم به هو تحقيق القيمة لحملة الأسهم. وعلى المدى البعيد، فإنّ الشركات التي تعتمد بصورة كبيرة على التعهيد إلى الخارج مثل شركة وول مارت (Walmart)، وتلك التي تصدِّر أكثر ما تستورد مثل جنرال إلكتريك، سوف تستفيد من التآزر لمناهضة أنظمة الحماية.

وفي السياق ذاته، أوضح صامويل بالميسانو (Palmisano Samuel)، في مقاله الرائع الذي نشر بمجلة فورين أفيرز عام 2006، وكان وقتها رئيساً ومديراً تنفيذياً لشركة آي بي إم، أنه قبل 150 عاماً كانت الشركات التي تعبر الحدود تنخرط في التجارة غالباً، ثم بدأت في أوائل القرن العشرين بالاستثمار في توطين الإنتاج. كما أعلن عن ظهور شكل جديد من الشركات في الآونة الأخيرة، ألا وهي المؤسسة المتكاملة على المستوى الدولي، والتي بالنسبة لها “يقل شيئاً فشيئاً أن تضع الدول حدوداً للتفكير أو الممارسة في الشركات”.

من منظور الوقت الراهن، يبدو ذلك أمراً يتسم بتفاؤل مضاعَف. ولكن هناك بعض الأخبار السارة بالنسبة لمن يضطلعون بقيادة الشركات المتعددة الجنسيات. أولاً، لم تصل الشركة العالمية مطلقاً إلى درجة التكامل التي تنبأ بها “بالميسانو”، ومن ثم فإنّ مقدار التغيير المطلوب حال حدوث انتكاس للعولمة هو أقل بكثير مما يعتقد الناس. ثانياً، لم يزل من غير الواضح إن كان سيتم التراجع عن العولمة: حيث ركد النشاط الدولي في السنوات الأخيرة، غير أنه لم يتقلص بدرجة كبيرة. وثالثاً، حتى لو عانت العولمة من انتكاس عنيف يشبه ما حدث في أوائل ثلاثينيات القرن العشرين، سيظل العالم مصطبغاً بالعولمة من حيث التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر أكثر ما كان عليه في عشرينيات القرن الماضي، ناهيك عن القرن التاسع عشر. ومن ثم، فإن العودة إلى النظام الدولي الذي كان سائداً منذ مئة عام مضت، أو النظم القائمة على التجارة التي كانت موجودة منذ 150 عاماً، يعد تشويهاً لما هو منطقي. ولقد تخطت الاستراتيجية والممارسة الخاصة بالعولمة بكثير الوصفات التي تنطوي عليها تلك النماذج التاريخية، ولن يستفيد الزعماء من التراجع للوراء.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

Content is protected !!