نقاش: معالجة أوجه القصور المتأصلة في العقود طويلة الأجل بين الشركات

13 دقيقة
shutterstock.com/Antti Metsaranta
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أجرت هارفارد بزنس ريفيو مقابلة صوتية (بودكاست) مع أوليفر هارت، الخبير الاقتصادي بجامعة هارفارد والحائز على جائزة نوبل، وكيت فيتاسك، وهي عضوة في هيئة تدريس جامعة “تينيسي” (University of Tennessee)، واللذان تشاركا مع المحامي السويدي ديفيد فريدلنجر، بكتابة مقالة نشرت في مجلة هارفارد بزنس ريفيو، بعنوان “نهج جديد للعقود“.

يقول كل من أوليفر هارت وكيت فيتاسك بأنّ العديد من عقود الشركات تعد غير سليمة تماماً، بغض النظر عن مدى محاولة تلك الشركات إحاطتها من كافة الجوانب وتجنب وجود الثغرات فيها. وفي العلاقات الأكثر تعقيداً، مثل التعهيد الخارجي، ينتهي الأمر بشعور أحد الأطراف بأنه تورط في صفقة سيئة، ويمكن أن يتصاعد الأمر إلى الدخول في معركة المعاملة بالمثل. ويطرح كل من هارت وفيتاسك فكرة تبني الشركات لما يسمى بالعقود العلائقية، ويظهر بحثهما أنّ إنشاء دليل إرشادي عام مبني على مبادئ مثل العدالة والمبادلة يوفر فوائد أكبر لكلا الطرفين.

وإليكم مقتطفات من هذه المقابلة الصوتية:

النص:

كيرت نيكيش: مرحباً بكم في بودكاست “آيديا كاست” المقدم من هارفارد بزنس ريفيو أنا كيرت نيكيش.

يعد توقيع عقود العمل أشبه بالتنبؤ بالمستقبل، إذ إنها تنطوي على سلسلة من الجمل الشرطية، مثل “إذا حدث هذا، فإنّ الطرف ذاك هو المسؤول عن الأمر”.

والفكرة الكامنة هنا أنه لا يثق أي من الطرفين بالآخر، لذا فإنّ العقد المدعوم من قبل أعلى سلطة قانونية، يمنح الشركة ما يمكنها أن تضع ثقتها فيه، لهذا السبب يدرج محامو الشركات جميع السيناريوهات التي يفكرون فيها.

لكن الأمر الوحيد الذي نحن على يقين منه فيما يخص المستقبل هو عدم اليقين، إذ يمكن أن تُكشف ثغرات في العقود التي صيغت على أفضل وجه، ذلك بمجرد اصطدامها بواقع العوامل التي تحرك الأعمال والشركات الحديثة. وبالتأكيد، عندما يصل أحد الطرفين إلى مرحلة شعوره بالمعاناة من تأثير الوضع السيئ القائم، وبسبب عدم قدرته على تغيير العقد، فإنه يحاول الانتقام، ربما حتى من دون وعي.

يتحدث ضيفانا اليوم عن طريقة أفضل لعقد الصفقات الكبرى بين الشركات، تحت ظل ما يسمى بـ “العقد العلائقي”، فبدلاً من محاولة توضيح كل سيناريو يمكن أن يحدث بين الطرفين، يحدد هذا النمط من العقود المبادئ التوجيهية للشراكة الاستراتيجية.
أوليفر هارت: خبير اقتصادي في جامعة هارفارد، وحائز على جائزة نوبل. وكيت فيتاسك: عضو في هيئة تدريس جامعة “تينيسي”. تشاركا إلى جانب المحامي السويدي ديفيد فريدلنجر على كتابة مقالة “نهج جديد للعقود” التي نشرت في مجلة هارفارد بزنس ريفيو. شكراً لحضوركما معنا اليوم.

أوليفر هارت: شكراً لكم.

كيت فيتاسك: سعيدة بمشاركة عملنا معكم.

كيرت نيكيش: أوليفر، اسمح لي بأن أبدأ الحديث معك. لقد أمضيت وقتاً طويلاً من حياتك المهنية في دراسة العقود، وحصدت جائزة نوبل عن بعض من أعمالك، ذلك في محاولة منك لإيجاد طريقة تفضي إلى صياغة عقود أكثر فاعلية بين الشركات. متى أدركت أنه لا يمكن تحسين أسلوب التعاقد التقليدي المعتاد وأنّ هنالك حاجة إلى تجربة جديدة؟

أوليفر هارت: كانت هذه الرحلة ممتعة بالنسبة إليّ، إذ إنّ معظم أعمالي في الحقيقة لم تنطوي على مفاهيم الإنصاف والنزاهة مثلما تجده في هذا العمل، كنت أرى الأمر من منظار افتراضات الاقتصاد النموذجي بأنّ جميع الأطراف عقلانية وتخدم أغراضها.

هذا ما يحب الاقتصاديون افتراضه، لكن اتضح أنه على الرغم من أنني أحرزت بعض التقدم على ذلك الصعيد مع المشاركين معي، وكان ذلك العمل الذي حظي بإقرار السويديين، إلا أنني وصلت في النهاية إلى عقبة كبيرة، لأنه بطريقة ما كانت تُطرح الأسئلة التالية: ألا يمكن دائماً أن يكون أداؤنا أفضل من خلال إبرام عقد نموذجي؟ لماذا لا يمكننا الوصول بسلام إلى نهاية؟

أدركت في مرحلة معينة أنّ هنالك أمراً ما يفسد العملية، وأدركت أنّ ذلك العامل ما كان إلا بسبب وجود سلوكيات معينة مثل الشعور بالقلق من أمور تتعلق بالإنصاف وأشياء أخرى من هذا القبيل. لم يكن نهجنا تقليدياً، وكان الترويج له شرساً نوعاً ما، لأنه على الرغم من أنّ الاقتصاد السلوكي أصبح واسع النطاق، إلا أنّ الأمر ليس كذلك في مجال العقود.

كان الأمر السار بالنسبة إليّ هو أنه عندما ذهبت إلى السويد لاستلام الجائزة، ومع بدء أسبوع جائزة نوبل، حيث تتلقى الكثير من الدعوات التي لا يمكنك تلبيتها جميعها، تلقيت دعوة هامة من مكتب محاماة سويدي، وكان ديفيد فرايدلينجر هو الذي دعاني للحديث عن عملي.

كان صدى عملي ذاك يتردد مع ما كان يقدمه ديفيد في الواقع العملي، بالشراكة مع كيت في جزء منه، وهكذا تظافرت جهودنا عن طريق الصدفة.

كيرت نيكيش: إذاً، لماذا تعد أفضل العقود ليست جيدة بما فيه الكفاية؟

أوليفر هارت: لقد تبين أنّ صياغة العقود الجيدة هي من الأمور الصعبة للغاية، وعندما نتحدث عن علاقات طويلة الأجل، أو أي أمر آخر غير المعاملات البسيطة التي تنتهي بسرعة معقولة، وبغض النظر عن الوقت الذي تقضيه في محاولة التفكير في جميع الأمور التي يمكن أن تحدث، فلن تتمكن من تغطيتها جميعها.

كيت فيتاسك: إذا فكرت في الأمر من وجهة نظر رجل أعمال، فإنّ الصفقات سوف تعقد. إننا نعيش في عالم ديناميكي الذي سوف يتغير لا محالة، وبغض النظر عن مدى انخراطك في التفكير بشأن ما تريد كتابته في العقد، فإنه سيصبح قديماً بعد يومين أو شهرين أو عامين.

هناك مثال جيد ذكرناه في المقالة التي نشرناها تناول الهيئة الصحية “أيلاند هيلث” (Island Health) التابعة للحكومة الكندية، وأطبائها. إذ أقرت الحكومة قانون الموت الرحيم الذي لم يتوقع أحد إقراره، وقد حمّل ذلك الأطباء عبئاً جديداً.

لم يكن الأمر يتعلق بكيفية دفع رواتب الأطباء على سبيل المثال، فكيف إذاً سيجري التعامل مع هذا الوضع الجديد الذي لم يفكر أحد فيه؟ ويتشكل من خلال ذلك نوعاً من الأخذ والرد والمعاملة بالمثل، إذ إنّ هذا البند غير موجود في العقد، وسوف يحمّل كل طرف المسؤولية للآخر، وسيخوضون في تلك المعارك الصغيرة، وإذا لم تعمل الجهة المعنية على إدارتها بصورة عادلة فإنها تخلق حلقة سلبية من اتباع نهج المعاملة بالمثل، ويصاب الناس بالإحباط جراء ذلك. ولا يعد ذلك خطأ أحد، إنما هو ديناميكية العمل.

كيرت نيكيش: لقد عملتما سوياً على تطوير إطار عمل ومجموعة أدوات للشركات لإنشاء هذا النوع من “العقود العلائقية”، ما هو الأمر المهم الذي يجب إدراكه حول هذا النوع من العقود؟

أوليفر هارت: ما نناقشه في هذه المقالة هو أنّ النهج الأفضل للعمل هو الاعتراف بأنه لا يمكنك تغطية كل ما يمكن أن يحدث في العقد، ومحاولة الخروج بالإجراءات التي يمكنك استخدامها للتعامل مع المواقف التي لا يغطيها العقد.

كيت فيتاسك: وهذه العملية لا تقل أهمية عن الشكل النهائي للعقد، لذلك، فإنّ الخطوة الأولى هي إرساء الأساس وإجراء نقاش صريح حول نوع العلاقة التي تريدها. هل ترغب في الوصول إلى علاقة مبنية على المعاملات، أم الحصول على عقد علائقي؟ وكل منهما يختلف عن الآخر.

بمجرد وصولك إلى اللحظة التي تدرك فيها أنك ستنخرط في علاقة عمل، وأنك بحاجة إلى التعامل مع كيفية توقيع عقد من منظور تلك العلاقة، عندها فقط يُطرح تساؤل حول إمكانية متابعة عملية التشارك في خلق رؤية مشتركة.

أين نريد الوصول بهذه العلاقة؟ ماذا تعني هذه المبادئ التوجيهية؟ المبادئ التوجيهية هي المبادئ الاجتماعية، ولم نعمل نحن على ابتكارها، إذ إنّ الصدق والعلاقة التبادلية هي من المبادئ الاجتماعية المعروفة التي دُرست جيداً وأثبتت أنها تقود المجتمعات إلى العمل بصورة أفضل.

كل ما نفعله هو حث الأطراف على إظهار تلك المبادئ كمجموعة من القواعد التي تشكل العلاقة. لذلك، عندما يجري الاتفاق ينبغي إدراك كيفية تطبيق هذه المبادئ التوجيهية، ثم نوائم التوقعات والمصالح، وعندما تواجهنا مشكلة معينة، فإننا نتعامل معها استناداً إلى آليات الحوكمة لدينا، ولا بد من طرح الأسئلة التالية: كيف يمكننا الحفاظ على التوافق؟ وما هي آليات الحوكمة التي تبقينا في حالة توازن اقتصادي عندما يجري الاتفاق؟

كيرت نيكيش: تدهشني حقيقة أنّ الحصول على وظيفة يمكن أن يُبنى على أساس عقد علائقي، بمعنى أنه ليس هنالك الكثير من التفاصيل المطروحة في العقد أساساً، بينما تجد الكثير من الاختلاف بين ما ينص عليه عقد التوظيف لديك والاتجاهات المختلفة التي يمكن أن يأخذك عملك نحوها. العقد العلائقي ليس محدداً جداً، وقد يكون هذا الأمر من أحد الأسباب الذي تجعله أكثر غموضاً، لكنه أيضاً جزء من قوته.

كيت فيتاسك: صحيح، وعندما تتوافق أهدافك الشخصية مع أهداف الشركة، يمكنك عندها أداء بعض الأمور الرائعة والمبتكرة حقاً، إذ تصبح متحمساً لعملك. وإذا جرى التعامل معك من مبدأ الذراع المساعدة، وكانت العلاقة التي تربطك مع الشركة هي مجرد علاقة لإنجاز التعاملات، ويجري الدفع لك مقابل كل ساعة عمل، فإنك ستميل إلى الانفصال عن ذلك العمل، وسوف تفقد الكثير من الابتكار والشغف والالتزام تجاهه.

كيرت نيكيش: يتشابه الأمر مع المورد الذي استثمرت الشركة في العمل معه لفترة طويلة، ولا ترغب تلك الشركة في استبدال الموردين المتعاملين معها؟

كيت فيتاسك: هنالك نوع من الاعتمادية عندما نتحدث عن الاستبدال، أي في عالم الأعمال المثالي، فإنّ تكاليف الاستبدال لدينا تقارب الصفر، فإذا تعاملت مع شركة أمازون، واستبدلت الموردين لأنك لم تحصل على ما تريد، فهذا شيء رائع.

ولكن مع الأمور الأكثر تعقيداً ذات التوجه الخدماتي على سبيل المثال، حيث لا يوجد لديك مواصفات محددة، أو حين يكون الابتكار ضرورة، فأنت بحاجة إلى ذلك المورد لإنجاز عمليات الاستثمار نيابة عنك، وبالتالي كلما كانت درجة الاعتماد أكبر، والأثر الاستراتيجي أبعد، وكلما كان هنالك المزيد من المخاطرة، يمكننا عندها العمل معاً بطريقة شفافة للغاية لتقليل المخاطر والتخفيف من حدتها والقضاء عليها بدلاً من تحويلها.

أوليفر هارت: مثال التوظيف الذي طرحته هو مثال جيد للغاية، وأعتقد أنّ ما نراه في بعض الحالات إنما يمثل ثقافة الشركات التي تعد مهمة للغاية، حيث تشكل الطرق الراسخة التي تتبعها تلك الشركات نوعاً من الحماية للموظفين من سوء المعاملة، إذ يمكنها التعبير عن رفضها لذلك.

كيرت نيكيش: سمعت قصة عن شركة “دبليو إل غور” (W.L.Gore) ، حيث يطرح المدراء غالباً السؤال التالي: هل هذه صفقة جيدة بالنسبة إلى المورد؟ وكأن قيم الشركة وثقافتها مبنية على كيفية إنجازها للأعمال، ويبدو أيضاً أنّ العقود العلائقية تساعدك على تبني هذا النوع من الثقافة، وعلى بنائها ضمن اتفاق مشترك، أو ضمن ثقافة علاقة استراتيجية طويلة الأجل.

كيت فيتاسك: نحب تشبيه عقد العمل بالدليل الإرشادي، إذ إنها ليست مجرد وثيقة قانونية، وبالمناسبة هنالك الكثير من الناس يخافون من الوثيقة القانونية ويفضلون رميها في مكان لا يرونها فيه، فالعقود المثالية هي تلك التي نضعها في الدرج ونتجاهلها.

أوليفر هارت: يتعلق الأمر أيضاً برؤية هذا التعامل كطريقة لخلق بعض القيمة الإضافية، فعندما يجلس الطرفان معاً ويتحدثان عن رؤيتهما، تجدهما يفكران حقاً في تلك النواحي البناءة، هذا على عكس السعي نحو الحصول على كل شيء، وعدم الاكتراث بالآخر، واتباع نهج خفض ما يحصل عليه الطرف الآخر إلى الحد الأدنى لأتمكن من الحصول على المزيد. في الحالة الأولى، يسعى الطرفان إلى التفكير في تنمية الشركة، ثم التوصل إلى طريقة مناسبة لتشارك الفوائد الناتجة.

كيرت نيكيش: أحب فكرة زعزعة الشركات والطرق الجديدة التي يجري فيها التعامل مع العقود، أريد السؤال حول الفوائد المالية التي نجدها هنا، وهل يمكنكما إعطاء بعض الأمثلة على العقود العلائقية في الواقع العملي، حيث كان هناك عائد مثل هذا؟

كيت فيتاسك: على سبيل المثال، كانت كل من شركة ديل وشركة فيديكس تعملان معاً لمدة ثماني سنوات.

كيرت نيكيش: إذاً، يتناول هذا المثال شركة مصنعة لأجهزة الكمبيوتر وشركة شحن.

كيت فيتاسك: أجل، كانت شركة ديل تصنع أجهزة الكمبيوتر بالتحديد في السنوات المبكرة من عملها، بينما لم تكن شركة فيديكس شركة شحن حرفياً، بل كانت مورداً للخدمات اللوجستية العكسية، أي إنها تنقل أجهزة الكمبيوتر المعطلة، حيث تكون من تصنيع شركة ديل على سبيل المثال، وتوصلها إلى الشركة لصيانتها. كانت تجري تلك العملية بأكملها في ذلك الوقت مع شركة تدعى شركة “جينكو” (GENCO)، والتي أصبحت اليوم جزءاً من عائلة شركة فيديكس.

وإذا نظرت إلى أساس حسابهما للتكلفة، فإنّ ما اتبعته الشركتان هو حساب التكلفة مقابل الصندوق الواحد، هل هذا صحيح؟ وما كان يحدث هو التفاوض ومحاولة تحقيق السعر الأفضل، وكانت شركة فيديكس هي التي تحقق الفوز على الدوام، إذ إنها أفضل مورد لهذه الخدمة. لم يكن ذلك يروق لشركة ديل، لذلك فقد حاولت السيطرة على الوضع القائم.

وبسبب أنّ شركة ديل هي من الشركات الكبرى، فكان بإمكانها وضع تلك الضغوط التنافسية على شركة فيديكس، وقد اتخذت قرار عدم خسارتها للأرباح وعملت على تخفيض السعر قليلاً في كل عام. انخفض السعر تدريجياً كل عام، وكانت الحجة المقنعة هي سوء الاقتصاد وإنها مضطرة إلى فعل ذلك.

كيرت نيكيش: ثم أدركت شركة فيديكس فجأة بأنّ لديها عميل لا يمكن الاستغناء عنه لكنه يكلفها الكثير من المال.

كيت فيتاسك: تماماً، عندما يصبح الوضع سيئاً جداً بين الطرفين، يحدث نوع من تناوب المشاركة والتملص، بحيث لا يتصرفان على نحو عادل، أو يحاولان تعويض تلك الخسارة بشتى الطرق. لقد كانت علاقة العمل بين الشركتين غير صحية على الإطلاق.

كيرت نيكيش: ماذا فعلوا بعد ذلك؟

كيت فيتاسك: لقد تواصلت الشركتان مع بعضهما بهذا الخصوص، وكان أحد المدراء التنفيذيين في مجموعة التوريد، وهو نائب رئيس سلسلة التوريد، على دراية ببحثنا. وقال: لقد جربنا شتى الطرق من غير جدوى، دعونا نختبر هذه المنهجية المتاحة أمامنا، فربما تنجح.

عقدوا اجتماعاً على إثر ذلك خارج موقع الشركتين، وكان ذلك الاجتماع لمدة يومين في مدينة دالاس الأميركية، لقد كانت قصة ممتعة نوعاً ما، إذ لم يُعقد الاجتماع في مدينة أوستن، ولا في مدينة ناشفيل، إنما التقوا في مكان محايد، وناقشوا الأمور المتعلقة بالثقة بين الشركتين، وأسباب فشل العقد المبرم بينهما. والتزمت الشركتان بعد ذلك بتناول العلاقة التي بينهما بصورة مختلفة تماماً، واتبعتا المنهجية المطروحة.

انخفضت التكلفة في غضون تسعة أشهر، ووصل انخفاض التكلفة الإجمالية للحصول على الخدمة إلى 40%، إنه أمر مدهش للغاية، ويُطرح هنا السؤال التالي: كيف تمكنت الشركتان من فعل ذلك؟ السبب الكامن وراء ذلك هو الشفافة.

إذ لا تنظر أي من الشركتين إلى مصلحتها فقط، بل إنهما تبحثان للوصول إلى تكلفة إجمالية مناسبة للخدمة، وتطوران معاً مشاريع للتخلص من الصراعات،

تلك الصراعات التي تنطوي على الرغبة في الحصول على أمور مستحيلة، جميعنا أردنا ذلك عندما كنا أطفالاً، لكن في مجال الأعمال، ينبغي على الأطراف التكاتف من أجل خلق رؤية مشتركة، والتفكير في كيفية تحقيق تلك الأفكار الكبيرة، وكيفية العمل سوياً بغية تحقيق ذلك. ما يجري التعاقد حوله إذاً هو السلوكيات المتبعة لأنها تبني الثقة. وهذا يؤدي إلى الشفافية، لأن الشفافية تبني الثقة. لذلك، فقد جرى تطوير كل المقاييس التي فكروا فيها.

كيرت نيكيش: أوليفر، عندما تسمع كيت تتحدث عن هذه العلاقة بين الشركات، تشعر بالكثير من الأمور الإيجابية، أليس كذلك؟ ما الذي يمنع الشركات إذاً من تطبيق هذه المنهجية؟

أوليفر هارت: إنه سؤال جيد، أعتقد إنّ الناس بحاجة إلى ترغيبهم بهذا، وأحب التفكير من المنطلق الذي يقول إنّ الناس لم يدركوا ذلك فحسب.

كيرت نيكيش: هذا يذكرني كثيراً بالقول السائد بإنه “لا يُطرد أحد لشرائه منتجات شركة آي بي إم”، أو “لا يطرد أحد بسبب أخذه مشورة من المحامي” (بعنى أنّ الجميع سيكون راضياً إذا ما فُعلت الأمور الصحيحة).

أوليفر هارت: نعم هذا صحيح، أوافق على ذلك. وهذا هو النهج الذي اتبعوه. انخرطت في قضايا قانونية بصفتي خبير، حيث قرأت عقوداً تابعة لشركات متطورة جداً تصيغها فيما بينها، لكنني أجدها غير مفهومة، أي ليس من الواضح ما تعنيه تلك العقود على أرض الواقع.

إذاً، لماذا اختيار تلك الطريقة؟ وهل ينبغي فعلها على هذا النحو؟ أعتقد أنّ الإجابة هي لا، وأرى أنّ الشركات لم تفكر في البدائل بصورة منهجية. لذا، أجد أنه ما قد يكون مثيراً للاهتمام حول ما نعمل عليه هو أننا نجمع بين الممارسة العملية والجانب النظري، وأعتقد أنّ هذا المزيج قد يدفع الشركات إلى التعامل مع هذه الأمور بجدية أكبر.

كيت فيتاسك: أعرف مثلاً يقول: الشخص الوحيد الذي يرغب في التغيير عادة هو الطفل المبتل، أقصد لا أحد يريد التغيير عادة. وكلما أصبحنا خبراء في أمر معين، انخفض دافعنا نحو التحول إلى آخر. من الجدير بالذكر إنّ لدى هذه الشركات سياسات معينة، وتتوقع من الأطراف الأخرى اتباع الشروط والأحكام النمطية الخاصة بها، أو إنها ستكون بحاجة إلى الحصول على استثناء خاص. لم تُعدل تلك السياسات والعمليات المتبعة أو تُطور لعقود من الزمن.

وعندما رغبت بعض الشركات في اتباع نهج العقد العلائقي، كان ذلك بسبب انهيار العلاقة بالكامل وبروز حتمية التغيير. قال أحد المدراء التنفيذيين في شركة ديل إنّ هذا المنطق سليم للغاية، لماذا لم نتبعه من قبل؟ وكان الجواب ما هو إلا بسبب السياسات المتبعة، لقد أعجبوا بهذا النهج كثيراً وأجروا التعديلات اللازمة. أين هو بيان العمل الخاص بي؟

كيرت نيكيش: اسمحوا لي أن أطرح السؤال القانوني التالي: ماذا يحدث في حال أحيلت أي قضية إلى المحكمة؟ أي كيف تُطرح قضية عدم اتباع جهة ما لتلك المبادئ التوجيهية؟

كيت فيتاسك: سؤال رائع، بسبب أنّ الدليل الإرشادي هو دليل خاص بالشركة نفسها، فقد وجدنا أنّ آليات العلاقة هي ما تُبقي الناس خارج المحاكم، لأنّ لديها طريقتها في إيجاد حلول للمشكلات، وتتوقع أيضاً أن لا يجري تجاهل تلك المشكلات، وأن يتحلى كل من الطرفين بالشفافية والصدق وأن يتصرفا بصورة متسقة، ويقبلان حقيقة أنّ العمل ينبغي أن يُنجز وأنه سيكون هنالك خلافات.

لكن بدلاً من الدخول في صراعات، ينبغي تبني حقيقة أنّ لدينا آليات للتغلب على هذا، والبقاء في حالة توازن اقتصادي. هذا النوع من التعامل الجديد لا يتعلق بالأسعار المتفق عليها في وقت معين، بل إنه يتعلق بالعلاقة بين الشركتين، وكيفية إطلاق العنان لإمكانات تلك العلاقة، وإيجاد حلول للمشكلات التي سوف تحدث من دون شك.

أوليفر هارت: وأحد الأمور التي لاحظتها كيت وديفيد والآخرون، وقد ذكرناها في بعض الحالات، هي أنّ الأطراف المعنية سوف تشير فعلياً إلى المبادئ التوجيهية المتفق عليها. لذلك سيذكر أحد الطرفين إنّ هذه الحالة مثلاً قد أدرجت في العقد ووافقنا على أن نكون منصفين وأوفياء، وأن نظهر ذلك لبعضنا الآخر.

ربما ينسى أحد الطرفين أنه وافق على ذلك، لكن عندما يذكره الآخر به، فإنه سوف ينصت ويقول: هذا صحيح، لقد وافقت على ذلك وسوف أسوي الأمر بناء عليه. هذا من الأسباب التي تجعل من الجيد تدوين هذا البند كجزء من العقد، وبالتالي يمكن الإشارة إليه لاحقاً، وهذا ما يُبقي الطرفين أيضاً بعيدين عن الدخول في منازعات قضائية.

لكن من ناحية ثانية، إذا حدث ومثل الطرفان أمام القضاة أو هيئة محلفين، فإنه بالإمكان استخدام ذلك البند وأخذه في الاعتبار عند اتخاذ القرار بالحكم الملائم، أي أنّ هذه الأمور قابلة للإنفاذ. لكن ما أراه شخصياً هو أنّ هذا النهج ينطوي بصورة أساسية على إيجاد الحلول للمشكلات من قبل الشركات نفسها.

كيرت نيكيش: أي يمكن للطرف المتضرر القول بأنك مضطر إلى الإقرار بأنّ هذا الأمر غير منصف بالنسبة إليّ للأسباب التالية، وعلينا التحدث حول هذه المشكلة.

كيت فيتاسك: صحيح، وأنت ملتزم بالشفافية، ويمكننا التحقق من الأرقام الخاصة بكلينا. يخلق هذا بيئة مواتية للغاية للعمل على الوضع الأمثل الممكن.

لذلك ندعو هذه العقود بالعقود الراسخة، لأنك ترسخها من خلال نجاح بعضكما البعض. وتعد النتيجة الأفضل هي عندما نخرج بالحل الأمثل الذي يؤدي إلى مضاعفة الفوائد ومشاركتها، أو في حال كان هنالك خسارة، فإننا نخسر سوياً أو نفوز سوياً. يكون الموقف أفضل بكثير عندما يتواجد الطرفان في القارب نفسه محاولان إنقاذه، بدلاً من فوز أحد الطرفين على حساب الآخر والتصرف على نحو جنوني، الأمر الذي يؤدي إلى دفع تكاليف باهظة الثمن وحدوث أضرار نفسية.

كيرت نيكيش: هل هذا يعمل على نطاق الدول، حيث تكون العلاقات القانونية والقوانين أكثر تعقيداً؟

كيت فيتاسك: نعم، معظم التعاملات التي نشهدها في الواقع هي تعاملات كبيرة ومعقدة للغاية، وقد تكون ذات طابع عالمي، أي أنها على نطاق الدول بلا شك. أحد تلك التعاملات هي التي أبرمتها شركة “تيليا” (Telia)، وهي شركة سويدية تعمل في شمال أوروبا ومختصة بتقديم خدمات الاتصالات، صحيح أننا لم نطلع على تفاصيل القوانين، لكنها مختلفة جداً هناك، ويجدر الذكر أنه كلما زاد التعقيد، أصبح لهذا النهج معنى أكبر.

أوليفر هارت: يمكن أن تتفوق ثقافة الشركات الكبرى على ثقافة الشركات الوطنية، ويسألني الناس أحياناً، هل يمكن لهذا النهج أن ينجح بين شركة أميركية وأخرى صينية على سبيل المثال، أو بين شركة أميركية وشركة هندية؟ ونرى جميعاً أن هذا ينجح بالفعل، لأنه يمكنك تفعيل هذه المعايير حتى لو كانت الشركات من خلفيات مختلفة.

كيت فيتاسك: بكل تأكيد، تلعب ثقافة البلد دوراً في هذا السياق، فنجد أنّ دول شمال أوروبا على سبيل المثال أكثر ميلاً لاتباع هذا النهج، وعندما نعطي محاضرة هناك، يكون رد فعل الناس بأنه ينبغي صياغة العقود على هذا النحو بكل تأكيد، أما في الولايات المتحدة، فتسمعهم يقولون بإنّ هذه الطريقة ليست هي السائدة هنا. لكن هنالك روح الجماعة لدى الشركات، التي تشير إلى أنّ الابتكار مهم بالنسبة إليها، وهي مع ذلك النوع من العلاقات.

كيرت نيكيش: نحن بحاجة إلى التحرك بسرعة.

كيت فيتاسك: أجل نحن بحاجة إلى ذلك، إذ تنطوي ثقافتنا على احتضان المرونة، لكن الشركات لم يكن لديها سوى الطريقة التقليدية، لذلك لم يكن بإمكانها التصدي لها. تعد سياسات الشركات بالية وقد عفى عليها الزمن، بينما السياسات الحديثة قادمة لا محالة، نحن في القرن الحادي والعشرين، وينبغي علينا تبني طريقة أكثر ديناميكية لمعالجة هذه العقود الشائكة.

كيرت نيكيش: شكراً جزيلاً أوليفر وكيت لانضمامكما إلينا في هذا البرنامج ولمشاركتنا أفكاركما حول هذا الموضوع.

أوليفر هارت: على الرحب والسعة.

كيت فيتاسك: ونود اختتام هذا بالقول: “غيّر العالم من خلال اتفاق واحد وفي وقت واحد”.

كيرت نيكيش: تحدثنا إلى أوليفر هارت، وهو خبير اقتصادي بجامعة هارفارد، وكيت فيتاسك، وهي عضو في هيئة تدريس جامعة “تينيسي”، تشاركا إلى جانب المحامي السويدي ديفيد فريدلنجر على كتابة مقالة نشرت في مجلة هارفارد بزنس ريفيو، وتحمل عنوان “نهج جديد للعقود: كيف نبني شراكات استراتيجية أفضل وطويلة الأجل”. تجدونها في عدد سبتمبر/أيلول – أكتوبر/تشرين الأول 2019 من مجلة هارفارد بزنس ريفيو، وعلى الموقع الإلكتروني للمجلة.

منتجة هذه الحلقة هي ماري دوي، الدعم التقني يقدمه لنا روب إيكارت، ومدير الإنتاج السمعي هو آدم باكولتز. شكراً لاستماعكم إلى بودكاست “آيديا كاست” من هارفارد يزنس ريفيو. أنا كيرت نيكيش.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .