دراسة حالة: عندما تطلب منك أفضل موظفاتك أن تعمل بدوام جزئي

13 دقيقة
العمل بدوام جزئي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعرض دراسات الحالة التي تصيغها هارفارد بزنس ريفيو على هيئة قصص خيالية لمشاكل يواجهها القادة في الشركات الحقيقية وتقدّم الحلول التي يراها الخبراء. تستند هذه الحالة إلى دراسة حالة في كلية هارفارد للأعمال بعنوان: “شابيرو غلوبال” حول طلب أفضل الموظفات العمل بدوام جزئي من تأليف توماس ديلونغ، ومايكل بروكشاير ومونيكا هاوغين، وميشيل كرافيتز، وسارة سومير.

“مرحباً، أنا ميليسا”! فوجئت سويي غوه عندما رأت اسم نائبتها يظهر على شاشة هاتفها، لكنها ردت عليها فوراً. فقد كانت تنوي تفقّد الأوضاع مع ميليسا منذ عدة أيام.

كانت كلتاهما تعملان في قسم تطوير أعمال في مكتب شركة أغذية الطاقة العالمية “شابيرو غلوبال” في سنغافورة، حيث كانت سويي مديرة القسم بينما كانت ميليسا مساعدتها. كان فريقهما يعمل بلا كلل ولا ملل منذ تفشّي “كوفيد-19” على ضمان عدم خروج خطط توسّع “شابيرو غلوبال” في جنوب شرق آسيا عن المسار المرسوم. وكانت ميليسا في موقع القيادة، غير أن الأميركية التي كانت عادة ما تركز بدت مشتتة الانتباه في مكالمات الفيديو الأخيرة. كانت سويي تعلم أن عملها من المنزل خلال الجائحة لم يكن في ظروف مثالية. فرغم أن العديد من المكاتب في سنغافورة ظلت مفتوحة، إلا أن “شابيرو” كانت واحدة من قلائل الشركات المتعددة الجنسيات التي أرسلت جميع موظفيها إلى منازلهم. كانت ميليسا وزوجها الذي يمتلك وظيفة تملأ وقته يعيشان في شقة صغيرة مؤلفة من غرفتين مع ابنهما البالغ من العمر ست سنوات، وكانت مدرسته قد حولت دوام طلابها ليصبح عن بعد منذ ثلاثة أشهر.

“أنا سعيدة لأنك اتصلتِ! كنت على وشك أن أحجز موعداً لي معك”، قالت سويي. “لماذا لا نخرج سوياً لنتنفس بعض الهواء النقي ونتمشى قليلاً ونتحدّث؟”

كانت سويي في أسعد حالاتها عندما كانت في حركة دائبة – ليس فقط عندما تمارس التمارين الرياضية، وإنما أيضاً عندما كانت تعمل بجد على التقدم إلى الأمام في مسيرتها المهنية. ففي عام 1997، كانت من بين أول سبعة موظفين يعملون في مكتب “شابيرو” في سنغافورة. ومن خلال موقعها كمعاونة لمدير المكتب، كانت تؤدي المهام الروتينية الصغيرة، وتجيب على الهاتف، وتضمن سير عمل المكتب بسلاسة. وعندما وُسّعَ المكتب، رُقّيت إلى منصب محللة تجارية، وعلى مدار السنوات الأربع عشرة التالية، واكبت تطور الشركة، واكتسبت المهارات والخبرة، وحازت على الترقيات. أما الآن فقد باتت تشرف على تطوير الأعمال في عموم منطقة جنوب شرق آسيا، حيث يعمل تحت إمرتها 28 موظفاً. وبوصفها المديرة التنفيذية الوحيدة في “شابيرو غلوبال” في المنطقة، ونائبة الرئيس الوحيدة التي ارتقت السلم الوظيفي من أدنى درجة إلى المراتب العليا، فقد وضعت نصب عينيها تقديم الإرشاد إلى الموظفين الشباب في الفريق، وتحديداً النساء منهم.

“بالتأكيد، سيكون ذلك أمراً عظيماً”، أجابتها ميليسا.

“هل هناك أي شيء خاص أردتِ أن تكلميني بشأنه؟” سألتها سويي؟

ساد الصمت لبرهة. “لدي بعض الأخبار. أنا وزوجي ننتظر فرداً جديداً في العائلة”، قالت ميليسا أخيراً.

لم تستوعب سويي الأمر فوراً. “تنتظرون فرداً جديداً في العائلة؟”

“أنا حامل. وفي الشهر السادس تقريباً”، قالت ميليسا.

كانت سوي على وشك الخروج من الباب عندما توقفت فجأة. كان الطقس لطيفاً لكنها شعرت كما لو أنها قد خرجت لتسير في جو شديد البرودة تعصف به رياح جليدية. لكنها سرعان ما عادت إلى رشدها كمديرة.

“تهانينا. هذه أخبار رائعة! أعتقد أننا بحاجة إلى الحديث عن إجازة أمومتك. ففي سنغافورة، إجازة الأمومة المأجورة هي لمدة 12 أسبوعاً، أي أكثر بكثير مما هي عليه في الولايات المتحدة الأميركية!”1.

“حسناً، هذا هو الموضوع”، قالت ميليسا. “ربما أطلب إجازة لفترة أطول من ذلك”. فغرت سويي فاهها. فميليسا كانت نجمة صاعدة في “شابيرو غلوبال”، وكانت سويي تنوي الاتكال عليها – والاستمرار في تعزيز وضعها – خلال الأشهر والسنوات المقبلة. وغيابها حتى لمدة ثلاثة أشهر كان بحد ذاته مدعاة للمعاناة.

“بماذا كنتِ تفكرين؟” سألت سويي محاولة أن تخفي مفاجأتها.

“بصراحة، لا أعلم إذا كنت أريد العودة إلى العمل بدوام كامل”.

نجمة صاعدة

واجهت سويي صعوبة في استيعاب المشاعر التي انتابتها. في بادئ الأمر جاءت الصدمة. فمنذ وصول ميليسا إلى سنغافورة التي نُدِبَت إليها على أساس المداورة لمدة ثلاث سنوات قادمة من مكتب سان فرانسيسكو قبل عام،2 كانت دائماً تبدو كشخص مقامر يمتلك قدرات قيادية، إن لم يكن طموحات للوصول إلى مناصب الإدارة التنفيذية العليا. والأهم من ذلك هو أنها كانت شخصاً مجدّاً للغاية، إذ كانت قادرة وبسهولة على العمل لأيام طويلة ومستعدة للعمل لساعات إضافية خلال عطلة نهاية الأسبوع إذا اقتضت الضرورة ذلك. وبما أنها محللة تمتلك ذهنية تركز على الأسلوب الكمي، فقد كانت دائماً ما تدفع باتجاه اتخاذ القرارات المبنية على البيانات، حيث أسهمت هذه القرارات في تفعيل حضور المجموعة على نطاق أوسع وتعزيز إيراداتها. ورغم أن سويي كانت في بادئ الأمر قد أصيبت بالإحباط لأن نقل ميليسا إلى مكتبها فُرِضَ عليها دون مشاورتها أو موافقتها، إلا أنها رأت في نهاية المطاف في ميليسا العديد من الخصال التي أسهمت في صعودها هي. وسرعان ما رقّتها لتصبح نائبتها، ووضعت تحت تصرفها ثلاثة مرؤوسين ورشحتها لشغل عضوية لجان رئيسة لتعطيها الفرصة للاحتكاك بكبار قادة “شابيرو غلوبال”. وكانت علاقة العمل الوثيقة بين السيدتين قد تطورت كثيراً.3

عادت سويي بذاكرتها إلى إحدى الليالي المتأخرة التي جمعتها بها في المكتب قبل تفشّي “كوفيد-19”. كانت ميليسا قد اعترفت أنه على الرغم من معرفتها أن الانتقال إلى سنغافورة سوف يعجّل من صعودها في “شابيرو”، إلا أن فعل ذلك في أثناء تربية طفل صغير كان قراراً صعباً. وهي لم توافق إلا عندما تمكّن زوجها سكوت أيضاً من الحصول على فرصة للانتقال لمدة ثلاث سنوات، وكانا قد عثرا على مربية رائعة ومدرسة مناسبة لابنهما. وبعد أن حسبت سويي الأمر في رأسها، أدركت أن ميليسا ربما كانت حاملاً عندما كانتا قد تحدثتا وقتها، لكنها لم تذكر الأمر! لم يكن بوسعها إلا أن تشعر أنها قد خُدِعت.

لكن سويي شعرت بعدها بموجة من التعاطف. فهي تعلم كم عانت ميليسا في الأشهر القليلة الماضية عندما حاولت الجمع بين عملها والتزاماتها العائلية خلال فترة إغلاق المكاتب والمدارس.4 كما أن حملها خلال فترة الجائحة بعيداً عن الأصدقاء والأهل لا بدّ أنه قد زاد من توترها. وسويي كانت قادرة على مد يد العون. فقد كانت لديها الكلمة الفصل في تحديد مدة إجازة الأمومة الإضافية التي يمكن للشركة أن تمنحها إلى ميليسا بما يتجاوز المدة الرسمية. والجهود التي كان المكتب الرئيس للشركة قد بذلها مؤخراً لوضع معايير عالمية للموارد البشرية كانت قد باءت بالفشل بعد تذمّر المدراء الإقليميين (بمن فيهم سويي) من أنهم بحاجة إلى أن يكونوا قادرين على التعامل مع الطلبات على أساس كل حالة على حدة.5

أصغت سويي بهدوء إلى ميليسا وهي تعرض مقترحها. فبعد إجازة الأمومة التي تمتد على مدار 12 أسبوعاً، أرادت أن تعمل لثلاثة أيام في الأسبوع مقابل الحصول على 60% من راتبها. شعرت سويي بانقباض داخلي. فقد فوجئت من طلب ميليسا العمل بدوام جزئي. وعندما اقترحت عليها عوضاً عن ذلك تمديد إجازتها، أجابتها ميليسا أنها هي وسكوت قلقان بخصوص اضطرارهما إلى الاستمرار في الإشراف على دوام ابنهما المدرسي عن طريق الإنترنت وإعادة المربية التي لا تقيم معهم في المنزل إلى العمل بسبب حالات عدم اليقين التي تحيط بكوفيد-19.

كانت سويي أذكى من أن تقاومها أكثر. وهنأت ميليسا مجدداً ووعدت بالرد على مقترحها دون تأخير. ثم عادت إلى طاولتها وبعثت برسالة إلكترونية إلى موظفي قسم الموارد البشرية لتطلعهم على الأمر، وكان ذلك إجراءً روتينياً فحسب، لأنها كانت تعلم أن القرار بيدها هي.

الخيارات الأخرى؟

في تلك الليلة، وبعد سلسلة من الاجتماعات التي استمرت حتى ساعة متأخرة مساءً بتوقيت سنغافورة، أصبح لدى سويي أخيراً الوقت للتفكير في طلب ميليسا. كان الحل الأوضح هو قبول مقترح ميليسا، وإعادة هيكلة وظيفتها لتصبح منصباً يعتمد على الدوام لثلاثة أيام. لم تكن واجبات سويي كمديرة لتتأثر كثيراً، وستكون ميليسا قادرة على إنجاز الكثير في أسبوع عملها المضغوط، ولاسيما عندما يتعلّق الأمر بإتمام واجباتها عبر تقنية الفيديو المرئي، وهذه باتت طريقة العمل الطبيعية الآن في جميع الأحوال، حتى لو لم تسافر. لكن سويي خشيت من أن تترك هذه الترتيبات أثراً سلبياً على مرؤوسيها الآخرين. فخفض ساعات عملها سيعني على الأغلب المزيد من العمل بالنسبة لهم.

كما أن ذلك ربما يشكّل سابقة قد تندم عليها هي شخصياً، وقد تندم عليها “شابيرو غلوبال” حتى. فميليسا ستغادر في غضون عامين بعد أن تكتمل فترة ندبها إلى مكتب سنغافورة. وهذا يعني أن مديرها في مهمتها التالية سيكون مضطراً إما إلى الاستمرار في تقديم التسهيلات الممنوحة إلى ميليسا أو حرمانها منها، وهذا قد يتسبب بمشاكل في المنصب الجديد. ولن تتمكن سويي أبداً من حصاد ثمار سلوكها كمديرة مرنة.

كان ثمة بديل آخر يتمثل في إنشاء منصب جديد للمشاريع الخاصة بدوام جزئي خصيصاً لميليسا بعد إجازتها وتعيين بديل عنها في وظيفتها الحالية. لكن تسويق هذا الخيار في فترة الهبوط الاقتصادي لم يكن بالأمر اليسير.

كانت المقاربة الأبسط تتمثل في إقناع ميليسا أن ترتيبات الدوام الجزئي هي أمر غير مجدٍ وغير منصوح به. وكانت سويي قد بذلت الغالي والنفيس وأعطت الكثير من وقتها وجهدها ورأسمالها الاجتماعي لتطوير ميليسا وترقيتها، وكان ينتظر ميليسا في “شابيرو غلوبال” مستقبل باهر. كانت الأبحاث واضحة وتشير إلى أن الانتقال إلى العمل بدوام جزئي يؤذي الموظفين ولا سيما النساء، حيث يضطررن في نهاية المطاف إلى العمل لساعات مضنية أطول مما يجب ومقابل أجر أدنى، ولا ينلن لا حمداً ولا شكوراً، بينما يأخذ العديد من الموظفين المختصين الذكور الوقت الذي يحتاجونه دون تقليل ساعات عملهم وأجورهم رسمياً.6

هل ستغادر ميليسا “شابيرو غلوبال” إذا لم تنل مرادها؟ قبل تفشّي الجائحة، كان يبدو أنها تعشق مسيرتها المهنية في “شابيرو”. فراتبها كان كافياً ليغطي بسهولة تكلفة شقة أكبر حجماً والاستعانة بمربية تقيم مع العائلة في المنزل. ربما يكون تقديم عرض لها لتقصير يوم عملها إلى ثماني ساعات كافياً، ما يمنحها الوقت لتجرّب كيفية الموازنة بين العمل والحياة العائلية وتجديد حماستها للعمل.

نظرت سو إلى الساعة، وأغلقت كمبيوترها المحمول وقررت تأجيل الأمر إلى صباح اليوم التالي.

القدوة

“ما خطبك يا عمّتي اليوم؟ تبدين شاردة الذهن”.

وضعت سويي قطعة الخبز التي كانت في يدها على المائدة ونظرت إلى ابنة أختها جين يي التي تجلس قبالتها. كان تناول طعام الإفطار صباح كل سبت في فندق رافيلز تقليداً اعتادت عليه السيدتان وهو الجزء المفضل من الأسبوع بالنسبة لسويي. كانت جينغ يي فتاة لماحة تبلغ من العمر 22 عاماً، وكانت تحب الإصغاء إلى قصص النميمة الخاصة بما يجري في المكتب وقد وجدت طريقة لتجعل سو يي تضحك – ولكل ليس اليوم.

مالت سويي إلى الأمام وعرضت على جينغ يي تفاصيل قصتها مع ميليسا. شرحت لابنة أختها كيف أنها أساءت الحكم على طموحات تلميذتها النجيبة التي كانت هي من صنعها. لا شك في أن ميليسا كانت قادرة على الاستمرار في تقديم إسهاماتها إلى “شابيرو” بوصفها موظفة تعمل بدوام جزئي، لكنها أرادت الخروج عن المسار السريع الذي كانت تمشي فيه. سوف تهمش نفسها وتتحول من نجمة النجوم إلى موظفة عادية.7 لم تكن سويي قادرة على أن تطرد من رأسها فكرة أن ذلك كان خطأ. كانت تريد أن تخبر ميليسا بضرورة أن تعود إلى رشدها. فلماذا أرادت الآن وبعد سنوات من كونها أماً عاملة ناجحة أن تحرف حياتها المهنية عن المسار المرسوم وتضيّع موهبتها؟ صحيح أن الجائحة صعّبت حياة الناس، لكن الحياة ستعود في نهاية المطاف إلى طبيعتها. غير أن سويي كانت تعلم أن تقديم هذا النوع من النصائح من موقع قوة هو أمر تشوبه شكوك أخلاقية، ناهيك عن الشكوك القانونية.

“لا أعلم”، قالت جينغ يي. “لقد أخذت والدتي مساراً مختلفاً عن المسار الذي أخذتيه لكي تتمكن من البقاء في المنزل إلى جانبي. هي ليست ثرية أو قوية، لكنني أقدّر ما فعلته، وأعلم أنها تشعر أنها قد اتخذت القرار الصائب. هي سعيدة بمقدار سعادتنا”.

فوجئت سويي بكلام ابنة أختها التي كانت قد حصلت على أعلى الدرجات في الجامعة وتعمل في شركة استشارية مرموقة، وهي في طريقها إلى البدء ببرنامج الماجستير في إدارة الأعمال العام المقبل. لطالما كانت سويي تشعر بالأسف لحال اختها، التي عاشت حياة تقليدية وكانت تعتقد أن جينغ يي تكنّ الشعور ذاته. “في الوقت ذاته”، واصلت ابنة اختها كلامها، “كنتِ قادرةً على الإمساك بالمجد من طرفيه لأنك كنت مثلا أعلى آخر وقدوة في حياتي”.

أومأت سويي برأسها بعد أن شعرت بشيء من الطمأنينة. “أظن أن ميليسا لا تعلم بعد ما الذي سيُسعدها، لكنني يجب أن أفكر في تأثير ذلك على فريقي”.

أخذت جينغ يي شفة من فنجان القهوة وأمالت رأسها جانباً. “لطالما كنت يا عمّتي تدعمين النساء في مكان العمل – ولكن في الحصول على الترقيات، وليس دعم حقهن في التنحي جانباً”، قالت يي ثم أضافت: “لا بد أنه قرار صعب بالنسبة لك”.

“نعم، بكل تأكيد هو قرار صعب”، قالت سويي وهي تتأمل في كلام ابنة اختها.

[su_expand more_text=”المزيد” less_text=”الأقل” height=”50″ link_color=”#66abe8″ link_style=”button” link_align=”right”]

ملاحظات على دراسة الحالة

  1. تقدّم دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وسطياً، إجازة أمومة/أبوة مدفوعة الأجر لمدة 16 أسبوعاً وبنسبة تتراوح ما بين 55% و100% من الأجر. والولايات المتحدة الأميركية هي الدولة الوحيدة من دول المنظمة التي تفتقر إلى إجازة أمومة/أبوة مدفوعة الأجر مفروضة من الحكومة.
  2. كان الندب الوظيفي على أساس المداورة من الطرق الشائعة منذ وقت طويل وهو يهدف إلى بناء مهارات الموظفين الواعدين. بما أن فترة إقامة ميليسا في سنغافورة قصيرة نسبياً، فهل يجب أن يؤثر ذلك على طريقة سو يي في التفكير في الأمر؟
  3. كانت المرونة والصمود في مواجهة الشدائد والقدرة على التكيف من جديد، إحدى السمات البارزة لنجاح سو يي. ولكن هل قادها ذلك إلى تبنّي توقعات غير واقعية من زملائها في العمل؟
  4. في استطلاع للرأي مؤخراً لشركة جينجر، المعنية بالصحة العقلية وتقدم خدماتها بحسب الطلب، قال 7 من كل 10 موظفين في الولايات المتحدة الأميركية تقريباً إن التعامل مع جائحة “كوفيد-19” كان أكثر تجربة ضاغطة مروا بها خلال مسيراتهم المهنية.
  5. هل يجب على أقسام الموارد البشرية في الشركات العالمية توحيد المنافع أم ترك القرارات الخاصة بالإجازات إلى المدراء الإقليميين والمحليين؟
  6. توصلت دراسة لإرين ريد من جامعة بوسطن إلى أنه على الرغم من أن قلة قليلة فقط من الموظفين الذكور يطلبون ساعات عمل مخفّضة، إلا أن العديد منهم قادرون على وضع حد لأيام عملهم بحيث يكونون قادرين على الاهتمام بالمسائل الشخصية دون لفت الانتباه إلى غياباتهم.
  7. تستثمر شركات عديدة موارد هائلة لاجتذاب أصحاب الأداء المميز والاحتفاظ بهم. فهل هي تقلل بذلك من شأن موظفي الدعم؟
[/su_expand]

رأي الخبراء

هل يجب على سويي أن تلبّي طلب ميليسا بالعمل بدوام جزئي؟ 

إليزابيث ماكينون (Elizabeth Mckinnon): الرئيسة التنفيذية المشاركة لمؤسسة العدالة البيئية في استراليا (Environmental Justice Australia).

أفضل ما يمكن لسويي أن تفعله هو أن تصبح شخصاً رائداً في تطبيق أنظمة الدوام المرن وتلك الخاصة بالعمل بدوام جزئي.

ليس بالضرورة أن يتسبب العمل بدوام جزئي بانحراف في المسيرة المهنية. سويي قلقة من أن الموظفة التي تطورت في ظلها وتحت رعايتها ترتكب خطأ وهي تشعر أنها تعرّضت إلى شيء من الخيانة. لكن من الواضح أن ميليسا ذكية، وطموحة، ومجدّة. وهي قادرة جداً على التفرغ للعمل من جديد وبكامل طاقتها لمدة خمسة أيام في الأسبوع في غضون عام أو عامين، والمضي قدماً في إنجاز أشياء عظيمة في “شابيرو غلوبال”. ولا يجب على سويي أن تضع افتراضات تخص نيات ميليسا بشأن مستقبلها.

التواصل هو شيء أساسي. تحتاج سويي إلى أن تنحّي انزعاجها جانباً، وأن تخوض حواراً صريحاً مع ميليسا بشأن ما تريده وكيفية إنجاحه بطريقة تكون مفيدة لكل من ميليسا و”شابيرو غلوبال” على حد سواء. يجب على سويي ضمان احتفاظ ميليسا بصلاتها بالعملاء، وبمرؤوسيها المباشرين، وبجميع الجوانب الأخرى لعملها التي ستبقيها على المسار المرسوم لحياتها المهنية.

أسوأ شيء يمكن أن تفعله سويي هو أن تنقل ميليسا إلى منصب له علاقة بالمشاريع الخاصة وتوظيف شخص آخر ليحل مكانها في منصبها (ما لم يكن ذلك هو ما تفضّله). فعندما تغادر المسار السريع، سيكون من الصعب جداً أن تعود إليه.

بما أن أياً من السيدتين ليس لديها خبرة في تفاصيل الدوام المرن، فإنهما يجب أن تتفقا على فترة تجريبية بحيث يكون بوسعهما هما والفريق التأقلم والتعلم مع مرور التجربة والوقت. لكن الخطر يكمن، كما تعلم سويي، في أن ميليسا ستضغط وظيفة بدوام كامل في جدول زمني لدوام جزئي، وهذه وصفة للاحتراق الوظيفي.

سيقود منح هذه المرونة إلى ميليسا – وغيرها من أعضاء الفريق في حال طلبوها – على الأغلب إلى شيء من عدم الارتياح والتكاليف بالنسبة لسويي على المدى القصير. فعلى سبيل المثال، قد تحتاج إلى تعيين شخص متعاقد لإنجاز جزء من عبء العمل. لكن من الوارد أيضاً أن يرغب الموظفون في تولّي المزيد من المهام بعد أن تخفّض ميليسا حجم العمل الملقى على عاتقها. وهذه فرصة لأعضاء فريق سويي لتغيير طريقة تعاونهم وتخصيصهم للموارد. ففي مؤسستي، على سبيل المثال، أتقاسم منصب الرئيسة التنفيذية مع مديرة تنفيذية أخرى، وكلتانا تعملان لمدة ثلاثة أيام في الأسبوع.

البشرى السارة هي أن سياسات العمل المرنة تصبح أسهل مع مرور الوقت. فإذا ما قفزت الساعة 10 سنوات إلى الأمام، فلربما يصبح لدى سويي فريق أكثر ديناميكية وتنوعاً من الموظفين الذين ليسوا مواظبين فحسب وإنما أيضاً شديدي التفاعل مع المؤسسة والولاء لها لأنهم يشعرون أن احتياجاتهم المهنية والشخصية تُلبّى. ويمكن أن تحصد “شابيرو” منافع جمّة تشمل زيادة الإنتاجية، وتحسين عملية توظيف الأشخاص والاحتفاظ بهم، وتعزيز ثقافة العمل فيها.

ترى سويي في نفسها نصيرة للنساء، لكن ذلك السلوك لن يكون سلوكاً أصيلاً إذا لم تقدّم الدعم والتشجيع إلا لفئات محددة من النساء – أي اللواتي اتخذن خيارات مشابها لخياراتها في الحياة. وعوضاً عن أن تشعر أن ميليسا تخونها، فإن سو يي يجب أن تأخذ الصورة الأكبر بعين الاعتبار وأن ترى فيما يحصل لحظتها المناسبة لكي تتألق كقائدة.

راشيل توماس (Rachel Thomas): الرئيسة التنفيذية لشركة “لين إن” (Lean In).

يجب على سويي أن تعيد صياغة المنصب بحلّة جديدة بحيث لا تكون ميليسا مضطرة إلى تركه ما لم ترغب هي في ذلك.

تحتاج سويي أولاً إلى فهم ما هو حاصل حقيقة في حياة تلميذتها النجيبة. هل تطالب ميليسا بتقليل ساعات عملها لأنها تريد إمضاء المزيد من الوقت في المنزل مع عائلتها؟ إذا كان هذا هو الحال، يجب على سويي احترام رغبتها، والعثور على طريقة لإنجاح الأمر. فأنت لا تحتفظ بالموظفين الموهوبين عبر رفض التأقلم بعد أن تتغير حياتهم وأهدافهم. أم هل الأمر هو أن ميليسا تشعر كما لو أنه ليس لديها خيار آخر – وأنه ليس هناك من طريقة للموازنة بين عملها وطفليها خلال أزمة “كوفيد-19″؟

إذا كانت ميليسا تفضّل العودة إلى العمل بدوام كامل، لكنها لا تتخيل كيفية حصول ذلك مستقبلاً، فإن على السيدتين أن تبدأ بالتفكير بخيارات خلاقة. في الوقت الحاضر، ليست هناك إمكانية لبقاء الأمور على حالها، لذلك فإن الشركات بحاجة إلى تجاوز الحلول المبنية على أساس بقاء الأمور على حالها. فعلى سبيل المثال، بوسع سويي التخلص مؤقتاً من بعض الأعمال غير الأساسية في قسمها لتخفيف العبء عن كاهل ميليسا (وغيرها) خلال الجائحة. وبوسعها أيضاً إعادة صياغة أهداف ميليسا ومعايير أدائها بحيث تصبح إمكانية تحقيقها أسهل. بوسعها الالتزام بعدم حجز مواعيد اجتماعات في روزنامة ميليسا خلال فترات محددة كل يوم لتسهّل عليها تلبية احتياجات طفليها خلال الأزمة. كما يجب على سويي أيضاً دراسة إمكانية توفير المزيد من المرونة ليس للأهل فحسب وإنما للجميع.

قد تبدو هذه الاقتراحات وكأنها فيها مبالغة، ولاسيما خلال مرحلة الهبوط الاقتصادي، لكن القادة في كل مكان بحاجة إلى أن يدركوا أننا على وشك خسارة ملايين الأشخاص مثل ميليسا. فقد أصدرت “لين إن” وماكنزي مؤخراً تقريراً بعنوان “النساء في مكان العمل” لعام 2020 وهو يُظهر أن مليوني امرأة في أميركا تقريباً يدرسن احتمال التقليل من حجم عملهن في مسيراتهن المهنية أو ترك صفوف القوى العاملة نتيجة للأزمة. وهذا يعني عدداً أقل بكثير من النساء اللواتي في طريقهن ليصبحن قائدات، وهذا الشيء يمحو كل التقدم الذي أحرز خلال السنوات القليلة الماضية. لو كان لدى “لين إن” ناقوساً للخطر لكنا قد قرعناه.

وبالتالي، رغم أن اهتمام سويي منصبّ وبشكل مفهوم على تلميذتها النجيبة الشابة، إلا أنها لا يجب أن تشيح بنظرها عن الصورة الأكبر. فأنا أراهن أن هناك العشرات، لا بل ربما المئات، من النساء الموهوبات في “شابيرو غلوبال” ممن يجدن أنفسهن في الوضع ذاته. فقبل الجائحة، كانت الأمهات الموظفات خارج المنزل يعملن أصلاً في “وردية مزدوجة”، فهن يقضين نهاراً كاملاً في المكتب، متبوعاً بساعات من الأعمال المنزلية. وبما أن المدارس ورياض الأطفال مغلقة، فإن تلك الوردية المضاعفة تضاعفت من جديد. وتُظهرُ الدراسات أن الأمهات يمضين 20 ساعة أسبوعياً وسطياً أكثر من الآباء في إنجاز الأعمال المنزلية والعناية بالأطفال بسبب الجائحة.

توفر حالة ميليسا فرصة لسويي لكي تدقّ جرس الإنذار في الشركة. فإذا ما كانت تريد أن ترفع لواء دعم النساء بحق، فالآن هي فرصتها. يجب عليها التحاور مع التنفيذيين في “شابيرو” وتشجيعهم على التركيز على معاناة الأهالي العاملين – ولاسيما الأمهات – خلال جائحة “كوفيد-19”. ويجب عليها الاقتراح أن تعمل “شابيرو” بطريقة خلاقة مع جميع الموظفين بحيث لا يضطر أي شخص إلى ترك العمل – ما لم يكن ذلك هو خياره. لا شك في أن وضع تصوّر جديد لشكل منصب ميليسا لكي تتمكن من الاستمرار في العمل بدوام كامل هو مهمة شاقة، لكن ثمار هذه العملية على المدى البعيد كبيرة. وهذا شيء جيد بالنسبة لشركة “شابيرو” لأن امتلاكها لعدد أكبر من النساء في مناصب قيادية يعني ثقافة أقوى وأداء مالي أفضل. وهذا أمر جيد للمدراء لأنهم ليسوا مضطرين إلى استبدال الموظفين الموهوبين. وهو جيد بالنسبة للموظفين. فالموازنة بين العمل والعائلة ما زالت صعبة للغاية في الكثير من أماكن العمل. بمقدورنا تحسين الوضع ويجب علينا فعل ذلك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .