استيقظتُ (أنا فيفيك) يوم الجمعة في 20 يناير/كانون الثاني هذا العام الساعة 5 صباحاً، حيث كان لدي اجتماع الساعة 6.30 صباحاً مع مدير أحد البرامج في فرنسا. بدأت بتصفح بريدي الإلكتروني على ساعة جوجل بيكسل (التي كنت أجربها) في الوقت الذي كنت ما أزال فيه مستلقياً على السرير.

كان هناك بريد إلكتروني من ساندر بيتشاي يعلن فيه أن شركة جوجل سرحت 12 ألف موظف لديها،

بينما كان البريد الإلكتروني التالي من فريق عمليات الموظفين في جوجل يعلمني فيه أنني أحد هؤلاء المسرحين.

توترت بسرعة. حاولت تسجيل الدخول إلى شبكة الشركة، لكن عدم قدرتي المفاجئة على الوصول إلى حسابي أكّد لي أن هذا الأمر صحيح تماماً.

كان أول ما فكرت فيه هو عدم وجود طريقة لإخطار ذلك الشخص في فرنسا أني لن أتمكن من لقائه، لم أتذكر اسمه حتى. كنت قد تبادلت معه رسالة إلكترونية واحدة فقط، لكن لم يعد بإمكاني الوصول إلى تلك الرسالة أيضاً.

كان من المفترض أن أقابل زميلاً آخر في وقت لاحق من اليوم لمناقشة مشروع جديد. لقد عملنا معاً لعدة سنوات في فريق سابق، لذلك كان رقم هاتفه الخلوي معي، فاتصلت به لأخبره أني لن أتمكن من حضور الاجتماع لأنه قد تم تسريحي من العمل. تبادلنا بعض الأفكار المفيدة حول كيفية مواجهة هذه الأخبار المفاجئة.

بعد ذلك، أرسلت رسالة نصية إلى مديري السابق الذي كنت قد طلبت منه رسالة توصية من أجل الانتقال إلى وظيفة داخلية الأسبوع الماضي، وبعد 15 دقيقة أرسل يقول لي بأنه قد تم تسريحه أيضاً. لقد حاول الدخول إلى المبنى الإداري للشركة، لكن شارته كانت معطلة. كان من المؤلم بالنسبة له معرفة أنه قد تم تسريحه بهذه الطريقة.

أخبرني زميل آخر أنه انهار عندما علم أنه من بين المسرحين، لقد كانت أول مرة يواجه فيها مثل هذا الإجراء.

لقد واجهت التسريح من العمل في عدة مناسبات نظراً إلى عملي في قطاع التكنولوجيا، وقد تعلمت من كل تجربة شيئاً جديداً.

على اعتباري رجل الأسرة، كان لدي شعور قوي بالمسؤولية عن إعالة أسرتي، وعندما تم تسريحي خلال فترة الركود الاقتصادي عام 2008، دُمرت عاطفياً. عانيت 4 أشهر من القلق والحزن والغضب والإحباط.

شعرت بالخجل من التحدث إلى الآخرين، كنت خائفاً من العار المرتبط بواقع أني عاطل عن العمل، إنه حقيقي. لقد أظهرت الأبحاث أن التوظيف يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على الصحة العقلية.

كان ثمة شيء واحد أحب القيام به بعد تسريحي: التطوع لتعليم التأمل، لكني شعرت أني لم أعد صالحاً للقيام بذلك بعد فقدان وظيفتي.

عانيت بصمت، بينما وقفت زوجتي بجانبي في هذه الفترة الصعبة.

بعد وقت طويل والتفكير ملياً في الأمر، أدركت أخيراً أن أنماط تفكيري كانت مدمرة وغير صحيحة، فالوظيفة لا تعبّر عن قيمتي ولا عن قيمة أي شخص آخر. قيمتك لا تحددها وظيفتك أو مقدار ما تكسب، بل قيمتك جوهرية. يجب ألا تحكم ظروفك الحالية على هويتك، ومن يعلم، ربما كانت هذه مرحلة انتقالية نحو شيء أفضل. ربما يكون الأمر كذلك بالفعل، وذلك يحتّم عليك إعطاء الأولوية للعناية بنفسك.

امنح الأولوية للعناية بنفسك

لا أعلم كم من الوقت سيمضي قبل أن أحصل على وظيفتي التالية.

لقد مررت بتجربة مؤلمة حين كنت عاطلاً عن العمل 4 أشهر في عام 2008، والشيء الوحيد الذي تعلمته منها هو أهمية العناية بالذات. فيما يلي بعض الطرق للتركيز على نفسك في الأوقات الصعبة.

حافظ على روتين يومي

بالنسبة للذين يتحملون مسؤوليات عائلية، ثمة جدول مواعيد يجب أن يستمر؛ يجب توصيل الأطفال إلى المدرسة وإعادتهم والعناية بهم وغير ذلك الكثير. يساعدنا الروتين اليومي في إنشاء بنية تنظيمية تبقينا مركزين عندما نشعر بالضياع وعدم اليقين.

أما بالنسبة للآخرين، فإن إنشاء بنية تنظيمية أو روتين يومي يجب أن يكون مدروساً أكثر. فمن المرجح في هذه الظروف أن تبقى إلى وقت متأخر من الليل تعمل في تنظيم قوائم الوظائف أو تعديل سيرتك الذاتية، أو قد تنغمس في متابعة البرامج على نتفليكس. حاول الاشتراك في فصل دراسي أو حدث ما، شخصياً أو عبر الإنترنت، سواء من أجل مهارة كنت تحاول تطويرها أو الاشتراك في نادٍ رياضي كان على قائمة قراراتك للعام الجديد. سيؤدي ذلك إلى تنظيم الأيام المقبلة بدرجة أكبر من خلال الاشتراك في الأنشطة التي تبني من خلالها قدراتك وثقتك بنفسك أو بهدف المتعة فقط.

يجب عليك اتباع نهج مدروس بشأن العناية برفاهتك الجسدية والعقلية، فالبحث عن وظيفة هو وظيفة بحد ذاته،

وعليك أن تكون متماسكاً وفي أفضل حالاتك في هذه الوظيفة بعيداً عن الإرهاق والإحباط.

كنت أمارس تمارين التأمل والتنفس يومياً، وأذهب إلى النادي. وقد اعتبرت ذلك استثماراً في نفسي، وقد كان العائد منه يستحق القيام به؛ فقد أصبحت أنام بشكلٍ أفضل وأكثر نشاطاً وسعادة. يمكن أن تساعدك تمارين التنفس في أن تصبح أكثر مرونة من خلال تقليل مستويات القلق والتوتر بينما تحسّن رفاهتك. لقد أثبتت الدراسات أيضاً أن التأمل يعزز التركيز ونوعية النوم. وقد كان الرؤساء التنفيذيون الناجحون يخصصون الوقت لهذه الأنشطة الجسدية لتحسين صحتهم عموماً وصحتهم العقلية خصوصاً.

حوّل تركيزك من نفسك إلى الآخرين

من الأشياء التي تعلمتها عن نفسي أنني عندما أبدأ بالتفكير “ماذا سيحدث لي؟ ماذا سأفعل؟”، تنخفض طاقتي وأشعر بالاكتئاب. ولكن إن تمكنت من العثور على طريقة لمساعدة شخص آخر، يتحسن مزاجي وترتفع طاقتي على الفور.

خذ قسطاً من الراحة إذا وجدت نفسك محبطاً أو مرتبكاً لاكتشاف إذا ما كان بمقدورك مساعدة شخص آخر، حتى لو كان من خلال التواصل معه والسؤال عن أحواله.

يمكن أن يكون لتحويل تركيزك إلى “من يمكنني مساعدته؟” تأثير السحر عليك. من خلال الاهتمام بنفسك أولاً، ستمتلك الطاقة والقدرة على الانخراط في دعم الآخرين، والمعنى والمتعة اللتان تستمدهما من ذلك تمنحانك النشاط والطاقة بحد ذاتها. لقد أثبتت الأبحاث أيضاً أن الأشخاص الذين يميلون إلى التطوع ومساعدة الآخرين لم يحسّنوا صحتهم العقلية والبدنية فحسب، بل زادوا فرصهم أيضاً في العثور على وظيفة.

أسهم في بناء مجتمعك

فقدت الاتصال مع العديد على مر السنين في ظل هذه الحياة الصاخبة، ومع انتشار أنباء التسريح الجماعي اتصل الكثير منهم للاطمئنان عن أحوالي.

تواصلت مع بعض الأصدقاء القدامى وشعرت أن هذه التجربة أعادت إلي الروح. لدي محادثة جماعية مع أصدقاء من أيام الدراسة الجامعية، وعندما أخبرتهم أني أبحث عن وظيفة حالياً بعد أن طالني تسريح العاملين في جوجل، سألني أحدهم ممازحاً عن الوظائف المؤقتة التي يمكنني القيام بها خارج مجالي. يمكنني دائماً الاعتماد على تلك المجموعة من الأصدقاء لجعل المواقف الصعبة أخف وطأة وإضفاء روح الدعابة عليها.

من المهم ألا تنسى أنك لست وحدك. لقد أنشأت علاقات على مر السنين وساعدت الكثير من الناس. يجدر بك تجديد هذه العلاقات عندما تتوفر لديك مرونة مفاجئة في جدول مواعيدك، إذ تُظهر الأبحاث أن التواصل الاجتماعي هو سر الصحة العقلية والجسدية وحتى طول العمر.

انتبه لمَن توجه اللوم إليه

من الطبيعي أن توجه اللوم إلى أحد ما عند مواجهة المواقف الصعبة. فإما أن تلوم شخصاً آخر، مثل الرئيس التنفيذي أو المستثمرين أو سياسات بيئة العمل، أو قد تلوم نفسك قائلاً “كان يجب أن أعلم ذلك؛ لم أنتبه للمؤشرات؛ ربما لست كفؤاً بما فيه الكفاية”، وما إلى ذلك.

من المهم الاعتراف بالمشاعر السلبية التي تمر بها وتقبلها، كالغضب والإحباط والاستياء والخوف، إذ تُظهر الأبحاث أن قمعها يؤثر عليك سلباً إلى حد كبير، ولكن من المهم ألا تدعها تسيطر على أفكارك وأفعالك.

من الطبيعي الشعور بالغضب والإحباط تجاه الأشخاص أو الظروف التي أدت إلى التسريح من العمل، ولكن من المهم إدراك أن لوم النفس أو الآخرين لن يكون مفيداً على المدى الطويل. لتأمّل نفسك قيمة تساعدك في تعلم ما يمكنك القيام به لتجاوز محنتك، لكن الإفراط في التفكير بالعواطف السلبية هو هدر لطاقتك العاطفية والعقلية. في الواقع، من المستحيل تحديد سبب معين بحد ذاته وراء أي حدث عندما تسببه مجموعة من العوامل.

السؤال العملي الواحد الذي يستحق أن تطرحه على نفسك بدلاً من لوم نفسك هو “حسناً، لقد حدث ذلك، والآن ماذا سأفعل؟ كيف سأتعامل مع الموقف الجديد؟”.

نمِّ الثقة

قد تفقد ثقتك بنفسك وبمؤسستك بسهولة عندما يتم تسريحك، ولكن ذلك يحدث غالباً بسبب عدم قدرتك على رؤية الصورة الكبيرة.

في المرة الأولى التي تم تسريحي فيها عام 2007، وجدت وظيفة في مجال متخصص بعد أسبوع واحد فقط، وعندما تم تسريحي في خضم أزمة عام 2008، عثرت على وظيفة بعد 4 أشهر في مجال التخصص نفسه، وكان الراتب والوظيفة الجديدة أفضل.

يمكن أن يؤدي التفاوت في خطط إنهاء الخدمة وعدم الاستقرار المالي إلى صعوبة التنبؤ بما يحمله المستقبل لنا. وهناك عدم يقين ينجم عن عوامل أخرى. فعلى سبيل المثال، ماذا لو كانت الوظيفة التالية تتطلب الانتقال إلى مكان آخر مع انتقال أسرة الموظف معه وما ينطوي عليه ذلك من تغيير مدارس الأطفال والدوائر الاجتماعية، أو الاضطرار إلى الابتعاد عنهم لفترات طويلة من الزمن بسبب السفر؟

ولكن لولا تسريحي من الوظيفة لما أُجبرت على توسيع آفاقي للبحث عن وظيفة أخرى. أعرف أن البعض أكثر مرونة ويعملون بشكل استباقي للحفاظ على حياتهم المهنية، ولكني لم أكن من تلك الفئة. كنت متمسكاً بمنطقة راحتي، لكن الحياة دفعتني للنمو وتوسيع آفاقي، والفضل يعود إلى تسريحي من العمل، وأنا سعيد لأنني فعلت ذلك. وسط مجموعة من الضغوط العشوائية، نمِّ ما يمكنك الوثوق به.

ثق بنفسك

لا بد أنك واجهت مواقف صعبة، لكنك خرجت منها أكثر ذكاءً وحكمة. يمكن أن توفر لك هذه الثقة الإيمان بأنك كنت قادراً على التعامل مع التحديات في الماضي، والراحة والقوة. تشير الأبحاث حول النمو الذي يعقب الصدمات أن المواقف الصعبة يمكن أن تؤدي في الواقع إلى التعلم وإحداث تغييرات إيجابية لمن يمر بها.

ثق في صلاح الآخرين

تُظهر أبحاث جرت في جامعة ستانفورد أن الناس بطبيعتهم يرغبون بمساعدة الآخرين، ووفقاً للأستاذ الجامعي في جامعة ميشيغان، واين بيكر، الذي أجرى بحثاً حول هذا المفهوم وكتب عنه: “كل ما عليك فعله هو طلب المساعدة”.

تواصل مع شبكة علاقاتك. ما إن تم الإعلان عن تسريح العاملين حتى بدأت أتلقى رسائل من الأشخاص الراغبين في المساعدة.

دُهشت من مدى المساعدة غير المتوقعة التي تلقيتها. قدمني صاحب الصالة الرياضية التي أذهب إليها إلى أحد عملائه وكان يعمل في شركة للبرمجيات، وقال لنا: “ربما لا أعرف شيئاً عن عملكما، ولكن الأمر يستحق أن تتحدثا”.

ركز على ما تريده حقاً

قد نغفل في سياق حياتنا اليومية ومشاغلها عن الصورة الأكبر لحياتنا؛ ننسى أن نطرح على أنفسنا ذلك السؤال المهم “ماذا أريد من حياتي حقاً ؟”

في ظل هذا الانقطاع القسري عن العمل، سألت نفسي عن نوع العمل الذي أريد ممارسته بعد ذلك، ما هي الوظيفة التي ستسمح لي بالتعبير عن نفسي بصورة كاملة؟ أدرك أن الجلوس أمام جهاز الكمبيوتر وكتابة الرموز البرمجية ممتع حقاً، ولكن التفاعل مع الناس والتواصل معهم هو ما يجعل لحياتي معنى. بعد أن قضيت معظم حياتي المهنية بدور مزود للرموز البرمجية الفردية، سألت نفسي إذا ما كان الوقت قد حان للتغيير.

ربما يمكنك التفكير بالطريقة نفسها. هل حان الوقت لإعادة النظر في الحلم الذي تجاهلته سابقاً في مجال آخر؟ هل تريد أن تحقق وظيفتك القادمة التوازن بين حياتك والعمل. ما الوظيفة التي تستنزفك وترهقك، وما التي يمكن أن تجلب لك الرضا والسعادة لحياتك؟

من المؤكد أن بعضنا لا يتمتع برفاهية الوقت للبحث عن وظيفة مثالية، فقد يُضطر إلى العثور بسرعة على أي وظيفة للوفاء بالقروض والرهون العقارية وانتظار حالة التأشيرة وغير ذلك من العوامل. ومع ذلك، فإن أخذ الوقت الذي يتيحه وضعك الراهن للتفكير والتعلم يمكن أن يولّد أفكاراً مفيدة.

بدلاً من النظر إلى التسريح من العمل على أنه حدث سلبي، يمكنك اعتباره فرصة للتغيير أو لتجربة شيء جديد للنمو أو التعلم، ولكن تحقيق ذلك يتطلب منك بذل بعض الجهد. وتذكّر أن بذل هذا الجهد سيكون أسهل إذا أوليت رفاهتك العقلية والعاطفية الاهتمام اللازم في أثناء هذه العملية.