هل تفقد الإحساس بالوقت عندما تؤدي عملك اليومي؟

3 دقائق
العمل العميق
shutterstock.com/KieferPix
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

“عندما أشرع في العمل، أترك جسدي في الخارج، تماماً كما يفعل المسلمون مع أحذيتهم عند دخول المسجد”؛ هكذا وصف الرسام الشهير بابلو بيكاسو، في كتاب “الطقوس اليومية: كيف يعمل الفنانون” (Daily Rituals: How Artists Work)، حالة العمل العميق والتركيز التي ينخرط فيها عندما يعمل على لوحاته الفنية؛ الحالة ذاتها تطرق لها خبير علم النفس الإيجابي “ميهاي تشيكسنتميهاي” (Mihaly Csikszentmihalyi) وأطلق عليها عام 1975 “حالة التدفق” (State of Flow)، مشبّهاً إياها بتيار جارف يجعل الفرد يستغرق في عمل أو نشاط ما للحدّ الذي لا يشغله عما سواه، ويتملكه خلالها إحساس بالمتعة يجعله يُقبل على تكرار هذا العمل مهما كانت الظروف. “كال نيوبورت من جهته، وفي كتابه “العمل العميق: قواعد لتحقيق نجاح مركّز في زمن التشتت“، وصف هذه الحالة بأنها مجموع الأنشطة التي تُؤدَى ضمن حالة عالية من التركيز المتواصل البعيد عن التشتت، والتي تدفع القدرات المعرفية إلى أقصى مدى ممكن؛ وأطلق عليها اسم “العمل العميق”، مؤكداً أنه يؤدي إلى تطوير المهارات الذاتية وخلق قيمة متميزة يصعب تقليدها.

علامات الوصول للعمل العميق

من بين أهم العلامات التي تدل على وصول الفرد للعمل العميق (أو حالة التدفق):

  • التركيز على العمل تركيزاً كلياً يصحبه استرخاء تام.
  • الوعي بالأهداف والاستجابة العفوية للأداء.
  • غياب عامل الوقت، إذ لا يشعر الفرد الذي يختبر حالة التدفق مدى تسارع الزمن أو تباطؤه.
  • توازي المهارات مع صعوبة التحدي، بمعنى أنه كلما تطورت مهارات الفرد، استلزمه درجة صعوبة أعلى ليدرك حالة التدفق.
  • القدرة على التحكم بالعمل.

العمل العميق في زمن المشتتات

يبدو أن الوصول إلى هذه الحالة أصبح ضرورة وأكثر من مجرد خيار، لا سيما في عصر نستهلك فيه البيانات أكثر من أي وقت مضى، فعلى سبيل المثال، أكدت دراسة قادتها “جامعة كاليفورنيا” أن الفرد الأميركي يستهلك في المتوسط أكثر من 100 ألف كلمة يومياً! لذلك يناقش مقال “4 طرق لمساعدة فريقك في تجنب وسائل الإلهاء الرقمية” كيفية مجابهة التشتت الإلكتروني، ويذكر معلومة لافتة مفادها أنّ رسالة نصية واحدة تستغرق قراءتها نحو 2.2 ثانية، يمكن أن تضاعف معدلات الخطأ في القيام بالمهمات الأساسية، وقد تستغرق العودة للانخراط في العمل السابق بعد قراءتها 11 دقيقة في المتوسط” وفقاً لموقع “علم النفس اليوم” (Psychology Today)!، كما ناقشت الحلقة الرابعة من بودكاست “مرصد الأفكار” وسائل وأدوات التغلب على هذه الموجة من المشتتات وكيف لجأ بعض الكتّاب والمفكرين لحلول غير تقليدية مثل حجز تذكرة سفر في الطائرة لرحلة طويلة ضمن مقصورة الدرجة الأولى بهدف ضمان الهدوء وعدم وجود مشتتات!.

الروتين اليومي الصارم أساس العمل العميق

من بين أهم العوامل الأخرى التي تمكّن من الوصول إلى العمل العميق هي الحفاظ على روتين يومي صارم؛ وهو ما يناقشه مقال “تعرّفوا على العادات اليومية للعباقرة” الغني بالأمثلة من حياة بعض أشهر الفنانين والعباقرة في التاريخ الذين التزموا بروتين يومي صارم، فقد كان إرنست همنغواي على سبيل المثال يسجل عدد الكلمات التي يكتبها يومياً على رسم بياني معللاً ذلك بقوله “حتى لا أغش نفسي”، وكان بيتهوفن ملتزماً بتفاصيل يومه لدرجة أنه يعدّ حبات القهوة المستخدمة في مشروبه اليومي (ستين حبة بدقة). مايسون كيري صاحب كتاب “الطقوس اليومية: كيف يعمل الفنانون” (Daily Rituals: How Artists Work) وصف الروتين اليومي بقوله: “الروتين الثابت يحفر أخدوداً مطروقاً لطاقات الفرد العقلية ويساعد في درء طغيان أهواء المزاج”.

تعدد المهام يمنع الوصول للعمل العميق

يوجد سبب آخر شائع يمنع من الوصول إلى “حالة التدفق” وهو تعدد المهام في آن واحد، وهو ما يناقشه مقال “تعدد المهام سبب التشتت في العمل“، إذ يتطرق فيه “غريغ ماكيون”، صاحب كتابين من الأفضل مبيعاً حسب “نيويورك تايمز”، إلى مدى أهمية التركيز حصراً على المهام التي تحقق أكبر فائدة ممكنة، مدعماً ذلك بمجموعة من المبادئ العلمية مثل مبدأ باريتو، ومبدأ تمييز “الكثير عديم الأهمية” من “القليل الأساسي”. على سبيل المثال، اكتشف المخترع “سير إيزاك بيتمان”، أن اللغة الإنجليزية المستخدمة تتألف من 700 كلمة فقط. لقد لخص “وارن بافيت هذه المبادئ بقوله: “لا يجب عليك أن تنجح إلا بالقليل من الأمور في حياتك، طالما أنك لا تفشل بالكثير… ففي بعض الأحيان يكون ما لا تفعله مهماً بقدر ما تفعله”.

العمل العميق في ظل مشاعر الإحباط والحزن

قد يُصاب المرء بالاكتئاب أو يتعرض لمواقف تعكر صفو مزاجه وتثبط عزيمته في العمل، لذلك تناقش “أليس بويز”، الطبيبة النفسانية ومؤلفة كتاب “مجموعة أدوات العقل السليم” (The Healthy Mind Toolkit)، في مقالها “كيف تنجز شيئاً ما عندما تشعر بالإحباط؟” مجموعة من النصائح المستقاة من تدريبات علم النفس، للحفاظ على حدّ معقول من الإنتاجية في ظل مشاعر سلبية من قبيل الحزن والإحباط واللامبالاة، وهي نصائح رائعة أثبتت فعاليتها على الكثير من المرضى الذين عُولجوا على يد الكاتبة. من أهم هذه النصائح اكتساب عادة العمل العميق، والبحث عن مصدر للإنجاز وآخر للمتعة كل يوم صباحاً وعصراً ومساءً، والبحث عن نقطة التوازن بين الامتناع التام عن العمل والمبالغة في توقع الأعمال المطلوب إنجازها. والتبديل بين المهمات السهلة والمتوسطة والصعبة.

نختم بمقولة للكاتبة البريطانية الشهيرة الملقبة بملكة الجرائم “أجاثا كريستي” التي وصفت (ضمنياً) قدرتها على الوصول لـ “حالة التدفق” أو العمل العميق بقولها: “بمجرد أن أغلق باب غرفتي وأضمن عدم مقاطعة الآخرين لي، أستطيع المضي بأقصى سرعة في الاستغراق فيما أفعله”.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .