عودة الوالدين إلى العمل بعد تجربة فقدان الحمل

7 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لا شيء يضاهي تجربة توقع طفل، وحمل روح جديدة، وانتظار قدومها إلى العالم، إذ إنها تجربة مليئة بالحياة والإمكانات والاحتمالات. الولادة هي بداية كل شيء، وهي أبعد نقطة عن الموت تمر في حياتنا.

لكن هناك استثناءات.

تعاني واحدة من كل أربع نساء تقريباً من فقدان الجنين بسبب الإجهاض أو وفاة الجنين أو الموت المبكر جداً لمولود جديد. يحدث الإجهاض، أو الفقدان الطبيعي للجنين في أول 20 أسبوعاً من الحمل، في حوالي 25% من حالات الحمل، وتعاني 1% من تلك النساء من الإجهاض المتكرر، الذي يحدث ثلاث مرات أو أكثر. أما وفاة الجنين، أو الفقدان الطبيعي للجنين بعد 20 أسبوعاً من الحمل، فيحدث في 1% من حالات الحمل. على الرغم من تواتر حالات الفقدان هذه وتأثيرها على أولئك الذين يعانون منها، إلا أنه نادراً ما يتحدث الناس عنها، ويكون عبء الصمت هذا ثقيل جداً خاصة مع عودة الوالدين إلى العمل. إذ ينبغي عليهم مواجهة زملائهم الذين لا يعرفون شيئاً عن المعاناة التي يمرون فيها، أو الذين يعرفون ما يكفي لتكون التفاعلات فيما بينهم مؤلمة، دون ذكر الاضطرابات التي يخلقها الحزن بداخلهم.

نحاول في هذه المقالة التعبير عن تجربة العائدين إلى العمل بعد فقدان الحمل، ونسلط الضوء على الطرق التي من شأنها ألا تصعب الأمر أكثر مما يجب على أقل تقدير، إن لم تخفف من صعوبته، كما سنقدم بعض الاقتراحات للطرق التي يمكن للمدراء وزملاء العمل المساعدة من خلالها.

تجربة فقدان الحمل

تعدّ صدمة فقدان الطفل خلال الحمل أو الولادة أو بعد ذلك بفترة وجيزة هائلة، ويمكن أن يضعف ذلك الألم الأداء اليومي للشخص، ويؤدي إلى انسحابه اجتماعياً، ومعاناته من أفكار اقتحامية، والإحساس بالخدر. وجد بحث أنّ فقدان الحمل يرتبط بالإجهاد اللاحق للصدمة والاكتئاب والقلق واضطرابات النوم. وعلى الرغم من أنّ مثل هذه الأعراض تتناقص عادة خلال السنة الأولى، إلا أنّ بعض الآباء والأمهات يواجهون حالة ممتدة من الحزن الشديد المعروفة باسم “الحزن المعقد“، الذي يكون مصحوباً في الغالب بمشاعر الذنب، والحسد من الآخرين الذين لديهم أطفال، بالإضافة إلى الضيق المستمر بسبب طبيعة الموت غير المتوقع والمفاجئ. وإذا حصل الفقدان للطفل الأول، فقد يجد البعض صعوبة في المطالبة بالاعتراف بأنهما والدان أيضاً، ما يضيف الشعور بالتشويش إلى الألم الشديد للحزن.

تتفاقم غالباً المعاناة العاطفية للأم بعد الإجهاض أو وفاة الجنين بسبب الألم الجسدي الذي قد يستمر لأسابيع، على حسب الظروف والإجراءات الطبية التي مرت فيها. وتعدّ أنواع العلاج لمتابعة الحالة والفحوصات الطبية، في حال اقتضت الحاجة، بمثابة رسائل تذكير حية للفقدان، وفي الوقت نفسه، كثيراً ما تُغفل معاناة شريكها. قد لا يكون لدى زملاء العمل أي وسيلة لمعرفة أنّ الشخص قد تكبد خسارة كبيرة، وبالنسبة إلى الرجال خاصة، فقد وجد بحث أنه غالباً ما يُنظر إليهم أساساً على أنهم المصدر الرئيس للدعم لدى شريكاتهم بعد فقدان الحمل، بحيث لا يُترك لهم سوى حيز صغير للتعبير عن الحزن والرثاء، ويدفع الآخرين إلى تقديم القليل من المساندة لهم.

عند العودة إلى العمل، ينبغي على أولئك الذين يعانون من فقدان الحمل التعامل ليس مع أحزانهم فحسب، التي قد تأتي عبر موجات غير متوقعة ناتجة عن مرور أحداث صغيرة أمامهم، بل أيضاً مع حرج الآخرين معهم في العمل. شاركنا أحد الآباء المفجوعين بالفقدان الذين تحدثنا إليهم كيف أنه رأى امرأة حامل قد ابتعدت خطوة عنه عندما دخل المصعد، ويقول: “كما لو أنها تقول، “أريد الخروج”، وكأنّ وفاة الجنين معدي”، لكن ربما كانت تلك المرأة تحاول مراعاة مشاعره، إلا أنه لم ير الأمر بهذه الطريقة.

خلال بحثنا لكتابة المقالة التي نشرت مؤخراً حول كيفية اختبار الناس للموت وكيف يتعاملون معه في مكان العمل، سمعنا كثيراً أنّ الأمور المحظورة في الغرب، التي تدور حول الوفاة، يجري تضخيمها ضمن الأوساط المهنية. وما استخلصناه هو أنّ هذا الصمت يعتبر الأكثر صخباً وإزعاجاً عندما يتعلق الأمر بوفاة الأطفال بصورة عامة، وفقدانهم قبل ولادتهم بصورة خاصة. بعد حدوث الصدمة نفسها، غالباً ما تكون مشاعر الفقدان أكثر تعقيداً إذا كان الحمل غير واضح، أي في حال فقدان الحمل قبل أن يعرف الكثيرون عنه على سبيل المثال. ونتيجة لذلك، غالباً ما يُترك الأشخاص الذين يعانون من الفقدان في مواجهة الأمر بمفردهم.

في المقابل، قد يضطر المكلومون إلى تقبل أنّ محنتهم الخاصة جداً معروفة على الملأ، ومع ولادة جنين ميت، ربما يكون الزملاء قد رأوا ذلك الشخص في أواخر الحمل، وخلال أحد احتفالات استقبال الأطفال. في هذه الحالات، قد لا يعرف الذين يعانون من الفقدان ما يقولونه لزملائهم، وغالباً ما يكون الزملاء غير متيقنين من ناحية كيفية التصرف معهم.

العودة إلى العمل

يعد الدعم المقدم من قبل الآخرين من أهم العوامل التي تساعد الوالدين المفجوعين على مواجهة الصدمة، كما أنّ له تأثير كبير على كيفية اختبارهم للعودة إلى العمل وإلى حياتهم الشخصية بعد فقدان الحمل. أوضحت إحدى الأمهات، التي فقدت طفها، من خلال بحث أجرته مؤسسة “ساندز” (SANDS)، وهي مؤسسة خيرية بريطانية لرعاية حالات وفاة الجنين والوفيات الجدد من المواليد، قائلة: “كانت فكرة العودة إلى العمل أسوأ من العودة الفعلية، لقد تملكني شعور غريب في البداية، لكن الجميع قابلني بمشاعر دافئة ومرحبة للغاية، وهذا ساعدني حقاً على الاستقرار مرة أخرى”.

كما هو الحال مع أي فاجعة، يختلف الأشخاص الذين عانوا من تجربة فقدان الحمل في مدى السرعة التي يشعرون فيها بالقدرة على العودة إلى العمل أو الرغبة أو الحاجة إلى ذلك. ستكون هناك اختلافات في كيفية تأثر الأفراد جسدياً وعاطفياً، وفي كيفية تأثير الفقدان على منظورهم تجاه العمل، فقد يجد البعض أنه من المفيد العودة إلى روتينهم القديم، ويرون أنّ العمل يساعدهم على صرف الانتباه. أما البعض الآخر، فقد لن يتمكنوا من إنجاز مهامهم الوظيفية، وسيشعرون بالخوف إزاء إمكانية الحضور مع أشخاص آخرين لا يستطيعون فهم ما مروا به. وينبغي على الكثير منهم العودة إلى العمل لاعتبارات مالية فقط.

بالإضافة إلى ذلك، تختلف سياسات إجازة الوالدين بصورة ملحوظة، بما في ذلك كيفية تطبيقها على أولئك الذين عانوا من الإجهاض أو وفاة الجنين. على سبيل المثال، يحق للنساء في المملكة المتحدة اللواتي واجهن حالات وفاة الجنين بعد الأسبوع الرابع والعشرين من الحمل الحصول على إجازة الأمومة والاستحقاقات ذاتها مثل تلك التي لديها مولود حيّ، إلا أنّ الوضع مختلف في الولايات المتحدة، حيث يوجد تباين كبير حسب الولاية والمؤسسة، ولا توجد إجازة قانونية وصحية بعد ولادة جنين ميت.

استراتيجيات الرعاية الذاتية

إذا كنت أحد الوالدين المفجوعين الذين عادوا إلى عملهم، حدد ما تريد أن يعرفه الزملاء عن فقدان الحمل، في حال كان هنالك أمر لا مانع لديك من البوح فيه. وإذا كان زملاء العمل يجهلون موضوع الحمل، يمكنك اختيار إبقاء الأمر على هذا النحو، ولكن قد يكون من المفيد إعلام مديرك في العمل ضمن إطار من السرية، لأنك قد تواجه المزيد من الأعراض الجسدية أو العاطفية بعد العودة إلى العمل، وسيكون من الأسهل على مديرك تقديم الدعم لك إذا كان على علم بحالتك.

أما في حال كان زملاؤك في العمل على علم بالحمل، بإمكانك تسهيل الأمر عليك وعلى الآخرين من خلال إرسال رسالة إلى مديرك أو زميلك الذي تثق فيه، لإخباره بما حدث وما الذي ستجده مفيداً لك عند عودتك، بحيث تتضمن رغبتك في الحديث عن الفقدان في العمل أم لا، واطلب منه مشاركة ذلك مع الآخرين في فريقك.

حتى إذا كنت قد أعربت عن رغبتك في عدم مناقشة الأمر في العمل، إلا أنه هنالك احتمال حدوث ذلك، خاصة من قبل شخص خارج محيط عملك المباشر، فقد وجد بحث تناول فقدان الحمل أنّ هذا الموقف يعد من أكثر المواقف الصعبة والعاطفية التي يواجهها الوالدان عند العودة إلى العمل. فكر مسبقاً في ردك على أسئلة معينة قد تُطرح عليك، وحاول إعداد نفسك لتلقي السؤال الشائع المتمثل في “كيف حال طفلك؟”، وهو استفسار حسن النية لكن من الممكن أن يزعج العديد من الآباء والأمهات المكلومين. إنّ الإجابة بعبارة “لقد فقدت طفلي” فقط، ينبغي أن تكون كافية، فأنت لست ملزماً بالتوضيح أكثر، أو بطمأنة الشخص الآخر بأنك “بخير”. في المقابل، إذا كان الشخص الذي يسألك هو الشخص الذي ترغب في إخباره عن الأمر، فأخبره بأنك تريد التحدث أكثر بهذا الخصوص، وأين ومتى يناسبك ذلك.

في الأيام الأولى التي تلي فقدان الحمل، قد يكون من الصعب عليك على نحو خاص أن تكون موجوداً حول زملاء العمل الذين يتوقعون إنجاب طفل أو الذين أنجبوا مؤخراً، فإذا علموا بفقدانك، عليهم فهم حاجتك إلى إعفاء نفسك من الحديث. بصرف النظر عن ذلك، ينبغي عليك عدم الشعور بأنك ملزم بحضور احتفال لاستقبال طفل، أو قضاء الوقت في تلك الأماكن التي من شأنها إثارة مشاعر مؤلمة حول فقدانك.

قد تكون الأوقات الصعبة الأخرى متمثلة في تواريخ مهمة، مثل التاريخ الذي كنتما تتوقعان فيه الإنجاب، أو الذكرى السنوية للإجهاض أو وفاة الطفل، توقع حدوث هذا وخذ بعين الاعتبار أخذ يوم إجازة من العمل.

إدارة الشخص الذي تعرض لحالة فقدان

بصفتك مديراً، يمكنك إحداث فرق كبير عند عودة الشخص المكلوم إلى العمل، فإذا كان ذلك الشخص يكتب لك أو يتصل بك لإعلامك بما حدث، قدم تعازيك واسأله حول كيفية تقديم الدعم له. اسأل عما إذا كان يريد منك إخبار الآخرين في العمل، وماذا يريد إخبارهم. إذا كان يريد منك إبلاغ زملائه في العمل، فقد تقترح أن يرسل لك رسالة، بحيث يمكنك نشرها بين زملائه المباشرين، وتتضمن أي تفاصيل قد تشعره بالراحة عند مشاركتها حول فقدانه. من شأن هذا توفير الجهد عليه من ناحية اضطراره إلى سرد القصة مراراً وتكراراً عند عودته.

تحلى بالمرونة متى أمكن فيما يتعلق بعودة الموظف إلى العمل، قدم له خيار العودة التدريجية أو جدول عمل ملائم. استعد لضبط توقعاتك بمجرد عودة الموظف، كما هو الحال بالنسبة إلى أي موظف فقد عزيزاً منذ فترة قريبة، واجعله يعلم إدراكك أنه قد لا يكون على حالته المعتادة على مدار الأسابيع المقبلة. في الوقت نفسه، لا تفترض أنه لا يريد مواجهة تحديات العمل في هذا الوقت، بل أشركه في أي قرارات قد تؤثر على عمله بصورة مباشرة. إنه يشعر بالحزن الشديد، لكنه ليس عاجزاً، وغالباً ما يكون العمل بمثابة نطاق يساعد الناس على رسم خط فاصل بين الاثنين.

لا تتجنب قضاء الوقت مع زميلك المكلوم، فإلى جانب إجراء محادثات عادية متعلقة بالعمل، اطمئن عن حاله ولا تخشى من تقديم اعتراف بسيط بالفقدان أو سؤاله عما يحتاج إليه. إلا أنه ليس من المفيد قول أشياء من قبيل “كان هذا مقدراً” أو “يمكنك إنجاب أطفال آخرين على أقل تقدير”، إذ يمكن لمثل هذه التعليقات النيل من معاناة الشخص تجاه الفقدان، وأن تشعره بالسوء أكثر.

سواء كانت العودة إلى العمل تزيد من حدة الألم أو تقدم متنفساً مؤقتاً، إلا أنّ الجزء الكبير من تلك الخطوة يعتمد على قدرة الزملاء، ولاسيما المدراء، على الاعتراف بفقدان الوالدين للحمل والشعور بحزنهم. إنّ إدراك واحترام التجربة التي اختبراها الوالدان، والتي سيحزنان بشأنها ويحملانها معهما، سيساعدهما على المضي قدماً نحو بدايات جديدة في الوقت المناسب.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .